فصل: بعض صور من الشركات الجائزة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.بعض صور من الشركات الجائزة:

أورد ابن قدامة بعض صور من الشركات الجائزة، فقال في المغني:
فإن كان لقصار أداة ولاخر بيت، فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما، جاز، والاجرة على ما شرطاه، لأن الشركة وقعت على عملهما والعمل يستحق به الربح في الشركة، والالة والبيت لا يستحق بهما شيء لأنهما يستعملان في العمل المشترك، فصارا كالدابتين اللتين أجراهما لحمل الشئ الذي تقبلا حملا.
وإن فسدت الشركة قسم ما حصل لهما على قدر أجر عملهما وأجر الدار والالة، وإن كانت لاحدهما آلة وليس للاخر شئ، أو لاحدهما بيت وليس للاخر شئ، فاتفقا على أن يعملا بالالة أو في البيت والاجرة بينهما، جاز لما ذكرناه.
قال: وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثا أو كيفما شرطا، صح، نص عليه في رواية الاثرم ومحمد بن أبي حرب وأحمد بن سعيد، ونقل عن الاوزاعي ما يدل على هذا وكره ذلك الحسن والنخعي.
وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي: لا يصح، والربح كله لرب الدابة لأن الحمل الذي يستحق به العوض منها وللعامل أجر مثله، لأن هذا ليس من أقسام الشركة، إلا أن تكون المضاربة، ولا تصح المضاربة بالعروض، ولان المضاربة تكون بالتجارة في الاعيان وهذه لا يجوز بيعها ولا إخراجها عن ملك مالكها.
وقال القاضي: يتخرج أن لا يصح، بناء على أن المضاربة بالعروض لا تصح، فعلى هذا: إن كان أجر الدابة بعينها فالاجر لمالكها، وإن تقبل حمل شيء فحمله عليها أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه، فالاجرة والثمن له، وعليه أجرة مثلها لمالكها.
ولنا انها عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها، كالدراهم والدنانير، وكالشجر في المساقاة والأرض في المزارعة.
وقولهم إنه ليس من أقسام الشركة ولا هو مضاربة، قلنا: نعم، لكنه يشبه المساقاة والمزارعة، فإنه دفع لعين المال إلى من يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها.
وبهذا يتبين أن تخريجها على المضاربة بالعرض فاسد، فإن المضاربة إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال، وهذا بخلافه.
قال: ونقل أبو داود عن أحمد فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة: أرجو ألا يكون به بأس.
قال إسحاق ابن إبراهيم قال أبو عبد الله: إذا كان على النصف والربع فهو جائز، وبه قال الاوزاعي قال: وقالوا لو دفع شبكة إلى الصياد ليصيد بها السمك بينهما نصفين فالصيد كله للصياد ولصاحب الشبكة أجر مثلها.
وقياس ما نقل عن أحمد صحة الشركة وما رزق بينهما على ما شرطا، لأنها عين تنمى بالعمل فيها فصح دفعها ببعض نمائها كالأرض انتهى.

.شركات التأمين:

