فصل: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأحكام الشرعية الكبرى



.كتاب الْحَشْر وَالْجنَّة وَالنَّار:

.بَاب قرب السَّاعَة، وَقَول الله تَعَالَى: {وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب}، وَقَوله عز وَجل: {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد رَبِّي لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ ثقلت فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة}:

البُخَارِيّ: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا أَبُو غَسَّان، حَدثنِي أَبُو حَازِم، عَن سهل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بعثت أَنا والساعة هَكَذَا. وَيُشِير بإصبعيه فيمدهما».
البُخَارِيّ: ثَنَا أَبُو الْيَمَان، أَنا شُعَيْب، ثَنَا أَبُو الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا، فَإِذا طلعت من مغْرِبهَا فرآها النَّاس آمنُوا أَجْمَعِينَ، فَذَلِك حِين لَا ينفع نفسا إيمَانهَا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد انْصَرف الرجل بلين لقحته فَلَا يطعمهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَهُوَ يليط حَوْضه فَلَا يسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد رفع أَكلته إِلَى فِيهِ فَلَا يطْعمهَا».
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، عَن الْعَوام قَالَ: حَدثنِي جبلة بن سحيم، عَن مُؤثر بن عفازة، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «لما كَانَ لَيْلَة أسرِي برَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فتذاكروا السَّاعَة مَتى هِيَ، فبدءوا بإبراهيم، فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَلم يكن عِنْده مِنْهَا علم، فسألوا مُوسَى، فَلم يكن عِنْده مِنْهَا علم، فَردُّوا الحَدِيث إِلَى عِيسَى فَقَالَ: عهد الله إِلَى فَمَا دون وجبتها، فَأَما وجبتها فَلَا يعلمهَا إِلَّا الله، فَذكر من خُرُوج الدَّجَّال فأهبط وأقتله، فَيرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ، فيستقبلهم يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وهم من كل حدب يَنْسلونَ، لَا يَمرونَ بِمَاء إِلَّا شربوه، وَلَا بِشَيْء إِلَّا أفسدوه، فيجأرون إِلَيّ، فأدعو الله فيميتهم، فتجوى الأَرْض من ريحهم، فيجأرون إِلَيّ، فأدعو- الله تَعَالَى- فَيُرْسل السَّمَاء بِالْمَاءِ فَتحمل أجسامهم، فتلقيها فِي الْبَحْر، ثمَّ تنسف الْجبَال، وتمد الأَرْض مد الْأَدِيم، فعهد الله إِذا كَانَ ذَلِك فَإِن السَّاعَة من النَّاس كالحامل المتم، لَا يدْرِي أَهلهَا مَتى تفاجئهم بولادتها لَيْلًا أَو نَهَارا.
قَالَ الْعَوام: فَوجدت تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله، وَقَرَأَ: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ واقترب الْوَعْد الْحق...}»
.
مُؤثر بن غفازة شيباني يكنى أَبَا الْمثنى.

.بَاب أَي يَوْم تقوم السَّاعَة؟

التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، أَنا الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة، فِيهِ خلق آدم، وَفِيه أَدخل الْجنَّة، وَفِيه أخرج مِنْهَا، وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا فِي يَوْم الْجُمُعَة».
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث أبي هُرَيْرَة حَدِيث حسن صَحِيح.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا أَبُو عَامر الْعَقدي، ثَنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل بن سعيد بن سعد بن عبَادَة، عَن جده، عَن سعد بن عبَادَة، أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سيد الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة، فِيهِ خمس خلال: فِيهِ خلق الله آدم، وَفِيه أهبط، وَفِيه توفّي الله آدم، وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل العَبْد ربه شَيْئا فِيهَا إِلَّا آتَاهُ، مَا لم يسْأَل إِثْمًا أَو قطيعة رحم، وَفِيه تقوم السَّاعَة، وَمَا من ملك مقرب وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض وَلَا جبال وَلَا ريَاح وَلَا بَحر إِلَّا وَهُوَ يشفق من يَوْم الْجُمُعَة أَن تقوم السَّاعَة فِيهِ».
وَهَذَا الْكَلَام لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَإِسْنَاده صَالح.
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا هَارُون بن عبد الله، ثَنَا حُسَيْن بن عَليّ، عَن عبد الرَّحْمَن بْن يزِيد بن جَابر، عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ، عَن أَوْس بن أَوْس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة، فِيهِ خلق آدم، وَفِيه قبض، وَفِيه النفخة، وَفِيه الصعقة، فَأَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة فِيهِ؛ فَإِن صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ. قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَكَيف تعرض صَلَاتنَا عَلَيْك وَقد أرمت؟- قَالَ: يَقُولُونَ: بليت- فَقَالَ: إِن الله حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء».
قَالَ أَبُو عِيسَى فِي كتاب الْعِلَل: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ لَا أعرفهُ إِلَّا من حَدِيث حُسَيْن الْجعْفِيّ. قَالَ: وَرَأى هَذَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بْن تَمِيم، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، قَالَ: وَأَبُو أُسَامَة وَغَيره يروون عَن عبد الرَّحْمَن بْن يزِيد بن جَابر، وَهُوَ عِنْدِي عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم. وَذكر أَبُو مُحَمَّد بْن أبي حَاتِم عبد الرَّحْمَن بن تَمِيم، وَذكر تَضْعِيفه عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم، وَقَالَ: يُقَال هُوَ الَّذِي روى عَنهُ أَبُو أُسَامَة وحسين الْجعْفِيّ، فَقَالَا:
عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قدم الْكُوفَة عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم وَيزِيد بن يزِيد بن جَابر، ثمَّ قدم عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر بعد ذَلِك بدهر، فَالَّذِي يحدث عَنهُ أَبُو أُسَامَة لَيْسَ هُوَ ابْن جَابر.

