فصل: (مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[شِعْرُ أَبِي أُسَامَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنٍ بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرّ بهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْر ٍ، وَقَدْ أَعْيَا هُبَيْرَةُ فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ أَصَحّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ:
وَلَمّا أَنْ رَأَيْت الْقَوْمَ خَفّوا ** وَقَدْ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ

وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ** كَأَنّ خِيَارَهُمْ أَذْبَاحُ عِتْرِ

وَكَانَتْ جُمّةٌ وَافَتْ حِمَامًا ** وَلُقّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ

نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ** كَأَنّ زُهَاءَهُمْ غَطَيَانُ بَحْرِ

وَقَالَ الْقَائِلُونَ مَنْ ابْنُ قَيْسٍ ** فَقُلْتُ أَبُو أُسَامَةَ غَيْرَ فَخْرِ

أَنَا الْجُشَمِيّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي ** أُبَيّنْ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ

فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ ** فَإِنّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ

فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمّا غُشِينَا ** وَعِنْدَك مَالِ- إنْ نَبّأْتَ- خُبْرَى

وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْتَ الْمَرْءَ عَنّا ** هُبَيْرَةَ وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ

بِأَنّي إذْ دُعِيت إلَى أُفَيْدٍ ** كَرَرْتُ وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرّ صَدْرِي

عَشِيّةً لَا يَكَرّ عَلَى مُضَافٍ ** وَلَا ذِي نَعْمَة مِنْهُمْ وَصِهْرِ

فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ** وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرِو

فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ** مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِي

دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ** كَأَنّ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ

فَأُقْسِمُ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ رَبّي ** وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ

لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبِي إذَا مَا ** تَبَدّلَتْ الْجُلُودُ جُلُودَ نِمْرِ

فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجِ ** مُدِلّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي

فَقَدْ أَحْمِي الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافِ ** فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ

بِخَلّ تَعْجِزُ الْحُلَفَاءُ عَنْهُ ** يُوَاثِبُ كُلّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ

بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنّي إذَا مَا ** حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ

بِبِيضٍ كَالْأَسِنّةِ مُرْهِفَاتٍ ** كَأَنّ ظُبَاتِهِنّ جَحِيمِ جَمْرِ

وَأَكْلَف مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ** وَصَفْرَاءِ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ

وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ** عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ

أُرَفّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ** كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْثٍ سِبَطْرِ

يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا ** فَقُلْتُ لَعَلّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ

وَقُلْتُ أَبَا عَدِيّ لَا تَطُرْهُمْ ** وَذَلِكَ إنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي

كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَاهُمْ ** فَظَلّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ:
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ** كَأَنّ سِرَاعَهُمْ تَيّارُ بَحْرِ

وَقَوْلُهُ:
مُدَلّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي

عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أَسَامّةَ أَيْضًا:
أَلَا مِنْ مُبَلّغٌ عَنّي رَسُولًا ** مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا لَطِيفُ

أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ** وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك الْكُفُوفُ

وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ** كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ

وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ** خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ

فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ** وَعَوْنُ اللّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ

وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَحْدِي ** وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ

وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مُسْتَكِينٌ ** بِجَنْبِ كُرَاشٍ مَكْلُومٌ نَزِيفُ

وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ** مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ

فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي ** أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ

أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ** إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ

وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ** يَنُوءُ كَأَنّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ

دَلَفْتُ لَهُ إذْ اخْتَلَطُوا بِحَرّى ** مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ

فَذَلِك كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ** وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ عَزُوفُ

أَخُوكُمْ فِي السّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ** وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ

وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ** جَنَانُ اللّيْلِ وَالْأَنَسُ اللّفِيفُ

أَخُوضُ الصّرّةَ الْجَمّاءَ خَوْضًا ** إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشّفِيفُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللّامّ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أَوّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثّانِي، كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ.

