الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
هذا حاصل أقوال العلماء في أقل الحيض وأكثره، وهذه أدلتهم. أما أبو حنيفة ومن وافقه، فاحتجوا لمذهبهم أن أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة بحديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام". وبما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام ولا أقل من ثلاثة أيام" وبما روي ع***ن أنس رضي الله عنه قال: "الحيض ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، ثمان، تسع، عشر" قالوا: وأنس لا يقول هذا إلا توقيفًا. قالوا: ولأن هذا تقدير، والتقدير لا يصح إلا بتوقيف أو اتفاق، وإنما حصل الاتفاق على ثلاثة، ورد الجمهور الاستدلال بالأحاديث المذكورة بأنها ضعيفة لا تثبت بمثلها حجة. قال النووي في شرح المهذب ما نصه: "وأما حديث واثلة وأبي أمامة وأنس، فكلها ضعيفة متفق على ضعفها عند المحدثين. وقد أوضح ضعفها الدارقطني ثم البيهقي في كتاب الخلافيات ثم السنن الكبير" اهـ. وقال ابن قدامة في المغني: حديث واثلة يرويه محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف عن حماد بن المنهال وهو مجهول. وحديث أنس يرويه الجلد بن أيوب وهو ضعيف. قال ابن عيينة هو حديث لا أصل له. وقال أحمد في حديث أنس: ليس هو شيئًا هذا من قبل الجلد بن أيوب قيل إن محمد بن إسحاق رواه. قال ما أراه سمعه إلا من الحسن بن دينار وضعفه جدًا. وقال يزيد بن زريع ذاك أبو حنيفة لم يحتج إلا بالجلد بن أيوب وحديث الجلد قد روي عن علي رضي الله عنه ما يعارضه، فإنه قال ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليلة. وقال البيهقي في السنن الكبرى فهذا حديث يعرف بالجلد بن أيوب، وقد أنكر عليه ذلك. وقال البيهقي أيضًا قال ابن علية الجلد أعرابي لا يعرف الحديث. وقال أيضًا قال الشافعي نحن وأنت لا نثبت مثل حديث الجلد، ونستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا. وقال أيضًا قال سليمان بن حرب كان حماد يعني ابن زيد يضعف الجلد ويقول لم يكن يعقل الحديث. وروى البيهقي أيضًا بإسناده عن حماد بن زيد قال ذهبت أنا وجرير بن حازم إلى الجلد بن أيوب فحدثنا بحديث معاوية بن قرة عن أنس في الحائض، فذهبنا نوقفه، فإذا هو لا يفصل بين الحائض والمستحاضة. وروي أيضًا بإسناده عن أحمد بن سعيد الدارمي قال سألت أبا عاصم عن الجلد بن أيوب فضعفه جدًا وقال كان شيخًا من مشايخ العرب تساهل أصحابنا في الرواية عنه. وروى البيهقي أيضًا عن عبد الله بن المبارك أن أهل البصرة كانوا ينكرون حديث الجلد بن أيوب ويقولون شيخ من شيوخ العرب ليس بصاحب حديث. قال ابن المبارك وأهل مصره أعلم به من غيرهم. قال يعقوب وسمعت سليمان بن حرب وصدقة بن الفضل وإسحاق بن إبراهيم، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنهم كانوا يضعفون الجلد بن أيوب ولا يرونه في موضع الحجة. وروي بإسناده أيضًا عن ابن عيينة أنه كان يقول ما جلد ومن جلد ومن كان جلد. وروي بإسناده أيضًا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي ذكر الجلد بن أيوب فقال: ليس يسوي حديثه شيئًا ضعيف الحديث اهـ. وإنما أطلنا الكلام في تضعيف هذا الأثر. لأنه أقوى ما جاء في الباب على ضعفه كما ترى. وقد قال البيهقي في السنن الكبرى "روي في أقل الحيض وأكثره أحاديث ضعاف قد بينت ضعفها في الخلافيات". وأما حجة من