فصل: إبدال المنذور والموقوف بخير منه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.إبدال المنذور والموقوف بخير منه:

وقال ابن تيمية أيضا: وأما إبدال المنذور والموقوف بخير منه. كما في إبدال الهدي.
فهذا نوعان:
أحدهما: أن يكون الابدال للحاجة، مثل أن يتعطل فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، كالفرس الحبيس للغزو، إذا لم يمكن الانتفاع به في الغزو فإنه يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، والمسجد إذا تخرب ما حوله، فينقل إلى مكان آخر، أو يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، وإذا لم يمكن الانتفاع بالموقوف عليه من مقصود الواقف، فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، وإذا خرب ولم يمكن عمارته فتباع العرصة، ويشترى بثمنها ما يقوم مقامها، فهذا كله جائز، فإن الاصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه.
والثاني: الابدال لمصلحة راجحة، مثل أن يبدل الهدي بخير منه، ومثل المسجد إذا بني بدله مسجد آخر أصلح لاهل البلد منه، وبيع الأول، فهذا ونحوه جائز عند أحمد وغيره من العلماء.
واحتج أحمد بأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، نقل مسجد الكوفة القديم إلى مكان آخر، وصار الأول سوقا للتمارين، فهذا إبدال لعرصة المسجد وأما إبدال بنائه ببناء آخر، فإن عمر وعثمان رضي الله عنهما.
بنيا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على غير بنائه الأول وزادا فيه، وكذلك المسجد الحرام وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة، ولالصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين، بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرج منه الناس» فلو لا المعارض الراجح، لكان النبي صلى الله عليه وسلم غير بناء الكعبة، فيجوز تغيير بناء الوقف من صورة إلى صورة، لاجل المصلحة الراجحة، أما إبدال العرصة بعرصة أخرى، فهذا قد نص أحمد وغيره على جوازه، اتباعا لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث فعل ذلك عمر رضي الله تعالى عنه، واشتهرت القضية ولم تنكر.
وأما ما وقف للغلة، إذا أبدل بخير منه، مثل أن يقف دارا أو حانوتا أو بستانا أو قرية مغلها قليل، فيبدل بها ما هو أنفع للوقف.
فقد أجاز ذلك أبو ثور وغيره من العلماء، مثل أبي عبيد بن حربويه قاضي مصرو حكم بذلك، وهو قياس قول أحمد في تبديل المسجد من عرصة إلى عرصة للمصلحة، بل إذا جاز أن يبدل المسجد بما ليس بمسجد للمصلحة، بحيث يصير المسجد سوقا، فلان يجوز إبدال المستغل بمستغل آخر، أولى وأحرى، وهو قياس قوله في إبدال الهدي بخير منه، وقد نص على أن المسجد اللاصق بالأرض إذا رفعوه وبنوا تحته سقاية، واختار ذلك الجيران فعل ذلك.
لكن من أصحابه من منع إبدال المسجد، والهدي، والأرض الموقوفة، وهو قول الشافعي وغيره، لكن النصوص والآثار، والقياس تقتضي جواز الابدال للمصلحة، والله أعلم.

.حرمة الإضرار بالورثة:

يحرم أن يقف الشخص وقفا يضار به الورثة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لاضرر ولاضرار في الإسلام» فإن وقف بطل وقفه.
قال في الروضة الندية: والحاصل أن الاوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ومخالفة فرائض الله عز وجل فهي باطلة من أصلها لا تنعقد بحال، وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم وما أشبه ذلك، فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله تعالى بل أراد المخالفة لاحكام الله عز وجل والمعاندة لما شرعه لعباده وجعل هذا الوقف الطاغوتي ذريعة إلى ذلك المقصد الشيطاني، فليكن هذا منك على ذكر، فما أكثر وقوعه في هذه الازمنة.
وهكذا وقف من لا يحمله على الوقوف إلا محبة بقاء المال في ذريته وعدم خروجه عن أملاكهم فيقفه على ذريته، فإن هذا إنما أراد المخالفة لحكم الله عزوجل، وهو انتقال الملك بالميراث وتفويض الوارث في ميراثه يتصرف فيه كيف يشاء، وليس أمر غنى الورثة أو فقرهم إلى هذا الواقف بل هو إلى الله عزوجل.
وقد توجد القربة في مثل هذا الوقف على الذرية نادرا بحسب اختلاف الاشخاص فعلى الناظر أن يمعن النظر في الاسباب المقتضية لذلك.
ومن هذا النادر أن يقف على من تمسك بالصلاح من ذريته أو اشتغل بطلب العلم، فإن هذا الوقف ربما يكون المقصد فيه خالصا والقربة متحققة والاعمال بالنيات، ولكن تفويض الأمر إلى ما حكم الله به بين عباده وارتضاه لهم أولى وأحق ا.هـ.

