فصل: الإملاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أدب الكتاب ***


الإملاء

يقال‏:‏ أمليت الكتاب وأمللت‏.‏ وقد نزل القرآن باللغتين جميعاً قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه‏"‏‏.‏ وقال جل وعلا‏:‏ ‏"‏فليملل وليه بالعدل‏"‏‏.‏ وقال الهذلي‏:‏ وإني كما قال‏:‏ تملي الكتا *** ب في الرق أو خطه الكاتب

وأصله في اللغة من الإطالة‏.‏ ومنه الملوان الليل والنهار‏.‏ ومنه‏:‏ ‏"‏إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين‏"‏‏.‏ وإنما أخرهم الله ليتوبوا فلما كان تأخيرهم سبب إثمهم وآلته آل أمرهم بسبب التأخير والإملاء إلى الإثم‏.‏ وكما قال عز وجل‏:‏ ‏"‏فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً‏"‏‏.‏ وهم لم يلتقطوه لذلك ولكن لما آل أمره إلى أن كان لهم عدواً نسب الالتقاط إلى المآل‏.‏

وأنشد التنوخي‏:‏

وكان لنا قيدان قد أمليا لنا *** وفي الدهر والأيام للمرء زاجر

طي الكتاب ودرجه

يقال طوى الكتاب يطويه طياً وطية واحدة وطواه طية فقال ذو الرمة‏:‏

من دمنة نسفت الصبا كدرا *** كما تنشر بعد الطية الكتب

ومضى لطيته إذا سافر‏.‏ وقالوا‏:‏ الطية البعد، وهو عند بعضهم من طي المنازل‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن طيئاً سمي بطيه للمنازل، وهذا خطأ عند أكثرهم، يقولون‏:‏ فمن أين جاءت هذه الهمزة‏؟‏ وأصله من الطي‏.‏ والمحققون في اللغة يقولون‏:‏ كان كثير القرى وطي المنزل فسمي بهذا‏.‏

فعلى هذا طي الكتاب سرعة إدراجه‏.‏ وكذلك أدرج الكتاب معناه أسرع طيه فدرجه إدراجاً‏.‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ مدرجة الطريق التي يسرع الناس فيها‏.‏ وناقة دروج سريعة‏.‏ ورجع فلان على أدراجه إذا رجع في الطريق الذي جاء فيه‏.‏ وسالت أبا تذكوان عن هذه اللفظة فقال‏:‏ حقيقتها أن الكتاب إذا أدرج فهو على مطاو، فإذا نشر رجعت تلك المطاوي إلى ما كانت عليه‏.‏ وقال ابن حذاق في أدرج‏:‏

وغسلوني وما غسلت من تفل *** وأدرجوني كأني طي مخراق

والمشق في اللغة تأثير الشيء بسرعة‏.‏ قال ذو الرمة‏:‏

فكر يمشق طعناً في جواشنها *** كأنه الأجر في الإقبال يحتسب

وكثر ذلك في كلامهم حتى صار كل مستلب شيئاً قد مشقه‏.‏ قال الأخطل‏:‏

والخيل تمشق عنهم أسلابهم *** في كل معترك وكل مغار

وقالوا‏:‏ درج يدرج درجاً بمعنى أدرج وليست بالجيدة وكله من الإسراع، ومنه درج الرجل إذا مات ولا نسل له‏.‏

يقال‏:‏ طمست الكتاب أطمسه طمساً إذا عميت خطه حتى لا يقرأ‏.‏ وقيل‏:‏ طمس وطمس بمعنى واحد، كما قيل جبذ وجذب‏.‏ وطمس الله بصره إذا أذهب نوره وأخفاه‏.‏ قال القطامي‏:‏

وليلة قد بت ما أناملها *** في بلدة طامسة أعلامها

وقوله عز وجل‏:‏ ‏"‏من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها‏"‏‏.‏ قال المفسرون‏:‏ نجعلها كأقفائها منبتاً للشعر مثل وجوه القردة، وقد نجعل وجوههم إلى ظهورهم مكان القفا‏.‏ وطمست الأثر محوته، عن أبي زيد والأصمعي‏.‏ وطلس الكتاب وطلسه أيضاً محاه‏.‏ والطلسة السواد‏.‏ وبعض أهل اللغة يقولون‏:‏ هو لون يقارب السواد‏.‏ وأكثر ما يوصف بالطلسة الذئب، يقولون‏:‏ ذئب أطلس‏.‏ والرياح الطوامس التي تذهب بمعالم المنازل تطمسها‏.‏ ويقال‏:‏ درس ما في الكتاب يدرس، إذا خفي شيء بعد شيء، حتى يذهب أثره، ومنه درس البعير إذا جرب كأنه يلي بعض جربه بعضاً‏.‏ وثوب درس أي مخلق لأنه يخلق حالاً بعد حال وشيء في أثر شيء‏.‏ واختاروا في تعفي الأثر وفي الجرب درس دروساً وفي الثلاثة درس درساً‏.‏

