فصل: أحداث سنة اثنتين وستين وثلاثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء **


 سنة اثنتين وستين وثلاثمائة

ففي المحرم قدر جوهر قيمة الدنانير فجعل الأبيض بثمانية دراهم‏.‏

ولخمس بقين منه توفى سعادة بن حيان فحضر جوهر جنازته وصلى عليه الشريف مسلم‏.‏

وفي ربيع الأول عزل سليمان بن عزة المحتسب جماعة من الصيارفة فشغب طائفة منهم وصاحوا‏:‏ معاوية خال علي بن أبي طالب‏.‏

فهم جوهر بإحراق رحبة الصيارفة لولا خوفه على الجامع‏.‏

ودخل الحسن بن عمار ببضع وتسعين أسيرا وشهروا‏.‏

ودخل عبد الله بن طاهر الحسيني على جوهر بطيلسان كحلي وفي مجلسه القضاة والعلماء والشهود فأنكر الطيلسان الكحلي ومد يده فشقه فغضب ابن طاهر وتكلم فأمر جوهر بتمزيقه فمزق وجوهر يضحك وبقى حاسراً بغير رداء فقام جوهر وأخرج له عمامة ورداء أخضر وألبسه وعممه بيده‏.‏

وفي يوم الثلاثاء رابع المحرم المذكور زلزلت دمشق وأعمالها زلزلة عظيمة وقتا من الزمان ثم هدأ وانهدم بها من أنطاكية عدة أبرجة‏.‏

وفي شهر ربيع الآخر تواترت الأخبار بمسير المعز إلى مصر وورد كتابه من قابس فتأهب جوهر لذلك وأخذ في عمارة القصر والزيادة فيه‏.‏

وفي النصف من جمادى الأولى مات عبد العزيز بن هيج فسلخ وصلب‏.‏

وفي أول رجب كد جوهر الناس للقاء المعز فتأهبوا لذلك وخرج أبو طاهر القاضي وسائر الشهود والفقهاء ووجوه التجار إلى الجيزة مبرزين للقاء المعز فأقاموا بها أربعين يوما حتى ورد الكتاب بوصول المعز إلى برقة فسار القاضي ومن معه‏.‏

وسار الحسن بن عمار إلى الحوف في عشرة آلاف فواقعوا القرامطة هناك‏.‏

ولخمس بقين من شعبان ورد الخبر بوصول المعز إلى الاسكندرية ولقيه أبو طاهر القاضي ومن معه فخاطبهم بخطاب طويل وأخبرهم أنه لم يسر لازدياد في ملك ولا رجال ولا سار إلا رغبة في الجهاد ونصرة للمسلمين وخلع على القاضي وأجازه وحمله‏.‏

ولقيه أبو جعفر مسلم في جماعة الأشراف ومعهم وجوه البلد بنواحي محلة حفص وترجلوا له كلهم وكان سائرا فوقف وتقدم إليه أولا أبو جعفر مسلم ثم الناس على طبقاتهم وقبلوا له الأرض وهو واقف حتى فرغ الناس من السلام عليه ثم سار وسايره أبو جعفر مسلم وهو يحادثه وسأل عن الأشراف فتقدم إليه أكابرهم‏:‏ أبو الحسن محمد بن أحمد الأدرع‏.‏

وأبو إسماعيل الرسي‏.‏

وعيسى أخو مسلم‏.‏

وعبد الله بن يحيى بن طاهر بن السويح ثم عزم على الشريف مسلم وأمره بركوب قبة لأن الحر كان شديدا وكان الصوم فقدمت إليه قبة محلاة على ناقة وعادله غلام له ونزل المعز إلى الجيزة فكانت مدة القائد أبي الحسن جوهر أربع سنين وتسعة عشر يوما‏.‏

أبي تميم معد إلى مصر

وحلوله بالقصر من القاهرة المعزية وما كان من ولاية الخلفاء من بعده حتى انقضت أيامهم وأناخ بهم حمامهم‏.‏

في يوم الاثنين لثمان بقين من شوال سنة إحدى وستين وثلاثمائة دخل المعز لدين الله إفريقية‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشرين جمادى الأولى سنة ثنتي وستين نزل بقصره خارج برقة‏.‏

ووصل إلى الإسكندرية يوم الجمعة لست بقين من شعبان ونزل تحت منارتها ثم سار‏.‏

ونزل المعز إلى الجيزة فخرج إليه جماعة من بقى وعقد جوهر جسر الجيزة وعقد جسرا آخر عند المختار بالجزيرة حتى سار عليه إلى الفسطاط ثم إلى القاهرة‏.‏

وزينت له الفسطاط فلم يشقها ودخل معه جميع من كان وفد إليه وجميع أولاده وأخوته وعمومته وسائر ولد المهدي وأدخل معه توابيت آبائه‏:‏ المهدي والقائم والمنصور‏.‏

وكان دخوله إلى القاهرة وحصوله في قصره يوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة فصارت مصر دار خلافة بعد أن كانت دار إمارة‏.‏

قال الفقيه الحسن بن إبراهيم بن زولاق رحمه الله ومن خطه نقلت ‏:‏ حدثني أحمد بن جعفر قال‏:‏ كان القائم بأمر الله عليه السلام يوماً في مجلس أبيه المهدي جالسا بين يديه وكان ابنه المنصور قائما بين يدي جده فقال المهدي لابن ابنه المنصور‏:‏ ايتني بابنك يعني المعز لدين الله فجاءت به دايته وله سنة أو فوقها فأخذه المهدي في حجره وقبله وقال لابنه القائم بأمر الله‏:‏ يا أبا القاسم‏:‏ ما على ظهر الأرض مجلس أشرف من هذا المجلس اجتمع فيه أربعة أئمة يعني المهدي نفسه وابنه القائم وابن ابنه المنصور وابن ابنه المعز لدين الله وزادني أبو الفضل ريدان صاحب المظلة في هذا الخبر أن المهدي جمعهم في دواج وقال‏:‏ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ثلاث أئمة في كساء سوى نفسه وقد جمع هذا الدواج أربعة أئمة‏.‏

قال ابن زولاق‏:‏ ولما وصل المعز إلى قصره خر ساجدا ثم صلى ركعتين وصلى بصلاته كل من دخل معه واستقر في قصره بأولاده وحشمه وخواصه عبيده والقصر يومئذ مشتمل على ما فيه من عين وورق وجوهر وحلي وفرش وأوان وثياب وسلاح وأسفاط وأعدال وسروج ولجم وبيت المال بحاله بما فيه وفيه جميع ما يكون للملوك‏.‏

وخرج غد هذا اليوم وهو يوم الأربعاء جماعة الأشراف والقضاة والعلماء والشهود ووجوه أهل البلد وسائر الرعية لتهنئة المعز‏.‏

ولعشر خلون من رمضان أمر المعز بالكتاب على المشايخ في سائر مدينة مصر‏:‏ خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأثبت اسم المعز لدين الله واسم ابنه عبد الله الأمير‏.‏

ووقع المعز بيده إلى محمد بن الحسين بن مهذب صاحب بيت المال ‏:‏ تقدم يا محمد بابتياع لنا ولمولاك عبد الله في كل يوم من الفاكهة الرطبة واليابسة كذا وكذا بسعر الناس ولا تعرف الرسول لئلا تقع محاباة ولا مسامحة وكذلك حوائج المطبخ‏.‏

وللنصف منه جلس المعز في قصره على السرير الذهب الذي عمله جوهر في الإيوان الجديد وأذن بدخول الأشراف أولاً ثم بعدهم الأولياء وسائر وجوه الناس وجوهر قائم بين يديه يقدم الناس قوما بعد قوم ثم مضى جوهر وأقبل بهديته ظاهرة يراها الناس وهي‏:‏ من الخيل‏:‏ مائة وخمسون فرساً مسرجة ملجمة منها مذهب ومنها مرصع ومنها بعنبر‏.‏

وإحدى وثلاثون قبة على بخاتي بالديباج والمناطق والفرش منها تسعة بديباج مثقل‏.‏

وتسع نوق مجنوبة مزينة بمثقل‏.‏

وثلاثة وثلاثون بغلا منها سبعة مسرجة ملجمة‏.‏

ومائة وثلاثون بغلا للنقل‏.‏

وأربعة صناديق مشبكة يرى ما فيها وفيها أواني الذهب والفضة‏.‏

ومائة سيف محلى بالذهب والفضة‏.‏

ودرجان من فضة مخرقة فيها جوهر‏.‏

وشاشية مرصعة في غلاف‏.‏

وتسعمائة ما بين سفط وتخت فيها سائر ما أعده له من ذخائر مصر‏.‏

وأذن المعز لابنه عبد الله في الجلوس في مجلسه‏.‏

وحمل أبو جعفر مسلم بن عبيد الله الحسيني هديته وهي‏:‏ أحد عشر سفطا من متاع تونة وتنيس ودمياط‏.‏

وخيلا وبغالا‏.‏

وقال‏:‏ كنت أشتهي أن يلبس منها المعز لدين الله ثوباً أو ينعم بالعمامة التي فيها فما عمل لخليفة قط مثلها‏.‏

وأذن المعز لجماعة بالجلوس في مجلسه وأطلق جماعة المعتقلين من الإخشيدية والكافورية الذين اعتقلهم جوهر وعدتهم نحو الألف‏.‏