.الهبة:

.تعريفها:

جاء في القرآن الكريم قول الله عزوجل: {قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} وهي مأخوذة من هبوب الريح أي مرورها.
وتطلق الهبة ويراد بها التبرع والتفضل على الغير سواء أكان بمال أم بغيره.
والهبة في الشرع: عقد موضوعه تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض، فإذا أباح الإنسان ماله لغيره لينتفع به ولم يملكه إياه كان إعارة.
وكذلك إذا أهدى ما ليس بمال كخمرأ وميتة فإنه لا يكون مهديا ولايكون هذا العطاء هدية، وإذا لم يكن التمليك في الحياة بل كان مضافا إلى ما بعد الوفاة كان ذلك وصية.
وإذا كانت بعوض كانت بيعا ويجري فيها حكم البيع، أي أنها تملك بمجرد تمام العقد ولا تنفذ فيها تصرفات الواهب إلا بإجازة الموهوب له.
ويثبت فيها الخيار والشفعة.ويشترط أن يكون العوض معلوما فإذا لم يكن العوض معلوما بطلت الهبة. والهبة المطلقة لا تقتضي عوضا سواء أكانت لمثله أو دونه أو أعلى منه. هذا هو معنى الهبة بالمعنى الاخص.
أما معناها بالمعنى الأعم فيشمل ما يأتي:
1- الابراء: وهو هبة الدين ممن هو عليه.
2- الصدقة: وهي هبة ما يراد به ثواب الآخرة.
3- الهدية: وهي ما يلزم الموهوب له أن يعوضه.

.مشروعيتها: وقد شرع الله الهبة لما فيها من تأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس.

وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا».
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها.
وكان يدعو إلى قبولها ويرغب فيها، فعند أحمد من حديث خالد بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه».
وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول الهدية ولو كانت شيئا حقيرا، ومن ثم رأى العلماء كراهية ردها حيث لا يوجد مانع شرعي.
فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أهدي إلى كراع لقبلت. ولو دعيت عليه لاجبت».
وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا».
وعن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاه».
وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية الكفار. فقبل هدية كسري. وهدية قيصر. وهدية المقوقس. كما أهدى هو الكفار الهدايا والهبات.
أما ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي أن عياضا أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت؟ قال: لا. قال: «اني نهيت عن زبد المشركين».
فقد قال فيه الخطابي: يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخا لأنه صلى الله عليه وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين.
قال الشوكاني: وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا استنبط منه جواز قبول هدية الوثني، ذكره في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة والهدية.
قال الحافظ في الفتح: وفيه فساد من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي وذلك لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني ا.هـ.

.أركانها:

وتصح الهبة بالايجاب والقبول بأي صيغة تفيد تمليك المال بلا عوض بأن يقول الواهب: وهبتك أو أهديتك أو أعطيتك ونحو ذلك ويقول الآخر: قبلت.
ويرى مالك والشافعي اعتبار القبول في الهبة.
وذهب بعض الأحناف إلى أن الايجاب كاف وهو أصح.
وقالت الحنابلة: تصح بالمعاطاة التي تدل عليها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي ويهدى إليه، وكذلك كان أصحابه يفعلون.
ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يشترطون إيجابا وقبولا ونحو ذلك.