درس الكتاب وسرده

درس الكتاب والقرآن يدرسه درساً إذا قرأه قراءة متصلة يعضها ببعض أو في أثر بعض‏.‏ وقرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو عمروا وأهل المدينة‏:‏ ‏"‏وليقولوا درست‏"‏، قال المفسرون‏:‏ يقولوا تعلمت ذلك من اليهود ودرسته معهم‏.‏ وقرئ دارست، يريد دارستهم ذلك‏.‏ وقرأ الحسن درست أي أخلقت، يقولون‏:‏ هذا الذي تأتي به قد جاء غيرك بمثله وهذا من الدروس لا من الدرس‏.‏ وقال التوجي‏:‏ درس الشيء إذا أكثر قراءته وتردد فيه ومنه طريق مدروس تدرسه الناس كثيراً‏.‏

وكذلك سرد الكتاب يسرده سرداً شبيه بقوله درسه درساً، ودرع مسرودة بعضها يتلو بعضاً حتى تتم‏.‏ قال أبو ذؤيب الهذلي‏:‏

وعليهما مسرودتان قضاهما *** داود أو صنع السوابغ تبع

يعني درعين منسوجتين وقضاهما عملهما‏.‏ وقال المفسرون في قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏وقدر في السرد‏"‏ أي في نسج الحلق ونظمه‏.‏ وقال مسرودة مسمورة بالحلق‏.‏

الخاتم وسببه وما قيل فيه

حدثنا إبراهيم بن عبد الله اللجي قال‏:‏ حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن المغيرة بن زياد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ذهب فلبسه ثلاثة أيام ففشت خواتيم الذهب في أصحابه، فرمى به واتخذ خاتماً من ورق نقش عليه‏:‏ ‏"‏محمد رسول الله‏"‏ فكان في يده صلى الله عليه وسلم حتى مات‏.‏ وفي يد أبي بكر حتى مات وفي يد عمر حتى مات، وفي يد عثمان ست سنين، فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار ليختم به فأتى قليباً لعثمان رحمه الله فسقط الخاتم في القليب فالتمسوه فلم يجدوه، فاتخذ خاتماً من ورق ونقش عليه ‏"‏محمد رسول الله‏"‏‏.‏

ولم يتخذ صلى الله عليه وسلم الخاتم حتى احتاج إلى مكاتبة الملوك، منصرفة من الحديبية سنة ست فقيل له‏:‏ إن الملوك لا تقبل الكتاب إلا أن يكون مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة ونقش عليه‏:‏ ‏"‏محمد رسول الله‏"‏ محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر‏.‏

وحدثنا محمد بن أبي قريش، قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال‏:‏ حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى ملك الروم ‏"‏فكتب ملك الروم‏"‏ لا نقبل كتاباً إلا مختوماً فاتخذ خاتماً ونقش عليه محمد رسول الله محمد سطر وسول سطر والله سطر‏.‏

ويقال‏:‏ ختمت الكتاب بغير ألف، ولا يقال‏:‏ اختمت، فإذا أمرت قلت اختم كتابك وهو الخاتم والخاتم والخاتام والخيتام وجمعه خياتيم‏.‏ وختم فهو خاتم مثل ضرب فهو ضارب‏.‏ ويجمع خاتم خواتم وخواتيم‏.‏ وختمت الكتاب ختماً وختاماً ويجمعونه ختم‏.‏

وختمت الكتاب وطبعته بمعنى قطعته بآخر العمل فيه‏.‏ ومنه ‏"‏الأعمال بخواتيمها‏"‏ أي بأواخرها التي ينقطع العمل بها‏.‏ وفلان خاتم القوم وخاتمتهم أي آخرهم‏.‏