فقال‏:‏ ما رأيت خليفة غير مولانا المعز لدين الله صلوات الله عليه ‏.‏

فاستحسن ذلك منه على البديهة مع علم المعز أن أبا طاهر رأى المعتضد والمكتفي والمقتدر والقاهر والراضي والمتقي والمستكفي والمطيع فشكره وأعجب بقوله‏.‏

وركب المعز يوم الفطر لصلاة العيد إلى مصلى القاهرة الذي بناه جوهر وكان محمد بن أحمد بن الأدرع الحسيني قد بكر وجلس في المصلى تحت القبة فجاء الخدم وأقاموه وأقعدوا موضعه أبا جعفر مسلم وأقعدوه دونه فكان أبو جعفر مسلم خلف المعز عن يمينه وهو يصلي‏.‏

وأقبل المعز في زيه وبنوده وقبابه وصلى بالناس صلاة العيد صلاةً تامة طويلة قرأ في الأولى بأم الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية ثم كبر بعد القراءة وركع فأطال وسجد فأطال‏.‏

قال ابن زولاق‏:‏ أنا سبحت خلفه في كل ركعة وفي كل سجدة نيفاً وثلاثين تسبيحة وكان القاضي النعمان بن محمد يبلغ عنه التكبير وقرأ في الثانية بأم الكتاب وسورة والضحى ثم كبر أيضاً بعد القراءة وهي صلاة جده علي بن أبي طالب وأطال أيضاً في الثانية الركوع والسجود وأنا سبحت خلفه نيفا وثلاثين تسبيحة في كل ركعة وفي كل سجدة وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كل فلما فرغ من الصلاة صعد المنبر وسلم على الناس يمينا وشمالا ثم نشر البندين اللذين كانا على المنبر فخطب وراءهما وكان في أعلى درجة من المنبر وسادة ديباج مثقل فجلس عليها بين الخطبتين واستفتح الخطبة ببسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

وكان معه على المنبر جوهر وعمار بن جعفر وشفيع صاحب المظلة ثم قال‏:‏ الله أكبر الله أكبر استفتح بذلك وخطب وأبلغ وأبكى الناس وكانت خطبته بخضوع وخشوع‏.‏

فلما فرغ من خطبته انصرف في عساكره وخلفه أولاده الأربعة بالجواشن والخوذ على الخيل بأحسن زي وساروا بين يديه بالفيلين‏.‏

فلما حصل في قصره أحضر الناس فأكلوا ونشطهم إلى الطعام وعتب على من تأخر وتهدد من بلغه عنه صيام العيد‏.‏

ورد إلى أبي سعيد عبد الله بن أبي ثوبان أحكام المغاربة ومظالمهم‏.‏

وتحاكم إليه جماعة من المصريين فحكم بينهم وسجل فكان شهود مصر يشهدون عنده ويشهدون على أحكامه ولم ير هذا بمصر قبل ذلك واستخلف أبو سعيد أحمد بن محمد الدوادي‏.‏

ومنع المعز من النداء بزيادة النيل وألا يكتب بذلك إلا إليه وإلى جوهر فلما تم أباح النداء يعني لما تم ست عشرة ذراعاً‏.‏

وخلع على جوهر خلعةً مذهبة وعمامة حمراء وقلده سيفا وقاد بين يديه عشرين فرسا مسرجة ملجمة وحمل بين يديه خمسين ألف دينار ومائتي ألف درهم وثمانين تختا من ثياب‏.‏

وركب المعز إلى المقس وأشرف على أسطوله وقرأ عليه وعوذه وخلفه جوهر والقاضي النعمان ووجوه أهل البلد ثم عاد إلى قصره‏.‏

وضربت أعناق جماعة عاثوا بنواحي القرافة‏.‏

وفي ذي القعدة احترق سوق القاهرة وأعيد‏.‏

وركب المعز لكسر خليج القاهرة فكسر بين يديه وسار على شط النيل ومر على سطح الجرف وعطف على بركة الحبش ثم على الصحراء إلى الخندق الذي حفره جوهر في موكب عظيم وخلفه وجوه أهل البلد وأبو جعفر أحمد بن نصر يعرفه بالمواضع وبلغ المعز أن محمداً أخا أبي إسماعيل الرسي يريد الفرار إلى الشام فقبض عليه وسجن مقيدا‏.‏

وفي يوم عرفة نصب المعز الشمسة التي عملها للكعبة على إيوان قصره وسعتها اثنا عشر شبراً في مثلها وأرضها ديباج أحمر ودورها اثنا عشر هلال ذهب وفي كل هلال أترجة ذهب مشبك جوف كل أترجة خمسون درة كبيض الحمام وفيها الياقوت الأحمر والأصفر والأزرق وفي دورها مكتوب آيات الحج بزمرد أخضر وحشو الكتابة در كبار لم ير مثله وحشو الشمسة المسك المسحوق فرآها الناس في القصر ومن خارجه لعلو موضعها ونصبها عدة فراشين وجروها لثقل وزنها‏.‏

وأول من عمل الشمسة للكعبة أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله فبعث سلسلة من ذهب كانت تعلق مع الياقوتة التي بعثها المأمون وصارت تعلق كل سنة في وجه الكعبة وكان يؤتى بهذه السلسلة في كل موسم وفيها شمسة مكللة بالدر والياقوت والجوهر قيمتها شيء كثير فيقدم بها قائد يبعث من العراق فتدفع إلى حجبة الكعبة ويشهد عليهم بقبضها فيعلقونها يوم سادس الثمان فتكون على الكعبة ثم تنزع يوم التروية‏.‏

وغدا المعز لصلاة عيد النحر في عساكره وصلى كما ذكر في صلاة الفطر من القراءة والتكبير وطول الركوع والسجود وخطب وانصرف في زيه فلما وصل إلى القصر أذن للناس عامة فدخلوا والشمسة منصوبة على حالها فلم يبق أحد حتى دخل من أهل مصر والشام والعراق فذكر أهل العراق وأهل خراسان ومن يواصل الحج أنهم لم يرو قط مثل هذه الشمسة وذكر أصحاب الجوهر ووجوه التجار أنه لا قيمة لما فيها وأن شمسة بني العباس كان أكثرها مصنوعا ومن شبه وأن مساحتها مثل ربع هذه‏.‏

وكذلك كانت شمسة كافور التي عملها لمولاه أونوجور بن الإخشيد وكان يسير بها إلى الحرم جعفر بن محمد الموسوي ثم ابنه أبو الحسين ثم بعده ابنه مسلم ثم أبو تراب بعد أخيه إلى أن أخذها القائد جوهر من أبي تراب‏.‏

وأمر المعز للناس بالطعام فأكلوا‏.‏

وورد الخبر بوصول أسطول القرامطة إلى تنيس في البحر فكانت بينهم وبين أهل تنيس حرب انهزم فيها أصحاب القرامطة وأخذ منهم عدة مراكب وأسر طائفة منهم وأن أسكر نهبت فعظم ذلك على المعز واشتد خوف الناس في المقابر حتى كانوا يصلون على الجنائز ولا يتبعونها ويمضي بها الحفارون فأنكر المعز ذلك وأمن الناس‏.‏

ولثماني عشرة من ذي الحجة وهو يوم غدير خم تجمع خلق من أهل مصر والمغاربة للدعاء فأعجب المعز ذلك وكان هذا أول ما عمل عيد الغدير بمصر‏.‏

وقدم من تنيس مائة وثلاثة وسبعون رجلا أسارى وعدة رءوس ومعهم أعلام القرامطة منكوسة وسلاح لهم فشهر ذلك في البلد وجلس المعز حتى مروا بين يديه وهو في علو باب قصره‏.‏

وكانت فتنة في البلد نهبت المغاربة فيها جماعة من الرعية فركب جوهر في طلب النهابة وأخذهم وجلدهم‏.‏

وفي سلخ ذي الحجة سلخ إمام جامع القرافة محمد بن عبد السميع في طريق القرافة وانصرف الناس من جامع القرافة من غير جمعة‏.‏

وأحضر جوهر جماعة من أهل تنيس وطالبهم بديات المغاربة الذين قتلوا عندهم وألزموا بمائتي ألف دينار ثم استقر أمرهم على ألف ألف درهم‏.‏

وانتهى النيل في نقصانه إلى ست أذرع وإصبعين وبلغ زيادة الماء الجديد سبع عشرة ذراعا وإصبعين وأطلق المعز لمتولى المقياس الجائزة والخلع والحملان فزاده على رسمه‏.‏

وفيها مات أبو عمرو محمد بن عبد الله السهمي قاضي مكة ومات الإشبيلي قاضي المغاربة بمصر ثم دخلت سنة ثلاث وستين وثلاثمائة‏:‏ وأمير المؤمنين المعز لدين الله‏.‏

وخليفته القائد جوهر‏.‏

والقاضي أبو طاهر محمد بن أحمد‏.‏

والخراج نصفين‏:‏ إلى علي بن محمد بن طباطبا وعبد الله بن عطاء الله والنصف الآخر إلى وصاحب بيت المال محمد بن الحسين بن مهذب‏.‏

