فصل: هل الأمر للوجوب أو الندب؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.هل الأمر للوجوب أو الندب؟

ذهب الكثير من الحنابلة وابن جرير وأبو ثور والظاهرية: إلى أنه يجب على الدائن قبول الاحالة على الملئ عملا بهذا الأمر.
وقال الجمهور: إن الأمر للاستحباب.

.شروط صحتها:

ويشترط لصحة الحوالة الشروط الآتية:
1- رضا المحيل والمحال دون المحال عليه استدلالا بالحديث المتقدم، فقد ذكرهما الرسول، صلى الله عليه وسلم. ولان المحيل له أن يقضي الدين الذي عليه من أي جهة أراد.
ولان المحال حقه في ذمة المحيل فلا ينتقل إلا برضاه.
وقيل: لا يشترط رضاه لأن المحال يجب عليه قبولها لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحيل أحدكم على ملئ فليتبع» ولأن له أن يستوفي حقه سواء أكان من المحيل نفسه أو ممن قام مقامه.
وأما عدم اشتراط رضا المحال عليه فلان الرسول لم يذكره في الحديث، ولان الدائن أقام المحال مقام نفسه في استيفاء حقه فلا يحتاج إلى رضا من عليه الحق. وعند الحنفية والاصطخري من الشافعية اشتراط رضاه أيضا.
2- تماثل الحقين في الجنس والقدر والحلول والتأجيل والجودة والرداءة، فلا تصح الحوالة إذا كان الدين ذهبا وأحاله ليأخذ بدله فضة. وكذلك إذا كان الدين حالا وأحاله ليقبضه مؤجلا أو العكس. وكذلك لا تصح الحوالة إذا اختلف الحقان من حيث الجودة والرداءة أو كان أحدهما أكثر من الآخر.
3- استقرار الدين، فلو أحاله على موظف لم يستوف أجره بعد فإن الحوالة لا تصح.
4- أن يكون كل من الحقين معلوما.

.هل تبرأ ذمة المحيل بالحوالة؟

إذا صحت الحوالة برئت ذمة المحيل، فإذا أفلس الحال عليه أو جحد الحوالة أو مات لم يرجع المحال على المحيل بشئ.
وهذا هو ما ذهب إليه جماهير العلماء.
إلا أن المالكية قالوا: إلا أن يكون المحيل غر المحال فأحاله على عديم، قال مالك في الموطأ: الأمر عندنا في الرجل يحيل الرجل على الرجل بدين له عليه، إن أفلس الذي أحيل عليه أو مات ولم يدع وفاء فليس للمحال على الذي أحاله شئ، وأنه لا يرجع على صاحبه الأول.
قال: وهذا الأمر الذي لااختلاف فيه عندنا.
وقال أبو حنيفة وشريح وعثمان البتي وغيرهم: يرجع صاحب الدين إذا مات المحال عليه مفلسا أو جحد الحوالة.

.الشفعة:

.تعريفها:

الشفعة مأخوذة من الشفع وهو الضم، وقد كانت معروفة عند العرب فإن الرجل في الجاهلية إذا أراد بيع منزل أو حائط أتاه الجار والشريك والصاحب يشفع إليه فيما باع فيشفعه ويجعله أولى به ممن بعد منه، فسميت شفعة، وسمي طالبها شفيعا.
والمقصود بها في الشرع: تملك المشفوع فيه جبرا عن المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات.

.مشروعيتها:

والشفعة ثابتة بالسنة، واتفق المسلمون على أنها مشروعة.
روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم، «قضى في الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطريق فلا شفعة».

.حكمتها:

وقد شرع الإسلام الشفعة ليمنع الضرر ويدفع الخصومة، لأن حق تملك الشفيع للمبيع الذي اشتراه أجنبي يدفع عنه ما قد يحدث له من ضرر ينزل به من هذا الاجنبي الطارئ.
واختار الشافعي أن الضرر هو ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق وغيرها.
وقيل: ضرر سوء المشاركة.

.الشفعة للذمي:

وكما تثبت الشفعة للمسلم فإنها للذمي عند جمهور الفقهاء.
وقال أحمد والحسن والشعبي: لا تثبت للذمي، لما رواه الدارقطني عن أنس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لاشفعة لنصراني».

