فصل: إثبات أن القرآن كلام الله تعالى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية **


 إثبات الكلام لله تعالى وأن القرآن من كلامه تعالى

‏(‏1‏)‏ذكر المؤلف رحمه الله الآيات الدالة على كلام الله تعالى وأن القرآن من كلامه تعالى‏.‏

الآية الأولى والثانية‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏ومن أصدق من الله حديثاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 87‏]‏ ‏{‏ومن أصدق من الله قيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 122‏]‏‏.‏

‏(‏ومن‏(‏ ‏:‏ اسم استفهام بمعنى النفي ، وإتيان النفي بصيغة الإستفهام أبلغ من إتيان النفي مجرداً ؛ لأنه يكون بالاستفهام مشرباً معنى التحدي؛ كأنه يقول ‏:‏ لا أحد أصدق من الله حديثاً ، وإذا كنت تزعم خلاف ذلك؛ فمن اصدق من الله‏؟‏

وقوله‏:‏ ‏{‏حديثاً‏}‏ و ‏{‏قيلاً‏}‏ ‏:‏ تمييز لـ‏"‏اصدق‏"‏‏.‏

وإثبات الكلام في هاتين الآيتين يؤخذ من‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏أصدق‏"‏؛ لأن الصدق يوصف به الكلام ، وقوله‏:‏ ‏{‏حديثاً‏}‏ لأن الحديث هو الكلام، ومن قوله في الآية الثانية‏:‏ ‏{‏قيلاً‏}‏ ؛ يعني ‏:‏ قولاً ، والقول لا يكون إلا باللفظ‏.‏

ففيهما إثبات الكلام لله عز وجل، وأن كلامه حق وصدق ، ليس فيه كذب بوجه من الوجوه‏.‏

‏(‏1‏)‏الآية الثالثة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وإذ قال الله عيسى ابن مريم‏{‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 116‏]‏‏.‏

قوله ‏:‏ ‏{‏يا عيسى‏}‏ ‏:‏ مقول القول، وهي جملة من حروف ‏:‏ ‏{‏يا عيسى ابن مريم‏}‏‏.‏

ففي هذا إثبات أن الله يقول ‏:‏ وأن قوله مسموع، فيكون بصوت ، وأن قوله كلمات وجمل ، فيكون بحرف‏.‏

ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة ‏:‏ أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى شاء ، كيف شاء، بما شاء ، بحرف وصوت، لا يماثل أصوات المخلوقين‏.‏

‏"‏متى شاء‏"‏ ‏:‏ باعتبار الزمن‏.‏

‏"‏بما شاء‏"‏ ‏:‏باعتبار الكلام؛ يعني‏:‏ موضوع الكلام من أمر أو نهي أو غير ذلك‏.‏

‏"‏كيف شاء‏"‏ ‏:‏ يعني على الكيفية والصفة التي يريدها سبحانه وتعالى‏.‏ قلنا‏:‏ إنه بحرف وصوت لا يشبه أصوات المخلوقين‏.‏

الدليل على هذا من الآية الكريمة ‏{‏وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم‏}‏‏:‏ هذا حروف‏.‏

وبصوت؛ لأن عيسى يسمع ما قال‏.‏

لا يماثل أصوات المخلوقين ؛ لأن الله قال‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏‏.‏

‏(‏1‏)‏الآية الرابعة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 115‏]‏ ‏.‏

‏{‏كلمة‏}‏؛ بالإفراد، وفي قراءة ‏"‏كلمات‏"‏ ؛ بالجمع ، ومعناها واحد؛ لأن ‏{‏كلمة‏}‏ مفرد مضاف فيعم‏.‏

تمت كلمات الله عز وجل على هذين الوصفين‏:‏ الصدق والعدل، والذي يوصف بالصدق الخبر، والذي يوصف بالعدل الحكم، ولهذا قال المفسرون ‏:‏ صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام‏.‏

فكلمات الله عز وجل في الأخبار صدق لا يعتريها الكذب بوجه الوجوه ، وفي الأحكام عدل لا جور فيها بوجه من الوجوه‏.‏

هنا وصفت الكلمات بالصدق والعدل ‏.‏ إذا ؛ فهي أقوال ؛ لأن القول هو الذي يقال فيه ‏:‏ كاذب أو صادق‏.‏

‏(‏2‏)‏الآية الخامسة ‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وكلم الله موسى تكليماً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏164‏]‏‏.‏

‏{‏الله‏}‏ ‏:‏ فاعل ؛ فالكلام واقع منه‏.‏

‏{‏تكليماً‏}‏ ‏:‏ مصدر مؤكد ، والمصدر المؤكد -بكسر الكاف-؛ قال العلماء‏:‏ إنه ينفي احتمال المجاز‏.‏ فدل على أنه كلام حقيقي؛ لأن المصدر المؤكد ينفي احتمال المجاز‏.‏

أرأيت لو قلت ‏:‏ جاء زيد‏.‏ فيفهم أنه جاء هو نفسه، ويحتمل أن يكون المعنى جاء خبر زيد، وإن كان خلاف الظاهر ، لكن إذا أكدت فقلت‏:‏ جاء زيد نفسه‏.‏ أو ‏:‏ جاء زيد‏.‏ انتفى أحتمال المجاز‏.‏

فكلام الله عز وجل لموسى كلام حقيقي ، بحرف وصوت سمعه ، ولهذا جرت بينهما محاورة ؛ كما في سورة طه وغيرها‏.‏ ‏{‏منهم من كلم الله‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏253‏]‏‏.‏

‏{‏منهم‏}‏ ؛أي‏:‏ من الرسل

{‏من كلم الله‏}‏ ‏:‏ الاسم الكريم ‏{‏الله‏}‏ فاعل كلم، ومفعولها محذوف يعود على ‏{‏من‏}‏ ، والتقدير‏:‏ كلمه الله‏.‏

‏(‏2‏)‏الآية السابعة‏:‏ قوله‏:‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه‏}‏ ‏.‏ ‏[‏الأعراف‏:‏143‏]‏‏.‏