وصاحب المظلة شفيع الصقلي‏.‏

وطبيبه موسى بن العازار‏.‏

والشرطة السفلى إلى عروبة بن إبراهيم وشبل المعرضي‏.‏

والشرطة العليا إلى خير بن القاسم‏.‏

وإمام الجامع العتيق والخطبة إلى عبد السميع بن عمر العباسي‏.‏

وإمام الصلوات الخمس الحسن بن موسى الخياط‏.‏

ولست عشرة بقيت من المحرم قلد المعز الخراج ووجوه الأموال جميعها والحسبة والسواحل والجوالى والأحباس والمواريث والشرطتين وجميع ما ينضاف إلى ذلك وما يطوى في مصر وسائر الأعمال أبا الفرج يعقوب بن يوسف الوزير وعسلوج بن الحسن وكتب لهما بذلك سجلاً‏.‏

قرىء يوم الجمعة على منبر جامع أحمد بن طولون وقبضت أيدي سائر العمال والمتضمنين‏.‏

وجلسا غد هذا اليوم في دار الإمارة في جامع أحمد بن طولون للنداء على الضياع وسائر وجوه الأموال وحضر الناس للقبالات وطالبوا بالبقايا من الأموال مما على المالكين والمتقبلين والعمال وفيه تبسطت المغاربة في نواحي القرافة والمعافر فنزلوا في الدور وأخرجوا الناس من دورهم ونقلوا السكان وشرعوا في السكنى في المدينة وكان المعز أمرهم أن يسكنوا في أطراف المدينة فخرج الناس واستغاثوا إلى المعز فأمر أن يسكنوا نواحي عين شمس وركب المعز بنفسه حتى شاهد المواضع التي ينزلون فيها وأمر لهم بما يبنون به وهو الموضع الذي يعرف اليوم بالخندق وخندق العبيد وجعل لهم واليا وقاضيا وأسكن أكثرهم في المدينة مخالطين لأهل مصر ولم يكن جوهر يبيحهم سكنى المدينة ولا المبيت فيهان وحظر ذلك عليهم وكان مناديه ينادي كل عشية‏:‏ لا يبينم في المدينة أحد من المغاربة‏.‏

وفي يوم عاشوراء انصرف خلق من الشيعة وأتباعهم من المشاهد من قبر كلثم بنت محمد بن جعفر بن محمد الصادق ونفيسة ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين وكسروا أواني السقائين في الأسواق وشققوا الروايا وسبوا من ينفق في هذا اليوم وثارت إليهم جماعة فخرج إليهم أبو محمد الحسن بن عمار ومنع الفريقين ولولا ذلك لعظمت الفتنة لأن الناس كانوا غلقوا الدكاكين وعطلوا الأسواق وقويت أنفس الشيعة بكون المعز بمصر‏.‏

وكانت مصر لا تخلو من الفتن في يوم عاشوراء عند قبر كلثم وقبر نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب في الأيام الإخشيدية والكافورية وكان سودان كافور يتعصبون على الشيعة ويتعلق السودان في الطرق بالناس ويقولون للرجل‏:‏ من خالك فإن قال‏:‏ معاوية أكرموه وإن سكت لقي المكروه وأخذت ثيابه وما معه حتى كان كافور يوكل بأبواب الصحراء ويمنع الناس من الخروج‏.‏

ولما جلس يعقوب بن كلس وعسلوج بن الحسن الونهاجي لعقد الضياع توفرت الأموال وزيد في الضياع وتكاشف الناس‏.‏

وفي صفر طيف بنحو مائتي رأس قدم بها من المغرب‏.‏

ومات ابن عم للمعز فصلى عليه المعز وكبر سبعا وكبر على غيره خمسا وهذا مذهب علي بن أبي طالب‏:‏ أنه يكبر على الميت على قدر منزلته‏.‏

ومات إسحاق بن موسى طبيب المعز فجعل موضعه أخاه إسماعيل بن موسى‏.‏

وامتنع يعقوب وعسلوج أن يأخذ في الاستخراج إلا دينارا معزيا فاتضع الدينار الراضي وانحط ونقص من صرفه أكثر من ربع دينار فخسر الناس من أموالهم وكان صرف المعزى خمسة عشر درهما ونصف‏.‏

واشتد الاستخراج وأكد المعز فيه ليرد ما أنفقه من أمواله على مصر لأنه قدم مصر يظن أن الأموال مجتمعة فوجدها قد فرقتها مؤن مصر وكثرة عساكرها وكان الذي أنفقه المعز على وحدثني بعض كتاب بيت ماله قال‏:‏ حملنا إلى مصر أكياساً فارغة أنفق ما كان فيها في أربعة أعدال على جملين‏.‏

وكد يعقوب وعسلوج أنفسهما في الاستخراج فاستخرج في يوم نيف وخمسون ألف دينار معزية وكان استخراجا بغير براءة ولا خرج ولا حوالة واستخرج في يوم مائة وعشرون ألف دينار معزية وفي يوم آخر من مال تنيس ودمياط والأشمونين أكثر من مائتي ألف وعشرين ألف دينار وهذا لم يسمع بمثله قط في بلد إلا أن في أيام العزيز استخرج خير بن القاسم وعلي بن عمر العداس وعبد الله بن خلف المرصدي في ثلاثة أيام مائتي ألف دينار وعشرين ألف دينار عزيزية منها في أول يوم أربعة وسبعين ألف دينار والباقي في يومين وذلك في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة‏.‏

وفي شهر ربيع الآخر كثر الإرجاف بالقرامطة وانتشارهم في أعمال الشام وكان معهم عبد الله بن عبيد الله أخو أبي جعفر مسلم فكتب إليه المعز بعد ما شكاه إليه أخيه مسلم‏.‏

وفيه دخل الناس إلى قصر المعز وفيهم‏:‏ الأشراف والعمال والقواد وسائر الأولياء من كتامة وغيرهم فقال إنسان لبعض الأشراف‏:‏ اجلس يا شريف فقال بعض الكتاميين‏:‏ وفي الدنيا شريف غير مولانا‏!‏ لو ادعى هذا غيره قتلناه‏.‏

خرج الإذن للناس وبلغ المعز هذا فلما جلس على سريره وأذن للناس بالجلوس قال‏:‏ يا معشر الأهل وبني العم من ولد فاطمة‏:‏ أنتم الأهل وأنتم العدة وما نرضى بما بلغنا من القول وقد أخطأ من تكلم بما قيل لنا لكم بحمد الله الشرف العالي والرحم القريبة ولئن عاود أحد لمثل ما بلغنا لننكلن به نكالا مشهورا‏.‏

فقبلت الجماعة الأرض ودعوا وشكروا وكان المتكلم حاضرا فانقمع وندم‏.‏

وحدث المعز أنه رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً وبين يديه سيوف منها ذو الفقار فأخذ علي بن أبي طالب ذا الفقار فضرب به عنق القرمطي الأعسم وضرب حمزة عنق أخي الأعسم وضرب جعفر عنق آخر وانكب المعز يقبل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فنسخ الناس هذه الرؤيا‏.‏

وحمل مال الأحباس من المودع إلى بيت المال الذي لوجوه البر وطولب أصحاب الأحباس بالشرائط ليحملوا عليها‏.‏

ولما وقف على حبس عمرو بن العاص وأن محمد بن أبي بكر كان قبضه وضرب عليه صافية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب أهل الحق وأن عمرو بن العاص إنما حبسه لما دعا إلى مصر في أيام معاوية أخرج ذلك من كتاب أبي عمر الكندي القاضي النعمان بن محمد فحمله إلى وفي ربيع الآخر ثارت المغاربة في صحراء المقابر ونهبوا الناس فأنكر المعز ذلك وقبض على جماعة‏.‏

وفيه اعتل المعز واحتجب فاضطربت الرعية ولم يره أحد‏.‏

وفي جمادى الأولى أرجف بالقرامطة وقوى الاستخراج ومنع الناس من الحضور في الديوان لئلا يقفوا على مبلغه وجلس المعز للناس فسروا بسلامته‏.‏

وحمل أبو جعفر مسلم إلى المعز المصحف الكبير الذي كان يذكر أنه كان ليحيى بن خالد ابن برمك وكان شراؤه أربعمائة دينار على مسلم فلما رآه المعز قال‏:‏ أراك معجبا به وهو يستحق الإعجاب ولكن نفاخرك نحن أيضاً‏.‏

فدعا بمصحف نصفين ما رؤى أحسن منهما خطاً وإذهاباً وتجليداً فقال‏:‏ هذا خط المنصور وإذهابه وتجليده بيده‏.‏

فقال له مسلم‏:‏ فثم مصحف بخط مولانا المعز لدين الله عليه السلام ‏.‏

فقال‏:‏ نعم‏.‏

وأخرج له نصفين‏.‏

فقال المعز‏:‏ بعد مشاهدتك لخط المنصور تقول‏:‏ ما رأيت أصبح من هذا الخط ولكنه أصبح من خطك‏.‏

ثم ضحك وقال‏:‏ أردت مداعبتك‏.‏

وكان أبو جعفر مسلم إذا ذكر المعز يقول‏:‏ وددت أن أبي وجدي شاهداه ليفتخرا به فلما أقدر أن أقرن به أحداً من خلفاء بني أمية ولا بني العباس‏.‏

وتوفي محمد بن الحسين بن أبي الحسين أحد خواص المعز فخرج المعز وهو في بقايا علته وتقدم إلى القاضي النعمان بن محمد بغسله وبكفنه وصلى عليه المغرب وفتح تابوته وأضجعه‏.‏