وقيل‏:‏ الختم الحظر وقد حكي عن أعرابي أنه قال‏:‏ ختمت على العيون أن تراها، يريد امرأة، المعنى حظرت‏.‏ ‏"‏وختامه مسك‏"‏ قال المفسرون‏:‏ مقطعه يوجد معه رائحة المسك‏.‏ واختم أمرك بكذا أي اقطعه به‏.‏ ويروى عن ابن عباس أنه قال‏:‏ كل كتاب غير مختوم فهو أقلف‏.‏

وقال عمر بن الخطاب رحمه الله يوصي بالختم‏:‏ ‏"‏طينه خبر من طنه‏"‏‏.‏ وفسروا قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏إني ألقي إلي كتاب كريم‏"‏، أي مختوم‏.‏

والذي عليه الكتاب الحذاق أن الرئيس والنظير يختم رقاعه وتوقيعاته إن شاء وأن من دونهم لا يختم، وإن ختم وهو دون الرئيس والنظير، لزمه إثبات اسمه على جانب كتابه الأيسر تضاؤلاً وتواضعاً‏.‏ وكتب بعض الكتاب إلى رئيس له‏:‏ أنت - أيدك الله - تختم رقاعك لأنها مطايا بر، ولا أختم رقاعي نها حوامل شكر‏.‏

وأحسن ما ختم به الرؤساء كتبهم ما عليه اسم الرئيس واسم أبيه‏.‏

وقال بعض الكتاب‏:‏ الوزارة الختم والخاتم، لأن سائر الأعمال يباشرها بعض الكفاة إلا الختم فإنه لابد أن ينتهي الكتب إلى الوزير وتعرض عليه فيختمها بخاتم الملك‏.‏

وقال إبراهيم بن العباس الصولي‏:‏ الكتب موات ما لم يوقع فيها توقيع الختم وتختم، فإذا فعل ذلك بها عاشت‏.‏ وقال عمر بن مسعدة‏:‏ الخط صور الكتب ترد إليها أرواحها‏.‏

وكان محمد بن عبد الملك الزيات، إذا أراد أن يختم الكتب دعا بدرج فيه الخاتم، فإذا جيء به وهو خاتم الملك، قام قائماً فأخذه إجلالاً له ثم جلس فأخرجه وختم به ورده إلى الدرج وختم عليه‏.‏

وكانت بعض الكتاب في أن الختم والتوقيع إلى الرؤساء‏:‏

حتام لا أنفك حارس سلبه *** أدعى فأسمع مذعناً وأطيع

يتداول الناس الرياسة بينهم *** وأروم حظهم فلا أستطيع

وأكلف العبء الثقيل وإنما *** يبلى به الأتباع لا المتبوع

وعليهم الأثقال يحتملونها *** وعلى الرئيس الختم والتوقيع

فقال آخر‏:‏ يا أيها الملك المنفذ أمره شرقاً وغرباً

امنن بختم صحيفتي *** ما دام هذا الطين رطبا

واعلم بأن جفافه *** مما يعيد السهل صعبا

وقال آخر‏:‏

قل للخليفة إن الله سربله *** سربال ملك به تمضي الخواتيم

وقال آخر في الخواتم‏:‏

أناس أبو العاصي أبوهم توارثوا *** خلافة مهدي وخير الخواتم

وقال آخر في الخاتام‏:‏

لو كان عندي مائتا درهام *** لجاز في أرضهم خاتامي

وفال أعرابي‏:‏

يا مي ذات المعجر المنشق *** أخذت خاتامي بغير حق

وحدثني عمرو بن تركي القاضي قال‏:‏ حدثنا القحذمي قال‏:‏ كان على خاتم البريد للأسرة صورة ذباب، يريدون بذلك أن لا يحجب كما أن الذباب لا يمكن أحداً أن يحجبه‏.‏

قال‏:‏ وكانت الخواتم في خزائن الملوك لا تدفعها إلى الوزراء، فأطرد الأمر على ذلك حتى ملك بنو أمية، وأفرد معاوية ديوان الخاتم، وولاه عبيد بن أوس الغساني وسلم الخاتم إليه، وكان على فصه ‏"‏لكل عمل ثواب‏"‏‏.‏ وكان سبب ذلك أنه كتب لعمرو بن الزبير إلى بعض عماله بمائة ألف درهم ففرق عمرو الهاء وجعلها ياء وأخذ مائتي ألف درهم، فلما مرت بمعاوية ذكر أنه لم يصله إلا بمائة الف درهم، فأحضر العامل الكتاب فوقف معاوية على الأمر فاتخذ ديوان الخاتم‏.‏