أفادت هذه الآية أن الكلام يتعلق بمشيئته ، وذلك لأن الكلام صار حين المجيئ‏.‏ ، لا سابقاً عليه، فدل هذا على أن كلامه يتعلق بمشيئته‏.‏ فيبطل به قول من قال‏:‏ إن كلامه هو المعنى القائم بالنفس ، وإنه لا يتعلق بمشيئته ، وذلك لأن الكلام صار حين المجيئ، لا سابقاً عليه، فدل هذا على أن كلامه يتعلق بمشيئته‏.‏

فيبطل به قول من قال‏:‏ إن كلامه هو المعنى القائم بالنفس ، وإنه لا يتعلق بمشيئته ؛ كما تقوه الأشاعرة‏.‏

وفي هذه الآية إبطال زعم من زعم أن موسى فقط هو الذي كلم الله ، وحرف قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكلم الله موسى تكليماً‏}‏ إلى نصب الأسم الكريم؛ لأنه في هذه الآية لا يمكنه زعم ذلك ولا تحريفها‏.‏

‏(‏3‏)‏الآية الثامنة‏:‏ قوله‏:‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا‏}‏ ‏.‏‏[‏مريم‏:‏52‏]‏‏.‏

‏{‏وناديناه‏}‏ ‏:‏ ضمير الفاعل يعود إلى الله ، وضمير المفعول يعود إلى موسى؛ أي‏:‏ نادى الله موسى‏.‏

‏{‏نجياً‏}‏ ‏:‏ حال ، وهو فعيل بمعنى مفعول ؛ أي ‏:‏ مناجي‏.‏

والفرق بين المناداة والمناجاة أن المناداة تكون للبعيد ، والمناجاة تكون للقريب وكلاهما كلام‏.‏

وكون الله عز وجل يتكلم مناداة ومناجاة داخل في قول السلف‏:‏ ‏"‏كيف شاء‏"‏‏.‏

فهذه الآية مما يدل على أن الله يتكلم كيف شاء مناداة كان الكلام أو مناجاة‏.‏

‏(‏1‏)‏الآية التاسعة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏10‏]‏‏.‏

{‏وإذ نادى‏}‏ ؛ يعني‏:‏ واذكر إذ نادى‏.‏

والشاهد قوله‏:‏ ‏{‏ربك موسى‏}‏ ‏:‏ فسر النداء بقوله‏:‏ ‏{‏أن ائت القوم الظالمين‏}‏‏.‏

فالنداء يدل على أنه بصوت، و ‏{‏أن ائت القوم الظالمين‏}‏ ‏:‏ يدل على أنه بحرف‏.‏

‏(‏2‏)‏الآية العاشرة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏22‏]‏‏.‏

‏{‏وناداهما‏}‏‏:‏ ضمير المفعول يعود على آدم وحواء‏.‏

{‏ألم أنهكما عن تلكما الشجرة‏}‏‏:‏ يقرر أنه نهاهما عن تلكما الشجرة ، وهذا يدل على أن الله كلمهما من قبل، وأن كلام الله بصوت وحرف، ويدل على أنه يتعلق بمشيئته ؛ لقوله‏:‏ ‏{‏ألم أنهكما‏}‏ ؛ فإن هذا القول بعد النهي، فيكون متعلقاً بالمشيئة‏.‏

‏(‏1‏)‏الآية الحادية عشرة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏65‏]‏‏.‏

يعني ‏:‏ واذكر يوم يناديهم، وذلك يوم القيامة ، والمنادي هو الله عز وجل‏:‏‏{‏فيقول‏}‏‏.‏

وفي هذه الآية إثبات الكلام من وجهين‏:‏ النداء والقول‏.‏

وهذه الآيات تدل بمجموعها على أن الله يتكلم بكلام حقيقي، متى شاء ، بما شاء ، بحرف وصوت مسموع، لا يماثل أصوات المخلوقين‏.‏

وهذه هي العقيدة السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة‏.‏

 إثبات أن القرآن كلام الله تعالى

ذكر المؤلف رحمه الله الآيات الدالة على أن القرآن كلام الله‏.‏ وهذه المسألة وقع فيها النزاع الكثير بين المعتزلة وأهل السنة ، وحصل بها شر كثير على أهل ، وممن أوذي في الله في ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، الذي قال فيه بعض العلماء‏:‏ ‏"‏إن الله سبحانه وتعالى حفظ الإسلام - أو قال‏:‏ نصره - بأبي بكر يوم الردة، وبالإمام أحمد يوم المحنة‏"‏‏.‏

والمحنة‏:‏ هو أن المأمون عفا الله عنا وعنه أجبر الناس على أن يقولوا بخلق القرآن ، حتى إنه صار يمتحن العلماء ويقتلهم إذا لم يجيبوا ، وأكثر العلماء رأوا أنهم في فسحة من الأمر، وصاروا يتأولون‏:‏

إما بأن الحال حال إكراه ، والمكره إذا قال الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان؛ فإنه معفو عنه‏.‏

وإما بتنزيل اللفظ على غير ظاهره؛ يتأولون، فيقولون مثلاً‏:‏ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور؛ هذه مخلوقة ‏.‏ وهو يتأول أصابعه‏.‏

أما الإمام أحمد ومحمد بن نوح (1) رحمهما ؛ فأبيا ذلك، وقالا‏:‏ القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ‏.‏ ورايا أن الإكراه في هذا المقام لا يسوغ لهما أن يقولا خلاف الحق؛ لأن المقام مقام جهاد ، والإكراه يقتضي العفو إذا كانت المسألة شخصية؛ بمعنى أن تكون على الشخص نفسه، أما إذا كانت المسألة شخصية ؛ بمعنى أن تكون على الشخص نفسه ، أما إذا كانت المسألة لحفظ شريعة الله عز وجل‏.‏

لو قال الإمام أحمد في ذلك الوقت ‏:‏ إن القرآن مخلوق ، ولو بتأويل أو لدفع الإكراه ؛ لقال الناس كلهم ‏:‏ القرآن مخلوق‏!‏ وحينئذ يتغير المجتمع الإسلامي من أجل دفع الإكراه، لكنه صمم ، فصارت العاقبة له، ولله الحمد‏.‏