.[شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة بْنِ رَبِيعَةَ تَبْكِي أَبَاهَا يَوْمَ بَدْر ٍ:
أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ** عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ

تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ** بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبْ

يُذِيقُونَهُ حَدّ أَسْيَافِهِمْ ** يَعُلّونه بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ

يَجُرّونَهُ وَعَفِيرُ التّرَابِ ** عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ

وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا ** جَمِيلَ الْمَرَاةِ كَثِيرَ الْعُشُبِ

فَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أَعْنِهِ ** فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ

وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
يَرِيبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ** وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ يُغَالِبُهْ

أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** يُرَاعَ أَمْرٌ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ

أَلَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ رُزِئْتُ مُرَزّأً ** تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ مُوَاهِبُهُ

فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ** فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ

فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الْحَرْبَ إنّهُ ** لِكُلّ امْرِئِ فِي النّاسِ مَوْلًى يُطَالِبُهُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
لِلّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى ** هُلْكًا كَهُلْكِ رِجَاليهْ

يَا رُبّ بَاكٍ لِي غَدًا ** فِي النّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ

كَمْ غَادَرُوا يَوْمَ الْقَلِي ** بِ غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ

مِنْ كُلّ غَيْثٍ فِي السّنِي ** نِ إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ

قَدْ كُنْتُ أُحْذَرُ مَا أَرَى ** فَالْيَوْمُ حَقّ حَذَارِيَهْ

قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ** فَأَنَا الْغَدَاةَ مُوَامِيَهْ

يَا رُبّ قَائِلَةٍ غَدًا ** يَا وَيْحَ أُمّ مُعَاوِيَهْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
يَا عَيْنُ بَكّي عُتْبَهْ ** شَيْخًا شَدِيدَ الرّقَبَهْ

يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ** يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَغْلَبَهْ

إنّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ** مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ

لَنَهْبِطَنّ يَثْرِبَهْ ** بِغَارَةٍ مُنْثَعِبَهْ

فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ** كُلّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ

.[شِعْرُ صَفِيّةَ]:

وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ: وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ:
يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ ** حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ

أُخْبِرْتُ أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ** قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ

وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ ** تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ

قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ** وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ

كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ** فَأَصْبَحَ السّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا: كَانُوا سُقُوبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرٍ أَيْضًا:
أَلَا يَا مَنْ لِعَيْنٍ لِلتّ ** بَكّي دَمْعُهَا فَانِ

كَغَرْبَيْ دَالِجٍ يَسْقَى ** خِلَالَ الْغَيّثِ الدّانِ

وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ** أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ

وأَبُو شِبْلَيْنِ وَثّابٌ ** شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ

كَحِبّي إذْ تَوَلّى و** أَلْوَانِ

وَبِالْكَفّ حُسَامٌ صَا ** رِمٍ أَبْيَضُ ذُكْرَانِ

وَأَنْتَ الطّاعِنُ النّجْلَا ** ءِ مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا: وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ إلَى آخِرِهَا، مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ قَبْلَهُ.

.[شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ تَرْثِي عَبِيدَة بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ:
لَقَدْ ضُمّنَ الصّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ** وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللّبّ وَالْعَقْلِ

عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ** وَأَرْمَلَة تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ

وَبَكّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ** إذَا احْمَرّ آفَاقُ السّمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ

وَبَكّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرّيحُ زَفْزَةٌ ** وَتَشْبِيبُ قِدْرٍ طَالَمَا أَزْبَدَتْ تَغْلِي

فَإِنْ تُصْبِحُ النّيرَانَ قَدْ مَاتَ ضَوْءُهَا ** فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ

لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ** وَمُسْتَنْبَحٍ أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ.

.[شِعْرُ قُتَيْلَة بِنْتِ الْحَارِثِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ قُتَيْلَة بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْت النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ تَبْكِيهِ:
يَا رَاكِبًا إنّ الْأَثِيلَ مَظِنّةٌ ** مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ

أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةً ** مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ تَخْفِقُ

مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ** جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ

هَلْ يَسْمَعَنّي النّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ ** أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ

أَمُحَمّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ** فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرّقُ

مَا كَانَ ضُرّك لَوْ مَنَنْتَ وَرُبّمَا ** مَنّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ

أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ** بِأَعَزّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ

فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرّتْ قَرَابَةً ** وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ

ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ** لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ

صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ** رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوَثّقُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَيُقَالُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ قَالَ: «لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْه».