.استئذان الشريك في البيع:

ويجب على الشريك أن يستأذن شريكه قبل البيع فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به، وإن أذن في البيع وقال: لاغرض لي فيه، لم يكن له الطلب بعد البيع.
هذا مقتضى حكم رسول الله، ولا معارض له بوجه.
1- وروى مسلم عن جابر قال: «قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به».
2- وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له شرك في نخل أو ربعة فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ وإن كره ترك» رواه يحيى بن آدم عن زهير عن أبي الزبير وإسناده على شرط مسلم.
قال ابن حزم: لا يحل لمن له ذلك أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه، فإن أراد من يشركه فيه الاخذ له بما أعطى فيه غيره فالشريك أحق به، وإن لم يرد فقد سقط حقه، ولاقيام له بعد ذلك إذا باعه ممن باعه.
فإن لم يعرض عليه، كما ذكرنا، حتى باعه من غير من يشركه فيه فمن يشركه مخير بين أن يمضي ذلك البيع وبين أن يبطله ويأخذ ذلك الجزء لنفسه بما بيع به.
وقال ابن القيم: وهذا مقتضى حكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا معارض له بوجه، وهو الصواب المقطوع به.
وذهب بعض العلماء ومنهم الشافعية إلى أن الأمر محمول على الاستحباب.
قال النووي: هو محمول عند أصحابنا على الندب إلى إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه وليس بحرام.

.الاحتيال لإسقاط الشفعة:

ولا يجوز الاحتيال لاسقاط الشفعة، لأن في ذلك إبطال حق المسلم، لما روي عن أبي هريرة مرفوعا: «لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل».
وهذا مذهب مالك وأحمد، ويرى أبو حنيفة والشافعي أنه يجوز الاحتيال.
والاحتيال لاسقاط الشفعة مثل أن يقر له ببعض المالك فيصبح بهذا الاقرار شريكا له، ثم يبيعه الباقي أو يهبه له.

.شروط الشفعة:

يشترط للأخذ بالشفعة الشروط الآتية:

.أولا: أن يكون المشفوع فيه عقارا كالأرض والدور:

وما يتصل بها اتصال قرار، كالغراس والبناء والابواب والرفوف، وكل ما يدخل في البيع عند الاطلاق، لما تقدم عن جابر رضي الله عنه قال: قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة أو حائط.
وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء، وخالف في ذلك أهل مكة والظاهرية، ورواية عن أحمد، وقالوا: إن الشفعة في كل شئ، لأن الضرر الذي قد يحدث للشريك في العقار قد يحدث أيضا للشريك في المنقول، ولما قاله جابر قال: «قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل شئ».
قال ابن القيم: ورواة هذا الحديث ثقات، ولحديث ابن عباس، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الشفعة في كل شئ» ورجاله ثقات إلا أنه أعل بالارسال، وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس به، وقد انتصر لهذا ابن حزم فقال: «الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعا غير مقسوم، بى اثنين فصاعدا، من أي شيء كان مما ينقسم أولا: من أرض أو شجرة واحدة فأكثر، أو عبد أو أمة، أم من سيف أو من طعام أو من حيوان أو من أي شيء بيع».

.ثانيا: أن يكون الشفيع شريكا في المشفوع فيه:

وأن تكون الشركة متقدمة على البيع، وأن لا يتميز نصيب كل واحد من الشريكين، بل تكون الشركة على الشيوع.
فعن جابر رضي الله عنه قال: «قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» رواه الخمسة.
أي أن الشفعة ثابتة في كل مشترك مشاع قابل للقسمة، فإذا قسم وظهرت الحدود ورسمت الطرق بينهما فلاشفعة.
وإذا كانت الشفعة تثبت للشريك فإنها تثبت فيما يقبل القسمة، ويجبر الشريك فيها على القسمة بشرط أن ينتفع بالمقسوم على الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة، ولهذا لا تثبت الشفعة في الشئ الذي لو قسم لبطلت منفعته، قال في المنهاج: وكل ما لو قسم بطلت منفعته المقصودة كحمام ورحى لاشفعة فيه على الأصح.
وروى مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب «أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم فلاشفعة».
وهذا مذهب علي وعثمان وعمر وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والشافعي والاوزاعي وأحمد وإسحاق وعبيد الله بن الحسن والإمامية.
قال في شرح السنة: اتفق أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك في الربع المنقسم إذا باع أحد الشركاء نصيبه قبل القسمة، فللباقين أخذه بالشفعة بمثل الثمن الذي وقع عليه البيع وإن باع بشيء متقوم من ثوب فيأخذ بقيمته انتهى.
وأما الجار فإنه لاحق له في الشفعة عندهم.
وخالف في ذلك الأحناف فقالوا: إن الشفعة مرتبة: فهي تثبت للشريك الذي لم يقاسم أولا، ثم يليه الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق أو في الصحن شركة، ثم الجار الملاصق.
ومن العلماء من توسط فأثبتها عند الاشتراك في حق من حقوق الملك، كالطريق والماء ونحوه، ونفاها عند تميز كل ملك بطريق حيث لا يكون بين الملاك اشتراك، واستدل لهذا بما رواه أصحاب السنن بإسناده صحيح عن جابر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا».
قال ابن القيم: وعلى هذا القول تدل أحاديث جابر منطوقها ومفهومها ويزول عنها القضاء والاختلاف.
قال: والاقوال الثلاثة في مذهب أحمد، وأعدلها واحسنها هذا القول الثالث انتهى.