المهم أن القول في القرآن جزء من القول في كلام الله على العموم ، لكن لما وقعت فيه المحنة، وصار محك النزاع بين المعتزلة وأهل السنة ؛ صار الناس يفردون القول في القرآن بكلام خاص، والمؤلف رحمه الله من الآن ساق الآيات الدالة على أن القرآن كلام الله في آيات متعددة‏.‏

الآية الأولى ‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏6‏]‏‏.‏

‏{‏أحد‏}‏ ‏:‏ هذه اسم ، و ‏{‏وإن‏}‏ ‏:‏ أداة الشرط ، والاسم إذا ولي أداة الشرط ؛ فقد ولي أداة لا يليها إلا الفعل، فاختلف النحويون في هذا‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ إنه فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وعليه يكون ‏{‏أحد‏}‏ فاعل لفعل محذوف ، والتقدير‏:‏ وإن استجارك أحد من المشركين؛ فأجره، ومثلها‏:‏ ‏{‏إذا السماء انشقت‏}‏‏.‏

القول الثاني‏:‏ وهو قول الكوفيين وهم في الغالب أسهل من البصريين‏:‏ أن ‏{‏أحد‏}‏ فاعل مقدم، والفعل استجارك مؤخر ، ولا حاجة للتقدير‏.‏

القول الثالث‏:‏ أن ورود الأسماء بعد أدوات الشرط في القرآن كثيراً يدل على عدم امتناعه، وعلى هذا القول يكون الإسم الواقع بعد أداة الشرط مبتدأ إذا كان مرفوعاً، فيكون ‏{‏أحد‏}‏ ‏:‏ مبتدأ ، و ‏{‏استجارك‏}‏ ‏:‏ خبر المبتدأ‏.‏

والقاعدة عندي أن ما كان أسهل من أقوال النحويين؛ فهو المتبع، حيث لا مانع شرعاً من ذلك‏.‏

قوله ‏:‏ ‏{‏استجارك‏}‏ ؛ أي‏:‏ طلب جوارك، والجوار‏:‏ بمعنى العصمة والحماية‏.‏

{‏حتى يسمع‏}‏ ‏:‏ ‏{‏حتى‏}‏ ‏:‏ للغاية ؛ والمعنى‏:‏ إن أحد استجارك ليسمع كلام الله ؛ فأجره حتى سمع كلام الله ؛ أي‏:‏ القرآن، وهذا بالاتفاق‏.‏

وإنما قال‏:‏ ‏{‏فأجره حتى يسمع كلام الله‏}‏ ؛ لأن سماع كلام الله عز وجل مؤثر ولا بد كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‏}‏ ‏[‏ق‏:‏37‏]‏، وكم من إنسان سمع كلام الله فآمن ، لكن بشرط أن يكون يفهمه تماماً‏.‏

وقوله ‏:‏ ‏{‏كلام الله‏}‏ ‏:‏ أضاف الكلام إلى نفسه ، فقال‏:‏ ‏{‏كلام الله‏}‏ ، فدل هذا على أن القرآن كلام الله، وهو كذلك‏.‏

وعقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن ؛ يقولون ‏:‏ إن القرآن كلام الله ، منزل ، غير مخلوق منه بدأ ، وإليه يعود‏.‏

قولهم ‏:‏ ‏"‏منزل‏"‏‏:‏ دليلة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏185‏]‏ ، وقوله‏:‏ ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ ‏[‏القدر‏:‏ 1‏]‏ ، وقوله‏:‏ ‏{‏وقرأنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏106‏]‏‏.‏

وقولهم‏:‏ ‏"‏غير مخلوق‏"‏ ‏:‏ دليله‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ألا له الخلق والأمر‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏54‏]‏ ؛ فجعل الخلق شيئاً والأمر شيئاً آخر؛ لأن العطف يقتضي المغايرة ، والقرآن من الأمر؛ بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏52‏]‏؛ فإذا كان القرآن أمراً ، وهو قسيم للخلق؛ صار غير مخلوق ؛ لأنه لو كان مخلوقاً؛ ما صح التقسيم‏.‏ وهذا دليل سمعي‏.‏

أما الدليل العقلي؛ فنقول‏:‏ القرآن كلام الله، والكلام ليس عيناً قائمة بنفسها حتى يكون بائناً من الله، ولو كان عيناً قائمة بنفسها بائنة من الله ؛ لقلنا‏:‏ إنه مخلوق ، لكن الكلام صفة للمتكلم به، فإذا كان صفة للمتكلم به، وكان من الله؛ كان غير مخلوق؛ لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة‏.‏

وأيضاً ؛ لو كان مخلوقاً ؛ لبطل مدلول الأمر والنهي والخبر والاستخبار ؛ لأن هذه الصيغ لو كانت مخلوقة‏.‏ لكانت مجرد أشكال خلقت على هذه الصورة لا دلالة لها على معناها؛ كما يكون شكل النجوم والشمس والقمر ونحوها‏.‏

وقولهم‏:‏ ‏"‏منه بدأ‏"‏؛ أي‏:‏ هو الذي ابتدأ به، وتكلم به أولاً‏.‏ والقرآن أضيف إلى الله وإلى جبريل وإلى محمد ، صلى الله عليه وسلم‏.‏

مثال الأول‏:‏ قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏فأجره حتى يسمع كلام الله‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏6‏]‏ ، فيكون منه بدأ؛ أي‏:‏ من الله جل جلاله ، ومنه‏:‏ حرف جر وضمير قدم على عامله لفائدة الحصر والاختصاص‏.‏

ومثال الثاني-إضافته إلى جبريل-‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين‏}‏ ‏[‏التكوير ‏:‏ 19-20‏]‏‏.‏

ومثال الثالث- إضافته إلى محمد عليه الصلاة والسلام -‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏ 40-41‏]‏ ، لكن أضيف إليها لأنهما يبلغانه، لا لأنهما ابتدأاه‏.‏

