الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة قال لها أنت طالق إن أنفقت علي يومي هذا فكانت نفقتهم تأتيهم من قبل أبويه: قال ابن القاسم: إن كان ذلك الطعام طعاما لو شاء أن يمنعه منعه، فأراه حانثا، وإن كان طعاما لو شاء أن يمنعه لم يمنعه، رأيت أن يدين لأنه قد علم أن أباه كان يجري عليها نفقة، ولا يستطيع منعها، فإن قال: إنما أردت من عندي، ولم أرد ما أجرى عليها أبي، فلا شيء عليه، وإن كان إنما أراد تلك النفقة لا يجري عليها بها أبوه، فقد حنث؛ لأنه قد حلف وهو يعلم أن أباه يجري عليها، وهو لا يستطيع أن يمنعه، فإن كان حلف على منعه فهو حانث، وإن لم تكن له نية حين حلف، ولم يكن طعاما يستطيع أن يمنعه، ولو علم به، فلا شيء عليه. قال محمد بن رشد: في كلام ابن القاسم هذا في هذه المسألة التباس لطوله، والمعنى فيه إذا اعتبرته أن الطعام إن كان يقدر على منعه، فهو حانث، ولا ينوى معناه مع قيام البينة عليه، وإن كان طعاما لا يقدر على منعه فهو حانث، إلا أن يقول: إنما نويت ألا أنفق عليها أنا من مالي؛ إذ فقد علمت أن نفقة أبي لا أقدر على منعها، فينوى في ذلك يريد مع يمينه، والله أعلم، من أجل قيام البينة عليه، وهو قول صحيح على أصولهم في الأيمان؛ لأن الطعام إذا كان يقدر على منعه فهو كما لو قال من عنده، فوجب أن يحنث بأكلها إياه، ولا يصدق في نية إن ادعاها مع قيام البينة عليه، كما لو أنفق عليها من ماله، ثم قال: إنما نويت طعاما كذا، أو على وجه كذا، وما أشبه ذلك، وإذا كان لا يقدر على منعه كانت النية محتملة إذا لم ينفق هو عليها عن ماله، فصدق فيها، وبالله التوفيق. .مسألة سألته امرأته الإذن إلى أهلها فقال أنت طالق إن بت الليلة إلا في بيتك أو في البيت: قال: إن كانت نيته بأنه إنما أراد منعها من إتيان أهلها، فلا حنث عليه، وإن لم تكن له نية فهو حانث. قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة لمالك في سماع سحنون، وهي على خلاف المشهور؛ لأنه اعتبر فيها مقتضى اللفظ دون ما يدل عليه البساط من المعنى، وقد مضى القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة تزوج امرأة وحلف لها بطلاقها ألا يدخل بها حتى يوفيها صداقها: قال ابن القاسم: أما ما كان يرجع في تزويجه إياها على بقية الصداق الذي كان حلف فيه، فالحنث واقع عليه، ولو كان بتها، ثم تزوجها بعد زوج بأدنى من ذلك، لم يقع عليه حنث، وذلك أن الطلاق الذي حلف فيه لم يبق منه شيء، وهو على طلاق مبتدأ. قال محمد بن رشد: قوله: إن اليمين ترجع عليه ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء صحيح، على معنى ما في المدونة، ومثله في رسم النذور، من سماع أصبغ، وفي نوازله بعد هذا من هذا الكتاب، وقال: إن الحنث واقع عليه إن تزوجها بعد ذلك بأدنى من الصداق الأول الذي حلف عليه، ألا يدخل بها حتى يدفعه إليها، ودخل بها، ولم يبين لماذا رأى أن الحنث واقع عليها، أن كان بأن دخل بها قبل أن يدفع إليها ما سمى لها، أو أن كان بأن سمى لها أقل من الصداق الأول الذي حلف عليه، والذي ينبغي أن يتأول عليه أنه إنما رأى الحنث واقعا من أجل أنه دخل بها قبل أن يدفع إليها ما سمى لها، ولو كان إنما دخل بها بعد أن دفع إليها ما سمى لها، لم يقع عليه حنث، وان كان ذلك أقل من الصداق الأول الذي حلف ألا يدخل عليها حتى يدفعه إليها؛ لأنه لم يحلف ألا يدخل بها حتى يدفع إليها كذا وكذا، وإنما حلف حتى يدفع إليها صداقها، فمعنى يمينه إنما هو ألا يدخل بها حتى يوفيها جميع حقها، وهذا بين، والله أعلم. .