فصل: ما يصح وقفه وما لا يصح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.الوقف:

.تعريفه:

الوقف في اللغة: الحبس.
يقال: وقف يقف وقفا أي حبس يحبس حبسا.
وفي الشرع: حبس الاصل وتسبيل الثمرة.
أي حبس المال وصرف منافعه في سبيل الله.

.أنواعه:

والوقف أحيانا يكون الوقف على الاحفاد أو الاقارب ومن بعدهم إلى الفقراء، ويسمى هذا بالوقف الاهلي أو الذري.
وأحيانا يكون الوقف على أبواب الخير ابتداء ويسمى بالوقف الخيري.

.مشروعيته:

وقد شرع الله الوقف وندب إليه وجعله قربة من القرب التي يتقرب بها إليه، ولم يكن أهل الجاهلية يعرفون الوقف وانما استنبطه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا إليه وحبب فيه برا بالفقراء وعطفا على المحتاجين.
فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
والمقصود بالصدقة الجارية الوقف.
ومعنى الحديث: أن عمل الميت ينقطع تجدد الثواب له إلا في هذا الاشياء الثلاثة لأنها من كسبه: فولده، وما يتركه من علم، وكذا الصدقة الجارية، كلها من سعيه.
وأخرج ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما نشره أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته».
ووردت خصال أخرى بالاضافة إلى هذا فيكون مجموعها عشرا.
نظمها السيوطي فقال:
إذا مات ابن آدم ليس يجري ** عليه من فعال غير عشر

علوم بثها ودعاء نجل ** وغرس النخل والصدقات تجري

وراثة مصحف ورباط ثغر ** وحفر البئر أو إجراء نهر

وبيت للغريب بناه يأوي ** إليه أو بناء محل ذكر وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف أصحابه المساجد والأرض والابار والحدائق والخيل. ولا يزال الناس يقفون من أموالهم إلى يومنا هذا.

وهذا بعض أمثلة للاوقاف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
1- عن أنس رضي الله عنه قال: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المدينة وأمر ببناء المسجد قال: يا بني النجار: تأمنوني بحائطكم هذا؟ فقالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى. أي فأخذه فبناه مسجدا».
2- وعن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حفر بئر رومة فله الجنة. قال: فحفرتها».
وفي رواية للبغوي: أنها كانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان. فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي ما جعلت له؟ قال: نعم.
قال: قد جعلتها للمسلمين.
3- وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدفة أفضل؟ قال: الماء. فحفر بئرا وقال: هذه لام سعد
4- وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت هذه الآية الكريمة {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الاقربين، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه».
5- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها». فتصدق بها عمر: أنها لا تباع ولا توهب ولا تورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول.
قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافا. وكان هذا أول وقف في الإسلام.
6- وروى أحمد والبخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة حسنات».
7- وفي حديث خالد بن الوليد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله».

.إنعقاد الوقف:

ويصح الوقف وينعقد بأحد أمرين:

.1- الفعل الدال عليه:

كأن يبني مسجدا ويؤذن للصلاة فيه ولا يحتاج إلى حكم حاكم.

.2- القول:

وهو ينقسم إلى صريح وكناية.
فالصريح: مثل قول الواقف: وقفت وحبست وسبلت وأبدت.
والكناية: كأن يقول: تصدقت ناويا به الوقف.
أما الوقف المعلق بالموت مثل أن يقول: داري أو فرسي وقف بعد موتي، فإنه جائز ذلك في ظاهر مذهب أحمد، كما ذكره الخرقي وغيره، لأن هذا كله من الوصايا، فحينئذ يكون التعليق بعد الموت جائزا لأنه وصية.

.لزومه:

ومتى فعل الواقف ما يدل على الوقف أو نطق بالصيغة لزم الوقف بشرط أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه، بأن يكون كامل الأهلية من العقل والبلوغ والحرية والاختيار، ولا يحتاج في انعقاده إلى قبول الموقوف عليه.
وإذا لزم الوقف فإنه لا يجوز بيعه ولا هبته ولا التصرف فيه بأي شيء يزيل وقفيته.
وإذا مات الواقف لا يورث عنه لأن هذا هو مقتضى الوقف.
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم في حديث ابن عمر: «لا يباع ولا يوهب ولا يورث».
ويرى أبو حنيفة أنه يجوز بيع الوقف.
قال أبو يوسف: لو بلغ أبا حنيفة هذا الحديث لقال به.
والراجح من مذهب الشافعية أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله عز وجل فلا يكون ملكا للواقف ولا ملكا للموقوف عليه.
وقال مالك وأحمد: ينتقل الملك إلى الموقوف عليه.

.ما يصح وقفه وما لا يصح:

يصح وقف العقار والمنقول من الاثاث والمصاحف والكتب والسلاح والحيوان، وكذلك يصح وقف كل ما يجوز بيعه ويجوز الانتفاع به مع بقاء عينه.
وقد تقدم ما يفيد ذلك ولا يصح وقف ما يتلف بالانتفاع به مثل النقود والشمع والمأكول والمشروب، ولا ما يسرع إليه الفساد من المشمومات والرياحين لأنها تتلف سريعا، ولا ما لا يجوز بيعه كالمرهون.
والكلب والخنزير وسائر سباع البهائم التي لا تصلح للصيد وجوارح الطير التي لا يصاد بها.