وقولهم‏:‏ ‏"‏وإليه يعود‏"‏ ‏:‏ في معناه وجهان‏:‏

الأول‏:‏ أنه كما جاء في بعض الآثار ‏:‏ ‏(‏ يسرى عليه في ليلة ، فيصبح الناس ليس بين أيديهم قرآن ؛ لا في صدورهم ، ولا في مصاحفهم ، يرفعه الله عز وجل ‏)‏ (2).‏

وهذا-والله أعلم-حينما يعرض عنه الناس إعراضاً كلياً؛ لا يتلونه لفظاً ولا عقيدة ولا عملاً ؛ فإنه يرفع ؛ لأن القرآن أشرف من أن يبقى بين يدي أناس هجروه وأعرضوا عنه فلا يقدرونه قدره، وهذا-والله أعلم-نظير هدم الكعبة في آخر الزمان (3)‏ ؛ حيث يأتي رجل من الحبشة قصير أفحج أسود ، يأتي بجنوده من البحر إلى المسجد الحرام، وينقض على الكعبة حجراً حجراً، كلما نقض حجراً ؛ مده للذي يليه ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وهكذا يتمادون الأحجار إلى أن يرموها في البحر، والله عز وجل يمكنهم من ذلك، مع أن أبرهة جاء بخيله ورجله وفيله فصمه الله قبل أن يصل إلى المسجد هيبته وعظمته، ولكن آخر الزمان لن يبعث نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا أعرض الناس عن تعظيم هذا البيت نهائياً ؛ فإنه يسلط عليه هذا الرجل من الحبشة ؛ فهذا نظير فع القرآن ‏.‏ والله أعلم‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ في معنى قولهم ‏:‏ ‏"‏وإليه يعود‏"‏ ‏:‏ أنه يعود إلى الله وصفاً ؛ أي أنه لا يوصف به أحد سوى الله فيكون المتكلم بالقرآن هو الله عز وجل، وهو الموصوف به‏.‏

ولا مانع أن نقول‏:‏ إن المعنيين كلاهما صحيح‏.‏

هذا كلام أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم‏.‏

ويرى المعتزلة أن القرآن مخلوق، وليس كلام الله‏!‏

ويستدلون لذلك بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏62‏]‏ ، والقرآن شيء ، فيدخل في عموم قوله‏:‏ ‏{‏كل شيء‏}‏ ، ولأنه ما ثم إلا خالق ومخلوق ، والله خالق ، وما سواه مخلوق‏.‏

والجواب من وجهين‏:‏

الأول ‏:‏ أن القرآن كلام الله تعالى، وهو صفة من صفات الله ، وصفات الخالق غير مخلوقة‏.‏

الثاني‏:‏ أن مثل هذا التعبير ‏{‏كل شيء‏}‏ عام قد يراد به الخاص ؛ مثل قوله تعالى عن ملكة سبأ ‏:‏ ‏{‏وأوتيت من كل شيء‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏23‏]‏، وقد خرج شيء كثير لم يدخل في ملكها منه شيء؛ مثل ملك سليمان‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ هل هناك فرق كبير بين قولنا ‏:‏ إنه منزل ، وقولنا ‏:‏إنه مخلوق‏؟‏

فالجواب ‏:‏ نعم؛ بينهما فرق كبير، جرت بسببه المحنة الكبرى في عصر الإمام أحمد‏.‏

فإذا قلنا ‏:‏ إنه منزل‏.‏ فهذا ما جاء به القرآن ؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏تبارك الذي نزل الفرقان على عبده‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏1‏]‏‏.‏

وإذا قلنا‏:‏ إنه مخلوق‏.‏ لزم من ذلك‏:‏

أولاً‏:‏ تكذيب للقرآن ؛ لأن الله يقول‏:‏ ‏{‏وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏52‏]‏، فجعله الله تعالى موحى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولو كان مخلوقاً ؛ ما صح أن يكون موحى ؛ فإذا كان وحياً لزم ألا يكون مخلوقاً؛ لأن الله هو الذي تكلم به‏.‏

ثانياً‏:‏ إذا قلنا‏:‏ إنه مخلوق ؛ فإنه يلزم على ذلك إبطال مدلول الأمر والنهي والخبر والاستخبار ؛ لأن هذه الصيغ لو كانت مخلوقة ؛ لكانت مجرد شكل خلق على هذه الصورة؛ كما خلقت الشمس على صورتها ، والقمر على صورته، والنجم على صورته‏.‏ ‏.‏ وهكذا ، ولم تكن أمراً ولا نهياً ولا خبراً ولا استخباراً ؛ فمثلاً ‏:‏ كلمة ‏"‏قل‏"‏ ‏"‏لا تقل‏"‏ ‏"‏قال فلان‏"‏ ‏"‏هل قال فلان‏"‏ كلها نقوش على هذه الصورة ، فتبطل دلالتها على الأمر والنهي والخبر والاستخبار ، وتبقى كأنها صور ونقوش لا تفيد شيئاً‏.‏

ولهذا قال ابن القيم في ‏"‏النونية‏"‏ ‏:‏ ‏"‏إن هذا القول يبطل به الأمر والنهي؛ لأن الأمر كأنه شيء خلق على هذه الصورة دون أن يعتبر مدلوله، والنهي خلق على هذه الصورة دون أن يعتبر مدلوله ، والنهي خلق على هذه الصورة دون أن يقصد مدلوله، وكذلك الخبر والاستخبار‏"‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ إذا قلنا‏:‏ إن القرآن مخلوق، وقد أضافه إلى نفسه إضافة خلق؛ صح أن نطلق على كل كلام من البشر وغيرهم أنه كلام الله؛ لأن كل كلام الخلق مخلوق، وبهذا التزم أهل الحلول والاتحاد ؛ حيث يقول قائلهم‏:‏