.بَاب ذكر النفخ فِي الصُّور:

التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد، أَنا عبد الله، أَنا أَبُو الْعَلَاء، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيفَ أنعم وَصَاحب الْقرن قد الْتَقم الْقرن، واستمع الْإِذْن مَتى يُؤمر بالنفخ فينفخ. فَكَأَن ذَلِك ثقل على أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُم: قُولُوا: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل، على الله توكلنا».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن.
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان الوَاسِطِيّ، ثَنَا أَبُو أَحْمد، ثَنَا خَالِد بن طهْمَان، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيفَ أنعم وَصَاحب الْقرن الْتَقم الْقرن، وحنى الْجَبْهَة واستمع الْإِذْن مَتى يُؤمر بالنفخة فينفخ. فَكَأَن ذَلِك شاق على أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قُولُوا: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل».
قَالَ: وثنا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، ثَنَا روح بن عبَادَة، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عمار الدهني، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيفَ أنعم وَصَاحب الْقرن قد الْتَقم الْقرن، وحنى جَبهته ينْتَظر مَتى يُؤمر، قُلْنَا: يَا رَسُول الله، مَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: قُولُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل».
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا سُفْيَان- يَعْنِي: الثَّوْريّ- عَن الْأَعْمَش، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيفَ أنعم وَصَاحب الصُّور شاخص بَصَره محن ظَهره ينْتَظر مَتى يُؤمر فينفخ فِيهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، مَاذَا نقُول؟ قَالَ: قُولُوا: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل».
رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: عَن ابْن أبي عمرَان، عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن جَعْفَر الْوَركَانِي، كِلَاهُمَا عَن جرير، عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح، عَن أبي سعيد، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أبي أُميَّة، عَن أَحْمد بن عبد الله بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، عَن مُوسَى بن أعين، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد بن نصر، حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك، أَنا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أسلم الْعجلِيّ، عَن بشر بن شغَاف، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا الصُّور؟ قَالَ: قرن ينْفخ فِيهِ».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَقد روى غير وَاحِد عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَلَا نعرفه إِلَّا من حَدِيثه، انْتهى كَلَام أبي عِيسَى. أسلم الْعجلِيّ وَبشر بن شغَاف ثقتان.

.بَاب كم بَين النفختين؟

مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَين النفختين أَرْبَعُونَ. قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَة، أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبيت. قَالُوا: أَرْبَعُونَ شهرا؟ قَالَ: أَبيت. قَالُوا: أَرْبَعُونَ سنة؟ قَالَ: أَبيت. ثمَّ ينزل من السَّمَاء مَاء فينبتون كَمَا ينْبت البقل. قَالَ: وَلَيْسَ من الْإِنْسَان شَيْء إِلَّا يبْلى إِلَّا عظما وَاحِدًا، وَهُوَ عجب الذَّنب، وَمِنْه يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة».

.بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ}:

النَّسَائِيّ: أخبرنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان، ثَنَا شُعَيْب بن اللَّيْث، ثَنَا اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ الله- تبَارك وَتَعَالَى-: كَذبَنِي ابْن آدم، وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يكذبنِي، وَشَتَمَنِي ابْن آدم، وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يَشْتمنِي أما تَكْذِيبه إيَّايَ فَقَوله: إِنِّي لَا أُعِيدهُ كَمَا بَدأته، وَلَيْسَ آخر الْخلق أعز عَليّ من أَوله، وَأما شَتمه إيَّايَ فَقَوله: اتخذ الله ولدا، وَأَنا الله الْأَحَد الصَّمد، لم أَلد وَلم أولد، وَلم يكن لي كفوا أحد».
أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة الزبيدِيّ قَالَا: ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن خَالِد بن حزَام الْقرشِي الْأَسدي، عَن عبد الرَّحْمَن بن عائش المسمعي الْأنْصَارِيّ، عَن دلهم بن الْأسود بن عبد الله بن حَاجِب بن عَامر بن المنتفق الْعقيلِيّ، قَالَ ابْن الْمُنْذر: عَن جده عبد الله، وَقَالَ ابْن حَمْزَة: عَن أَبِيه، قَالَا جَمِيعًا: عَن لَقِيط بن عَامر: «خرج وافداً إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ صَاحب لَهُ يُقَال لَهُ: نهيك بن عَاصِم بن المنتفق، قَالَ لَقِيط: فَخرجت أَنا وَصَاحب لي حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة لانسلاخ رَجَب، فأتينا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين انْصَرف من صَلَاة الْغَدَاة، فَقَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، أَلا إِنِّي قد خبأت لكم صوتي مُنْذُ أَرْبَعَة أَيَّام إِلَّا لأسمعنكم، أَلا فَهَل من امْرِئ بَعثه قومه، فَقَالُوا لَهُ: اعْلَم لنا مَا يَقُول رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلا ثمَّ لَعَلَّه أَن يلهيه حَدِيث نَفسه أَو حَدِيث صَاحبه أَو يلهيه الضلال، أَلا إِنِّي مسئول هَل بلغت؟ أَلا اسمعوا تعيشوا، أَلا اجلسوا أَلا اجلسوا. فَجَلَسَ النَّاس وَقمت أَنا وصاحبي حَتَّى إِذا فرغ لنا فُؤَاده وبصره قلت: يَا رَسُول الله، مَا عنْدك من علم الْغَيْب؟ فَضَحِك لعمر الله، وهز رَأسه، وَزعم أَنِّي أَبْتَغِي سقطة، فَقَالَ: ضن رَبك بِخمْس من الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا الله. وَأَشَارَ بِيَدِهِ، قلت: وَمَا هن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: علم الْمنية، قد علم مَتى منية أحدكُم، وَلَا تعلمونه، وَعلم الْمَنِيّ مَتى يكون فِي الرَّحِم، وَقد علمه وَلَا تعلمونه، وَعلم مَا فِي غَد، قد علم مَا أَنْت طاعم غَدا وَلَا تعلمه، وَعلم يَوْم الْغَيْث يشرف عَلَيْكُم أزلين مشفقين، فيظل يضْحك قد علم أَن غوثكم قريب. قَالَ لَقِيط: لم نعدم من رب يضْحك خيرا. قَالَ: وَعلم يَوْم السَّاعَة. قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي سَائِلك عَن حَاجَتي، فَلَا تعجلني، قَالَ: سل عَمَّا شِئْت قلت: يَا رَسُول الله، علمنَا مَا تعلم النَّاس، وَمَا تعلم فَإنَّا من قبيل لَا يصدقون تصديقنا أحدا من مذْحج الَّتِي تربو علينا، وخثعم الَّتِي توالينا، وعشيرتنا الَّتِي نَحن مِنْهَا. فَقَالَ: تلبثون مَا لبثتم ثمَّ يتوفى نَبِيكُم، ثمَّ تلبثون مَا لبثتم ثمَّ تبْعَث الصَّيْحَة، فلعمر إلهك مَا تدع على ظهرهَا من شَيْء إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك، فَأصْبح