الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية ما نصه: وعند هذا نقول: هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام هذه الفضيحة، إن كانوا من أتباع دين الله تعالى فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته. ولعلهم يقولون: كنا في أول الأمر تلامذة إبليس، إلى أن تخرجنا عليه فزدنا في السفاهة عليه. كما قال الخوارزمي: وكنت امرأ من جند إبليس فارتقى بي الدهر حتى صار إبليس من جندي فلو مات قبلي كنت أحسن بعده طرائق فسق ليس يحسنها بعدي
فثبت بهذه الدلائل: أن يوسف عليه السلام بريء مما يقول هؤلاء الجهال. ا هـ كلام الرازي. ولا يخفى ما فيه من قلة الأدب مع من قال تلك المقالة من الصحابة وعلماء السلف الصالح? وعذر الرازي في ذلك هو اعتقاده أن ذلك لم يثبت عن أحد من السلف الصالح. وسترى في آخر هذا المبحث أقوال العلماء في هذه المسألة إن شاء الله تعالى. فإن قيل: قد بينتم دلالة القرآن على براءته عليه السلام مما لا ينبغي في الآيات المتقدمة. ولكن ماذا تقولون في قوله تعالى : {وَهَمَّ بِهَا}؟ فالجواب من وجهين: الأول ـ إن المراد بهم يوسف بها خاطر قلبي صرف عنه وازع التقوى. وقال بعضهم: هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى، وهذا لا معصية فيه. لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف. كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك" يعني ميل القلب الطبيعي. ومثال هذا ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد، مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة" لأنه ترك ما تميل إليه نفسه بالطبع خوفًا من الله، وامتثالًا لأمره، كما قال تعالى: وهم بني حارثة وبني سلمة بالفرار يوم أحد، كهم يوسف هذا، بدليل قوله: والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه: هذا ما يهمني، ويقول فيما يحبه ويشتهيه: هذا أهم الأشياء إلي، بخلاف هم امرأة العزيز، فإنه هم عزم وتصميم، بدليل أنها شقت قميصه من دبر وهو هارب عنها، ولم يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي إلا عجزها عنه. ومثل هذا التصميم على المعصية: معصية يؤاخذ بها صاحبها، بدليل الحديث الثابت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قالوا: يا رسول الله قد عرفنا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" فرح صلى الله عليه وسلم بأن تصميم عزمه على قتل صاحبه معصية أدخله الله بسببها النار. وأما تأويلهم هم يوسف بأنه قارب الهم ولم يهم بالفعل، كقول العرب: قتلته لو لم أخف الله، أي قاربت أن أقتله، كما قاله الزمخشري. وتأويل الهم بأنه هم بضربها، أو هم بدفعها عن نفسه، فكل ذلك غير ظاهر، بل بعيد من الظاهر ولا دليل عليه. والجواب الثاني ـ وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف لم يقع منه هم أصلًا، بل هو منفى عنه لوجود البرهان. قال مقيده عفا الله عنه: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية، لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب: أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه، كقوله: وعلى هذا القول: فمعنى الآية، وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، أي لولا أن رآه هم بها. فما قبل {لَوْلاَ} هو دليل الجواب المحذوف، كما هو الغالب في القرآن واللغة. ونظير ذلك قوله تعالى: واعلم أن جماعة من علماء العربية أجازوا تقديم جواب {لَوْلاَ} وتقديم الجواب في سائر الشروط: وعلى هذا القول يكون جواب {لَوْلَا} في قوله: وإلى جواز التقديم المذكور ذهب الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو العباس المبرد، وأبو زيد الأنصاري. وقال الشيخ أبو حيان في البحر المحيط ما نصه: والذي اختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها ألبتة، بل هو منفى لوجود رؤية البرهان. كما تقول: لقد فارقت لولا أن عصمك الله. ولا نقول: إن جواب {لَوْلاَ} متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشروط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها. وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو زيد الأنصاري، وأبو العباس المبرد. بل نقول: إن جواب {لَوْلاَ} محذوف لدلالة ما قبله عليه، كما يقول جمهور البصريين في قول العرب: أنت ظالم إن فعلت. فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم. ولا يدل قوله أنت ظالم على ثبوت الظلم. بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل، وكذلك هنا التقدير: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فكان وجود الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم، ولا التفات إلى قول الزجاج. ولو كان الكلام: ولهم بها كان بعيدًا، فكيف مع سقوط اللام؟ لأنه يوهم أن قوله: {وَهَمَّ بِهَا} هو جواب {لَوْلاَ} ونحن لم نقل بذلك، وإنما هو دليل الجواب. وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب فاللام ليست بلازمة، لجواز أن يأتي جواب {لَوْلاَ} إذا كان بصيغة الماضي باللام. وبغير لام تقول: لولا زيد لأكرمتك. ولولا زيد أكرمتك. فمن ذهب إلى أن قوله: {وَهَمَّ بِهَا} نفس الجواب لم يبعد. ولا التفات لقول ابن عطية: إن قول من قال: إن الكلام قد تم في قوله: قال: وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف اهـ. أما قوله: يرده لسان العرب فليس كما ذكر. وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب، قال الله تعالى: وأما أقوال السلف: فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك، لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضًا، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين فضلًا عن المقطوع لهم بالعصمة. والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب. لأنهم قدروا جواب {لَوْلاَ} محذوفًا ولا يدل عليه دليل. لأنهم لم يقدروا لهم بها ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط. لأن ما قبل الشرط دليل عليه اهـ. محل الغرض من كلام أبي حيان بلفظه. وقد قدمنا أن هذا القول هو أجري الأقوال على لغة العرب، وإن زعم بعض العلماء خلاف ذلك. فبهذين الجوابين تعلم أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بريء من الوقوع فيما لا ينبغي، وأنه إما أن يكون لم يقع منه أصلًا بناء على أن الهم معلق بأداة الامتناع التي هي {لَوْلاَ} على انتفاء رؤية البرهان، وقد رأى البرهان فانتفى المعلق عليه، وبانتفائه ينتفي المعلق الذي هو همه بها كما تقدم إيضاحه في كلام أبي حيان. وإما أن يكون همه خاطرًا قلبيًا صرف عنه وازع التقوى، أو هو الشهوة والميل الغريزي المزموم بالتقوى كما أوضحناه. فبهذا يتضح لك أن قوله: {وَهَمَّ بِهَا} لا يعارض ما قدمنا من الآيات على براءة يوسف من الوقوع فيما لا ينبغي. فإذا علمت مما بينا دلالة القرآن العظيم على براءته مما لا ينبغي، فسنذكر لك أقوال العلماء الذين قالوا: إنه وقع منه بعض ما لا ينبغي، وأقوالهم في المراد (بالبرهان) فنقول: قال صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور: أخرج عبد الرازق، والفريابي، وسعيد بن منصور وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما همت به تزينت ثم استلقت على فراشها، وهم بها جلس بين رجليها يحل تبانه نودي من السماء "يا ابن يعقوب، لا تكن كطائر ينتف ريشه فيبقى لا ريش له" فلم يتعظ على النداء شيئًا، حتى رأى برهان ربه جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضًا على أصبعيه. ففزع فخرجت شهوته من أنامله، فوثب إلى الباب فوجده مغلقًا، فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له، وأتبعته فأدركته، فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه، فألفيا سيدها لدى الباب. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، وأبو نعيم في الحلية، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سئل عن هم يوسف عليه السلام ما بلغ؟ قال: حل الهميان ـ يعني السراويل ـ وجلس منها مجلس الخاتن، فصيح به، يا يوسف لا تكن كالطير له ريش، فإذا زنى قعد ليس له ريش?! وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وَهَمَّ بِهَا} قال: حل سراويله حتى بلغ ثنته، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته، فمثل له يعقوب عليه السلام فضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن عكرمة، وسعيد بن جبير في قوله: وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه، في قوله: وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه، في الآية قال: رأى آية من آيات ربه حجزه الله بها عن معصيته. ذكر لنا أنه مثل له يعقوب عاضًا على أصبعيه، وهو يقول له: يا يوسف? أتهم بعمل السفهاء، وأنت مكتوب في الأنبياء? فذلك البرهان. فانتزع الله كل شهوة كانت في مفاصله. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين رضي الله عنه، في قوله: وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه، قال: رأى صورة يعقوب ـ عليه السلام ـ في الجدار. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن الحسن رضي الله عنه، قال: زعموا أن سقف البيت انفرج، فرأى يعقوب عاضًا على أصبعيه. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، عن الحسن رضي الله عنه، في قوله: وأخرج أبو عبيد ، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه، قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت تقول: يوسف? يوسف. وأخرج ابن جرير من طريق الزهري: أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن البرهان الذي رأى يوسف ـ عليه السلام ـ هو يعقوب. وأخرج ابن جرير، عن القاسم بن أبي بزة، نودي: يا ابن يعقوب? لا تكونن كالطير له ريش، فإذا زنى قعد ليس له ريش? فلم يعرض للنداء وقعد، فرفع رأسه، فرأى وجه يعقوب عاضًا على أصبعه. فقام مرعوبًا استحياء من أبيه. وأخرج ابن جرير، عن علي بن بذيمة قال: كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر إلا يوسف ـ عليه السلام ـ ولد له أحد عشر من أجل ما خرج من شهوته. وأخرج ابن جرير، عن شمر بن عطية قال: نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضًا على أصبعه يقول: يا يوسف? فذاك حين كف وقام. وأخرج ابن جرير، عن الضحاك رضي الله عنه، قال: يزعمون أنه مثل له يعقوب ـ عليه السلام ـ فاستحيا منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما، يقول في قوله: وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه، قال: البرهان الذي رأى يوسف ـ عليه السلام ـ ثلاث آيات من كتاب الله: وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن محمد بن كعب قال: رأى في البيت في ناحية الحائط مكتوبًا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وأخرج أبو الشيخ، وأبو نعيم في الحلية، عن جعفر بن محمد رضي الله عنه، قال: لما دخل يوسف معها البيت ـ وفي البيت صنم من ذهب ـ قالت: كما أنت، حتى أغطى الصنم. فإني أستحي منه. فقال يوسف: هذه تستحي من الصنم? أنا أحق أن أستحيي من الله؟ فكف عنها وتركها. اهـ من الدر المنثور في التفسير بالمأثور. قال مقيده ـ عفا الله عنه: ـ هذه الأقوال التي رأيت نسبتها إلى هؤلاء العلماء منقسمة إلى قسمين: قسم لم يثبت نقله عمن نقله عنه بسند صحيح، وهذا لا إشكال في سقوطه. وقسم ثبت عن بعض من ذكر، ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك، فالظاهر الغالب على الظن، المزاحم للقين: أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات. لأنه لا مجال للرأي فيه، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صلى الله عليه وسلم. وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف بأنه جلس بين رجلي كافرة أجنبية، يريد أن يزني بها. اعتمادًا على مثل هذه الروايات. مع أن في الروايات المذكورة ما تلوح عليه لوائح الكذب. كقصة الكف التي خرجت له أربع مرات، وفي ثلاث منهن لا يبالي بها، لأن ذلك على فرض صحته فيه أكبر زاجر لعوام الفساق. فما ظنك بخيار الأنبياء? مع أنا قدمنا دلالة القرآن على براءته من جهات متعددة، وأوضحنا أن الحقيقة لا تتعدى أحد أمرين: إما أن يكون لم يقع منه هم بها أصلًا، بناء على تعليق همه على عدم رؤية البرهان، وقد رأى البرهان. وإما أن يكون همه الميل الطبيعي المزموم بالتقوى، والعلم عند الله تعالى. واختلف العلماء في المراد بالسوء والفحشاء، اللذين ذكر الله في هذه الآية أنه صرفهما عن نبيه يوسف. فروى ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر رضي الله عنه، في قوله: وقال بعض العلماء: السوء مقدمات الفاحشة، كالقبلة، والفاحشة الزنى. وقيل: السوء جناية اليد، والفاحشة الزنى. وأظهر الأقوال في تقدير متعلق الكاف في قوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ}، أي فعلنا له ذلك من إراءة البرهان، كذلك الفعل {لِنَصْرِفَ} واللام لام كي. وقوله: {الْمُخْلَصِينَ} قرأه نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، بفتح اللام بصيغة اسم المفعول. وقرأه ابن عامر، وابن كثير، وأبو عمرو، بكسر اللام بصيغة اسم الفاعل ـ والعلم عند الله تعالى اهـ. قوله تعالى: وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن. ومن أمثلة الحكم بالقرينة: الرجل يتزوج المرأة من غير أن يراها سابقًا. فتزفها إليه ولائد لا يثبت بشهادتهن أن هذه هي فلانة التي وقع عليها العقد. فيجوز له جماعها من غير احتياج إلى بينة تشهد على عينها أنها هي التي وقع العقد عليها. اعتمادًا على قرينة النكاح. وكالرجل ينزل ضيفًا عند قوم، فتأتيه الوليدة أو الغلام بالطعام. فيجوز له الأكل من غير احتياج إلى ما يثبت إذن مالك الطعام له في الأكل، اعتمادًا على القرينة. وكقول مالك، ومن وافقه: إن من شم في فيه ريح الخمر يحد حد الشارب، اعتمادًا على القرينة، لأن وجود ريحها في فيه قرينة على أنه شربها، وكمسائل اللوث وغير ذلك. وقد قدمنا في سورة المائدة صحة الاحتجاج بمثل هذه القرائن، وأوضحنا بالأدلة القرآنية. أن التحقيق أن شرع من قبلنا الثابت بشرعنا شرع لنا، إلا بدليل على النسخ غاية الإيضاح ـ والعلم عند الله تعالى. وقال القرطبي ـ في تفسير قوله تعالى: استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه، كالقسامة وغيرها. وأجمعوا على أن يعقوب ـ عليه السلام ـ استدل على كذبهم بصحة القميص. وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح، وهي قوة التهمة، ولا خلاف في الحكم بها، قاله ابن العربي. اهـ كلام القرطبي. فقال بعض العلماء: هو صبي في المهد، وممن قال ذلك ابن عباس، والضحاك، وسعيد بن جبير. وعن ابن عباس أيضًا ـ أنه رجل ذو لحية، ونحوه عن الحسين. وعن زيد بن أسلم ـ أنه ابن عم لها كان حكيمًا، ونحوه عن قتادة وعكرمة. وعن مجاهد ـ أنه ليس بإنسي ولا جان، هو خلق من خلق الله. قال مقيده ـ عفا الله عنه: قول مجاهد هذا يرده قوله تعالى: {مِّنْ أَهْلِهَا}، لأنه صريح في أنه إنسي من أهل المرأة. وأظهر الأقوال: أنه صبي، لما رواه أحمد، وابن جرير، والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم" اهـ. قوله تعالى: قال القرطبي: قال مقاتل عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان. لأن الله تعالى يقول: وقال الأديب الحسن بن أيه الحسني الشنقيطي: ما استعظم الإله كيدهنه إلا لأنهن هن هنه قوله تعالى: قوله تعالى: وقد أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. لأنه أنزل عليه هذا القرآن، وفصل له هذه القصة. مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضرًا لدى أولاد يعقوب حين أجمعوا أمرهم على المكر به، وجعله في غيابة الجب. فلولا أن الله أوحى إليه ذلك ما عرفه من تلقاء نفسه. والآيات المشيرة لإثبات رسالته، بدليل إخباره بالقصص الماضية التي لا يمكنه على حقائقها إلا عن طريق الوحي كثيرة. كقوله: وقوله: وقوله: وقوله: فهذه الآيات من أوضح الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم، رسول كريم، وإن كانت المعجزات الباهرة الدالة على ذلك أكثر من الحصر. قوله تعالى: فالمراد بإيمانهم اعترافهم بأنه ربهم الذي هو خالقهم ومدبر شؤونهم، والمراد بشركهم عبادتهم غيره معه، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة جدًا، كقوله: ومع هذا فإنهم قالوا: وهذه الآيات القرآنية تدل على أن توحيد الربوبية لا ينقذ من الكفر إلا إذا كان معه توحيد العبادة، أي عبادة الله وحده لا شريك له، ويدل لذلك قوله تعالى: وفي هذه الآية الكريمة إشكال: وهو أن المقرر في علم البلاغة أن الحال قيد لعاملها وصف لصاحبها وعليه. فإن عامل هذه الجملة الحالية الذي هو يؤمن مقيد بها، فيصير المعنى تقييد إيمانهم بكونهم مشركين، وهو مشكل لما بين الإيمان والشرك من المنافاة. قال مقيده ـ عفا الله عنه: لم أر من شفي الغليل في هذا الإشكال، والذي يظهر لي ـ والله تعالى أعلم ـ أن هذا الإيمان المقيد بحال الشرك إنما هو إيمان لغوي لا شرعي. لأن من يعبد مع الله غيره لا يصدق عليه اسم الإيمان ألبتة شرعًا. أما الإيمان اللغوي فهو يشمل كل تصديق، فتصديق الكافر بأن الله هو الخالق الرازق يصدق عليه اسم الإيمان لغة مع كفره بالله، ولا يصدق عليه اسم الإيمان شرعًا. وإذا حققت ذلك علمت أن الإيمان اللغوي يجامع الشرك فلا إشكال في تقييده به، وكذلك الإسلام الموجود دون الإيمان في قوله تعالى: وقال بعض العلماء: "نزلت آية وبين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله في قوم لوط: تم بحمد الله تفسير سورة يوسف.
|