أفتى فضيلة الشيخ أحمد ابراهيم بعدم جواز عقود التأمين على الحياة، فقال: إن حقيقة الأمر في عقود التأمين على الحياة هو عدم صحتها، ولبيان ذلك أقول: إن عاقد التأمين مع الشركة إذا أوفى الاقساط حال حياته كان له أن يسترد من الشركة كل المبلغ الذي دفعه مقسطا مع الربح الذي اتفق عليه مع الشركة.
فأين هذا من عقد المضاربة الجائزة شرعا؟.
فعقد المضاربة: أن يعطي زيد بكرا مائة جنيه مثلا ليتجر بها بكر على أن يكون الربح بينهما مشتركا بنسبة كذا على حسب ما يتفقان، لرب المال النصف وللمضارب الذي هو العامل النصف. الأول في مقابلة ماله، والثاني في مقابلة عمله.
أو يكون للاول الثلثان وللثاني الثلث أو العكس. وهكذا.
فشرط صحة المضاربة الاساسي أن يأخذ رب المال حقه مما تربحه التجارة بماله بعمل المضارب.
فإذا لم تكسب التجارة ولم تخسر سلم لرب المال رأس ماله ولا شيء له ولا للمضارب بعد ذلك لعدم الربح، عملا بحكم المضاربة.
وإذا خسرت التجارة كانت الخسارة على رب المال من رأس ماله دون المضارب، ولاشئ للمضارب في مقابل عمله لأنه في هذه الحالة شريك وليس بأجير.
أما إذا شرط رب المال على المضارب أن يأخذ رب المال مقدارا معينا فوق رأس ماله بصرف النظر عن كون التجارة كسبت أو خسرت، فهذا شرط فاسد، لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في الربح، وهذا مخالف لحكم المضاربة، أو إلى التزام المضارب بدفع مبلغ من ماله الخاص لرب المال. وهذا من باب أكل أموال الناس بالباطل.
ثم إذا فسدت المضاربة بالشرط الذي ذكرته آنفا وهو الموجود في عقد التأمين، وربحت التجارة، كان الربح كله لرب المال.
وأما المضارب فاء على رب المال أجر مثل عمله بالغا ما بلغ، على رواية الاصل لمحمد رحمه الله لأنه انقلب أجيرا بفساد المضاربة وخرج عن كونه شريكا.
وعلى قول أبي يوسف المفتى به يكون للعامل أجر مثل عمله دون أن يتجاوز المتفق عليه في العقد.
وذلك لأن المضاربة إذا كانت صحيحة لم يكن للعامل إلا المتفق عليه مع الربح.
فإذا فسد العقد فلا ينبغي أن يستفيد المضارب من العقد الفاسد أكثر مما يستفيده من العقد الصحيح.
وقول محمد في الاصل هو القياس. وقول أبي يوسف استحسان، للمعنى الذي قلنا هذه هي المضاربة الشرعية، وهذه هي أحكامها...فهل يندرج عقد التأمين تحت المضاربة الصحيحة؟.
الجواب: لا. وإذن هو يندرج تحت المضاربة الفاسدة.
وحكمها شرعا هو ما أسمعتك هنا، وهو مخالف لحكم عقد التأمين قانونا. ولا يمكن أن يقال إن الشركة تتبرع للمؤمن بما التزمته.
لان طبيعة عقد التأمين قانونا أنه من عقود المعاوضة الاحتمالية. وإذا قيل إن ما يدفعه المؤمن للشركة يعتبر قرضا يسترده مع أرباحه إذا كان حيا، فهذا قرض جر نفعا. وهو حرام. وهذا هو الربا المنهي عنه.
وبالجملة فالموضوع على أي وجه قلبته وجدته لا ينطبق على عقد يصححه الشرع الإسلامي.
وهذا الذي قدمناه هو فيما إذا بقي المؤمن على حياته حيا بعد توفيته ما التزمه على نفسه من الاقساط، أما إذا مات قبل إيفاء جميع الاقساط، وقد يموت بعد دفع قسط واحد فقط، وقد يكون الباقي مبلغا عظيما جدا، لأن مبلغ التأمين على الحياة موكول تقديره إلى طرفي العقد على ما هو معلوم، فإذا أدت الشركة المتفق عليه كاملا لورثته أو لمن جعل له المؤمن ولاية قبض ما التزمت به الشركة بعد موته، ففي مقابل أي شيء دفعت الشركة هذا المبلغ؟.
أليست هذه مخاطرة ومغامرة؟ وإذا لم يكن هذا من صميم المغامرة، ففي أي شيء المغامرة إذن...؟ وهل يتصور أن يجيز شرع يحرم أكل أموال الناس بالباطل أن يكون موت شخص مصدرا لأن يجني ورثته أو من يقوم مقامه بعد موته ربحا اتفق عليه قبل موته مع آخر مجازف يؤديه بعد موت الأول إلى هؤلاء؟ مع العلم بأنه يجوز الاتفاق على أي مبلغ، بالغا قدره ما بلغ؟
ومتى كانت حياة الإنسان وموته محلا للتجارة، ومن الاشياء التي تقوم بالمال غير الواقف مقداره عند أي حد، بل يوكل ذلك إلى تقدير العاقدين؟ على أن المغامرة حاصلة أيضا من ناحية أخرى.
فإن المؤمن له، بعد أن يوفي جميع ما التزمه من الاقساط يكون له كذا.
وإن مات قبل أن يوفيها كلها يكون لورثته كذا.
أليس هذا قمارا ومخاطرة؟ حيث لا علم له ولا للشركة بما سيكون من الأمرين على التعيين.