وبعد تسعة عشر يوماً توفي القاضي النعمان بن محمد أول رجب فخرج المعز يبين الحزن عليه وصلى عليه وأضجعه في التابوت ودفن في داره بالقاهرة‏.‏

وفي شعبان دخل أبو جعفر مسلم علي المعز فلما توسط صحن الإيوان قال له أخوه عيسى‏:‏ إن الأمير عبد الله في المجلس فسلم عليه‏.‏

وكان في المجلس جماعة فدخل أبو جعفر على المعز وقبل الأرض وقام قائماً وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ حدثني أبي عن أبيه عن جده عن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد قال‏:‏ دخلت أنا وأخي عبد الله على يعقوب بن صالح بن المنصور وهو يومئذ أمير المدينة فقال‏:‏ من أين أقبل الشيخان فقالا‏:‏ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمنا عليه وأتيناك فقال‏:‏ سلمتما على صاحبيه فقلنا‏:‏ لا فقال سبحان الله كيف لم تسلما على صاحبيه فقال له أخي عبد الله‏:‏ سألتك بالله أيها الأمير أيهما أقرب ابنك هذا منك أو صاحبي رسول الله من رسول الله فقال‏:‏ ابني هذا فقال‏:‏ ما سلمنا على ابنك في مجلسك إجلالا لك فنسلم على صحابي رسول الله بحضرة رسول الله فقال‏:‏ والله ما قصرتما ثم قال مسلم‏:‏ تأذن يا أمير المؤمنين في السلام على الأمير عبد الله فأذن له قال عيسى‏:‏ وكان المعز لمسلم مكرماً‏.‏

وفيه كثر الإرجاف بالقرامطة ودخول مقدمتهم أرياف مصر وأطراف المحلة وأنهم ونهبوا واستخرجوا الخراج ثم رجعوا إلى أعمال الشام‏.‏

وأمر المعز المغاربة بالخروج من مصر والسكنى بالقاهرة ففعلوا‏.‏

ورد المعز الشرطة العليا إلى خير بن القاسم فاستقصى على المغاربة في الخروج إلى القاهرة‏.‏

وعاودت المعز العلة فاحتجب أياماً لا يراه أحد ثم جلس للناس فهنوه وعرضوا أنفسهم للقتال فشكرهم على ذلك‏.‏

ووصلت سرية القرامطة إلى أطراف الحوف وأنفذ القرمطي عبد الله بن عبيد الله أخا مسلم إلى الصعيد فنزل في نواحي أسيوط وإخميم وحارب العمال واستخرج الأموال فثقل ذلك على المعز وعاتب أبا جعفر مسلم فاعتذر إليه وتبرأ من أفعاله ونزل الأعسم القرمطي بعسكره بلبيس وتأهب المعز لمنعه ورده‏.‏

وقد أحببت أن أورد هنا جملةً من أخبار القرامطة لتكرر دخولهم إلى مصر

 ذكر طرف من أخبار القرامطة

وذلك أن الحسين الأهوازي لما خرج داعيةً إلى العراق لقي حمدان بن الأشعث قرمط بسواد الكوفة ومعه ثور ينقل عليه فتماشيا ساعةً فقال حمدان للحسين‏:‏ إني أراك جئت من سفر بعيد وأنت معي فاركب ثوري هذا‏.‏

فقال الحسين‏:‏ لم أومر بذلك‏.‏

فقال له حمدان‏:‏ كأنك تعمل بأمر أمر لك‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ومن يأمرك وينهاك‏.‏

قال‏:‏ مالكي ومالكك ومن له الدنيا والآخرة‏.‏

يا هذا‏:‏ ما يملك ما ذكرته إلا الله‏.‏

قال‏:‏ صدقت والله يهب ملكه لمن يشاء‏.‏

قال حمدان‏:‏ فما تريد في القرية التي سألتني عنها‏.‏

وكان الحسين لما رأى قرمط في الطريق سأله‏:‏ وكيف الطريق إلى قس بهرام‏.‏

فعرفه قرمط أنه سائر إليه فسأله عن قرية تعرف بباتنورا في السواد فذكر أنها قريبة من قريته وكان قرمط من قرية تعرف بالدور على نهر هد من رستاق مهروسا من طسوج فرات بادفلي‏.‏

وإنما قيل له قرمط لأنه كان قصيرا ورجلاه قصيرتين وخطوه متقاربا فسمى لذلك قرمطا‏.‏

فلما قال للحسين‏:‏ ما تريد في القرية التي سألتني عنها قال له‏:‏ رفع إلى جراب فيه علم وسر من أسرار الله وأمرت أن أشفي هذه القرية وأغني أهلها وأستنقذهم وأملكهم أملاك أصحابهم‏.‏

وابتدأ يدعوه فقال له حمدان قرمط‏:‏ يا هذا‏:‏ نشدتك الله ألا رفعت إلي من هذا العلم الذي معك وأنقذتني ينقذك الله‏.‏

قال له‏:‏ لا يجوز ذلك أو آخذ عليك عهدا وميثاقا أخذه الله على النبيين والمرسلين وألقى إليك فما زال يضرع إليه حتى جلسا في بعض الطريق وأخذ عليه العهد ثم قال له‏:‏ ما اسمك‏.‏

قال له قرمط‏:‏ قم معي إلى منزلي حتى تجلس فيه فإن لي إخوانا أصير بهم إليك لتأخذ عليهم العهد للمهدي‏.‏

فصار معه إلى منزله وأخذ على الناس العهد وأقام بمنزل حمدان قرمط فأعجبه أمره وعظمه وكان الحسين على غاية ما يكون من الخشوع صائماً نهاره قائماً ليله فكان المغبوط من أخذه إلى منزله ليلةً وكان يخيط لهم الثياب ويكتسب بذلك فكانوا يتبركون به وبخياطته‏.‏

وأدرك الثمر فاحتاج أبو عبد الله محمد بن عمر بن شهاب العدوي وكان أحد وجوه الكوفة ومن أهل العلم والفضل إلى عمل ثمره فوصف له الحسين الأهوازي فنصبه لحفظ ثمره والقيام في حظيرته فأحسن حفظها واحتاط في أداء الأمانة وظهر منه من التشدد في ذلك ما خرج به عن أحوال الناس في تساهلهم في كثير من الأمور وذلك في سنة أربع وستين ومائتين‏.‏

واستحكمت ثقة الناس به وثقته هو بحمدان قرمط وسكونه إليه فأظهر له أمره وكان مما دعا إليه أنه جاء بكتاب فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ يقول الفرج بن عثمان إنه داعية المسيح وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدي وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل وأن المسيح تصور في جسم إنسان وقال إنك الداعية وإنك الحجة وإنك الناقة وإنك الدابة وإنك يحيى بن زكريا وإنك روح القدس وعرفه أن الصلاة أربع ركعات‏:‏ ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وأن الأذان في كل صلاة أن يقول المؤذن‏:‏ الله أكبر ثلاث مرات‏.‏

أشهد ألا إله إلا الله‏.‏

مرتين‏.‏

أشهد أن آدم رسول الله‏.‏

أشهد أن نوحا رسول الله‏.‏

أشهد أن إبراهيم رسول الله‏.‏

أشهد أن موسى رسول الله‏.‏

أشهد أن عيسى رسول الله‏.‏

أشهد أن محمدا رسول الله‏.‏

أشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله‏.‏

والقراءة في الصلاة‏:‏ الحمد للّه بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه ‏"‏ قل إن الأَهلة مواقيت للناس ظاهرها ليعلموا عدد السنين والحساب والشهور والأَيام وباطنها لأوليائي الذين عرَّفوا عبادي وسيلتي فاتقوني يا أولى الألباب وأنا الذي لا أُسأل عما أفعل وأَنا العليم الحكيم وأَنا الذي أَبلو عبادي وأَمتحن خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري أَدخلته في جنتي وأَخلدته في نعيمي ومن زال عن أَمري وكذَّب رسلي أَخلدتُه مُهاناً في عذابي وأَتممت أجلي وأَظهرت أَمري على أَلسنة رسلي وأَنا الذي لم يعلُ جبارٌ إلا وضعتُه ولا عزيز إلا أَذللته وليس الذي أصرَّ على أَمره وداوم على جهالته وقال إِن نبرح عليه عاكفين وبه موقنين أولئك هم الكافرون ‏"‏‏.‏

ثم يركع‏.‏

ومن شرائعه‏:‏ صيام يومين في السنة هما‏:‏ المهرجان والنوروز‏.‏

وأن الخمر حلال‏.‏

ولا غسل من جنابة ولكن الوضوء كوضوء الصلاة‏.‏

وأن لا يؤكل ماله ناب ولا مخلب‏.‏

ولا يشرب النبيذ‏.‏

وأن الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيه شغل‏.‏

ولما حضرته الوفاة جعل مكانه حمدان بن الأشعث قرمط وأخذ على أكثر أهل السواد وكان ذكيا داهية‏.‏

فكان ممن أجابه‏:‏ مهرويه بن زكرويه السلماني وجلندي الرازي وعكرمة البابلي وإسحاق السوراني وعطيف النيلي وغيرهم وبث دعاته في السواد يأخذون على الناس‏.‏