قال إن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر، كالشافعي وأحمد ومن وافقهما، فهي أنه لم يثبت في ذلك تحديد من الشرع فوجب الرجوع إلى المشاهد في الوجود. والمشاهد أن الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يزيد على نصف شهر. قالوا وثبت مستفيضًا عن السلف من التابعين فمن بعدهم وجود ذلك عيانا، ورواه البيهقي وغيره عن عطاء والحسن وعبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وربيعة وشريك والحسن بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي رحمهم الله تعالى. قال النووي "فإن قيل روى إسحاق بن راهويه عن بعضهم أن امرأة من نساء الماجشون حاضت عشرين يومًا وعن ميمون بن مهران أن بنت سعيد بن جبير كانت تحته وكانت تحيض من السنة شهرين، فجوابه بما أجاب به المصنف في كتابه النكت أن هذين النقلين ضعيفان. فالأول عن بعضهم وهو مجهول، وقد أنكره بعضهم، وقد أنكره الإمام مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة. والثاني رواه الوليد بن مسلم عن رجل عن ميمون، والرجل مجهول. والله أعلم" اهـ. وأما حجة مالك في أكثر الحيض للمبتدئة، فكحجة الشافعي وأحمد وحجته في أكثره للمعتادة ما رواه الإمام مالك وأحمد والشافعي وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم فقال "لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة ثم لتغسل ولتستشفر ثم تصلي" اهـ. وهذا الحديث نص في الرجوع إلى عادة الحائض. قال ابن حجر في التلخيص "في هذا الحديث قال النووي إسناده على شرطهما" وقال البيهقي "هو حديث مشهور، إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة" وفي رواية لأبي داود عن سليمان أن رجلًا أخبره عن أم سلمة، وقال المنذري لم يسمعه سليمان منها. وقد رواه موسى بن عقبة عن نافع عن سليمان عن مرجانة عنها، وساقه الدارقطني من طريق صخر بن جويرة عن نافع عن سليمان أنه حدثه رجل عنها. اهـ. وللحديث شواهد متعددة تقوي رجوع النساء إلى عادتهن في الحيض كحديث حمنة بنت جحش، وحديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، وأما زيادة ثلاثة أيام، فهي لأجل الاستظهار والتحري في انقضاء الحيضة ولا أعلم لها مستندًا من نصوص الوحي الثابتة، وأما حجة مالك في أقل الحيض بالنسبة إلى العبادات فهي التمسك بظاهر إطلاق النصوص ولم يرد نص صحيح في التحديد. وأما أقله بالنسبة إلى العدة والاستبراء فحجته فيه أنه من قبيل تحقيق المناط لأن الحيض دليل عادي على براءة الرحم فلا بد فيما طلبت فيه بالحيض الدلالة على براءة الرحم من حيض يدل على ذلك بحسب العادة المطردة، ولذا جعل الرجوع في ذلك إلى النساء العارفات بذلك لأن تحقيق المناط يرجع فيه لمن هو أعرف به وإن كان لاحظ له من علوم الوحي، وحجة يحيى بن أكثم في قوله "إن أقل الطهر تسعة عشر" هي أنه يرى أن أكثر الحيض عشرة أيام وأن الشهر يشتمل على طهر وحيض، فعشرة منه للحيض والباقي طهر. وقد يكون الشهر تسعًا وعشرين فالباقي بعد عشرة الحيض تسعة عشر. هذا هو حاصل أدلتهم وليس على شيء منها دليل من كتاب ولا سنة يجب الرجوع إليه. وأقرب المذاهب في ذلك هو أكثرها موافقة للمشاهد ككون الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يكثر عن نصف شهر، وكون أقل الطهر نصف شهر والله تعالى أعلم. اختلف العلماء في الدم الذي تراه الحامل هل هو حيض أو دم فساد فذهب