.شروطها:

الهبة تقتضي واهبا وموهوبا له وموهوبا.
ولكل شروط نذكرها فيما يلي:

.شروط الواهب:

يشترط في الواهب الشروط الآتية:
1- أن يكون مالكا للموهوب.
2- أن لا يكون محجورا عليه لسبب من أسباب الحجر.
3- أن يكون بالغا لأن الصغير ناقص الأهلية.
4- أن يكون مختارا لأن الهبة عقد يشترط في صحته الرضا.

.شروط الموهوب له:

ويشترط في الموهوب له:
1- وأن يكون موجودا حقيقة وقت الهبة فإن لم يكن موجودا أصلا أو كان موجودا تقديرا بأن كان جنينا فإن الهبة لا تصح.
ومتى كان الموهوب له موجودا أثناء الهبة وكان صغيرا أو مجنونا فإن وليه أو وصيه أو من يقوم بتربيته ولو كان أجنبيا يقبضها له.

.شروط الموهوب:

ويشترط في الموهوب:
1- أن يكون موجودا حقيقة.
2- أن يكون مالا متقوما.
3- أن يكون مملوكا في نفسه أي يكون المرهوب مما ترد عليه الملكية ويقبل التداول وانتقال ملكيته من يد إلى يد فلا تصح هبة الماء في النهر ولا السمك في البحر ولا الطير في الهواء ولا المساجد والزوايا.
4- أن لا يكون متصلا بملك الواهب اتصال قرار كالزرع والشجر والبناء دون الأرض بل يجب فصله وتسليمه حتى يملك للموهوب له.
5- أن يكون مفرزا أي غير مشاع لأن القبض فيه لا يصح إلامفرزا كالرهن، ويرى مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور عدم اشتراط هذا الشرط وقالوا: أن هبة المشاع غير المقسوم تصح.
وعند المالكية يجوز هبة ما لا يصح بيعه مثل البعير الشارد والثمرة قبل بدو صلاحها والمغصوب.
هبة المريض مرض الموت: إذا كان شخص مريض مرض الموت ووهب غيره هبة فحكم هبته كحكم الوصية، فإذا وهب هبة لأحد ورثته ثم مات، وادعى باقي الورثة أنه وهبه في مرض موته وادعى الموهوب له أنه وهبه في حال صحته، فإن على الموهوب له أن يثبت قوله، وإن لم يفعل اعتبرت الهبة أنها حصلت في مرض الموت وجرى حكمها على مقتضى ذلك أي أنها لا تصح إلا إذا أجازها الورثة.
وإذا وهب وهو مريض مرض الموت ثم صح من مرضه فالهبة صحيحة.

.قبض الهبة:

من العلماء من يرى أن الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد ولا يشترط قبضها أصلا لأن الاصل في العقود أنها تصح بدون اشتراط القبض مثل البيع كما سبقت الاشارة إليه، وإلى هذا ذهب أحمد ومالك وأبو ثور وأهل الظاهر.
وبناء على هذا إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل التسليم فإن الهبة لا تبطل لأنها بمجرد العقد أصبحت ملكا للموهوب له.
وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري إن القبض شرط من شروط صحتها، وما لم يتم القبض لم يلزم الواهب.
فإذا مات الموهوب له أو الواهب قبل التسليم بطلت الهبة.

.التبرع بكل المال:

مذهب الجمهور من العلماء أن للانسان أن يهب جميع ما يملكه لغيره.
وقال محمد بن الحسن وبعض محققي المذهب الحنفي: لا يصح التبرع بكل المال ولو في وجوه الخير، وعدوا من يفعل ذلك سفيها يجب الحجر عليه.
وحقق هذه القضية صاحب الروضة الندية فقال: من كان له صبر على الفاقة وقلة ذات اليد فلا بأس بالتصدق بأكثر ماله أو بكله، ومن كان يتكفف الناس إذا احتاج لم يحل له أن يتصدق بجميع ماله ولا بأكثره.
وهذا هو وجه الجمع بين الأحاديث الدالة على أن مجاوزة الثلث غير مشروعة وبين الادلة التي دلت على مشروعية التصدق بزيادة على الثلث ا.هـ.