رَبك يطوف فِي الأَرْض، وخلت عَلَيْهِ الْبِلَاد، فَأرْسل رَبك السَّمَاء بهضب من عِنْد الْعَرْش، فلعمر إلهك مَا تدع على ظهرهَا من مصرع قَتِيل، وَلَا مدفن ميت إِلَّا شقَّتْ الْقَبْر عَنهُ حَتَّى يخلقه من قبل رَأسه، حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا يَقُول: رَبك: مَهيم لما كَانَ فِيهِ، فَيَقُول: يَا رب، أمتني أمس، أَو الْيَوْم. لعهده بِالْحَيَاةِ يحسبه حَدِيثا بأَهْله، فَقلت: يَا رَسُول الله، كَيفَ يجمعنا بَعْدَمَا تمزقنا الرِّيَاح والبلى وَالسِّبَاع؟ قَالَ: أنبئك فِي مثل ذَلِك فِي إل الله، الأَرْض أشرفت عَلَيْهَا وَهِي مَدَرَة بالية. فَقلت: لَا تحيا أبدا، ثمَّ أرسل رَبك عَلَيْهَا السَّمَاء، فَلم تلبث عَلَيْهَا إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى أشرفت عَلَيْهَا، فَإِذا هِيَ شرية وَاحِدَة، فلعمر إلهك، لَهو أقدر على أَن يجمعكم من المَاء على أَن يجمع نَبَات الأَرْض، فتخرجون من الأصواء وَمن مصارعكم، فتنظرون إِلَيْهِ سَاعَة وَينظر إِلَيْكُم. قَالَ: قلت: كَيفَ يَا رَسُول الله، وَنحن ملْء الأَرْض وَهُوَ شخص وَاحِد ينظر إِلَيْنَا وَنَنْظُر إِلَيْهِ؟ قَالَ: أتبئكم بِمثل ذَلِك فِي إل الله، الشَّمْس وَالْقَمَر آيَة صَغِيرَة ترونها سَاعَة وَاحِدَة، ويريانكم لَا تضَامون فِي رُؤْيَتهمَا، ولعمر إلهك لَهو أقدر على أَن يراكم وترونه من أَن ترونها. قلت: يَا رَسُول الله، فَمَا يفعل بِنَا رَبنَا إِذا لقيناه؟ قَالَ: تعرضون عَلَيْهِ بادية لَهُ صفحاتكم لَا تخفى عَلَيْهِ مِنْكُم خافية، فَيَأْخُذ رَبك بِيَدِهِ غرفَة من المَاء فينضح بهَا قبلكُمْ، فلعمر إلهك مَا تخطئ وَجه وَاحِد مِنْكُم مِنْهَا قَطْرَة، فَأَما الْمُسلم فتدع وَجهه مثل الريطة الْبَيْضَاء، وَأما الْكَافِر فتحطمه مثل الْحَمِيم الْأسود. أَلا ثمَّ ينْصَرف نَبِيكُم، وَيفرق على أَثَره الصالحون، فيسلكون جِسْرًا من النَّار يطَأ أحدكُم الجمره يَقُول: حس. يَقُول رَبك: أَو إِنَّه أَلا فتطلعون على حَوْض الرَّسُول على أظمأ وَالله ناهلة قطّ رَأَيْتهَا فلعمر إلهك مَا يبسط وَاحِد مِنْكُم يَده إِلَّا وَقع عَلَيْهِ قدح يطهره من الطوف وَالْبَوْل والأذى، وتحبس الشَّمْس وَالْقَمَر فَلَا ترَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا. فَقلت: يَا رَسُول الله، فَبِمَ نبصر؟ قَالَ: بِمثل ساعتك هَذِه. وَذَلِكَ مَعَ طُلُوع الشَّمْس فِي يَوْم أسفرته الأَرْض، وواجهته الْجبَال. قَالَ: قلت: لم رَسُول الله، فبمَا نجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قَالَ: الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا والسيئة بِمِثْلِهَا إِلَّا أَن يغْفر. قلت: يَا رَسُول الله، أما الْجنَّة أما النَّار؟ قَالَ: لعمرك إلهك إِن النَّار لَهَا لسبعة أَبْوَاب مَا مِنْهَا بَابَانِ إِلَّا يسير الرَّاكِب بَينهمَا سبعين عَاما، وَإِن للجنة لثمانية أَبْوَاب مَا مِنْهَا بَابَانِ إِلَّا يسير الرَّاكِب بَينهمَا سبعين عَاما. قلت: يَا رَسُول الله، فعلى مَا نطلع من الْجنَّة؟ قَالَ: على أَنهَار من عسل مصفى، وأنهار من كأس مَا بهَا صداع وَلَا ندامة، وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه، وَمَاء غير آسن وبفاكهة، فلعمر إلهك مَا تعلمُونَ وَخير من مثله مَعَه، وَأَزْوَاج مطهرة. قلت: يَا رَسُول الله، إِن لنا فِيهَا أَزْوَاجًا، أَو مِنْهُنَّ مصلحات؟ قَالَ: الصَّالِحَات للصالحين تلذونهن مثل لذتكم فِي الدُّنْيَا ويلذونكم، غير أَن لَا توالد. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أقْصَى مَا نَحن بالغون ومنتهون إِلَيْهِ؟ فَلم يجبهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، على مَا أُبَايِعك؟ قَالَ: فَبسط النَّبِي- عَلَيْهِ السَّلَام- يَده، وَقَالَ: على إقَام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، وزيال الشّرك، وَلَا تشرك بِاللَّه إِلَهًا غَيره. قَالَ: قلت لَهُ: وَإِن لنا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب؟ قَالَ: فَقبض النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده وسط أَصَابِعه، وَظن أَنِّي مشترط شَيْئا لَا يعطينيه، قل: نحل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا، وَلَا يجني على امْرِئ إِلَّا نَفسه. قَالَ: فَبسط يَده، وَقَالَ: ذَلِك لَك، تحل حَيْثُ شِئْت، وَلَا تجني عَلَيْك إِلَّا نَفسك. قَالَ: فانصرفنا عَنهُ، وَقَالُوا: هَاء إِن ذين هَاء إِن ذين- أرَاهُ قَالَ- لمن نفر لعمر إلهك، لمن نفر إِن حدثت؟ إِلَّا أَنهم من أتقى النَّاس لله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَقَالَ لَهُ كَعْب بن الخدارية- أحد بني أبي بكر بن كلاب-: من هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بَنو المنتفق، بَنو المنتفق- قَالَهَا ثَلَاثًا- أهل ذَلِك مِنْهُم، أهل ذَلِك مِنْهُم. قَالَ: وانصرفنا وَأَقْبَلت عَلَيْهِ، فَقلت: يَا رَسُول الله، هَل لأحد مِمَّن مضى خير فِي جاهليتهم؟ فَقَالَ رجل من عرض قُرَيْش: وَالله إِن أَبَاك المنتفق لفي النَّار. قَالَ: فلكأنه وَقع حر بَين وَجْهي ولحمه مِمَّا قَالَ لأبي على رُءُوس النَّاس، قَالَ: فهممت أَن أَقُول: وَأَبُوك يَا رَسُول الله، ثمَّ إِذْ الْأُخْرَى أجمل، فَقلت: يَا رَسُول الله، وَأهْلك؟ قَالَ: وَأَهلي لعمر الله مَا أتيت عَلَيْهِ من قرشي أَو عامري مُشْرك، فَقل: أَرْسلنِي إِلَيْك مُحَمَّد فأبشرك بِمَا يسوءك تجر على وَجهك وبطنك فِي النَّار. فَقلت: يَا رَسُول الله، وَمَا فعل بهم ذَلِك، وَقد كَانُوا على عمل لَا يحسنون إِلَّا إِيَّاه، وَكَانُوا يحسبونهم مصلحين. قَالَ: ذَلِك بِأَن الله- جلّ ثَنَاؤُهُ- بعث فِي آخر كل سبع أُمَم نَبيا فَمن عصى نبيه كَانَ من الضَّالّين، وَمن أطَاع نبيه كَانَ من المهتدين».
هَذَا لفظ ابْن الْمُنْذر ميزته من لفظ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة، وَبَينهمَا اخْتِلَاف يسير، وَزَاد ابْن الْمُنْذر شَيْئا. قَالَ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة فِي حَدِيثه: الْأنْصَارِيّ القباني من بني عَمْرو بن عَوْف، فَقَالَ: ِين انْصَرف عَن صَلَاة الْغَدَاة وَقَالَ: «بمفاتيح خمس من الْغَيْب لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله» وَلم يذكر قصَّة الْمَنِيّ، وَلَا ذكر قَول لَقِيط: «يَا رَسُول الله، إِنِّي سَائِلك عَن حَاجَتي، وَلَا تعجلني. قَالَ: سل عَمَّا شِئْت». وَقَالَ: «ثمَّ تبْعَث الصائحة» وَقَالَ: «يخلقه من عِنْد رَأسه» وَقَالَ: «إِلَّا الله» فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ: «فَلم يلبث عَلَيْهَا إِلَّا أَيَّامًا» وَقَالَ: «فتطفحه» وَقَالَ: «يفْتَرق على إثري الصالحون» وَقَالَ: «إِلَّا أَن يعفوا» وَقَالَ ابْن الخدارية: وَقَالَ: «بَنو المنتفق مرَّتَيْنِ» وَقَالَ: «أهل ذَلِك مِنْهُم» قَالَهَا مرّة وَاحِدَة، وَقَالَ: «على عمل لَا يحسبون». بِالْبَاء، وَقَالَهَا ابْن الْمُنْذر بالنُّون.