وكان أكبر دعاته عبدان وكان فطناً خبيثاً خارجاً عن طبقة نظرائه من أهل السواد ذا فهم وحذق وكان يعمل عند نفسه على نصب له من غير أن يتجاوز به إلى غيره ولا يظهر غير التشيع والعلم ويدعو إلى الإمام من آل رسول الله ت صلى الله عليه وسلم محمد ابن إسماعيل بن جعفر‏.‏

فكان أحد من تبع عبدان زكرويه بن مهرويه وكان شاباً ذكياً فطناً من قرية بسواد الكوفة على نهر هد فنصبه عبدان على إقليم نهر هد وما والاه ومن قبله جماعة دعاة متفرقون في عمله‏.‏

وكان داعية عبدان على فرات بادفلي‏:‏ الحسن بن أيمن وداعيته على طسوج تستر‏:‏ المعروف بالبوراني وإليه نسب البورانية وداعيته على جهة أخرى‏:‏ المعروف بوليد وفي أخرى‏:‏ أبو الفوارس‏.‏

وهؤلاء رؤساء دعاة عبدان ولهم دعاة تحت أيديهم فكان كل داع يدور في عمله ودخل في دعوته من العرب طائفة فنصب فيهم دعاة فلم يتخلف عنه رفاعي ولا ضبعي ولم يبق من البطون المتصلة بسواد الكوفة بطن إلا دخل في الدعوة منه ناس كثيراً أو قليل‏:‏ من بني عباس وذهل وعنزة وتيم الله وبني ثعل وغيرهم من بني شيبان فقوى قرمط وزاد طمعه فأخذ في جمع الأموال من قومه‏:‏ فابتدأ يفرض عليهم أن يؤدوا درهما عن كل واحد وسمى ذلك‏:‏ الفطرة على كل أحد من الرجال والنساء فسارعوا إلى ذلك‏.‏

فتركهم مديدة ثم فرض الهجرة وهو دينار على كل رأس أدرك وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ هذا تأويل هذا‏.‏

فدفعوا ذلك إليه وتعاونوا عليه فمن كان فقيرا أسعفوه‏.‏

فتركهم مديدة ثم فرض عليهم البلغة وهي سبعة دنانير وزعم أن ذلك هو البرهان الذي أراد الله بقوله‏:‏ ‏"‏ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏"‏‏.‏

وزعم أن ذلك بلاغ من يريد الإيمان والدخول في السابقتين المذكورين في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وَالسَّابِقُونَ وصنع طعاما طيبا حلوا لذيذا وجعله على قدر البنادق يطعم كل من أدى إليه سبعة دنانير منها واحدة وزعم أنه طعام أهل الجنة نزل إلى الإمام فكان ينفذ إلى كل داع منها مائة بلغة ويطالبه بسبعمائة دينار لكل واحدة منها سبعة دنانير‏.‏

فلما توطأ له الأمر فرض عليهم أخماس ما يملكون وما يتكسبون وتلا عليهم‏:‏ ‏"‏ واعْلَموا أَنَّما غَنِمْتُم من شيءٍ فأَنَّ لِلّه خُمُسَةُ الآية ‏"‏ فقوموا جميع ما يملكونه من ثوب وغيره وأدوا ذلك إليه فكانت المرأة تخرج خمس ما تغزل والرجل يخرج خمس ما يكسبه‏.‏

فلما تم ذلك فرض عليهم الألفة وهو أن يجمعوا أموالهم في موضع واحد وأن يكونوا فيه أسوة واحدة لا يفضل أحد منهم صاحبه وأخاه في ملك يملكه وتلا عليهم‏:‏ ‏"‏ واذكروا نِعْمَةَ اللّهِ عليكم إِذْ كُنْتُمْ أَعداءً فَأَلَّفَ بين قُلُوبِكم فَأَصْبَحْتُم بنعمته إخْوانا ‏"‏ الآية وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لو أَنْفَقْتَ ما في الأَرضِ جميعاً ما أَلَّفْتَ بَين قُلُوبِهم ولكنَّ اللّهَ أَلَّفَ بينهم إِنَّهُ عزيز حكيم ‏"‏‏.‏

وعرفهم أنه لا حاجة بهم إلى أموال تكون معهم لأن الأرض بأسرها ستكون لهم دون غيرهم وقال‏:‏ هذه محنتكم التي امتحنتم بها ليعلم كيف تعملون‏.‏

وطالبهم بشراء السلاح وإعداده‏.‏

وذلك كله في سنة ست وسبعين ومائتين‏.‏

وأقام الدعاة في كل قرية‏:‏ رجلا مختارا من ثقاتها يجمع عنده أموال أهل قريته من بقر وغنم وحلى ومتاع وغيره وكان يكسو عاريهم وينفق على سائرهم ما يكفيهم ولا يدع فقيرا بينهم ولا محتاجا ولا ضعيفا وأخذ كل رجل منهم بالانكماش في صناعته والكسب بجهده ليكون له الفضل في رتبته وجمعت المرأة كسبها من مغزلها والصبي أجرة نظارته للطير وأتوه به فلم يتملك أحد منهم إلا سيفه وسلاحه‏.‏

فلما استقام له ذلك أمر الدعاة أن يجمعوا النساء ليلةً معروفة ويختلطن بالرجال ويتراكبن ولا يتنافرن فإن ذلك من صحة الود والألفة بينهم‏.‏

فلما تمكن من أمورهم ووثق بطاعتهم وتبين مقدار عقولهم أخذ في تدريجهم وأتاهم بحجج من مذهب الثنوية فسلكوا معه في ذلك حتى يقضي ما كان يأمرهم به في مبدأ أمرهم من الخشوع والورع والتقوى وظهر منهم بعد تدين كثير إباحة الأموال والفروج والغناء عن الصوم والصلاة والفرائض وأخبرهم أن ذلك كله موضوع عنهم وأن أموال المخالفين ودماءهم حلال لهم وأن معرفة صاحب الحق تغني عن كل شيء ولا يخاف معه إثم ولا عذاب يعني إمامه الذي يدعو إليه وهو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وأنه الإمام المهدي الذي يظهر في آخر الزمان ويقيم الحق وأن البيعة له وأن الداعي إنما يأخذها على الناس له وأن ما يجمع من فلما أظهر هذه الأمور كلها بعد تعلقه بذكر الأئمة والرسل والحجة والإمام وأنه المعول والمقصد والمراد وبه اتسقت هذه الأمور ولولا هذه لهلك الخلق وعدم الهدى والعلم ظهر في كثير منهم الفجور وبسط بعضهم أيديهم بسفك الدماء وقتلوا جماعة ممن خالفهم فخافهم الناس واستوحشوا من ظهور السلاح بينهم فأظهر موافقتهم كثير من مجاوريهم جزعاً منهم ‏.‏

ثم إن الدعاة اجتمعوا واتفقوا على أن يجعلوا لهم موضعاً يكون وطنا ودار هجرة يهاجرون إليها ويجتمعون بها فاختاروا من سواد الكوفة في طسوج الفرات من ضياع السلطان المعروفة بالقاسميات قرية تعرف بمهتماباد فحاذوا إليها صخرا عظيما ثم بنوا حولها سوراً منيعا عرضه ثماني أذرع ومن ورائه خندق عظيم وفرغوا من ذلك في أسرع وقت وبنوا فيها البناء العظيم وانتقل إليها الرجال والنساء من كل مكان وسميت دار الهجرة وذلك في سنة سبع وتسعين ومائتين فلم يبق حينئذ أحد إلا خافهم ولا بقي أحد يخافونه لقوتهم وتمكنهم في البلاد‏.‏

وكان الذي أعانهم على ذلك تشاغل الخليفة بفتنة الخوارج وصاحب الزنج بالبصرة وقصريد السلطان وخراب العراق وتركه لتدبيره وركوب الأعراب واللصوص بعد السبعين ومائتين بالقفر وتلاف الرجال وفساد البلدان فتمكن هؤلاء وبسطوا أيديهم في البلاد وعلت كلمتهم‏.‏

وكان منهم مهرويه أحد الدعاة في مبدأ أمره ينطر النخل ويأخذ أجرته تمرا فيفرغ منه النوا ويتصدق به ويبيع النوا ويتقوت به فعظم في أعين الناس قدره وصارت له مرتبة في الثقة والدين فصار إلى صاحب الزنج لما ظهر على السلطان وقال له‏.‏

ورائي مائة ألف ضارب سيف أعينك بهم‏.‏

فلم يلتفت إلى قوله ولم يجد فيه مطمعا فرجع وعظم بعد ذلك في السواد وانقاد إليه خلق كثير فادعى أنه من ولد عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر فقيل له‏:‏ لم يكن لمحمد بن إسماعيل ابن يقال له عبد الله‏.‏

فكف عن هذه الدعوى وصار بعد ذلك في قبة على جمل ودعى بالسيد وظهر بسواد الكوفة وسيأتي ذكر ابنه زكرويه وابن ابنه الحسين بن زكرويه إن شاء الله‏.‏

وكان رجل من أهل قرية جنابة يعمل الفراء يقال له أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي أصله من الفرس سافر إلى سواد الكوفة وتزوج من قوم يقال لهم‏:‏ بنو القصار كانوا من أصول هذه الدعوة فأخذ عن عبدان وقيل بل أخذ عن حمدان قرمط وسار داعية فنزل القطيف وهي حينئذ مدينة عظيمة فجلس بها يبيع الرقيق فلزم الوفاء والصدق وكان أول من أجابه الحسين بن سنبر وعلي بن سنبر وحمدان بن سنبر في قوم ضعفاء ما بين قصاب وحمال وأمثال ذلك فبلغه أن بناحيته داعيا يقال له أبو زكريا أنفذه عبدان قبل أبي سعيد وكان قد أخذ على بني سنبر من قبل فعظم أمره على أبي سعيد وقبض عليه وقتله فحقد عليه بنو سنبر قتله‏.‏