وكل كلام في الوجوه كلامه ** سواء علينا نثره ونظامه

وهذا اللازم باطل، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم‏.‏

فهذه ثلاثة أوجه تبطل القول بأنه مخلوق‏.‏

والوجه الرابع ‏:‏ أن نقول‏:‏ إذا جوزتم أن يكون الكلام-وهو معنى لا يقوم إلا بمتكلم - مخلوقاً ؛ لزمكم أن تجوزوا أن تكون جميع صفات الله مخلوقة ؛ إذ لا فرق ؛ ؛ فقولوا إذا‏:‏ سمعه مخلوق ، وبصره مخلوق‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وهكذا‏.‏

فإن أبيتم إلا أن تقولوا‏:‏ إن السمع معنى قائم بالسامع لا يسمع منه ولا يرى، بخلاف الكلام ؛ فإنه جائز أن الله يخلق أصواتاً في الهواء فتسمع ‏!‏‏!‏ قلنا لكم ‏:‏ لو خلق أصواتاً في الهواء، فسمعت ؛ لكان المسموع وصفاً للهواء ، وهذا أنتم بأنفسكم لا تقولوه ؛ فكيف تعيدون الصفة إلى غير موصوفها ‏؟‏‏!‏

هذه وجوه أربعة كلها تدل على أن القول بخلق القرآن باطل، ولو لم يكن منه إلى إبطال الأمر والنهي والخبر والاستخبار ؛ لكان ذلك كافياً‏.‏

‏(‏1‏)‏الآية الثانية‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏75‏]‏‏.‏

هذا في سياق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفتطمعون أن يؤمنوا لكم‏}‏ ؛ يعني‏:‏ لا تطمعون أن يؤمنوا لكم ؛ أي ‏:‏ اليهود‏.‏

{‏فريق منهم‏}‏ ‏:‏ طائفة منهم، وهم علماؤهم‏.‏

{‏يسمعون كلام الله‏}‏ ‏:‏ يحتمل أن يراد به القرآن ، وهو ظاهر صنيع المؤلف، فيكون دليلاً على أن القرآن كلام الله ‏.‏ ويحتمل أن يراد به كلام الله تعالى لموسى حين اختار موسى سبعين رجلاً لميقات الله تعالى، فكلمه الله وهم يسمعون ، فحرفوا كلام الله تعالى من بعدما عقلوه وهم يعلمون‏.‏ ولم أر الاحتمال الأول لأحد من المفسرين‏.‏

أيا كان ؛ ففيه إثبات أن كلام الله بصوت مسموع ، والكلام صفة المتكلم ، وليس شيئاً بائناً منه؛ فوجب أن يكون القرآن كلام الله لا كلام غيره‏.‏

{‏ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون‏}‏ ‏:‏ ‏{‏يحرفونه‏}‏ ‏:‏ أي ‏:‏ يغيرون معناه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏من بعد ما عقلوه وهم يعلمون‏}‏ ‏:‏ ‏{‏يحرفونه‏}‏ هذا أشد في قبح عملهم وجرأتهم على الله سبحانه وتعالى‏:‏ أن يحرفوا الشيء من بعد ما عقلوه ووصل إلى عقولهم وهم يعلمون أنهم محرفون له؛ لأن الذي يحرف المعنى عن جهل أهون من الذي يحرفه بعد العقل والعلم‏.‏

‏(‏1‏)‏ ‏{‏يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏15‏]‏‏.‏

في هذه الآية إثبات أن القرآن كلام الله؛ لقوله‏:‏ ‏{‏يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل‏}‏‏.‏

والضمير يعود على الأعراب الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 15‏]‏؛ فهؤلاء أرادوا أن يبدلوا كلام الله ، فيخرجوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولكن الله تعالى إنما كتب المغانم لقوم معينين ، للذين غزوا في الحديبية ، وأما من تبعوه لأخذ الغنائم فقط؛ فلا حق لهم فيها‏.‏

وفي الآية ايضاً إثبات القول لله تعالى ؛ لقوله ‏:‏ ‏{‏كذلكم قال الله من قبل‏}‏ ‏.‏

‏(‏1‏)‏ الآية الرابعة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 27‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏ما أوحي إليك‏}‏ ؛ يعني ‏:‏ القرآن ، والوحي لا يكون إلا قولاً ؛ فهو إذا غير مخلوق‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏من كتاب ربك‏}‏ ‏:‏ أضافه إليه سبحانه وتعالى ؛ لأنه هو الذي تكلم به، أنزله على محمد ، صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين‏.‏

{‏لا مبدل لكلماته‏}‏ ؛ يعني ‏:‏ لا أحد يبدل كلمات الله ، أما الله عز وجل ؛ فيبدل آية مكان آية ؛ كما قال تعالى‏:‏‏{‏ وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 101‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏لا بمدل لكلماته‏}‏ ‏:‏ يشمل الكلمات الكونية والشرعية‏:‏

أما الكونية‏:‏ فلا يستثنى منها شيء ، لا يمكن لأحد أن يبدل كلمات الله الكونية‏:‏ إذا قضي الله على شخص بالموت؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك‏.‏ إذا قضى الله تعالى بالفقر؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك‏.‏

إذا قضى الله تعالى بالفقر؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك‏.‏

إذا قضى الله تعالى بالجدب؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك‏.‏

وكل هذه الأمور التي تحدث في الكون ؛ فإنها بقوله ؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون‏}‏ ‏[‏يس‏:‏82‏]‏‏.‏

أما الكلمات الشرعية؛ فإنها قد تبدل من قبل أهل الكفر والنفاق، فيبدلون الكلمات‏:‏ إما بالمعنى، وإما باللفظ إن استطاعوا، أو بهما‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏لكلماته‏}‏ دليل على أن القرآن كلام الله تعالى‏.‏

‏(‏1‏)‏الآية الخامسة‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏76‏]‏‏.‏

الشاهد قوله‏:‏ ‏{‏يقص‏}‏ ، والقصص لا يكون إلا قولاً ؛ فإذا كان القرآن هو الذي يقص ؛ فهو كلام الله ؛ لأن الله تعالى هو الذي قص هذه القصص؛ قال الله سبحانه وتعالى لأن الله تعالى هو الذي يقص؛ فهو كلام الله ؛ لأن الله تعالى هو الذي قص هذه القصص؛ قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏3‏]‏ ، وحينئذ يكون القرآن كلام الله عز وجل‏.‏