مسألة اللصوص إذا استحلفوا الرجل بالحرية والطلاق ألا يخبر بهم فأخبر عنهم: قال محمد بن رشد: معنى قول مالك فيما ذهب إليه من أنه ليس عليه من يمينه شيء، إنما هو إذا خشي على نفسه منهم مكروها في نفسه باتفاق، أو في ماله على اختلاف إن لم يحلف لهم، وأما إذا لم يخش منهم مكروها على نفسه إن لم يحلف لهم، للزمته اليمين، وحنث إن أخبر عنهم، وإن كان لا يجوز له أن يستر عنهم، ويجب عليه أن يخبر عنهم حتى يقام الحد عليهم، وانظر لو كان في إخباره عنهم مع إقامة الحد عليهم جبر أموال الناس عليهم من عندهم، هل يكون ذلك عذرا له يسقط اليمين عنه أم لا، وقد مضى في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، ما يبين هذا، ويوضح ما هو إكراه مما ليس بإكراه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة قال لصاحب له امرأته طالق إن كلمتك حتى تبدأني بالكلام: فقال: لا. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، في رسم العرية، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله عز وجل التوفيق. .مسألة يقول لامرأته وهي حامل إذا وضعت فأنت طالق: قال: هي طالق تلك الساعة، ومثلها أيضا الرجل يقول لامرأته وهي حامل: إذا وضعت فأنت طالق، قال: هي طالق تلك الساعة، ومثلها الرجل يقول لامرأته: إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق. قال: هي طالق تلك الساعة. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في قول الرجل لامرأته إذا بلغت معي موضع كذا وكذا فأنت طالق في رسم سلف، من سماع يحيى، ومضى القول على قول الرجل لامرأته إذا كفلت ابني ثلاث سنين فأنت طالق، في رسم الشجرة، من سماع ابن القاسم: فأغنى ذلك عن إعادته هنا مرة أخرى، وبالله تعالى التوفيق. .مسألة قال لامرأته أنت طالق البتة إن لم يكن عمر بن الخطاب من أهل الجنة: قال ابن القاسم: لا حنث عليه، قال: وأخبرني من أثق به في أبي بكر وعمر مثل ذلك، قال ابن الصلت: وسمعت ابن القاسم يقول في عمر بن عبد العزيز: مثل ذلك. قال محمد بن رشد: أما من حلف بالطلاق أن أبا بكر وعمر من أهل الجنة، فلا ارتياب في أنه لا حنث عليه، وكذلك القول في سائر العشرة أصحاب حراء الذين شهد لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة، وكذلك من جاء فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق صحيح أنه من أهل الجنة، كعبد الله بن سلام، فيجوز أن يشهد له بالجنة، وأما عمر بن عبد العزيز، فوقف مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في تحنيث من حلف عليه أنه من أهل الجنة، وقال: هو إمام هدى، وقال: هو رجل صالح، ولم يزد على ذلك؛ إذ لم يأت فيه نص يقطع العذر، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم التعلق بظاهر ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله: «إذا أردتم أن تعلموا ماذا للعبد عند ربه، فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء»، وقوله: «أنتم شهداء الله في الأرض، فمن أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه بشر وجبت له النار»، وقد حصل الإجماع عن الأمة على حسن الثناء عليه، والإجماع معصوم؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لن تجتمع أمتي على ضلالة»، وقد مضى في رسم الرهون، من سماع عيسى القول فيمن حلف أنه من أهل الجنة، أو أنه يدخل وهو مما يتعلق بهذا المعنى، وبالله التوفيق. .مسألة قال امرأته طالق البتة إن قمت معك حتى أفرع من وضوئي فتوضأ: قال: هو حانث؛ لأنه إنما أراد بقوله حتى أفرغ من وضوئي الوضوء الذي يتوضأ الناس، ولم يدر المفروض من المسنون. قال محمد بن رشد: وهو كما قال؛ لأن الوضوء إذا أطلق في الشرع إنما يقع على جملة الوضوء وهو يشتمل على ما فيه من الفرائض والسنن، فتحمل يمينه على جميعها لدخولها تحت لفظ الوضوء، إلا أن يخص شيئا منها بنية أو استثناء، كما يحمل على العمد والنسيان؛ لدخولها تحت عموم لفظه، إلا أن يخص النسيان من ذلك بنية أو استثناء، فتكون له نيته إن جاء مستفتيا، وبالله التوفيق. .