مالك والشافعي في أصح قوليه إلى أنه حيض وبه قال قتادة والليث وروي عن الزهري وإسحاق وهو الصحيح عن عائشة. وذهب الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد إلى أنه دم فساد وعلة، وأن الحامل لا تحيض وبه قال جمهور التابعين منهم سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، وجابر بن زيد وعكرمة ومحمد بن المنكدر، والشعبي ومكحول، وحماد والثوري والأوزاعي وابن المنذر وأبو عبيد وأبو ثور، واحتج من قال إن الدم الذي تراه الحامل حيض بأنه دم بصفات الحيض في زمن إمكانه، وبأنه متردد بين كونه فسادًا لعلة أو حيضًا، والأصل السلامة من العلة، فيجب استصحاب الأصل. واحتج من قال بأنه دم فساد بأدلة منها: ما جاء في بعض روايات حديث ابن عمر في طلاقه امرأته في الحيض أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا". وهذه الرواية أخرجها أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. قالوا: قد جعل صلى الله عليه وسلم الحمل علامة على عدم الحيض، كما جعل الطهر علامة لذلك. ومنها: حديث "لا توطأ حامل حتى تصنع، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة" رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وصححه الحاكم وله شواهد، قالوا: فجعل صلى الله عليه وسلم الحيض علامة على براءة الرحم فدل ذلك على أنه لا يجتمع مع الحمل. ومنها أنه دم في زمن لا يعتاد فيه الحيض غالبًا فكان غير حيض قياسًا على ما تراه اليائسة بجامع غلبة عدم الحيض في كل منهما. وقد قال الإمام أحمد رحمه الله "إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم". ومنها: أنه لو كان دم حيض ما انتفت عنه لوازم الحيض. فلما انتفت عنه دل ذلك على أنه غير حيض، لأن انتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم، فمن لازم الحيض حرمة الطلاق، ودم الحامل لا يمنع طلاقها، للحديث المذكور آنفًا الدال على إباحة طلاق الحامل والطاهر، ومن لازم الحيض أيضًا انقضاء العدة به ودم الحامل لا أثر له في انقضاء عدتها لأنها تعتد بوضع حملها لقوله تعالى: واعلم أن مذهب مالك التفصيل في أكثر حيض الحامل فإن رأته في شهرها الثالث إلى انتهاء الخامس تركت الصلاة نصف شهر ونحوه وفسروا نحوه بزيادة خمسة أيام فتجلس عشرين يومًا، فإن حاضت في شهرها السادس فما بعده تركت الصلاة عشرين يومًا ونحوها، وفسروا نحوها بزيادة خمسة أيام فتجلس خمسًا وعشرين. وفسره بعضهم بزيادة عشرة، فتجلس شهرًا، فإن حاضت الحامل قبل الدخول في الشهر الثالث. فقيل حكمه حكم الحيض في الثالث وقد تقدم. وقيل حكمه حكم حيض غير الحامل، فتجلس قدر عادتها وثلاثة أيام استظهارًا. وإلى هذه المسألة أشار خليل بن إسحاق المالكي في مختصره بقوله: ولحامل بعد ثلاثة أشهر النصف ونحوه، وفي ستة فأكثر عشرون يومًا ونحوه وهل ما قبل الثلاثة كما بعدها أو كالمعتادة: قولان. هذا هو حاصل كلام العلماء في أقل الحيض وأكثره وأقل الطهر وأكثره وأدلتهم في ذلك ومسائل الحيض كثيرة، وقد بسط العلماء الكلام عليها في كتب الفروع. مسألة اختلف العلماء في أقل النفاس وأكثره أيضًا فذهب مالك والشافعي إلى أن أكثره ستون يومًا، وبه قال عطاء والأوزاعي والشعبي وعبيد الله بن الحسن العنبري والحجاج بن أرطاة وأبو ثور وداود، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال أدركت الناس يقولون أكثر النفاس ستون يومًا، وذهب