إثبات أن القرآن منزل من الله تعالى

‏(‏2‏)‏ذكر المؤلف رحمه الله الآيات التي فيها أن القرآن منزل من الله تعالى‏:‏

الآية الأولى ‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وهذا كتاب أنزلناه مبارك‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏155‏]‏‏.‏

{‏وهذا كتاب‏}‏ ؛ أي‏:‏ مكتوب ؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ ، ومكتوب في الصحف التي بأيدي السفرة ، ومكتوب في المصاحف التي بأيدينا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏مبارك‏}‏ ؛ أي‏:‏ ذو بركة‏.‏

فهو مبارك ؛ لأنه شفاء لما في الصدور ، إذا قرأه الإنسان بتدبر وتفكر ؛ فإنه يشفي القلب من المرض ، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏82‏]‏‏.‏

مبارك في اتباعه ؛ إذ به صلاح الأعمال الظاهرة والباطنة‏.‏

مبارك في اثاره العظيمة ؛ فقد جاهد المسلمون به بلاد الكفر ؛ لأن الله يقول ‏:‏ ‏{‏وجاهدهم به جهاداً كبيراً‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏52‏]‏، والمسلمون فتحوا مشارق الأرض ومغاربها بهذا القرآن حتى ملكوها ، ولو رجعنا إليه ؛ لملكنا مشارق الأرض ومغاربها بهذا القرآن حتى ملكوها ، ولو رجعنا إليه ؛ لملكنا مشارق الأرض ومغاربها ؛ كما ملكها أسلافنا ، ونسأل الله ذلك‏.‏

مبارك في أن من قرأه ؛ فله بكل حرف عشر حسنات ؛ فكلمة ‏(‏قال‏)‏ مثلاً فيها ثلاثون حسنة ، وهذا من بركة القرآن ؛ فنحن نحصل خيرات كثيرة لا تحصى بقراءة آيات وجيزة من كلام الله عز وجل‏.‏

والحاصل‏:‏ أن القرآن كتاب مبارك؛ فكل أنواع البركة حاصلة بهذا القرآن العظيم‏.‏

والشاهد في قوله‏:‏ ‏{‏أنزلناه‏}‏‏.‏

وثبوت نزوله من الله دليل على أنه كلامه‏.‏

‏(‏1‏)‏الآية الثانية‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرآيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏21‏]‏‏.‏

الجبل من أقسى ما يكون ، والحجارة التي منها تتكون الجبال هي مضرب المئل في القساوة ؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم قست قلوبكم من بعد فهي كالحجارة أو أشد قسوة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 74‏]‏، ولو نزل هذا القرآن على جبل ؛ لرأيت هذا الجبل خاشعاً متصدعاً من خشية الله‏.‏

‏{‏خاشعاً‏}‏ ؛ أي‏:‏ ذليلاً‏.‏

ومن شدة خشيته لله يكون ‏{‏متصدعاً‏}‏ يتفلق ويتفتق‏.‏

وهو ينزل على قلوبنا ، وقلوبنا - إلا أن يشاء الله - تضمر وتقسو لا تتفتح ولا تتقبل‏.‏

فالذين آمنوا إذا نزلت عليهم الآيات ؛ زادتهم إيماناً، والذين في قلوبهم مرض ؛ تزيدهم رجساً إلى رجسهم؛ والعياذ بالله‏!‏

ومعنى ذلك ‏:‏ أن قلوبهم تتصلب وتقسو أكثر وتزداد رجساً إلى رجسها ، نعوذ بالله من ذلك‏!‏

وهذا القرآن لو أنزل على جبل ؛ لتصدع الجبل وخشع ؛ لعظمة ما أنزل عليه من كلام الله‏.‏

وفي هذا دليل على أن للجبل إحساساً؛ لأنه يخشع ويتصدع ، والأمر كذلك ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم في أحد‏:‏ ‏(‏ هذا أحد جبل يحبنا ونحبه ‏)‏ (4).‏

وبهذا الحديث نعرف الرد على المثبتين للمجاز في القرآن ، والذي يرفعون دائماً علمهم مستدلين بهذه الآية‏:‏ ‏{‏فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏77‏]‏؛ يقول‏:‏ كيف يريد الجدار‏؟‏‏!‏

فنقول ‏:‏ يا سبحان الله ‏!‏ العليم الخبير يقول‏:‏ ‏{‏يريد أن ينقض‏}‏ ، وأنت تقول ‏:‏ لا يريد ‏!‏ أهذا معقول‏؟‏

فليس من حقك بعد هذا أن تقول ‏:‏ كيف يريد‏؟‏‏!‏

وهذا يجعلنا نسأل أنفسنا‏:‏ هل نحن أوتينا علم كل شيء‏؟‏

فنجيب بالقول بأننا ما أوتينا من العلم إلا قليلاً

فقول من يعلم الغيب والشهادة ‏:‏ ‏{‏يريد أن ينقض‏}‏ ‏:‏ لا يسوغ لنا أن نعترض عليه ، فنقول ‏:‏ لا إرادة للجدار ‏!‏ ولا يريد أن ينقض ‏!‏

وهذا من مفاسد المجاز ؛ لأنه يلزم منه نفي ما أثبته القرآن‏.‏

أليس الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏44‏]‏؛ هل تسبح بلا إرادة ‏؟‏‏!‏

يقول‏:‏ ‏{‏تسبح له‏}‏ ‏:‏ اللام للتخصيص ؛ إذا ؛ هي مخلصة ، وهل يتصور إخلاص بلا إرادة‏؟‏‏!‏ إذا؛ هي تريد وكل شيء يريد لأن الله يقول‏:‏ ‏{‏وإن من شيء إلا يسبح‏}‏ ، واظنه لا يخفى علينا جميعاً أن هذا من صيغ العموم ؛ فـ‏(‏إن‏)‏ ‏:‏ نافية بمعنى ‏(‏ما‏)‏ ، و ‏{‏من شيء‏}‏ ‏:‏ نكرة في سياق النفي ، ‏{‏إلا يسبح بحمده‏}‏ ، فيعم كل شيء‏.‏