.لا يصح الوقف إلا على معين أو جهة بر:

ولا يصح الوقف إلا على من يعرف كولده وأقاربه ورجل معين، أو على بر كبناء المساجد والقناطر وكتب الفقه والعلم والقرآن. فإذا وقف على غير معين كرجل وامرأة. أو على معصية مثل الوقف على الكنائس والبيع فإنه لا يصح.
الوقف على الولد يدخل فيه أولاد الولد:
من وقف على أولاده دخل في ذلك أولاد الأولاد ما تناسلوا. وكذلك أولاد البنات.
فعن أبي موسى الاشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابن أخت القوم منهم».

.الوقف على أهل الذمة:

ويصح الوقف على أهل الذمة مثل المسيحيين كما يجوز التصدق عليهم.
ووقفت صفية بنت حيي النبي صلى الله عليه وسلم على أخ لها يهودي.

.الوقف المشاع:

يجوز وقف المشاع لأن عمر رضي الله عنه وقف مائة سهم بخيبر ولم تكن مقسومة وحكاه في البحر عن الهادي والقاسم والناصر والشافعي وأبي يوسف ومالك.
وبعض العلماء يري عدم صحة وقف المشاع لأن من شرطه التعيين. وبهذا قال محمد بن الحسن.

.الوقف على النفس:

من العلماء من رأى صحة الوقف على النفس استدلالا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال: عندي دينار. فقال له: «تصدق به على نفسك».
ولان المقصود من الوقف التقرب إلى الله، والصرف على النفس فيه قربة إليه سبحانه، وهذا قول أبي حنيفة وابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد، في الارجح عنه، وابن شعبان من المالكية وابن سريج من الشافعية وابن شبرمة وابن الصباع والعترة بل إن بعضهم جوز وقف المحجور عليه للسفه إذا وقف على نفسه تم على أولاده، لأن الحجر إنما هو للمحافظة على أمواله ووقفه بهذه الطريقة يحقق هذه المحافظة.
ومنهم من منع ذلك لأن الوقف على النفس تمليك ولا يصح أن يتملكه من نفسه لنفسه كالبيع والهبة.
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «سبل الثمرة وتسبيلها تمليكها للغير».
وإلى هذا ذهب الشافعي وجمهور المالكية والحنابلة ومحمد والناصر.

.الوقف المطلق:

إذا وقف الواقف وقفا مطلقا فلم يعين مصرفا للوقف بأن قال: هذه الدار وقف.
فإن ذلك يصح عند مالك.
والراجح عند الشافعية أنه لا يصح مع عدم بيان المصرف.

.الوقف في مرض الموت:

إذا وقف المريض مرض الموت لاجنبي فإنه يعتبر من الثلث مثل الوصية ولا يتوقف على رضا الورثة إلا إذا زاد على الثلث فإنه لا يصح وقف هذا الزائد إلا بإجازتهم.

.الوقف في المرض على بعض الورثة:

أما الوقف لبعض الورثة في مرض الموت: فقد ذهب الشافعي وأحمد في احدى الروايتين عنه إلى أنه لا يجوز الوقف على بعض الورثة أثناء المرض.
وذهب غير الشافعي وأحمد في الرواية الاخرى إلى جواز وقف الثلث على الورثة في المرض مثل الاجانب.
ولما قيل للامام أحمد: أليس تذهب إلى أنه لا وصية لوارث؟ فقال: نعم.
والوقف غير الوصية لأنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة ينتفعون بغلته.

.الوقف على الأغنياء:

الوقف قربة يتقرب به إلى الله عز وجل.
فإذا شرط الواقف ما ليس بقربة. كما لو شرط أن لا يعطى إلا الاغنياء. فقد اختلف العلماء في هذه الصورة. فمنهم من أجازها لأنها ليست بمعصية.
ومنهم من منعها لأن هذا شرط باطل ولأنه صرف له فيما لا ينفع الواقف لا في دينه ولا في دنياه.
ورجح ابن تيمية هذا فقال: وهذا من السرف والتبذير الذي يمنع منه، ولان الله سبحانه وتعالى كره أن يكون المال دولة بين الاغنياء لقوله: {كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم} فمن شرط في وقفه أو وصيته أن يكون دولة بين الاغنياء فقد شرط شرطا يخالف كتاب الله. ومن شرط شرطا يخالف كتاب الله فهو باطل. وان شرط مائة شرط: «كتاب الله أحق وشرط الله أوثق».
ومن هذا الباب: إذا اشترط الواقف أو الموصي أعمالا ليست في الشريعة لا واجبة ولا مستحبة فهذه شروط باطلة مخالفة لكتاب الله لأن إلزام الإنسان للناس ما ليس بواجب ولا مستحب من غير منفعة له بذلك سفه وتبذير يمنع منه ا.هـ.

.جواز أكل العامل من مال الوقف:

يجوز للمتولي أمر الوقف أن يأكل منه لحديث ابن عمر السابق وفيه: لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف.
والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة.
قال القرطبي: جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل لاستقبح ذلك منه.

.فاضل ريع الوقف يصرف في مثله:

قال ابن تيمية: وما فضل من ريع الوقف واستغني عنه فإنه يصرف في نظير تلك الجهة، كالمسجد إذا فضلت غلة وقفه عن مصالحه صرف في مسجد آخر، لأن الواقف غرضه في الجنس. والجنس واحد.
فلو قدر أن المسجد الأول خرب، ولم ينتفع به أحد.

.صرف ريعه في مسجد آخر.

وكذلك إذا فضل عن مصلحته شئ، فإن هذا الفاضل لا سبيل إلى صرفه إليه.
ولا إلى تعطيله، فصرفه في جنس المقصود أولى.
وهو أقرب الطرق إلى مقصود الواقف.