.[تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي شَوّالٍ.

.غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْم ٍ بِالْكَدَرِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَقُمْ بِهَا إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ أَوْ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعَدَةِ وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جُلّ الْأُسَارَى مِنْ قُرَيْشٍ.

.غَزْوَة السّوِيقِ:

.[عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ وَخُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِهِ]:

قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ غَزْوَةَ السّوِيقِ فِي ذِي الْحَجّةِ وَوَلّى تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكّةَ، وَرَجَعَ فَلّ قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ، نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لِيَبَرّ يَمِينَهُ فَسَلَكَ النّجْدِيّة، حَتّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَيْب، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ حَتّى أَتَى بَنِي النّضِيرِ تَحْتَ اللّيْلِ فَأَتَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، وَكَانَ سَيّدَ بَنِي النّضِير ِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَرّاهُ وَسَقَاهُ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ ثُمّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً يُقَالُ لَهَا: الْعَرِيضُ، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا، فَقَتَلُوهُمَا، ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَنَذِرَ بِهِمْ النّاسُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، حَتّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفّفُونَ مِنْهَا لِلنّجَاءِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حَيْنَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً؟ قَالَ نَعَمْ.

.[سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِغَزْوَةِ السّوِيق ِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا سُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَزْوَادِهِمْ السّوِيقُ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَوِيقٍ كَثِيرٍ فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ.

.[شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِيهَا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ لِمَا صَنَعَ بِهِ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ:
وَإِنّي تَخَيّرْت الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ** لِحِلْفٍ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ أَتَلَوّمْ

سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً ** عَلَى عَجَلٍ مِنّي سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ

وَلَمّا تَوَلّى الْجَيْشُ قُلْتُ وَلَمْ أَكُنْ ** لِأُفْرِحَهُ أَبْشِرْ بِعَزّ وَمَغْنَمِ

تَأَمّلْ فَإِنّ الْقَوْمَ سُرّ وَإِنّهُمْ ** صَرِيحُ لُؤَيّ لَا شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ

وَمَا كَانَ إلّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ** أَتَى سَاعِيًا مِنْ غَيْرِ خَلّةِ مُعْدِمِ

.غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ:

فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ السّوِيقِ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، ثُمّ غَزَا نَجْدًا، يُرِيدُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلَ كُلّهُ أَوْ إلّا قَلِيلًا مِنْهُ.

.غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بُحْرَانَ:

ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ قُرَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ بُحْرَانَ، مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَجُمَادَى الْأُولَى، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.

.أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاع: [نَصِيحَةُ الرّسُولِ لَهُمْ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ]:

قَالَ: وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاع َ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا مِنْ اللّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنْ النّقْمَةِ وَأَسْلِمُوا، فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا: يَا مُحَمّدُ إنّك تَرَى أَنّا قَوْمُك لَا يَغُرّنّكَ أَنّك لَقِيت قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فُرْصَةً إنّا وَاَللّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاك لَتَعْلَمَنّ أَنّا نَحْنُ النّاسَ.

.[مَا نَزَلَ فِيهِمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلّا فِيهِمْ {قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُرَيْشٍ {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}

.[كَانُوا أَوّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ.

.[سَبَب الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ. فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ يَهُودِيّا، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ.

.[مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتَ الْفُضُولِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا، ثُمّ قَالَ وَيْحَك أَرْسِلْنِي، قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُرْسِلْك حَتّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيّ أَرْبَعَ مِئَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثُ مِئَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إنّي وَاَللّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ لَك.

.[مُدّةُ حِصَارِهِمْ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُحَاصَرَتِهِ إيّاهُمْ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.