فيا أخي المسلم ‏!‏ إذا رأيت قلبك لا يتأثر بالقرآن ؛ فاتهم نفسك ؛ لأن الله أخبر أن هذا القرآن لو أنزل على جبل لتصدع، وقلبك يتلى عليه القرآن ، ولا يتأثر‏.‏ اسأل الله أن يعينني وإياكم‏.‏

‏(‏1‏)‏ الآية الثالثة والرابعة والخامسة ‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون ‏.‏ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ‏.‏ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 101-103‏]‏ ‏.‏

قوله عز وجل ‏:‏ ‏{‏وإذا بدلنا آية مكان آية‏}‏ ‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏بدلنا‏}‏ ؛ أي‏:‏ جعلنا آية مكان آية ، وهذا إشارة إلى النسخ المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏106‏]‏، فالله سبحانه إذا نسخ آية ؛ جعل بدلها آية ، سواء نسخها لفظاً ، أو نسخها حكماً‏.‏

وقوله ‏:‏ ‏{‏والله أعلم بما ينزل‏}‏ ‏:‏ هذه جمله اعتراضية ، وهي من أحسن ما يكون في هذا الموضع ، والمعنى أن تبديلنا للآية ليس سفهاً وعبثاً ، بل هو صادر عن علم بما يصلح الخلق، فنبدل آية مكان آية؛ لعلمنا أن ذلك أصلح للخلق وأنفع لهم‏.‏

وفيها أيضاً فائدة أخرى، وهي أن هذا التبديل ليس من عمل الرسول عليه الصلاة والسلام‏.‏ بل هو من الله ، أنزله بعلمه ، وأبدل آية مكان آية بعلمه، وليس منك أيها الرسول‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله‏}‏ ‏[‏يونس ‏:‏ 15‏]‏ ؛ فماذا كان الجواب‏؟‏ كان الجواب بأن أجاب عن شيء من كلامهم وترك شيئاً فقال تعالى ‏{‏ قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏15‏]‏ ، ولم يقل ‏:‏ ولا أتي بقرآن غيره ‏.‏ لماذا‏؟‏ لأنه قد يأتي بتبديل من عنده، وإذا كان لا يمكنه تبديله؛ فالإتيان بغيره أولى بالامتناع‏.‏

فالمهم ‏:‏ أن الذي يبدل آية مكان آية، سواء لفظها أو حكمها ، هو الله سبحانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏إنما أنت مفتر‏}‏ ‏:‏ الجملة جواب ‏{‏وإذا‏}‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏إنما أنت‏}‏ ‏:‏ الخطاب هنا لمحمد ، صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏مفتر‏}‏ ؛ أي‏:‏ كذاب ، بالأمس تقول لنا كذا ، واليوم تقول لنا كذا ، هذا كذب، بالأمس تقول لنا كذا، واليوم تقول لنا كذا، هذا كاذب ، إنما أنت مفتر‏!‏‏!‏

لكن هذا القول الذي يقولونه إزاء إتيانه بآية مكان آية هو قول سفه ، ولو أمعنوا النظر ؛ لعلموا علم اليقين أن الذي يأتي بآية مكان آية هو الله سبحانه، وذلك يدل على صدقه ، صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الكذاب يحذر غاية الحذر أن يأتي بكلام غير كلامه الأول؛ لأنه يخشى أن يطلع على كذبه، فلو كان كاذباً كما يدعون أن ذلك من علامة الكذب؛ ما أتى بشيء يخالف الأول؛ لأنه إذا أتى بشيء يخالف الأول على زعمهم تبين كذبه بل إتيانه بما يخالف الأول دليل على صدقه بلا شك‏.‏

ولهذا قال هنا‏:‏ ‏{‏بل أكثرهم لا يعلمون‏}‏ ، وهذا إضراب إبطالي؛ معناه‏:‏ بل لست مفترياً ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ، ولو أنهم كانوا من ذوي العلم لعلموا أنه إذا بدلت آية مكان آية فإنما ذلك دليل على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام‏.‏

قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏قل نزله روح القدس من ربك بالحق‏}‏‏:‏ ‏{‏روح القدس‏}‏ ‏:‏ هو جبريل، ووصفه بذلك لطهارته من الخيانة عليه الصلاة والسلام‏.‏ ولهذا قال في آية أخرى ‏{‏إنه لقول رسول كريم ‏.‏ ذي قوة عند ذي العرش ‏.‏ مطاع ثم أمين‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏19-20‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏من ربك‏}‏ قال‏:‏ ‏{‏من ربك‏}‏ ، ولم يقل ‏:‏ من رب العالمين؛ إشارة إلى الربوبية الخاصة ؛ ربوبية الله للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهي ربوبية أخص الخاصة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏بالحق‏}‏ ‏:‏ إما أن يكون وصفاً للنازل أو للمنزول به‏.‏

فإن كان وصفاً للنازل؛ فمعناه ‏:‏ أن نزوله حق، وليس بكذب‏.‏

وإن كان وصفاً للمنزول به؛ فمعناه‏:‏ أن ما جاء به فهو حق‏.‏

وكلاهما مراد ؛ فهو حق من عند الله ، ونازل بالحق‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وبالحق أنزلناه وبالحق نزل‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏105‏]‏ ‏.‏

فالقرآن حق، وما نزل به حق‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وهدى وبشرى للمسلمين‏}‏ ؛ أي ‏:‏ هدى يهتدون به، ومناراً يستنيرون به، وبشارة لهم يستبشرون به‏.‏

بشارة ؛ لأن من عمل به، واستسلم له كان ذلك دليلاً على أنه من أهل السعادة، قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فأما من أعطى وأتقى ‏.‏ وصدق بالحسنى ‏.‏ فسنيسره لليسرى ‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏5-7‏]‏‏.‏