واتفق أن البلد كان واسعاً ولأهله عادة بالحروب وهم رجال شداد جهال فظفر أبو سعيد باشتهار دعوته في تلك الديار فقاتل بمن أطاعه من عصاه حتى اشتدت شوكته‏.‏

وكان لا يظفر بقرية إلا قتل أهلها ونهبها فهابه الناس وأجابه كثير منهم وفر منه خلق كثير إلى بلدان شتى خوفاً من شره ولم يمتنع عليه إلا هجر وهي مدينة البحرين ومنزل سلطانها وبها التجار والوجوه فنازلها شهوراً يقاتل أهلها ثم وكل بها رجلا‏.‏

وارتفع فنزل الأحساء وبينها وبين هجر ميلان فابتنى بها دارا وجعلها منزلا وتقدم في زراعة الأرض وعمارتها وكان يركب إلى هجر ويحارب أهلها ويعقب قومه على حصارها‏.‏

ودعا العرب فأجابه بنو الأضبط من كلاب وساروا إليه بحرمهم وأموالهم فأنزلهم الأحساء وأطمعوه في بني كلاب وسائر من يقرب منه من العرب فضم إليهم رجالا وساروا فأكثروا من القتل وأقبلوا بالحريم والأموال والأمتعة إلى الأحساء فدخل الناس في طاعته فوجه جيشاً إلى بني عقيل فظفر بهم ودخلوا في طاعته‏.‏

فلما اجتمع إليه العرب مناهم ملك الأرض كلها ورد إلى من أجابه من العرب ما كان أخذ وجمع الصبيان في دور وأقام عليهم قوماً وأجرى عليهم ما يحتاجون إليه ووسمهم لئلا يختلطون بغيرهم ونصب لهم عرفاء وأخذ يعلمهم ركوب الخيل والطعان فنشأوا لا يعرفون غير الحرب وقد صارت دعوته طبعاً لهم‏.‏

وقبض كل مال في البلد والثمار والحنطة والشعير‏.‏

وأقام رعاةً للإبل والغنم ومعهم قوم لحفظها والتنقل معها على نوب معروفة‏.‏

وأجرى على أصحابه جرايات فلم يكن يصل لأحد غير ما يطعمه‏.‏

هذا وهو لا يغفل عن هجر وطال حصاره لهم على نيف وعشرين شهراً حتى أكلوا الكلاب فجمع أصحابه وعمل دبابات ومشى بها الرجال إلى السور فاقتتلوا يومهم وكثر بينهم القتلى ثم انصرف عنهم إلى الأحساء وباكرهم فناشوه فانصرف إلى قرب الأحساء ثم عاد في خيل فدار حول هجر يفكر فيما يكيدهم به فإذا لهجر عين عظيمة كثيرة الماء تخرج من نشز من الأرض غير بعيد منها فيجتمع ماؤها في نهر يستقيم حتى يمر بجانب هجر ثم ينزل إلى النخل فيسقيه فكانوا لا يفقدون الماء في حصارهم‏.‏

فلما تبين له أمر العين انصرف إلى الأحساء ثم غدا فأوقف على باب المدينة رجالاً كثيراً ورجع إلى الأحساء وجمع الناس كلهم وسار في آخر الليل فورد العين بكرة بالمعاول والرمل وأوقار الثياب الخلقان ووبر وصوف وأمر بجمع الحجارة ونقلها إلى العين وأعد الرمل والحصى والتراب ثم أمر بطرح الوبر والصوف وأوقار الثياب في العين وطرح فوقها الرمل والحصى والتراب والحجارة فقذفته العين ولم يعن ما فعله شيئاً فانصرف إلى الأحساء بمن معه‏.‏

وغدا في خيل فضرب البر حتى عرف أن منتهى العين بساحل البحر وأنها تنخفض كلما نزلت فرد جميع من كان معه وانحدر على النهر نحوا من ميلين ثم أمر بحفر نهر هنك وأقبل يركب هو وجمعه في كل يوم والعمال يعملون حتى حفره إلى السباخ ومضى الماء كله فصب في البحر ثم سار فنزل على هجر وقد انقطع الماء عنهم ففر بعضهم فركب البحر ودخل بعضهم في دعوته وخرجوا إليه فنقلهم إلى الأحساء وبقيت طائفة لم يفروا لعجزهم ولم يدخلوا في دعوته فقتلهم وأخذ ما في المدينة وأخربها فبقيت خراباً وصارت مدينة البحرين هي الأحساء‏.‏

ثم أنفذ سرية إلى عمان في ستمائة وأردفهم بستمائة أخرى فقاتلهم أهل عمان حتى تفانوا وبقي من أهل عمان خمسة نفر ومن القرامطة ستة نفر فلحقوا بأبي سعيد فأمر بهم فقتلوا وقال‏:‏ هؤلاء خاسوا بعهدي ولم يواسلوا أصحابهم الذين قتلوا‏.‏

وتطير بهلاك السرية وكف عن أهل عمان‏.‏

واتصل بالمعتضد بالله خبره فخاف منه على البصرة فأنفذ العباس بن عمرو الغنوي في ألفي رجل وولاه البحرين فخرج في سنة تسع وثمانين ومائتين والتقى مع أبي سعيد فانهزم أصحابه وأسر العباس في نحو من سبعمائة رجل من أصحابه واحتووا على عسكره وقتل من غده جميع الأسرى ثم أحرقهم وترك العباس ومضى المنهزمون فتاه أكثرهم في البر وتلف كثير منهم عطشاً وورج بعضهم إلى البصرة فارتاع الناس وأخذوا في الرحيل عن البصرة‏.‏

ثم لما كان بعد الوقعة بأيام أحضر أبو سعيد العباس بن عمرو وقال له‏.‏

أتحب أن أطلقك قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ على أن تبلغ عني ما أقول صاحبك‏.‏

قال‏:‏ أفعل‏.‏

قال‏:‏ تقول له‏:‏ الذي أنزل بجيشك ما أنزل بغيك هذا بلد خارج عن يدك غلبت عليه وقمت به وكان بي من الفضل ما آخذ به غيره فما عرضت لما كان في يدك ولا هممت به ولا أخفت لك سبيلا ولا نلت أحداً من رعيتك بسوء فتوجيهك إلي الجيوش لأي سبب اعلم أني لا أخرج عن هذا البلد ولا توصل إليه وفي هذه العصابة التي معي روح فأكفني نفسك ولا وأطلقه وبعث معه من يرده إلى مأمنه فوصل إلى بغداد في شهر رمضان وقد كان الناس يعظمون أمره ويكثرون ذكره ويسمونه قائد الشهداء فلما وصل إلى المعتضد عاتبه على تركه التحرز فاعتذر ولم يبرح حتى رضى عنه‏.‏

وسأله عن خبره فعرفه جميعه وبلغه ما قال القرمطي فقال‏:‏ صدق ما أخذ شيئاً كان في أيدينا‏.‏

وأطرق مفكرا ثم رفع رأسه وقال‏:‏ كذب عدو الله الكافر المسلمون رعيتي حيث كانوا من بلاد الله والله لئن طال بي عمري لأشخصن بنفسي إلى البصرة وجميع غلماني ولأوجهن إليه جيشاً كثيفا فإن هزمه وجهت جيشا فإنه هزمه خرجت في جميع قوادي وجيشي إليه حتى يحكم الله بيني وبينه‏.‏

فشغل المعتضد عن القرمطي بأمر وصيف غلام أبي الساج‏.‏

ثم توفي في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين وما يزال يذكر أبا سعيد الجنابي في مرضه ويتلهف ويقول‏:‏ حسرة في نفسي كنت أحب أن أبلغها قبل موتي والله لقد كنت وضعت عند نفسي أن أركب ثم أخرج نحو البحرين ثم لا ألقى أحدا أطول من سيفي إلا ضربت عنقه وإني أخاف وأقبل أبو سعيد بعد إطلاق العباس على جمع الخيل وإعداد السلاح ونسج الدروع والمغافر واتخاذ الإبل وإصلاح الرجال وضرب السيوف والأسنة واتخاذ الروايا والمزاد والقرب وتعليم الصبيان الفروسية وطرد الأعراب من قريته وسد الوجوه التي يتعرف منها أمر بلده وأحواله بالرجال وإصلاح أراضي المزارع وأصول النخل وإصلاح مثل هذه الأمور وتفقدها ونصب الأمناء على ذلك وأقام العرفاء على الرجال واحتاط على ذلك كله حتى بلغ من تفقده أن الشاة إذا ذبحت يتسلم العرفاء اللحم ليفرقوه على من ترسم لهم ويدفع الرأس والأكارع والبطن إلى العبيد والإماء ويجز الصوف والشعر من الغنم ويفرقه على من يغزله ثم يدفعه إلى من ينسجه عبيا وأكسية وغرائر وجوالقات ويفتل منه حبال ويسلم الجلد إلى الدباغ ثم إلى خرازى القرب والروايا والمزاد وما كان من الجلود يصلح نعالا وخفا فأعمل منه ثم يجمع ذلك كله إلى خزائن‏.‏