.الصلح:

.تعريفه: الصلح في اللغة: قطع المنازعة.

وفي الشرع: عقد ينهي الخصومة بين المتخاصمين.
ويسمى كل واحد من المتعاقدين مصالحا.
ويسمى الحق المتنازع فيه، مصالحا عنه.
وما يسمى يؤديه أحدهما لخصمه قطعا للنزاع: مصالحا عليه أو بدل الصلح.

.مشروعيته:

والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع من أجل أن يحل الوفاق محل الشقاق، ولكي يقضي على البغضاء بين المتنازعين.
ففي الكتاب يقول الله سبحانه وتعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}.
وفي السنة يروي أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حيان عن عمرو بن عوف أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما».
وزاد الترمذي: «والمسلمون على شروطهم» ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
وقال عمر،، رضي الله عنه: «ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن».
وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلح بين الخصوم.

.أركانه:

وأركان الصلح: الايجاب والقبول بكل لفظ ينبئ عن المصالحة، كأن يقول المدعى عليه: صالحتك على المائة التي لك عندي على خمسين.
ويقول الاخر: قبلت. ونحو ذلك.
ومتى تم الصلح أصبح عقدا لازما للمتعاقدين، فلا يصح لاحدهما أن يستقل بفسخه بدون رضا الاخر، وبمقتضى العقد يملك المدعي بدل الصلح ولا يملك المدعى عليه استرداده وتسقط دعوى المدعي فلا تسمع منه مرة أخرى.

.شروطه:

من شروط الصلح ما يرجع إلى المصالح، ومنها ما يرجع إلى المصالح به، ومنها ما يرجع إلى المصالح عنه.

.شروط المصالح:

يشترط في المصالح أن يكون ممن يصح تبرعه، فلو كان المصالح ممن لا يصح تبرعه مثل: المجنون أو الصبي أو ولي اليتيم أو ناظر الوقف، فإن صلحه لا يصح لأنه تبرع، وهم لا يملكونه.
ويصح صلح الصبي المميز وولي اليتيم وناظر الوقف إذا كان فيه نفع للصبي أو لليتيم أو للوقف، مثل أن يكون هناك دين على آخر وليس ثمة أدلة على ثبوت هذا الدين، فيصالح المدين على أخذ بعض دينه وترك البعض الاخر.

.شروط المصالح به:

1- أن يكون مالا متقوما مقدور التسليم، أو يكون منفعة.
2- أن يكون معلوما علما نافيا للجهالة الفاحشة المؤدية إلى النزاع إن كان يحتاج إلى التسلم والتسليم.
قال الأحناف: فإن كان لا يحتاج إلى التسليم والتسلم فإنه لا يشترط العلم به، كما إذا ادعى كل من رجلين على صاحبه شيئا، ثم تصالحا على أن يجعل كل منهما حقه بدل صلح عما للاخر.
ورجح الشوكاني جواز الصلح بالمجهول عن المعلوم.
فعن أم سلمة، رضي الله عنها، قالت: «جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فإ مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنكم تختصمون إلى رسول الله، وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض. وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها إسطاما في عنقه يوم القيامة. فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لاخي. فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق. ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه». رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وفي رواية لابي داود: «وإنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه».
قال الشوكاني: وفيه دليل على أنه يصح الابراء عن المجهول، لان

الذي في ذمة كل واحد ههنا غير معلوم. وفيه أيضا صحة الصلح بمعلوم عن المجهول. ولكن لا بد مع ذلك من التحليل. وحكي في البحر عن الناصر والشافعي أنه لا يصح الصلح بمعلوم عن مجهول. انتهى.