ولهذا ينبغي للإنسان أن يفرح إذا رأى من نفسه الخير والثبات عليه والإقبال عليه، يفرح ؛ لأن هذه بشارة له؛ فإن الرسول ، صلى الله عليه وسلم لما حدث أصحابه ؛ قال ‏(‏ ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ‏)‏‏.‏ قالوا أفلا ندع العمل ونتكل‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا ؛ اعملوا ؛ فكل ميسر لما خلق له ‏)‏، ثم قرأ ‏:‏ ‏{‏فأما من أعطى وأتقى ‏.‏ وصدق بالحسنى ‏.‏ فسنيسره لليسرى ‏.‏وأما من بخل واستغنى ‏.‏ وكذب بالحسنى ‏.‏ فسنيسره للعسرى‏} ‏[‏الليل‏:‏5-10‏]‏‏.‏ (5)

فإذا رأيت من نفسك أن الله عز وجل قد من عليك بالهداية ، والتوفيق والعمل الصالح ومحبة الخير وأهل الخير ؛ فأبشر؛ فإن في هذا دليلاً على أنك من أهل اليسرى ، الذين كتبت لهم السعادة‏.‏

ولهذا قال هنا‏:‏ ‏{‏وهدى وبشرى للمسلمين‏}‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر‏}‏ ؛ قال‏:‏ ‏{‏ولقد نعلم‏}‏ ، ولم يقل ‏:‏ لقد علمنا ؛ لأن قولهم هذا يتجدد ، فكان التعبير بالمضارع أولى من التعبير بالماضي ؛ لأنه لو قال ‏:‏ لقد علمنا ؛ لتبادر إلى ذهن بعض الناس أن المعنى ‏:‏ علمنا أنهم قالوا ذلك سابقاً ، لا أنهم يستمرون عليه‏.‏

وسبب نزول هذه الآية أن قريشاً قالت‏:‏ إن هذا القرآن الذي يأتي به محمد ليس من عند ربه، وإنما هو من شخص يعلمه ويقص عليه من قصص الأولين، ويأتي ليقول لنا‏:‏ هذا من عند الله ‏!‏ أعوذ بالله‏!‏‏!‏

ادعوا أنه كلام البشر‏!‏ والعجيب أنهم يدعون أنه كلام بشر، ويقال لهم‏:‏ ائتوا بمثله ، ولا يستطيعون‏!‏‏!‏

وقد أبطل الله افتراءهم هذا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لسان الذي يلحدون إليه أعجمي‏}‏ ، ومعنى ‏{‏يلحدون‏}‏ يميلون ؛ لأن قولهم هذا ميل عن الصواب بعيد عن الحق‏.‏

والأعجمي ‏:‏ هو الذي لا يفصح بالكلام ، وإن كان عربياً ، والعجمي بدو همزة هو‏:‏ المنسوب إلى العجم وإن كان يتكلم العربية‏.‏

فلسان هذا الذي يلحدون إليه أعجمي لا يفصح بالكلام العربي‏.‏

وأما القرآن ؛ فإن الله قال فيه ‏:‏ ‏{‏وهذا لسان عربي مبين‏}‏ ‏.‏ بين في نفسه مبين لغيره‏.‏

فالقرآن كلام عربي، وهو أفصح الكلام ، كيف يأتي من هذا الرجل الأعجمي، الذي لسانه لا يفصح بالكلام‏؟‏‏!‏

والشاهد هو قوله‏:‏ ‏{‏والله أعلم بما ينزل‏}‏ ، وقوله ‏:‏ ‏{‏قل نزله روح القدس من ربك‏}‏ ، وقوله ‏{‏وهذا لسان عربي مبين‏}‏ ‏.‏

وكل هذه تدل على أن القرآن كلام الله تعالى منزل من عنده‏.‏

والمؤلف ترك الآية التي بعدها ؛ لأنه ليس فيها شاهد ، ولكنها مفيدة ؛ فنذكرها ‏:‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ‏.‏ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏104-105‏]‏‏.‏

ومعنى هذه الآية‏:‏ أن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولا ينتفعون بآياته، والعياذ بالله ؛ فالهداية مسدودة عليهم‏.‏

وهذه الحقيقة فيها فائدة كبيرة، وهي‏:‏ أن من لم يؤمن بآيات الله لا يهديه الله

ومفهوم المخالفة فيها‏:‏ أن من آمن بآيات الله؛ هداه الله‏.‏

مثال ذلك ‏:‏ أننا نجد من لم يؤمن بالآيات ؛ لم يهتد لبيان وجهها ؛ مثل قول بعضهم ‏:‏ يكف ينزل الله إلى السماء الدنيا وهو في العلو‏؟‏‏!‏

فنقول‏:‏ آمن تهتد ‏!‏ فإذا آمنت بأنه ينزل حقيقة علمت أن هذا ليس بمستحيل‏:‏ لأنه في جانب الله عز وجل، ولا يماثله شيء‏.‏

ونجد من يقول في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏جدارا يريد أن ينقض فأقامه‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏77‏]‏‏:‏ كيف يريد الجدار‏؟‏

فنقول‏:‏ آمن بأن الجدار يريد أن يتبين لك أن هذا ليس بغريب‏.‏

وهذه قاعدة ينبغي أن تكون أساسية عندك، وهي‏:‏ آمن تهتد‏!‏

والذين لا يومنون بآيات الله لا يهديهم الله، ويبقى القرآن عليهم عمى-والعياذ بالله - ولا يستطيعون الاهتداء به، نسأل الله لنا ولكم الهداية‏.‏

ما نستفيده من الناحية المسلكية من هذه الآيات‏:‏

نستفيد أننا إذا علمنا أن هذا القرآن تكلم به رب العالمين ؛ أوجب لنا ذلك تعظيم هذا القرآن ، واحترامه ، وامتثال ما جاء فيه من الأوامر ، وترك ما فيه من المنهيات والمحذورات ، وتصديق ما جاء فيه من الأخبار عن الله تعالى وعن مخلوقاته السابقة واللاحقة‏.‏