الإمام أبو حنيفة وأحمد إلى أن أكثره أربعون يومًا وعليه أكثر العلماء. قال أبو عيسى الترمذي أجمع أهل العلم من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلي اهـ. قال الخطابي وقال أبو عبيد وعلى هذا جماعة الناس وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأنس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو وأم سلمة وابن المبارك وإسحاق وأبي عبيد اهـ. وحكى الترمذي وابن المنذر وابن جرير وغيرهم عن الحسن البصري أنه خمسون. وروي عن الليث أنه قال: قال بعض الناس: إنه سبعون يومًا. وذكر ابن المنذر عن الأوزاعي عن أهل دمشق: أن أكثر النفاس من الغلام ثلاثون يومًا، ومن الجارية أربعون. وعن الضحاك: أكثره أربعة عشر يومًا. قاله النووي. وأما أقل النفاس فهو عند مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة في أصح الروايات عنه لا حد له وهو قول جمهور العلماء. وعن أبي حنيفة: أقله أحد عشر يومًا. وعنه أيضًا. خمسة وعشرون. وحكى الماوردي عن الثوري أقله ثلاثة أيام. وقال المزني: أقله أربعة أيام، وأما أدلة العلماء في أكثر النفاس وأقله، فإن حجة كل من حدد أكثره بغير الأربعين هي الاعتماد على المشاهد في الخارج، وأكثر ما شاهدوه في الخارج ستون يومًا، وكذلك حججهم في أقله فهي أيضًا الاعتماد على المشاهد في الخارج، وقد يشاهد الولد يخرج ولا دم معه، ولذا كان جمهور العلماء على أن أقله لا حد له، وأما حجة من حدده بأربعين، فهي ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين يومًا" الحديث. روي هذا الحديث من طريق علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل واسمه كثير بن زياد عن مسة الأزدية عن أم سلمة وعلي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل وثقه البخاري وضعفه ابن حبان. وقال ابن حجر: لم يصب في تضعيفه. وقال في التقريب في أبي سهل المذكور ثقة. وقال في التقريب في مسة المذكورة مقبولة. وقال النووي في شرح المهذب في حديث أم سلمة هذا حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما. قال الخطابي: أثنى البخاري على هذا الحديث ويعتضد هذا الحديث بأحاديث بمعناه من رواية أبي الدرداء وأنس ومعاذ وعثمان بن أبي العاص وأبي هريرة رضي الله عنهم. وقال النووي أيضًا بعد هذا الكلام: "واعتمد أكثر أصحابنا جوبًا آخر وهو تضعيف الحديث. وهذا الجواب مردود، بل الحديث جيد كما سبق". وأجاب القائلون بأن أكثر النفاس ستون عن هذا الحديث الدال على أنه أربعون بأجوبة أوجهها عندي أن الحديث إنما يدل على أنها تجلس أربعين ولا دلالة فيه على أن الدم إن تمادى بها لم تجلس أكثر من الأربعين فمن الممكن أن تكون النساء المذكورة في الحديث لم يتماد الحيض بها إلا أربعين فنص الحديث على أنها تجلس الأربعين ولا ينافي أن الدم لو تمادى عليها أكثر من الأربعين لجلست أكثر من الأربعين ويؤيده أن الأوزاعي رحمه الله قال: "عندنا امرأة ترى النفاس شهرين" وذلك مشاهد كثيرًا في النساء. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: وأظهر القولين في المستخفي بالليل والسارب بالنهار: أن المستخفي هو المختفي المستتر عن الأعين، والسارب هو الظاهر البارز الذاهب حيث يشاء. ومنه قول الأخنس بن شهاب التغلبي: وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أي ذاهب حيث يشاء ظاهر غير خاف. وقول قيس بن الخطيم: أني سربت وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب
وقيل السارب: الداخل في السرب ليتوارى فيه، والمستخفي الظاهر من خفاه يخفيه: إذا أظهره. ومنه قول امرىء القيس: خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشى مجلب قوله تعالى: والمعنى: أنه لا يسلب قومًا نعمة أنعمها عليهم حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: وقد بين في هذه الآية أيضًا: أنه إذا أراد قومًا بسوء فلا مرد له، وبين ذلك أيضًا في مواضع أخر كقوله: وبين في موضع آخر: أن إراءته خلقه البرق خوفًا وطمعًا من آياته جل وعلا، الدالة على أنه المستحق لأن يعبد وحده لا شريك له. وذلك في قوله: قوله تعالى: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يسجد له أهل السموات والأرض طوعًا وكرهًا وتسجد له ظلالهم بالغدو والآصال. وذكر أيضًا سجود الظلال، وسجود أهل السموات والأرض في قوله
ومنه قول العرب أسجد إذا طأطأ رأسه وانحنى قال حميد بن ثور: فلما لوين على معصم وكف خضيب وأسوارها فضول أزمتها أسجدت سجود النصارى لأحبارها
وعلى هذا القول فالسجود لغوي لا شرعي، وهذا الخلاف المذكور جار أيضًا في سجود الضلال فقيل سجودها حقيقي والله تعالى قادر على أن يخلق لها إدراكًا تدرك به وتسجد لله سجودًا حقيقيًا وقيل سجودها ميلها بقدرة الله أول النهار إلى جهة المغرب وآخره إلى جهة المشرق وادعى من قال هذا أن الظل لا حقيقة له لأنه خيال فلا يمكن منه الإدراك. ونحن نقول: إن الله جل وعلا قادر على كل شيء فهو قادر على أن يخلق للظل إدراكًا يسجد به لله تعالى سجودًا حقيقيًا والقاعدة المقررة عند علماء الأصول هي حمل نصوص الوحي على ظواهرها إلا بدليل من كتاب أو سنة ولا يخفى أن حاصل القولين: ـ أن أحدهما: أن السجود شرعي وعليه فهو في أهل السموات والأرض من العام المخصوص: والثاني: أن السجود لغوي بمعنى الانقياد والذل والخضوع وعليه فهو باق على عمومه والمقرر في الأصول عند المالكية والحنابلة وجماعة من الشافعية أن النص إن دار بين الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية حمل على الشرعية وهو التحقيق خلافًا لأبي حنيفة في تقديم اللغوية ولمن قال يصير اللفظ مجملًا لاحتمال هذا وذاك وعقد هذه المسألة صاحب مراقي السعود بقوله: ـ واللفظ محمول على الشرعي إن لم يكن فمطلق العرفي فاللغوي على الجلي ولم يجب بحث عن المجاز في الذي انتخب
وقيل المراد بسجود الكفار كرها سجود ظلالهم كرهًا وقيل الآية في المؤمنين فبعضهم يسجد طوعًا لخفة امتثال أوامر الشرع عليه وبعضهم يسجد كرهًا لثقل مشقة التكليف عليه مع أن إيمانه يحمله على تكلف ذلك والعلم عند الله تعالى: وقوله تعالى: {بِالْغُدُوّ} يحتمل أن يكون مصدرًا أو يحتمل أن يكون جمع غداة والآصال جمع أصل بضمتين وهو جمع أصيل وهو ما بين العصر والغروب ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي: لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل قوله تعالى: قوله تعالى: جواب لو في هذه الآية محذوف قال بعض العلماء تقديره لكان هذا القرآن وقال بعضهم تقديره لكفرتم بالرحمن ويدل لهذا الأخير قوله قبله. بين في هذه الآية الكريمة أن الرسل قبله صلى الله عليه وسلم من جنس البشر يتزوجون ويلدون وليسوا ملائكة وذلك أن الكفار استغربوا بعث آدمي من البشر كما قال تعالى: تم تفسير سورة الرعد بحمد الله.
|