الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي قَوَاعِدَ مُهِمَّةٍ يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا: .قَاعِدَةٌ فِي الضَّمَائِرِ: وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النُّور: 31] قَالَ: مَكِّيٌّ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ اشْتَمَلَتْ عَلَى ضَمَائِرَ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنَّ فِيهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ضَمِيرًا. وَمِنْ ثَمَّ لَا يُعْدَلُ إِلَى الْمُنْفَصِلِ إِلَّا بَعْدَ تَعَذُّرِ الْمُتَّصِلِ، بِأَنْ يَقَعَ فِي الِابْتِدَاءِ، نَحْوَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الْفَاتِحَة: 5]، أَوْ بَعْدَ (أَلَّا) نَحْوَ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الْإِسْرَاء: 23]. مَرْجِعُ الضَّمِيرِ أَيْ فِي الْقُرْآن: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَرْجِعٍ يَعُودُ إِلَيْه: وَيَكُونُ مَلْفُوظًا بِهِ سَابِقًا مُطَابِقًا بِه: نَحْوَ: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هُودٍ: 42]. {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} [طه: 121]. {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النُّور: 40]. أَوْ مُتَضَمِّنًا لَهُ: نَحْوَ: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ} [الْمَائِدَة: 8] فَإِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْعَدْلِ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ (اعْدِلُوا). {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النِّسَاء: 8] أَيْ: الْمَقْسُومَ، لِدَلَالَةِ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ. أَوْ دَالًّا عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ نَحْوَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [الْقَدْر: 1] أَي: الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ} [الْبَقَرَة: 178] فَـ: (عُفِيَ) يَسْتَلْزِمُ عَافِيًا أُعِيدَ عَلَيْهِ الْهَاءُ مِنْ (إِلَيْهِ). أَوْ مُتَأَخِّرًا لَفْظًا لَا رُتْبَةً مُطَابِقًا نَحْوَ: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67]، {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [الْقَصَص: 78]، {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرَّحْمَن: 39]. أَوْ رُتْبَةً أَيْضًا فِي بَابِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ وَنِعْمَ وَبِئْسَ وَالتَّنَازُعِ. أَوْ مُتَأَخِّرًا دَالًّا بِالِالْتِزَامِ نَحْوَ: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الْوَاقِعَة: 83]. {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [الْقِيَامَة: 26]. أَضْمَرَ الرُّوحَ أَوِ النَّفْسَ لِدَلَالَةِ الْحُلْقُومِ وَالتَّرَاقِي عَلَيْهَا. {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] أَي: الشَّمْسُ، لِدَلَالَةِ الْحِجَابِ عَلَيْهَا. وَقَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فَيُضْمَرُ: ثِقَةً بِفَهْمِ السَّامِعِ، نَحْوَ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرَّحْمَن: 26]. {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا} [فَاطِرٍ: 45] أَي: الْأَرْضِ أَوِ الدُّنْيَا. (وَلِأَبَوَيْهِ) [النِّسَاء: 11] أَي: الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى لَفْظِ الْمَذْكُورِ دُونَ مَعْنَاهُ: نَحْوَ: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فَاطِرٍ: 11] أَيْ: عُمُرِ مُعَمَّرٍ آخَرَ. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ نَحْوَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11] إِلَى قَوْلِه: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} [النِّسَاء: 11]. {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [الْبَقَرَة: 228]. بَعْدَ قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [الْبَقَرَة: 228] فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ، وَالْعَائِدُ عَلَيْهِ عَامٌّ فِيهِنَّ وَفِي غَيْرِهِنَّ. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى الْمَعْنَى: كَقَوْلِهِ فِي آيَةِ الْكَلَالَة: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النِّسَاء: 176]، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَفْظٌ مُثَنًّى يَعُودُ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: لِأَنَّ الْكَلَالَةَ تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، فَثُنِّىَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إِلَيْهَا حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، كَمَا يَعُودُ الضَّمِيرُ جَمْعًا عَلَى (مَنْ) حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهَا. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى لَفْظِ شَيْءٍ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَقَوْلِه: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النِّسَاء: 135] أَيْ: بِجِنْسَيِ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، لِدَلَالَةِ {غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} عَلَى الْجِنْسَيْنِ، وَلَوْ رَجَعَ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهِ لَوَحَّدَهُ. وَقَدْ يُذْكَرُ شَيْئَانِ وَيُعَادُ الضَّمِيرُ إِلَى أَحَدِهِمَا،: وَالْغَالِبُ كَوْنُهُ الثَّانِيَ نَحْوَ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} [الْبَقَرَة: 45]. فَأُعِيدَ الضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ. وَقِيلَ: لِلِاسْتِعَانَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنِ {اسْتَعِينُوا}. {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} [يُونُسَ: 5]. أَي: الْقَمَرَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ الشُّهُورُ. {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التَّوْبَة: 62] أَرَادَ (يُرْضُوهُمَا) فَأَفْرَدَ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ دَاعِي الْعِبَادِ وَالْمُخَاطِبُ لَهُمْ شِفَاهًا، وَيَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُ رِضَا رَبِّهِ تَعَالَى. وَقَدْ يُثَنَّى الضَّمِيرُ وَيَعُودُ عَلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَيْن: نَحْوَ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرَّحْمَن: 22] وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَقَدْ يَجِيءُ الضَّمِيرُ مُتَّصِلًا بِشَيْءٍ وَهُوَ لِغَيْرِه: نَحْوَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [الْمُؤْمِنُونَ: 12- 13] يَعْنِي آدَمَ، ثُمَّ قَالَ: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} [الْمُؤْمِنُونَ: 12- 13] فَهَذِهِ لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّ آدَمَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ نُطْفَةٍ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ، وَمِنْهُ: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ثُمَّ قَالَ: {قَدْ سَأَلَهَا} [الْمَائِدَة: 101- 102]، أَيْ: أَشْيَاءَ أُخَرَ مَفْهُومَةً مِنْ لَفْظِ (أَشْيَاءَ) السَّابِقَةِ. وَقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى مُلَابِسِ مَا هُوَ لَهُ: نَحْوَ: {إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النَّازِعَات: 46] أَيْ: ضُحَى يَوْمِهَا، لَا ضُحَى الْعَشِيَّةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا ضُحَى لَهَا. وَقَدْ يَعُودُ عَلَى غَيْرِ مُشَاهَدٍ مَحْسُوسٍ، وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ، نَحْوَ: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [الْبَقَرَة: 117]، فَضَمِيرُ (لَهُ) عَائِدٌ عَلَى الْأَمْرِ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَابِقًا فِي عِلْمِ اللَّهِ كَوْنُهُ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاهَدِ الْمَوْجُودِ. .قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ: وَاخْتُلِفَ فِي {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الْأَنْعَام: 145]، فَمِنْهُمْ مَنْ أَعَادَهُ عَلَى الْمُضَافِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَعَادَهُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ. .قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ تَوَافُقُ الضَّمَائِرِ فِي الْمَرْجِعِ: وَقَالَ فِي: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الْفَتْح: 9] الضَّمَائِرُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ بِتَعْزِيرِهِ تَعْزِيرُ دِينِهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ فَرَّقَ الضَّمَائِرَ فَقَدْ أَبْعَدَ. وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ تَوَافُقُ الضَّمَائِرِ فِي الْمَرْجِعِ، كَمَا فِي قوله: {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الْكَهْف: 22] فَإِنَّ ضَمِيرَ (فِيهِمْ) لِأَصْحَابِ الْكَهْفِ وَ(مِنْهُمْ) لِلْيَهُودِ قَالَهُ ثَعْلَبٌ وَالْمُبَرِّدُ. وَمِثْلِه: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} [هُودٍ: 77] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَاءَ ظَنًّا بِقَوْمِهِ وَضَاقَ ذَرْعًا بِأَضْيَافِهِ. وَقوله: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ} الْآيَةَ [التَّوْبَة: 40]، فِيهَا اثْنَا عَشَرَ ضَمِيرًا كُلُّهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ضَمِيرَ (عَلَيْهِ) فَلِصَاحِبِهِ، كَمَا نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَضَمِيرُ(جَعَلَ) لَهُ تَعَالَى. وَقَدْ يُخَالَفُ بَيْنَ الضَّمَائِرِ حَذَرًا مِنَ التَّنَافُرِ نَحْوَ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التَّوْبَة: 36] الضَّمِيرُ لِلِاثْنَيْ عَشْرَ، ثُمَّ قَالَ: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} [التَّوْبَة: 36] أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مُخَالِفًا لِعَوْدِهِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ. ضَمِيرُ الْفَصْل: ضَمِيرٌ بِصِيغَةِ الْمَرْفُوعِ مُطَابِقٌ لِمَا قَبْلَهُ، تَكَلُّمًا وَخِطَابًا وَغَيْبَةً، إِفْرَادًا وَغَيْرَهُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ مُبْتَدَإٍ أَوْ مَا أَصْلُهُ الْمُبْتَدَأُ وَقَبْلَ خَبَرٍ كَذَلِكَ، نَحْوَ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْبَقَرَة: 5]، {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصَّافَّات: 165]، {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [الْمَائِدَة: 117]، {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} [الْمُزَّمِّل: 20]، {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا} [الْكَهْف: 39]، {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هُودٍ: 78]. وَجَوَّزَ الْأَخْفَشُ وُقُوعَهُ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحَبِهَا، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ {هُنَّ أَطْهَرَ} بِالنَّصْبِ. وَجَوَّزَ الْجُرْجَانِيُّ وُقُوعَهُ قَبْلَ مُضَارِعٍ، وَجَعَلَ مِنْهُ: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [الْبُرُوج: 13]، وَجَعَلَ مِنْهُ أَبُو الْبَقَاءِ {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فَاطِرٍ: 10]. وَلَا مَحَلَّ لِضَمِيرِ الْفَصْلِ مِنَ الْإِعْرَابِ وَلَهُ ثَلَاثُ فَوَائِدَ: الْإِعْلَامُ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ خَبَرٌ لَا تَابِعٌ. وَالتَّأْكِيدُ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ الْكُوفِيُّونَ دِعَامَةً لِأَنَّهُ يُدْعَمُ بِهِ الْكَلَامُ أَيْ: يُقَوَّى وَيُؤَكَّدُ، وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَلَا يُقَالُ: زَيْدٌ نَفْسُهُ هُوَ الْفَاضِلُ. وَالِاخْتِصَاصُ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ الثَّلَاثَةَ فِي {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْبَقَرَة: 5]، فَقَالَ: فَائِدَتُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ خَبَرٌ لَا صِفَةٌ، وَالتَّوْكِيدُ، وَإِيجَابُ أَنَّ فَائِدَةَ الْمُسْنَدِ ثَابِتَةٌ لِلْمُسْنَدِ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ. ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْقِصَّة: وَيُسَمَّى ضَمِيرَ الْمَجْهُولِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: خَالَفَ الْقِيَاسَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا: عَوْدُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ لُزُومًا، إِذْ لَا يَجُوزُ لِلْجُمْلَةِ الْمُفَسِّرَةِ لَهُ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ مُفَسِّرَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا جُمْلَةً. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِتَابِعٍ، فَلَا يُؤَكَّدُ وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُبْدَلُ مِنْهُ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ إِلَّا الِابْتِدَاءُ أَوْ نَاسِخُهُ. وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلْإِفْرَادِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الْإِخْلَاص: 1]، {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الْأَنْبِيَاء: 97]. {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} [الْحَجّ: 46]. وَفَائِدَتُهُ: الدَّلَالَةُ عَلَى تَعْظِيمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَتَفْخِيمِهِ، بِأَنْ يُذْكَرَ أَوَّلًا مُبْهَمًا، ثُمَّ يُفَسَّرُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَتَى أَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَى غَيْرِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ ضَعُفَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي {إِنَّهُ يَرَاكُمْ} [الْأَعْرَاف: 27] إِنَّ اسْمَ (إِنَّ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ ضَمِيرَ الشَّيْطَانِ، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ {وَقَبِيلَهُ} [الْأَعْرَاف: 27] بِالنَّصْبِ، وَضَمِيرُ الشَّأْنِ لَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ. .