فكان ذلك دأبه لا يغفله ويوجه كل قليل خيلا إلى ناحية البصرة فتأخذ من وجدت وتصير بهم إليه ويستعبدهم فزادت بلاده وعظمت هيبته في صدور الناس‏.‏

وواقع بني ضبة وقائع مشهورة فظفر بهم وأخذ منهم خلقا وبنى لهم حبسا عظيما جمعهم فيه وسده عليهم ومنعهم الطعام والشراب فصاحوا فلم يغثهم فمكثوا على ذلك شهرا ثم فتح عليهم فوجد أكثرهم موتى ويسيرا بحال الموتى وقد تغذوا بلحوم الموتى فحصاهم وخلاهم فمات أكثرهم‏.‏

وكان قد أخذ من عسكر العباس خادما له جعله على طعامه وشرابه فمكث مدة طويلة لا يرى أبا سعيد فيها مصليا صلاةً واحدة ولا يصوم في شهر رمضان ولا في غيره فأضمر الخادم قتله حتى إذا دخل الحمام معه وكانت الحمام في داره فأعد الخادم خنجرا ماضيا والحمام خال فلما تمكن منه ذبحه ثم خرج فقال‏:‏ يدعى فلان لبعض بني سنبر فأحضر فلما دخل قبضه وذبحه فلم يزل ذلك دأبه حتى قتل جماعةً من الرؤساء والوجوه فدخل آخرهم فإذا في البيت الأول دم جار فارتاب وخرج مبادرا وأعلم الناس فحصروا الخادم حتى دخلوه فوجدوا الجماعة صرعى وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة وقيل اثنتين وثلاثمائة وكان قتله بأحساء من البحرين‏.‏

وكانت سنه يوم قتله نيفا وستين سنة‏.‏

وترك أبو سعيد من الأولاد‏:‏ أبا القاسم سعيدا‏.‏

وأبا طاهر سليمان‏.‏

وأبا إسحاق إبراهيم‏.‏

وأبا العباس محمدا‏.‏

وأبا يعقوب يوسف‏.‏

وكان أبو سعيد قد جمع رؤساء دولته وأوصى إن حدث به موت يكون القيم بأمرهم سعيد ابنه إلى أن يكبر أبو طاهر وكان أبو طاهر أصغر سنا من سعيد فإذا كبر أبو طاهر كان المدبر فلما قتل جرى الأمر على ذلك‏.‏

وكان قد قال لهم سيكون الفتوح له فجلس سعيد يدبر الأمر بعد قتل أبيه وأمر فشد الخادم بحبال وقرض لحمه بالمقاريض حتى مات فلما كان في سنة خمس وثلاثمائة سلم سعيد إلى أخيه أبي طاهر سليمان الأمر فعظموا أمره‏.‏

وكان ابتداء أمر أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي بالقطيف وما والاها في سنة ست وثمانين ومائتين فكانت مدته نحو خمس عشرة سنة‏.‏

الصناديقي وفيها استولى النجار أبو القاسم الحسن بن فرج الصناديقي على اليمن وكانت جيوشه بالمذيخرة وسهفنة وكان ابن أبي الفوارس أحد دعاة عبدان أنفذه داعيا إلى اليمن وكان من أهل النرس موضع يعمل فيه الثياب النرسي وكان يعمل من الكتان فصار إلى اليمن ودخل في دعوته خلق كثير فأظهر العظائم وقتل الأطفال وسبا النساء وتسمى برب العزة وكان يكاتب بذلك وأعلن سب النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء واتخذ دارا خاصة سماها دار الصفوة يجتمع فيها النساء ويأمر الرجال بمخالطتهن ووطئهن ويحفظ من تحبل منهن في تلك الليلة ومن تلد من ذلك ويتخذ تلك الأولاد لنفسه خولاً ويسميهم أولاد الصفوة‏.‏

قال بعضهم‏:‏ دخلت إليها لأنظر فسمعت امرأة تقول‏:‏ يا بني فقال‏:‏ يا أمة نريد أن نمضي أمر ولي الله فينا‏.‏

وكان يقول‏:‏ إذا فعلتم هذا لم يتميز مال من مال ولا ولد من ولد فتكونوا كنفس واحدة‏.‏

فعظمت فتنته باليمن وأجلى أكثر أهله عنه وأجلى السلطان وقاتل أبا القاسم محمدا ابن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الحسني الهادي وأزاله عن عمله من صعدة ففر منه بعياله إلى الرس ثم أظفره الله به فهزمه بأمر إلهي وهو أن الله جلت قدرته ألقى على عسكره وقد بايته برداً وثلجا قتل به أكثر أصحابه في ليلة واحدة وقلما عرف مثل ذلك في تلك الناحية‏.‏

وسلط الله عليه الأكلة وذلك أن القاسم أنفذ إليه طبيبا بمبضع مسموم فصده به فقتله وأنزل الله بالبلدان التي غلب عليها بثراً يخرج في كتف الرجل منهم بثرة فيموت سريعا فسمى ذلك البثر بتلك البلاد حبة القرمطي مدة من الزمان‏.‏

وأخرب الله أكثر تلك البلاد التي ملكها وأفنى أهلها بموت ذريع فاعتصم ابنه بجبال وأقام بها وكاتب أهل دعوتهم وعنون كتبه‏:‏ من ابن رب العزة‏.‏

فأهلكه الله وبقي منهم بقية فاستأمنوا إلى القاسم بن أحمد الهادي ولم يبق للنجار لعنه الله ولا لمن كان على دعوته بقية‏.‏

وكان قرمط يكاتب من بسلمية فلما مات من كان في وقته وخلفه ابنه من بعده كتب إلى قرمط فأنكر منه أشياء فاستراب وبعث ابن مليح أحد دعاته ليعرف الخبر فامتنع فأنفذ عبدان وعرف موت الذي كانوا يكاتبونه فسأل ابنه عن الحجة ومن الإمام الذي يدعو إليه فقال الابن‏:‏ ومن الإمام فقال عبدان‏:‏ محمد بن إسماعيل بن جعفر صاحب الزمان‏.‏

فأنكر ذلك وقال‏:‏ لم يكن إمام غير أبي وأنا أقوم مقامه‏.‏

فرجع عبدان إلى قرمط وعرفه الخبر فجمع الدعاة وأمرهم بقطع الدعوة حنقا من قول صاحب سلمية‏:‏ لا حق لمحمد بن إسماعيل في هذا الأمر ولا إمامة‏.‏

وكان قرمط إنما يدعو إلى إمامة محمد بن إسماعيل فلما قطعوها من ديارهم لم يمكنهم قطعها من غير ديارهم لأنها امتدت في سائر الأقطار ومن حينئذ قطع الدعاة مكاتبة الذين كانوا بسلمية‏.‏

وكان رجل منهم قد نفذ إلى الطالقان يبث الدعوة فلما انقطعت المكاتبة طال انتظاره فشخص يسأل عن قرمط فنزل على عبدان بسواد الكوفة فعتبه وعتب الدعاة في انقطاع كتبهم فعرفه عبدان قطعهم الدعوة وأنهم لا يعودون فيها وأنه تاب من هذه الدعوة حقيقة فانصرف عنه إلى زكرويه بن مهرويه ليدعو كما كان أبوه ويجمع الرجال فقال زكرويه‏:‏ إن هذا لا يتم مع عبدان لأنه داعي البلد كله والدعاة من قبله والوجه أن نحتال على عبدان حتى نقتله‏.‏

وباطن على ذلك جماعة من قرابته وثقاته وقال لهم‏:‏ إن عبدان قد نافق وعصى وخرج من الملة‏.‏

فبيتوه ليلا وقتلوه فشاع ذلك وطلب الدعاة وأصحاب قرمط زكرويه بن مهرويه ليقتلوه فاستتر وخالفه القوم كلهم إلا أصل دعوته وتنقل في القرى وذلك في سنة ست وثمانين والقرامطة تطلبه إلى سنة ثمان وثمانين فأنفذ ابنه الحسن إلى الشام ومعه من القرامطة رجل يقال له أبو الحسين القاسم بن أحمد وأمره أن يقصد بني كلاب وينتسب إلى محمد بن إسماعيل ويدعوهم إلى الإمام من ولده فاستجاب له فخذ من بني العليص ومواليهم وبايعوه فبعث إلى زكرويه يخبر بمن استجاب له بالشام فضم إليه ابن أخيه فتسمى بالمدثر لقبا وبعبد الله اسما وتأول أنه المذكور في القرآن بالمدثر ويقال إن المدثر هذا اسمه عيسى بن مهدي وأنه تسمى عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل ابن جعفر الصادق وعهد إليه صاحب الخال من بعده وغلاما من بني مهرويه يتلقب بالمطوق وكان سيافا وكتب إلى ابنه الحسن يعرفه أنه ابن الحجة ويأمره بالسمع والطاعة له وابن الحجة هذا ادعى أنه محمد بن عبد الله وقيل علي بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وأنكر قوم هذا النسب وقالوا إنما اسمه يحيى بن زكرويه بن مهرويه وكنيته أبو القاسم ويلقب بالشيخ ويعرف بصاحب الناقة وبصاحب الجمل وهو أخو صاحب الخال القائم من بعده فسار حتى نزل في بني كليب فلقيه الحسن بن زكرويه وسر به وجمع له الجمع وقال‏:‏ هذا صاحب الإمام فامتثلوا أمره وسروا به فأمرهم بالاستعداد للحرب وقال‏:‏ قد أظلكم النصر ففعلوا واتصلت أخبارهم بشبل الديلمي مولى المعتضد في سنة تسع وثمانين فقصدهم فحاربوه وقتلوه في عدة من أصحابه بالرصافة من غربي الفرات ودخلوها فأحرقوا مسجدها ونهبوا‏.‏