العنوان

يقال عنوان الكتاب وعنونته وهي اللغة الفصيحة‏.‏ وبعضهم يقول‏:‏ علونت فيقلب النون لاماً لقرب مخرجهما من الفم، لأنهما يخرجان من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا‏.‏ وقد قيل‏:‏ العلوان فعوال من العلانية لأنك أعلنت به أمر الكتاب وممن هو وإلى من هو‏.‏ وسمعت أحمد بن يحيى يقول‏:‏ أعلن أمرنا علوناً وعلناً‏.‏

والعنوان العلامة كأنك علمته حتى عرف بذكر من كتبه ومن كتب إليه‏.‏ قال حسان بن ثابت يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه‏:‏

ضحوا بأشمط عنوان السجود به *** يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

وقال المأمون لرجل رآه في موكبه فلم يعرفه، وكان جسيماً‏:‏ ما هذه الجسامة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏عنوان نعمة الله ونعمتك يا أمير المؤمنين‏"‏‏.‏

ويروى أن معاوية قال لبعض العرب مثل ذلك، فأجيب بهذا الجواب‏.‏

وأول من كتب ‏"‏من عبد الله فلان أمير المؤمنين‏"‏‏.‏ كان يقال لأبي بكر رضي الله عنه وهو أول من سمي ‏"‏أمير المؤمنين‏"‏‏.‏ كان يقال لأبي بكر رضي الله عنه ‏"‏خليفة رسول الله‏"‏، ثم قيل لعمر‏:‏ ‏"‏خليفة رسول الله‏"‏، فدخل المغيرة بن شعبة على عمر فقال‏:‏ ‏"‏السلام عليك يا أمير المؤمنين‏"‏، قال عمر‏:‏ وما هذه‏؟‏ قال‏:‏ ألسنا المؤمنين وأنت أميرنا‏؟‏ فكان أخف من الأول فجروا عليه‏.‏

وكانوا يكتبون في العنوان ‏"‏بسم الله الرحمن الرحيم‏"‏ مثل ذكر من كاتب ثم ترك‏.‏

قالوا‏:‏ والأحسن في عنوان الكتاب إلي الرئيس، أن يعظم الخط ويفخمه، إذا ذكرت كنيته أو نسبته إلى شيء، وأن تلطف الخط في اسمك واسم أبيك وتجمعه‏.‏ وقال المحققون من الكتبة‏:‏ إن في ذلك إخلالاً للمكتوب له وفي مخالفته غض منه وتطاول عليه‏.‏ وإن كانت آخر الكلمة ياء مثلاً، كأبي علي وأبي عيسى وأبي يحيى وأبي يعلى، غرقت الياء إلى قدام، ولم تردها إلى خلف، فقد حكي في ذلك شيء مليح‏.‏

حدثني أبو المرزيان قال‏:‏ قال لي محمد بن يزيد الأموي الشاعر‏:‏ استحسنت من عيسى بن فرخانشاه شيئاً، رأى كاتباً له قد كتب اسمه عيسى، فرد الياء إلى خلف عيسى، فقال‏:‏ قولوا لهذا الكاتب لا تعد لمثل هذا، فإن أيسر ما فيه أن الياء إذا كانت إلى قدام كان ذلك فألا للإقبال، وفي ردها فأل لللإدبار، وقالوا‏:‏ مع هذا فهو أبهى للخط وأفسح للشكل‏.‏

ويعنون إلى الأمير بالإسم والتأمير، بغير دعاء ولا كنية اكتفاء بجلالة التأمير، والإسم مع التأمير أجل من الكنية لأنه أشبه بمكاتبة الخلفاء لأنهم يقولون في التصدير للإمام ‏"‏لعبد الله فلان الإمام أمير المؤمنين‏"‏، ولا يأتون بكنية فكذلك شبهوا هذا به، فكان الإسم مع التأمير أجل من الكنية‏.‏ ثم يكتبون في التصدير للإمام ‏"‏لعبد الله فلان الإمام أمير المؤمنين‏"‏‏.‏ ولولي العهد للأمير أبي فلان فلان بن فلان، كناه الإمام أو لم يكنه فرقوأ بينه وبين الإمام‏.‏