قَاعِدَةٌ: جَمْعُ الْعَلَاقَاتِ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ غَالِبًا إِلَّا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ: وَأَمَّا غَيْرُ الْعَاقِل: فَالْغَالِبُ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ الْإِفْرَادُ، وَفِي الْقِلَّةِ الْجَمْعُ. وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} إِلَى أَنْ قَالَ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} فَأَعَادَ (مِنْهَا) بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ عَلَى الشُّهُورِ وَهِيَ لِلْكَثْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} [التَّوْبَة: 36] فَأَعَادَهُ جَمْعًا عَلَى أَرْبَعَةٍ حُرُمٍ وَهِيَ الْقِلَّةُ. وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ سِرًّا لَطِيفًا؛ وَهُوَ: أَنَّ الْمُمَيَّزَ مَعَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ- هُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشْرَةِ- لَمَّا كَانَ وَاحِدًا وُحِّدَ الضَّمِيرُ، وَمَعَ الْقِلَّةِ- وَهُوَ الْعَشْرَةُ فَمَا دُونَهَا- لَمَّا كَانَ جَمْعًا جُمِعَ الضَّمِيرُ. .قَاعِدَةٌ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الضَّمَائِرِ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بُدِئَ بِاللَّفْظِ ثُمَّ بِالْمَعْنَى: قَالَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: وَلَمْ يَجِئْ فِي الْقُرْآنِ الْبَدَاءَةُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الْأَنْعَام: 139] فَأَنَّثَ (خَالِصًا) حَمْلًا عَلَى مَعْنَى (مَا) ثُمَّ رَاعَى اللَّفْظَ، فَذَكَّرَ فَقَالَ: (مُحَرَّمٌ). انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيه: إِذَا حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ جَازَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَعْنَى، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى ضَعُفَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَقْوَى، فَلَا يَبْعُدُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَيَضْعُفُ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْقَوِيِّ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَضْعَفِ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي الْمُحْتَسَبِ لَا يَجُوزُ مُرَاجَعَةُ اللَّفْظِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ثُمَّ قَالَ {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} [الزُّخْرُف: 36- 38] فَقَدَ رَاجَعَ اللَّفْظَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى. وَقَالَ مَحْمُودُ بْنُ حَمْزَةَ فِي كِتَابِ الْعَجَائِبِ: ذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى اللَّفْظِ بَعْدَ الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطَّلَاق: 11]، قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ (لَيْسَ): الْقَاعِدَةُ فِي (مَنْ) وَنَحْوِهِ الرُّجُوعُ مِنَ اللَّفْظِ إِلَى الْمَعْنَى، وَمِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْجَمْعِ، وَمِنَ الْمُذَكَّرِ إِلَى الْمُؤَنَّثِ، نَحْوَ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} [الْأَحْزَاب: 31]. {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} إِلَى قَوْلِه: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [الْبَقَرَة: 112]، أَجْمَعَ عَلَى هَذَا النَّحْوِيُّونَ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ الرُّجُوعُ مِنَ الْمَعْنَى إِلَى اللَّفْظِ إِلَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ اسْتَخْرَجَهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ} الْآيَةَ [الطَّلَاق: 11]، وَحَّدَ فِي (يُؤْمِنْ) وَ(يَعْمَلْ) وَ(يُدْخِلْهُ)، ثُمَّ جَمَعَ فِي قَوْلِه: (خَالِدِينَ) ثُمَّ وَحَّدَ فِي قَوْلِه: {أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطَّلَاق: 11] فَرَجَعَ بَعْدَ الْجَمْعِ إِلَى التَّوْحِيدِ.
|