وساروا نحو الشام يقتلون ويحرقون القرى وينهبونها إلى أن وردوا أطراف دمشق وكان عليها طغج بن جف من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون فبرز إليهم فهزموه وقتل كثير من أصحابه والتجأ إلى دمشق فحصروه وقاتلوه‏.‏

وكان القرمطي يحضر الحرب على ناقة ويقول لأصحابه‏:‏ لا تسيروا من مصافكم حتى تنبعث بين أيديكم فإذا سارت فاحملوا فإنه لا ترد لكم راية إذ كانت مأمورة‏.‏

فسمى بذلك‏:‏ صاحب الناقة فأقام طغج سبعة أشهر محصورا بدمشق فكتب إلى مصر بأنه محصور وقد قتل أكثر أصحابه وضرب البلد فأنفذ إليه بدر الكبير غلام ابن طولون المعروف بالحمامي فسار حتى قرب من دمشق فاجتمع هو وطغج على محاربة القرمطي بقرب دمشق فقتل القرمطي واحتمى أصحابه وانحازوا فمضوا وكان القرمطي قد ضرب دراهم ودنانير وكتب عليها‏:‏ قل جاء الحق وزهق الباطل‏.‏

فلما انصرف القرامطة عن دمشق وقد قتل محمد بن عبد الله صاحب الناقة بايعوا الحسن بن زكرويه وهو الذي يقال له أحمد بن عبد الله ويقال عبد الله بن أحمد بن محمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق ويعرف بصاحب الخال فسار بهم وافتتح عدة مدن من الشام وظهر على حمص وقتل خلقا وتسمى بأمير المؤمنين المهدي على المنابر وفي كتبه وذلك في سنة تسع وثمانين وبعض سنة تسعين‏.‏

ثم صاروا إلى الرقة فخرج إليهم مولى المكتفي وواقعهم فهزموه وقتلوه واستباحوا عسكره ورجعوا إلى دمشق وهم ينهبون جميع ما يمرون به من القرى ويقتلون ويسبون فخرج إليهم جيش كثيف عليه بشير غلام طغج وقاتلهم حتى قتل في خلق من أصحابه‏.‏

واتصل ذلك بالمكتفي بالله فندب أبا الأغر السلمى في عشرة آلاف وخلع عليه لثلاث عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة تسعين فسار حتى نزل حلب ثم خرج فوافاه جيش القرامطة غفلة يقدمهم المطوق فانهزم أبو الأغر وركبت القرامطة أكتاف الناس يقتلون ويأسرون حتى حجز بينهم الليل وقد أتوا على عامة العسكر ولحق أبو الأغر بطائفة من أصحابه فالتجأوا بحلب وصار في نحو الألف فنازله القرامطة فلم يقدروا منه على شيء فانصرفوا‏.‏

وجمع الحسن بن زكرويه بن مهرويه أصحابه وسار بهم إلى حمص فخطب له على منابرها‏.‏

ثم سار إلى سلمية فحارب أهلها وامتنعوا منه فأمنهم ودخلها فبدأ بمن فيها من بني هاشم وكانوا جماعة فقتلهم‏.‏

ثم كر على أهلها فقتلهم أجمعين وخربها وخرج عنها وما بها عين تطرف فلم يمر بقرية إلا أخربها ولم يدع فيها أحدا فخرب البلاد وقتل الناس ولم يقاومه أحد وفنيت رجال طغج وبقي في عدة يسيرة فكانت القرامطة تقصد دمشق فلا يقاتلهم إلا العامة وقد أشرفوا على الهلكة فكثر الضجيج ببغداد واجتمعت العامة إلى يوسف بن يعقوب القاضي وسألوه إنهاء الخبر إلى السلطان‏.‏

ووردت الكتب من مصر إلى المكتفي بخبر قتل عسكرهم الذي خرج إلى الشام بيد القرامطة وخراب الشام فأمر المكتفي الجيش بالاستعداد وخرج إلى مضربه في القواد والجند لاثنتي عشرة خلت من رمضان ومضى نحو الرقة بالجيوش حتى نزلها وانبثت الجيوش بين حلب وحمص وقلد محمد بن سليمان حرب الحسن بن زكرويه واختار له جيشا كثيفا وكان صاحب ديوان العطاء ‏.‏

وعارض الجيش فسار إليهم والتقاهم لست خلون من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين بموضع بينه وبين حماة اثنا عشر ميلا فاقتتلوا قتالا شديدا حتى حجز الليل بينهم وقتل عامة رجال وكان الحسن بن زكرويه لما أحس بالجيوش اصطفى مقاتلة ممن معه ورتب أحوالهم فلما انهزم أصحابه رحل من وقته وتلاحق به من أفلت فقال لهم‏:‏ أتيتم من قبل أنفسكم وذنوبكم وأنكم لم تصدقوا الله وحرضهم على المعاودة إلى الحرب فاعتلوا بفناء الرجال وكثرة الجراح فيهم فقال لهم‏:‏ قد كاتبني خلق من أهل بغداد بالبيعة لي ودعاتي بها ينتظرون أمري وقد خلت من السلطان الآن وأنا شاخص نحوها لأظهر بها ومستخلف عليكم أبا الحسين القاسم بن أحمد صاحبي وكتبي ترد عليه بما يعمل فاسمعوا وأطيعوا‏.‏

فضمنوا ذلك له وشخص معه قريبه عيسى ابن أخت مهرويه المسمى بالمدثر وصاحبه المعروف بالمطوق وغلام له رومى وأخذ دليلا يرشدهم إلى الطريق فساروا يريدون سواد الكوفة وسلك البر وتجنب القرى والمدن حتى صار قريبا من الرحبة بموضع يقال له الدالية فأمر الدليل فمال بهم إليها ونزل بالقرب منها خلف رابية ووجه بعض من معه لابتياع ما يصلحه فدخل القرية فأنكر بعض أهلها زيه وسأله عن أمره فورى وتلجلج فارتاب به وقبض عليه وأتى به واليها ويقال له أبو خبزة يخلف أحمد بن كشمرد صاحب الحرب بطريق الفرات والدالية قرية من عمل الفرات فسأله أبو خبزة ورهب عليه فعرفه أن القرمطي الذي خرج الخليفة المكتفي في طلبه خلف رابية أشار إليها فسار الوالي مع جماعة بالسلاح فأخذوهم وشدوهم وثاقا وتوجه بهم إلى ابن كشمرد فصار بهم إلى المكتفي وهو بالرقة فشهرهم بالرقة وعلى الحسن بن زكرويه دراعة ديباج وبرنس حرير وعلى المدثر دراعة وبرنس حرير وذلك لأربع بقين من المحرم‏.‏

وقدم محمد بن سليمان بجيوشه إلى الرقة ومعه الأسرى فخلف المكتفي عساكره مع محمد ابن سليمان بالرقة وشخص في خاصته وغلمانه وتبعه وزيره القاسم بن عبيد الله إلى بغداد ومعه القرمطي وأصحابه‏.‏

فلما صار إلى بغداد عمل له كرسي سمكه ذراعان ونصف وركب على فيل وأركب عليه ودخل المكتفي وهو بين يده مع أصحابه الأسرى وذلك ثالث ربيع الأول ثم سجنوا‏.‏

فلما وصل محمد بن سليمان ببقية القرامطة لاثنتي عشرة خلت منه أمر المكتفي القواد بتلقيه والدخول معه فدخل في زي حسن وبين يديه نيف وسبعون أسيرا فخلع عليه وطوق بطوق من ذهب وسور سوارين من ذهب وخلع على جميع من كان معه القواد وطوقوا وسوروا‏.‏

وأمر المكتفي ببناء دكة في الجانب الشرقي من مربعة ذرعها عشرون ذراعا في مثلها وارتفاعها عشرة أذرع يصعد إليها بدرج فلما كان لأربع بقين منه خرج القواد والعامة وحمل وقدم الحسن بن زكرويه وعيسى ابن أخت مهرويه إلى أعلى الدكة ومعهما أربعة وثلاثون إنساناً من قبل وجوه القرامطة ممن عرف بالنكاية وكان الواحد منهم يبطح على وجهه وتقطع يده اليمنى فيرمى بها إلى أسفل ليراها الناس ثم تقطع رجله اليسرى ثم رجله اليمنى ويرمى بهما ثم يضرب عنقه ويرمى بها‏.‏

ثم قدم المدثر ففعل به كذلك بعد ما كوى ليعذب وضربت عنقه‏.‏

ثم قدم الحسن بن زكرويه فضرب مائتي سوط ثم قطعت يداه ورجلاه وكوى وضربت عنقه ورفع رأسه على خشبة وكبر من على الدكة فكبر الناس وانصرفوا‏.‏

وحملت الرءوس فصلبت على الجسر وصلب بدن القرمطي فمكث نحو سنة‏.‏