الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.فَصْلٌ: في أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ تَوْقِيفِيٌّ: أَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مُنَاسَبَاتِهِ، وَعِبَارَتُهُ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي سُوَرِهَا وَاقِعٌ بِتَوْقِيفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي هَذَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. وَسَيَأْتِي مِنْ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا النُّصُوصُ: فَمِنْهَا حَدِيثُ زَيْدٍ السَّابِقُ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ». وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٍ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَالِ؟. فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّورَةُ ذَاتُ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ، فَيَقُولُ: ضَعُوا هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَالِ». وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ ثُمَّ صَوَّبَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ هَذِهِ الْآيَةَ هَذَا الْمَوْضِعَ مِنْ هَذِهِ السُّورَة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}» [النَّحْل: 90] إِلَى آخِرِهَا. وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُوَنَ أَزْوَاجًا} [الْبَقَرَة: 240] قَدْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَلَمْ تَكْتُبْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «مَا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ، عَنِ الْكَلَالَةِ حَتَّّّّّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ». وَمِنْهَا: الْأَحَادِيثُ فِي خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». وَفِي لَفْظٍ عِنْدَهُ: «مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ». وَمِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَالًا: مَا ثَبَتَ مِنْ قِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُوَرٍ عَدِيدَةٍ: كَسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. وَالْأَعْرَافِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الْمَغْرِبِ. (قَدْ أَفْلَحَ) رَوَى النَّسَائِيُّ «أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ». وَالرُّوم: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الصُّبْحِ». وَ{الم تَنْزِيلُ} وَ{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} رَوَى الشَّيْخَان: «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ». وَ(ق) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي الْخُطْبَةِ». وَ(الرَّحْمَنِ): فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِه: «أَنَّهُ قَرَأَهَا عَلَى الْجِنِّ». وَ(النَّجْمِ): فِي الصَّحِيح: «قَرَأَهَا بِمَكَّةَ عَلَى الْكُفَّارِ وَسَجَدَ فِي آخِرِهَا». وَ(اقْتَرَبَتْ): عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا مَعَ (ق) فِي الْعِيدِ». وَ(الْجُمُعَةِ) وَ(الْمُنَافِقُونَ): فِي مُسْلِمٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ». وَ(الصَّفِّ): فِي الْمُسْتَدْرَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ حِينَ أُنْزِلَتْ حَتَّى خَتَمَهَا». وَفِي سُوَرٍ شَتَّى مِنَ الْمُفَصَّلِ تَدُلُّ قِرَاءَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِمَشْهَدٍ مِنَ الصَّحَابَة: أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِهَا تَوْقِيفِيٌّ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ لِيُرَتِّبُوا تَرْتِيبًا سَمِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى خِلَافِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ. نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى الْحَارِثُ بْنُ خُزَيْمَةَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعَيْتُهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْتُهُمَا. ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَتْ ثَلَاثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ، فَانْظُرُوا آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَلْحِقُوهَا فِي آخِرِهَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَلِّفُونَ آيَاتِ السُّوَرِ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ. قُلْتُ: يُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ- أَيْضًا- مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التَّوْبَة: 127] ظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا أُنْزِلَ. فَقَالَ أُبَيٌّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي بَعْدَ هَذَا آيَتَيْنِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [التَّوْبَة: 128- 129] إِلَى آخِرِ السُّورَة». وَقَالَ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ بِأَمْرٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ تُرِكَتْ بِلَا بَسْمَلَةٍ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَار: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ أَمْرٌ وَاجِبٌ، وَحُكْمٌ لَازِمٌ، فَقَدْ كَانَ جِبْرِيلُ يَقُولُ: ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا. وَقَالَ- أَيْضًا-: الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ- الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهِ، وَأَمَرَ بِإِثْبَاتِ رَسْمِهِ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ، وَلَا رَفَعَ تِلَاوَتَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ- هُوَ هَذَا الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، الَّذِي حَوَاهُ مُصْحَفُ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا زِيدَ فِيهِ. وَأَنَّ تَرْتِيبَهُ وَنَظْمَهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا نَظَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَتَّبَهُ عَلَيْهِ رَسُولُهُ مِنْ آيِ السُّوَرِ، لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ ذَلِكَ مُؤَخَّرًا وَلَا أَخَّرَ مُقَدَّمًا، وَإِنَّ الْأُمَّةَ ضَبَطَتْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيبَ آيِ كُلِّ سُورَةٍ وَمَوَاضِعِهَا، وَعَرَفَتْ مَوَاقِعَهَا كَمَا ضُبِطَتْ عَنْهُ نَفْسُ الْقِرَاءَاتِ وَذَاتُ التِّلَاوَةِ. وَأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَتَّبَ سُوَرَهُ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَتَوَلَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. قَالَ: وَهَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ. وَأَخْرَجَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّة: الصَّحَابَةُ- رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمْ- جَمَعُوا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ زَادُوا أَوْ نَقَصُوا مِنْهُ شَيْئًا، خَوْفَ ذَهَابِ بَعْضِهِ بِذَهَابِ حَفَظَتِهِ، فَكَتَبُوهُ كَمَا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ قَدَّمُوا شَيْئًا وَأَخَّرُوا، أَوْ وَضَعُوا لَهُ تَرْتِيبًا لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَقِّنُ أَصْحَابَهُ وَيُعَلِّمُهُمْ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ الْآنَ فِي مَصَاحِفِنَا، بِتَوْقِيفِ جِبْرِيلَ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِعْلَامِهِ عِنْدَ نُزُولِ كُلِّ آيَةٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُكْتَبُ عَقِبَ آيَةِ كَذَا فِي سُورَةِ كَذَا، فَثَبَتَ أَنَّ سَعْيَ الصَّحَابَةِ كَانَ فِي جَمْعِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا فِي تَرْتِيبِهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، أَنْزَلَهُ اللَّهُ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ كَانَ يُنْزِلُهُ مُفَرَّقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَتَرْتِيبُ النُّزُولِ غَيْرُ تَرْتِيبِ التِّلَاوَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّار: تَرْتِيبُ السُّوَرِ وَوَضْعُ الْآيَاتِ مَوَاضِعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِالْوَحْيِ، «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا» وَقَدْ حَصَلَ الْيَقِينُ مِنَ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ بِهَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ تِلَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِهِ هَكَذَا فِي الْمُصْحَفِ. .فَصْلٌ: حُكْمُ تَرْتِيبِ السُّوَرِ: فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الثَّانِي مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: جُمِعَ الْقُرْآنُ عَلَى ضَرْبَيْن: أَحَدُهُمَا: تَأْلِيفُ السُّوَرِ، كَتَقْدِيمِ السَّبْعِ الطُّوَالِ وَتَعْقِيبِهَا بِالْمِئِينَ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَوَلَّتْهُ الصَّحَابَةُ. وَأَمَّا الْجَمْعُ الْآخَرُ: وَهُوَ جَمْعُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ، فَهُوَ تَوْقِيفِيٌّ تَوَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ جِبْرِيلُ، عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ. وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ لِذَلِكَ اخْتِلَافُ مَصَاحِفِ السَّلَفِ فِي تَرْتِيبِ السُّوَر: فَمِنْهُمْ مَنْ رَتَّبَهَا عَلَى النُّزُولِ، وَهُوَ مُصْحَفُ عَلِيٍّ، كَانَ أَوَّلَهُ: اقْرَأْ، ثُمَّ الْمُدَّثِّرُ، ثُمَّ (ن)، ثُمَّ الْمُزَّمِّلُ، ثُمَّ تَبَّتْ، ثُمَّ التَّكْوِيرُ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ. وَكَانَ أَوَّلَ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ. وَكَذَا مُصْحَفُ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حِبَّانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: أَمَرَهُمْ عُثْمَانُ أَنْ يُتَابِعُوا الطُّوَالَ، فَجُعِلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَسُورَةُ التَّوْبَةِ فِي السَّبْعِ، وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمُ الْقَاضِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ فَرَّقَهُ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ، فَكَانَتِ السُّورَةُ تَنْزِلُ لْأَمْرٍ يَحْدُثُ، وَالْآيَةُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ، وَيُوقِفُ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ الْآيَةِ وَالسُّورَةِ، فَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كَاتِّسَاقِ الْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ، كُلُّهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ قَدَّمَ سُورَةً أَوْ أَخَّرَهَا فَقَدْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْبُرْهَان: تَرْتِيبُ السُّوَرِ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ الْمَحْفُوظِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَعَلَيْهِ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ عَلَى جِبْرِيلَ كُلَّ سَنَةٍ مَا كَانَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنْهُ، وَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوَفِّيَ فِيهَا مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ آخِرُ الْآيَاتِ نُزُولًا: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 281] فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ آيَتَيِ الرِّبَا وَالدَّيْنِ». وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ أَوَّلًا جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ مُفَرَّقًا عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ، ثُمَّ أُثْبِتَ فِي الْمَصَاحِفِ عَلَى التَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ الْمُثْبَتِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَان: وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِيٌّ؛ لْأَنَّ الْقَائِلَ بِالثَّانِي يَقُولُ: إِنَّهُ رَمَزَ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، لِعِلْمِهِمْ بِأَسْبَابِ نُزُولِهِ وَمَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا أَلَّفُوا الْقُرْآنَ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ، فَآلَ الْخِلَافُ إِلَى أَنَّهُ: هُوَ بِتَوْقِيفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ بِمُجَرَّدِ إِسْنَادٍ فِعْلِيٍّ بِحَيْثُ بَقِيَ لَهُمْ فِيهِ مَجَالٌ لِلنَّظَرِ. وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَل: كَانَ الْقُرْآنُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَتَّبًا سُوَرُهُ وَآيَاتُهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ إِلَّا الْأَنْفَالَ وَبَرَاءَةَ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ السَّابِقِ. وَمَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السُّوَرِ كَانَ قَدْ عُلِمَ تَرْتِيبُهَا فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالسَّبْعِ الطُّوَالِ وَالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّلِ، وَأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَوَّضَ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْر: الْآثَارُ تَشْهَدُ بِأَكْثَرَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيَبْقَى مِنْهَا قَلِيلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ، كَقَوْلِه: «اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْن: الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَكَحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ: «قَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبْعِ الطُّوَالِ فِي رَكْعَةٍ». رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِيه: «أَنَّهُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَانَ يَجْمَعُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ». وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ- فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاء: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي. فَذَكَرَهَا نَسَقًا كَمَا اسْتَقَرَّ تَرْتِيبُهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ». وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: الْمُخْتَارُ أَنَّ تَأْلِيفَ السُّوَرِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ الطُّوَالَ» الْحَدِيثَ. قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْلِيفَ الْقُرْآنِ مَأْخُوذٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، لْأَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ بِلَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّار: تَرْتِيبُ السُّوَرِ وَوَضْعُ الْآيَاتِ مَوْضِعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِالْوَحْيِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: تَرْتِيبُ بَعْضِ السُّوَرِ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ مُعْظَمِهَا، لَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفِيًّا. قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا تَوْفِيقِيٌّ: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ ثَقِيفٍ... الْحَدِيثَ وَفِيه: فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَهُ». فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: نُحَزِّبُهُ ثَلَاثَ سُوَرٍ، وَخَمْسَ سُوَرٍ، وَسَبْعَ سُوَرٍ، وَتِسْعَ سُوَرٍ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ (ق) حَتَّى نَخْتِمَ. قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الَّذِي كَانَ مُرَتَّبًا حِينَئِذٍ حِزْبُ الْمُفَصَّلِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ. قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَوْفِيقِيٌّ كَوْنُ الْحَوَامِيمِ رُتِّبَتْ وَلَاءً وَكَذَا الطَّوَاسِينِ، وَلَمْ تُرَتَّبِ الْمُسَبِّحَاتُ وَلَاءً، بَلْ فُصِلَ بَيْنَ سُوَرِهَا، وَفُصِلَ بَيْنَ طسم الشُّعَرَاءِ وَطسم الْقَصَصِ بـ طس مَعَ أَنَّهَا أَقْصَرُ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ اجْتِهَادِيًّا لَذُكِرَتِ الْمُسَبِّحَاتُ وَلَاءً وَأُخِّرَتْ طس عَنِ الْقَصَصِ. وَالَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ: أَنَّ جَمِيعَ السُّوَرِ تَرْتِيبُهَا تَوْقِيفِيٌّ إِلَّا بَرَاءَةَ وَالْأَنْفَالَ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ بِقِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُوَرًا وَلَاءً عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا كَذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدَ حَدِيثُ قِرَاءَتِهِ النِّسَاءَ قَبْلَ آلِ عِمْرَانَ؛ لْأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ فِي الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَعَلَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ يَسْأَلُ: لِمَ قُدِّمَتِ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ، وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَهُمَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتَا بِالْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: قُدِّمَتَا وَأُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى عِلْمٍ مِمَّنْ أَلَّفَهُ بِهِ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِيهِ، وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَى عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا يُنْتَهَى إِلَيْهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ.
|