الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير
.الْأَثر الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ: .الْأَثر الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ: .الْأَثر الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ: .الْأَثر السَّادِس وَالسَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ: .كتاب كَفَّارَة الْقَتْل: ذكر فِيهِ حديثين وأثرًا وَاحِدًا: .الحديث الأول: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. .الحَدِيث الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة خُزَيْمَة بن ثَابت، من حَدِيث ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن بكير بن عبد الله، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن ابْن خُزَيْمَة بن ثَابت عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «الْقَتْل كَفَّارَة» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ قُتَيْبَة، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن ابْن الْمُنْكَدر نَفسه وَلم يذكر بكيرًا قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه مَوْقُوفا عَلَى الْحسن بن عَلّي وَابْن مَسْعُود فَقَالَ: أبنا عَلّي بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا سُفْيَان، عَن يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن، قَالَ: «كَانَ زِيَاد يتبع شيعَة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فيقتلهم فَبلغ ذَلِك الْحسن بن عَلّي. فَقَالَ: اللَّهُمَّ تفرد بِمَوْتِهِ فَإِن الْقَتْل كَفَّارَة». وَأخْبرنَا الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، عَن بعض أَصْحَابه، عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق فِي الَّذِي يُصِيب الْحُدُود ثمَّ يقتل عمدا، قَالَ: إِذا جَاءَ الْقَتْل محى كل شَيْء. ويغني عَن هَذَا كُله الحَدِيث الصَّحِيح الثَّابِت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَتَى مِنْكُم حدًّا أقيم عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَته، وَمن ستره الله عَلَيْهِ فَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه، وَإِن شَاءَ غفر لَهُ». قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي شَرحه لمُسلم: قَالَ أَكثر الْعلمَاء: الْحُدُود كَفَّارَة. اسْتِدْلَالا بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: وَمِنْهُم من توقف لحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة». قلت: أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ القَاضِي: وَحَدِيث عُبادة الَّذِي نَحن فِيهِ أصح إِسْنَادًا، وَلَا تعَارض بَين الْحَدِيثين، فَيحْتَمل أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة قبل حَدِيث عُبادة فَلم يعلم بِهِ ثمَّ علم. .وَأما الْأَثر: .كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة: ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين: .أَحدهمَا: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة، قَالَ: «انْطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَر وَهِي يَوْمئِذٍ صلح فتفرقا، فَأَتَى محيصة إِلَى عبد الله بن سهل وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه قَتِيلا فدفنه، ثمَّ قدم الْمَدِينَة فَانْطَلق عبد الرَّحْمَن بن سهل ومحيصة وحويصة ابْنا مَسْعُود إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذهب عبد الرَّحْمَن يتَكَلَّم، فَقَالَ: كبر كبر. وَهُوَ أحدث الْقَوْم فَسكت، فتكلما، فَقَالَ: أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم أَو صَاحبكُم. قَالُوا: وَكَيف نحلف وَلم نشْهد وَلم نر؟ قَالَ: فتبرئكم يهود بِخَمْسِينَ. قَالُوا: كَيفَ نَأْخُذ أَيْمَان قوم كفار؟ فعقله النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده» وَفِي رِوَايَة لَهما قَالَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: «يقسم خَمْسُونَ مِنْكُم عَلَى رجل مِنْهُم فَيدْفَع برمتِهِ. قَالُوا: أمرٌ لم نشهده كَيفَ نحلف؟ قَالَ: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين مِنْهُم. قَالُوا: يَا رَسُول الله، قوم كفار!. قَالَ: فوداه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبله. قَالَ سهل: فَدخلت مربدًا لَهُم يَوْمًا، فركضتني نَاقَة من تِلْكَ الْإِبِل ركضة برجلها» وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة، عَن رجل من كبراء قومه «أَن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إِلَى خَيْبَر من جهد أَصَابَهُم فَأَتَى محيصة فَأخْبر أَن عبد الله بن سهل قد قتل وَطرح فِي عين أَو فَقير فَأَتَى يهود فَقَالَ: أَنْتُم وَالله قَتَلْتُمُوهُ. فَقَالُوا: وَالله مَا قَتَلْنَاهُ. ثمَّ أقبل حَتَّى قدم عَلَى قومه فَذكر ذَلِك لَهُم، ثمَّ أقبل هُوَ وَأَخُوهُ حويصة- وَهُوَ أكبر مِنْهُ- وَعبد الرَّحْمَن بن سهل، فَذهب محيصة ليَتَكَلَّم- وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَر- فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لمحيصة: كَبِّر، كَبِّر- يُرِيد السِّنَّ- فَتكلم حويصة ثمَّ تكلم محيصة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِمَّا أَن تدوا صَاحبكُم وَإِمَّا أَن تؤذنوا بِحَرب. فَكتب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم فِي ذَلِك، فَكَتَبُوا: إِنَّا وَالله مَا قَتَلْنَاهُ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لحويصة ومحيصة: فتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فتحلف لكم يهود؟ قَالُوا: لَيْسُوا مُسلمين. فوداه النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده، فَبعث إِلَيْهِم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة نَاقَة حَتَّى أدخلت عَلَيْهِم الدَّار. فَقَالَ سهل: فَلَقَد ركضتني مِنْهَا نَاقَة حَمْرَاء». هَذَا كُله لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ عَن سهل بن أبي حثْمَة «هُوَ وَرِجَال من كبراء قومه...» الحَدِيث، وَفِيه: «فَذهب محيصة ليَتَكَلَّم...» وَفِي آخِره «فوداه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده بِمِائَة نَاقَة حَتَّى أدخلت الدَّار، قَالَ سهل: فركضتني مِنْهَا نَاقَة» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى من قَتله. قَالُوا: مَا لنا بَيِّنَة. قَالَ: فَيحلفُونَ. قَالُوا: لَا نرضى بأيمان الْيَهُود. فكره رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبطل دَمه فوداه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة نَاقَة من إبل الصَّدَقَة» وَذكر مُسلم إِسْنَاده وَذكر بعضه وسَاق الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ: «فكره......» إِلَى آخِره. فَائِدَة: حويصة ومحيصة: بتَشْديد الْيَاء عَلَى الْأَشْهر وَحكي تخفيفها. وَقَوله: «فوداه» هُوَ بتَخْفِيف الدَّال أَي دفع دِيَته وَقَوله: «من عِنْده» يحْتَمل أَنه من خَالص مَاله، وَيحْتَمل أَنه من مَال بَيت المَال. وَقَوله: «من إبل الصَّدَقَة» قَالَ بَعضهم: إِنَّهَا غلط من الروَاة؛ لِأَن الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة لَا تصرف هَذَا الْمصرف، إِنَّمَا تصرف لأصناف سماهم الله. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي من أَصْحَابنَا: ظَاهر هَذَا الحَدِيث أَنه يجوز صرفهَا من إبل الصَّدَقَة. وتأوله جمهورهم عَلَى أَنه اشْتَرَاهَا من إبل الصَّدَقَة بعد أَن ملكوها، ثمَّ دَفعهَا تَبَرعا إِلَى أهل الْقَتِيل. «والرُّمه» الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث المُرَاد بهَا الْحَبل الَّذِي فِي رَقَبَة الْقَاتِل، فَيسلم فِيهِ إِلَى ولي الْمَقْتُول. والمربد بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْبَاء، الْموضع الَّذِي تجمع فِيهِ الْإِبِل وتجلس. «وَالْفَقِير» الْبِئْر الْقَرِيب القعر الواسعة الْفَم، وَقيل: هُوَ الحفرة الَّتِي تكون حول الْمحل. فَائِدَة: فِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق أَنه أول من كَانَت فِيهِ الْقسَامَة فِي الْإِسْلَام. تَنْبِيهُ: قَالَ الرَّافِعِيّ: فَإِن كَانَ الْوَارِث جمَاعَة فَقَوْلَانِ: أَحدهمَا أَن كل وَاحِد مِنْهُم يحلف خمسين يَمِينا، وأصحهما أَن الْأَيْمَان توزع عَلَيْهِم عَلَى قدر مواريثهم؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «يحلفُونَ خمسين يَمِينا» فَلم يُوجب عَلَى الْجَمَاعَة إِلَّا الْخمسين. هَذَا آخر كَلَامه وَالِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث عَجِيب؛ لِأَن الْوَارِث إِنَّمَا هُوَ أَخُو الْقَتِيل وَهُوَ أَخُو عبد الرَّحْمَن بن سهل، وحويصة ومحيصة أَعْمَامه، والحالف إِنَّمَا هُوَ الْوَارِث، إِنَّمَا عبر عَلَيْهِ السَّلَام بقوله «تحلفون» لِأَن الْحلف وَإِن صدر من وَاحِد لَكِن بعد اتِّفَاق العمين فِي الْعَادة فَإِنَّهُمَا حضرا مَعَهُمَا فِي الْقِصَّة فَعبر عَن اتِّفَاقهم عَلَى الْحلف وَأَن صدر من وَاحِد مجَازًا، وَهُوَ مجَاز شَائِع، والغريب أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ قد نبه عَلَى هَذَا كُله وَقد كَانَ يكثر من نَظِير كَلَامه. .الحديث الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. وَلم يضعفاه، وَمُسلم هَذَا فِيهِ مقَال. وَثَّقَهُ قوم وضعَّفه آخَرُونَ، لَا جرم قَالَ ابْن عبد الْبر فِي تمهيده بعد أَن أخرجه من هَذِه الطَّرِيق: فِي إِسْنَاده لين. قلت: وَثمّ عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن ابْن جريج لم يسمع من عَمْرو بن شُعَيْب كَمَا قَالَه البُخَارِيّ فِيمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي سنَنه فِي بَاب وجوب الْفطْرَة عَلَى أهل الْبَادِيَة. وَعلة أُخْرَى وَهِي أَن مُسلم بن خَالِد قد خُولِفَ فِيهِ، فَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وحجاج، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو مُرْسلا، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا وَاخْتلف فِيهِ عَلَى مُسلم أَيْضا، فَرَوَاهُ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الرَّازِيّ عَنهُ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة، مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي سنَنه وَابْن عدي من هَذِه الطَّرِيق، ثمَّ قَالَ: هَذَانِ الإسنادان- يَعْنِي هَذَا وَالَّذِي قبله- يعرفان بِمُسلم بن خَالِد. وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الْبَاب عَن التَّتِمَّة: أَنه لَو وجد قَتِيل بَين قريتين أَو قبيلتين وَلم يعرف بَينه وَبَين وَاحِد مِنْهُم عَدَاوَة فَلَا يَجْعَل قربه من إِحْدَاهمَا لوثًا؛ لِأَن الْعَادة جرت بِأَن يبعد الْقَاتِل الْقَتِيل عَن فنائه وينقله إِلَى بقْعَة أُخْرَى دفعا للتُّهمَةِ عَن نَفسه وَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَر والأثر عَلَى خلاف مَا ذَكرْنَاهُ، فَإِن الشَّافِعِي لم يثبت إِسْنَاده. هَذَا