مسألة حلف بالطلاق لغريمه ليوفينه حقه إذا أخذ عطاءه فأخذ من عطائه ما ليس فيه: قال: لا. قال محمد بن رشد: هذا بين لا إشكال فيه، أنه لا حنث إذا قضى غريمه ما أخذ من عطائه، وإنما الكلام إذا أخذ من عطائه بعضه وفيه وفاء أو لا وفاء فيه؛ لأنه يتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أأحدها: أنه حانث إن لم يقضه حقه، أو ما قبض من عطائه على ما يوجبه معنى يمينه. والثاني: أنه لا حنث عليه إن لم يقضه شيئا حتى يقبض جميع عطائه على ما يقضيه لفظ يمينه. والثالث: أنه يحنث إن لم يقضه من حقه بحساب ما قبض من عطائه، وقد مضى في سماع أبي زيد، من كتاب النذور مسألة من هذا المعنى تشبه هذه المسألة في بعض معانيها، وقد مضى من القول عليها ما فيه زيادة بيان لهذه، وبالله التوفيق. .مسألة وجده يذبح جديا فقال امرأته طالق إن كان يقبض روحه إلا ملك الموت: قال: لا حنث عليه، هذا والجن والإنس وكل من يموت من البهائم وغيرهم، فملك الموت يقبض أرواحهم، وإنما سماه الله ملك الموت؛ لأنه يقبض روح كل ميت من الإنس وغيرهم. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله تعالى قد نص على أن ملك الموت يقبض أرواح بني آدم بقوله عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] وقام الدليل من قَوْله تَعَالَى: {مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11] على أنه يقبض روح كل حي من الجن أو الإنس وغيرهم؛ لأن الموت اسم عام مستغرق للجنس، فلا يصح أن يخصص في بعض الحيوان دون بعض إلا بدليل، وقول أهل الاعتزال: إن ملك الموت يقبض أرواح بني آدم، وإن أعوانه يقبضون أرواح البهائم، تحكم بغير دليل ولا برهان، فلا يصح أن يقال: ما ذهبوا إليه إلا بتوقيف ممن يصح له التسليم، وهو في مسألتنا معدوم، والقول بما سوى هذين القولين تعطيل، والله الموفق. .مسألة حلف بطلاق امرأته ليقضين حقه إلى الليل: فقال: له الليل كله. قال محمد بن رشد: هذه مسألة شاذة، والصواب فيها أن تحمل إلى على بابها أنها غاية، فيكون حانثا إذا لم يقضه حتى غابت الشمس، وهذا هو الذي يأتي على مذهبه في المدونة وغيرها، وعلى ما نص عليه أيضا في رسم البراءة، من سماع من كتاب النذور، ووجه هذا القول أنه جعل إلى بمعنى عند يقال: هو أشهى إلى من كذا أي عندي، وقال الشاعر: أي عندي. وعلى هذا يأتي قوله في كتاب الظهار من المدونة، فيمن قال: أنت علي كظهر أمي إلى قدوم فلان. .مسألة يقول لامرأته أنت طالق البتة إلا واحدة: فقال: هي اثنتان، وقاله سحنون. قال محمد بن رشد: المسئول في هذه المسألة هو أشهب، والله أعلم؛ بدليل أنها معطوفة على ما قبلها من المسائل له، وهو أيضا معلوم من مذهبه أن البتة تتبعض، وأما ابن القاسم فقد حكى عنه ابن حبيب: أنها لا تتبعض، وهو قول أصبغ في نوازله بعد هذا، وروى ذلك أيضا عن مالك، ووقع ذلك له في المبسوطة، ومثله في كتاب ابن المواز. والصحيح قول أشهب وسحنون هذا أن البتة تتبعض، وعلى هذا يأتي ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، من تلفيق شهادة الشهود إذا شهد أحدهما بالثلاث، والآخر بالبتة؛ لأن نهاية الطلاق الثلاث، فإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق البتة، فإنما معنى قوله وإرادته: أنت طالق نهاية عدة الطلاق، كما قال عمر بن عبد العزيز: لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منه شيئا، من قال: البتة فقد رمى الغاية القصوى، فلا فرق في المعنى بين أن يقول: أنت طالق ثلاثا، أو أنت طالق البتة؛ لأنه واصف للطلاق في المسألتين جميعا بأقصى ما تبين به المرأة عنه من عدد الطلاق، فوجب أن يستويا في جميع الأحكام من التلفيق في الشهادة، والتبعيض بالاستثناء، وغير ذلك، وقد زدت هذا المعنى بيانا بالحجج النظرية في مسألة أفردنا التكلم عليه فيها، والله الموفق للصواب برحمته. .