وقد يذكر الإمام في سكة الضرب باسمه، ويذكرون ولي العهد يكنيته كما ذكرت لك‏.‏ وقولهم لأبي فلان حقيقتها إلى أبي فلان، والأصل من فلان إلى فلان، فلما قدم ذكر المكتوب إليه أقاموا اللام مقام إلىن وقد قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏بأن ربك أوحى لها‏"‏ أي أوحى إليها‏.‏ وحروف الخفض ينقل بعضها من بعض قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ولأصلبنكم في جذوع النخل‏"‏ أي على جذوع النخل‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

إذا رضيت علي بنو قشير *** لعمر الله أعجبني رضاها

وهذا كثير جداً‏.‏ وقال بعض الكتاب‏:‏ اللام لمخاطبة الجليل، وإلى لمخاطبة الأدنى فالأجل يكتب من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، والنظراء ومن دون يكتبون لأبي فلان من فلان‏.‏

وقد عنون أحمد بن يوسف كتابه بشعر، فكتب إلى طاهر بن الحسين‏:‏

للأمير المهذب *** المكنى بطيب

ذي اليمنين طاهر بن الحسين بن مصعب

وكتب عقال بن شيبة إلى المسيب بن زهير الصبي‏:‏

للأمير المسيب بن زهير *** من عقال بن شبة بن عقال

وكتب آخر إلى نصر بن حمزة الخزاعي‏:‏

لأبي القاسم بن حمزة نصر *** من فتى قائم بحمد وشكر

وكتب إليه ابن الحباب‏:‏

لأبي الفضل شبة الغسان *** المرجى لدفع ريب الزمان

من أخ لم يزل يجد له الوص *** ل على حين جفوة الإخوان

وعنون أبو نواس كتاباً له‏:‏

هذا كتاب بدمع عيني *** أملاه قلبي على لساني

إلى حبيب كنيت عنه *** أجل ذكر اسمه لساني

حدثنا اليزيدي قال‏:‏ كتب أحمد بن إسماعيل إلى عرام، وهو بالكوفة مع مولاه كتاباً عنوانه‏:‏

دموع العين مذروفه *** ونفس الصب مشغوفه

من المشوق إلى البدر ال *** ذي يطلع بالكوفه

وحدثني أحمد بن محمد الأسدي، قال‏:‏ كتب رجل إلى المهدي كتاباً عنوانه ‏"‏عبده فلان‏"‏، فقال‏:‏ لا أعلمن أحداً نسب نفسه إلى عبودة في كتاب أو عنوان، فإنه ملق كاذب وليس يقبله إلا غبي أو متكبر‏.‏

وحدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، قال‏:‏ رأى طاهر بن الحسين رقعة، كتبها ابنه عبد الله بن طاهر إلى المأمون، عليها ‏"‏عبده‏"‏ فقال‏:‏ يا بني سميتك عبد الله وكذلك أنت، فلا تشركن في الملك أحداً، فإنه جعلك بإنعامه حراً لا مولى لك سواه‏.‏

وقال إبراهيم بن الحسن بن سهل يرثي أخاه‏:‏

قد كنت عنوان كرام مضوا *** فمت فاختلت أصول الكرام

وحدثنا أبو ذكوان عن التنوخي، قال‏:‏ يقال‏:‏ عنوان الكتاب وعينانه وعلوانه‏.‏ والعنوان الأثر الذي يعرف به الشيء‏.‏ وتقول العرب‏:‏ ما عنوان بعيرك‏؟‏ أي ما أثره الذي يعرف به‏.‏ وتقول علونت الكتاب أعلونه علونة وعلواناً، فإذا أمرت قلت‏:‏ علون يا معلون، وعنونته عنونة وعنواناً، فإذا أمرت قلت‏:‏ عنون يا وعنون‏.‏ ومن قال‏:‏ عنيت الكتاب قال‏:‏ عنن‏.‏ ومن قال‏:‏ عنيت الكتاب أبدل مكان إحدى النونان ياء، فقال‏:‏ عنِّ يا معنى مثل غنِّ يا مغني‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ حدثنا أحمد حدثنا أحمد بن يحيى قال‏:‏ كتب رجل إلى الزبير بن بكار يستجفيه فكتب إليه الزبير‏:‏

ما غير الدهر وداً كنت تعرفه *** ولا تبدلت بعد الذكر نسيانا

ولا حمدت وفاء من أخي ثقة *** إلا جعلتك فوق الحمد عنوانا