كَلَامه، وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى حَدِيث أبي إِسْرَائِيل، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «وجد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتِيلا بَين قريتين فَأمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فذرع مَا بَينهمَا قَالَ: فَكَأَنِّي انْظُر إِلَى شبر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَفظه: «أَن قَتِيلا وجد بَين حيَّين، فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُقَاس إِلَى أَيَّتهمَا أقرب، فَوجدَ أقرب إِلَى أحد الْحَيَّيْنِ بشبر، فَقَالَ أَبُو سعيد: فَكَأَنِّي أنظر إِلَى شبر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَألْقَى دِيَته عَلَيْهِم». ترْجم عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بَاب مَا رُوِيَ فِي الْقَتِيل يُوجد بَين قريتين وَلَا يَصح. ثمَّ قَالَ بعد إِيرَاده: تفرد بِهِ أَبُو إِسْرَائِيل، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، وَكِلَاهُمَا لَا يحْتَج بروايته. وَأما الْأَثر فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن الشّعبِيّ، أَن عمر بن الْخطاب: «كتب فِي قَتِيل وجد بَين قريتين- خيوان ووداعة- أَن يُقَاس مَا بَين القريتين فَإلَى أَيَّتهمَا كَانَ أقرب أخرج إِلَيْهِ مِنْهُم خمسين رجلا حَتَّى يوافونه مَكَّة فأدخلهم الحِجْر فأحلفهم، ثمَّ قَضَى عَلَيْهِم بِالدِّيَةِ، وَقَالُوا: مَا وَقت أَمْوَالنَا أَيْمَاننَا وَلَا أَيْمَاننَا أَمْوَالنَا. قَالَ عمر: كَذَلِك الْأَمر». قَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ بِثَابِت، إِنَّمَا رَوَاهُ الشّعبِيّ، عَن الْحَارِث الْأَعْوَر وَهُوَ مَجْهُول. قلت: عَجِيب هُوَ مَعْرُوف، لكنه مِمَّن اخْتلف فِيهِ. وَقَالَ الشّعبِيّ: كَانَ الْحَارِث كذابا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن عمر، ومجالد غير مُحْتَج بِهِ. وَرُوِيَ عَن مطرف، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث بن الأزمع، عَن عمر، وَأَبُو إِسْحَاق لم يسمعهُ من الْحَارِث. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ، عَن أبي زيد، عَن شُعْبَة قَالَ: سَمِعت أَبَا إِسْحَاق يحدث حَدِيث الْحَارِث بن الأزمع: «أَن قَتِيلا وجد بَين ودَاعَة وخيوان» فَقلت: يَا أَبَا إِسْحَاق من حَدثَك؟ قَالَ: حَدثنِي مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن الْحَارِث بن الأزمع فَعَادَت رِوَايَة أبي إِسْحَاق إِلَى حَدِيث مجَالد، وَاخْتلف فِيهِ عَلَى مجَالد فِي إِسْنَاده، ومجالد غير مُحْتَج بِهِ. قلت: وَعَن الْعقيلِيّ الْحَافِظ: أَن حَدِيث «إِذا وجد الْقَتِيل بَين قريتين ضمن أقربهما» لَيْسَ لَهُ أصل. .باب مَا جَاءَ أَن للسحر حَقِيقَة وَمَا جَاءَ فِي تنَاوله: .الأول: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم طب حَتَّى أَنه ليُخَيل إِلَيْهِ أَنه قد صنع الشَّيْء وَمَا صنعه، وَأَنه دَعَا ربه، ثمَّ قَالَ: أشعرت أَن الله قد أفتاني فِيمَا استفتيته فِيهِ قَالَت عَائِشَة: وَمَا ذَاك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: جَاءَنِي رجلَانِ فَجَلَسَ أَحدهمَا عِنْد رَأْسِي، وَالْآخر عِنْد رجْلي فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا وجع الرجل؟ قَالَ الآخر: مطبوب. قَالَ: من طبه؟ قَالَ: لَبِيد بن الأعصم. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشط ومشاطة، وجُفِّ طلعة ذكر. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذروان- وذروان بِئْر فِي بني زُريق- قَالَت عَائِشَة: فَأَتَاهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَة فَقَالَ: وَالله لكأنَّ ماءها نقاعة الْحِنَّاء، ولكأن نخلها رُءُوس الشَّيَاطِين، قَالَت: فَقلت لَهُ: يَا رَسُول الله، هلا أخرجته؟ قَالَ: أما أَنا فقد شفاني الله، وكرهت أَن أثير عَلَى النَّاس مِنْهُ شرًّا». قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي ذَلِك نزلت المعوذتان. قلت: ذكره الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة بِغَيْر إسنادٍ. فَائِدَة: بِئْر ذَرْوان هَذِه بِفَتْح أَولهَا وَإِسْكَان ثَانِيهَا سلف محلهَا، وَحكي بِالْهَمْز مَكَان الذَّال، وَخَطأَهُ الْأَصْمَعِي وَصحح ابْن قُتَيْبَة ذِي أروان، وَلأبي زيد ذِي أَوَان، ووهمه الْأصيلِيّ. .الحديث الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث عِيسَى بن إِبْرَاهِيم البركي، ثَنَا إِسْحَاق بن الرّبيع أَبُو حَمْزَة الْعَطَّار، عَن الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن «أَنه رَأَى رجلا فِي عضده حَلقَة من صُفر، فَقَالَ لَهُ، مَا هَذِه؟ قَالَ: نعتت لي من الراهبة، قَالَ: أما إِن مت وَهِي عَلَيْك وكلت إِلَيْهَا، قَالَ رَسُول: لَيْسَ منا من تطير أَو تطير لَهُ أَو تكهن أَو تكهن لَهُ» أَظُنهُ قَالَ: «أَو سحر أَو سحر لَهُ». وَإِسْحَاق هَذَا ضعَّفه الفلاَّس، وَقَالَ ابْن عدي: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. وَعِيسَى البركي صَدُوق لَهُ أَوْهَام. قَالَ ابْن معِين: لَا يُسَوِّي شَيْئا، أَو لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء كَذَا فِي والكمال لعبد الْغَنِيّ، ووهمه الْمزي وَقَالَ: إِنَّمَا ذَاك الْقرشِي، وَهُوَ أقدم من هَذَا. قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. قلت: والبركي مَنْسُوب إِلَى سكَّة البرك من الْبَصْرَة هَذَا كُله مَعَ الِاخْتِلَاف فِي سَماع الْحسن من عمرَان، كَمَا سأذكره فِي بَاب النّذر وَاضحا فَلَا عَلَيْك إِلَّا أَن تتمهل. وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية فِي تَرْجَمَة أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ من حَدِيث مُخْتَار بن غَسَّان، ثَنَا عِيسَى بن مُسلم، ثَنَا أَبُو دَاوُد عَن عبد الْأَعْلَى بن عَامر قَالَ: قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ: «دخلت الْمَسْجِد وأمير الْمُؤمنِينَ عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَلَى الْمِنْبَر. وَهُوَ يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله أوحى إِلَى نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل...» فَذكر حَدِيثا طَويلا إِلَى أَن قَالَ: «لَيْسَ منا من تطير أَو تطير لَهُ، أَو تكهن أَو تكهن لَهُ، أَو سحر أَو سحر لَهُ، إِنَّمَا أَنا وَخلقِي وكل خلقي لَهُ». ثمَّ قَالَ أَبُو نعيم: غَرِيب من حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن، لم نَكْتُبهُ إِلَّا من حَدِيث أبي دَاوُد الطهوي، تفرد بِهِ عَنهُ مُخْتَار. قلت: مُخْتَار هَذَا أخرج لَهُ ابْن مَاجَه، وَلَا أعرف حَاله. وَعبد الْأَعْلَى بن عَامر هُوَ الثَّعْلَبِيّ ضعَّفوه، وَعِيسَى بن مُسلم، قَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. .وَأما الْأَثر: قلت: والمعجم الْكَبِير للطبراني، وَذكر أَن ابْن عمر أنكر ذَلِك عَلَيْهَا إِذْ فعلته دون أَمر السُلطان. .كتاب الْإِمَامَة وقتال الْبُغَاة: كتاب الْإِمَامَة وقتال الْبُغَاة: ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا: .أما الْأَحَادِيث: .الحديث الأول: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قيل يَا رَسُول الله، لَو أتيت عبد الله بن أبي؟ قَالَ: فَانْطَلق إِلَيْهِ، وَركب حِمَاره وَركب مَعَه قوم من أَصْحَابه، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ عبد الله: تَنَح فقد آذَانِي نَتن حِمَارك. فَقَالَ رجل من الْمُسلمين: وَالله لحِمَار رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أطيب ريحًا مِنْك. قَالَ: فَغَضب لكل وَاحِد مِنْهُمَا قومه فتضاربوا بِالْجَرِيدِ وَالنعال، فَبَلغنَا أَنَّهَا أنزلت فيهم هَذِه الْآيَة {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا}». .الحديث الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا لَفْظهمَا عَنهُ، قَالَ: «بَايَعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر، والمنشط وَالْمكْره، وَعَلَى أَثَرَة علينا وَعَلَى أَن لَا ننازع الْأَمر أَهله وَعَلَى أَن نقُول الْحق أَيْنَمَا كُنَّا وَلَا نَخَاف فِي الله لومة لائم». وَفِي رِوَايَة «عَلَى أَن لَا ننازع الْأَمر أَهله إِلَّا أَن تروا كفرا بواحًا عنْدكُمْ فِيهِ من الله برهَان» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي صَحِيحه: «اسْمَع وأطع فِي عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثرة علينا وَإِن أكلُوا مَالك وضربوا ظهرك، إِلَّا أَن يكون مَعْصِيّة». فَائِدَة: «المنشط». مفعل من النشاط، الْأَمر الَّذِي ينشط لَهُ، وَيَجِيء إِلَيْهِ، ويؤثر فعله. و«الْمُكْره»: الَّذِي يكرههُ ويتثاقل عَنهُ. و«الأثرة»: بِفَتْح الْهمزَة والثاء، وَيُقَال: بِضَم الْهمزَة وَإِسْكَان الثَّاء، وبكسر الْهمزَة وَإِسْكَان الثَّاء، ثَلَاث لُغَات حكاهن صَاحب الْمَشَارِق، وَهِي الاستئثار بالشَّيْء والانفراد بِهِ. وَالْمرَاد فِي الحَدِيث إِن منعنَا حَقنا من الْغَنَائِم والفيء، وَأعْطَى غَيرنَا نصبر عَلَى ذَلِك. و«الْكفْر البواح»: الجهَار. والْبُرْهَان: الْحجَّة وَالدَّلِيل. .الحديث الثَّالِث: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنه قَالَ: «شبْرًا» بدل «قدر شبر» وَهُوَ مَوْجُود فِي النّسخ الصَّحِيحَة من الرَّافِعِيّ كَذَلِك وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده أَيْضا، وَكَذَا الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه كَذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: «قيد شبر» بدل: «قدر شبر» وَهُوَ لُغَة فِيهِ. قَالَ الْحَاكِم: وَرُوِيَ هَذَا الْمَتْن من رِوَايَة عبد الله بن عمر بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، ثمَّ سَاقه بِلَفْظ: «من خرج من الْجَمَاعَة قيد شبر فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه حَتَّى يُرَاجِعهُ» قَالَ: «وَمن مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَام جمَاعَة فَإِن موتته موتَة جَاهِلِيَّة». ورَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا، وَلَفظه: «فَمن فَارق الْجَمَاعَة قيد شبر فقد خلع ربق الْإِسْلَام من عُنُقه، إِلَّا أَن يُرَاجع». وَرَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم من هَذِه الطَّرِيق ثمَّ ذكر لَهُ شَاهِدين، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، قَالَ: والْحَارث الْأَشْعَرِيّ صَحَابِيّ مَعْرُوف. قَالَ: ولهذه اللَّفْظَة شَاهد عَن مُعَاوِيَة، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا دخل النَّار». فَائِدَة: أَرَادَ «بربقة الْإِسْلَام»: عقد الْإِسْلَام، وَأَصله أَن الربق حَبل فِيهِ عدَّة عرى يشد بهَا الْغنم الْوَاحِدَة من العُرى ربقة قَالَه ابْن الْأَثِير فِي جامعه. .الحديث الرَّابِع: هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَلَفظه فِي هَذَا: «من سَلَّ» بدل: «من حمل». وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه، بِلَفْظ: «من حمل».
|