مسألة قال إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق فتزوج ثم كلمه: فقال: لا شيء عليه في التي تزوج قبل يمينه، وإنما يلزمه الحنث فيما يتزوج بعد كلامه. قال محمد بن رشد: هذا خلاف ما في المدونة؛ لأنه قال في العتق الأول منها في الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل عبد أملكه من الصقالبة، فهو حر: إن كل عبد يملكه بعد يمينه من الصقالبة فهو حر إن كلمه، إلا أن يريد إن كلمت فلانا، فكل عبد أملكه بعد حنثي من الصقالبة فهو حر، فتكون له نيته، وليس أحد القولين من جهة اللفظ بأظهر من صاحبه؛ لأن قوله فكل عبد أملكه من الصقالبة، أو فكل امرأة أتزوجها بمصر يحتمل أن يريد بعد يميني، وأن يريد بعد حنثي احتمالا واحدا لا يترجح أحد الاحتمالين على صاحبه، فإن كانت له نية، فله نيته، وهو مصدق فيها، وإن كانت على يمينه بينة، وإن لم تكن له نية، فوجه قوله في هذه الرواية أنه لا يلزمه طلاق فيما تزوج قبل حنثه مراعاة الاختلاف؛ إذ من أهل العلم من لا يرى عليه شيئا أصلا، فيما تزوج قبل حنثه، ولا بعد حنثه، ووجه قوله في المدونة الاحتياط للعتق مخافة أن يملكه وهو حر، فأعتقه عليه بالشك ولم يراع الخلاف، ولفظة أملكه تصلح للحال وللاستقبال، وإنما تشبه المسألتان إذا لم يكن في ملكه يوم حلف عبد من الصقالبة، فيستدل بذلك على أنه أراد بذلك الملك فيما يستقبل به، وبالله التوفيق. .مسألة يقول لامرأته أنت طالق البتة إن بت في منزلك الليلة فبات في حجرتها: فقال: الحجرة عندنا مثل الأسطوان، وهو حانث إلا أن تكون له نية. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، لا يدخل فيها من الاختلاف ما دخل في مسألة البيت التي مضت في سماع سحنون، ومحمد بن خالد؛ لأن المنزل يجمع البيت والحجرة عند الجميع على ما مضى لابن القاسم في رسم الرهون، من سماع عيسى، وبالله التوفيق. .مسألة حلف بالطلاق ألا ينفق هذا الدينار إلا في حلي ابنته فماتت: قال: يحبسه ولا ينفقه. قال محمد بن رشد: في كتاب ابن المواز: أنه لا شيء عليه، والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في مراعاة المعنى الذي يظهر أن الحالف قصد إليه بيمينه، فلم يراعه في الرواية، وحمل يمين الحالف على ما يقتضيه مجرد لفظه من إلا ينفق ذلك الدينار، إلا في حلي ابنته، فقال: إنه إن ماتت ابنته حبسه فلم ينفقه، فإن لم يفعل حنث وراعاه في كتاب ابن المواز، فقال: إنه إن ماتت ابنته أنفقه فيما شاء، ولم يكن عليه حنث؛ لأنه لما حلف وابنته حية محتاجة إلى الحلي، تبين أنه إنما قصر بيمينه إلا يفوته عليها بنفقته إياه في غير حليها التي تحتاج إليه، فإذا ماتت وأنفق الدينار فيما شاء من حواجه، وجب ألا يحنث؛ إذ لم يفوت الدينار عليها بذلك، ولا حرمها الانتفاع به، وهذا القول أظهر، وهو المشهور في المذهب، وقد مضى المعنى في غير ما موضع من هذا الكتاب، وفي رسم جاع، ورسم الثمرة، من سماع عيسى، من كتاب النذور، وبالله التوفيق. .مسألة قال لامرأته إني قد كنت حلفت بطلاقك ألا أفعل كذا وكذا وقد فعلته: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه قد أقر على نفسه بالحنث بالطلاق الذي قد لزمه بإقراره على نفسه به، وذلك مثل أن يقول: إنما كنت نويت ألا أفعل ذلك في يوم كذا وكذا، وإنما فعلت في غير ذلك اليوم وما أشبهه مما لو جاء عليه بينة سقط عنه الطلاق، وبالله التوفيق. .مسألة قال إن مت قبل فلان فامرأتي طالق البتة: قال محمد بن رشد: إن كان إنما أراد أنه لا يموت قبل فلان، وأنه لا يموت قبل السنة، وأوجب على نفسه الطلاق إن كان شيء من ذلك بمعنى أنه لا يكون، فلا اختلاف في أن الطلاق قد لزمه معجلا؛ لأنه حالف على غيبه لا يعلمه إلا الله، وأما إن كان لم يرد ذلك، وإنما قال: امرأتي طالق إن كان ذلك، يريد إن كان بما سبق في علم الله الذي لا يعلمه إلا هو، فلا شيء عليه باتفاق، وإن لم تكن له نية، فيخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أن يمينه تحمل على الوجه الأول، فيلزمه الطلاق. والثاني: أنها تحمل على الوجه الثاني، فلا يلزمه شيء، وكذلك إن حضرته بينة بها؛ إذ القول بادعاء أنه لم يرد الحلف أن ذلك يكون، وأنه إنما أوجب على نفسه الطلاق، وإن كان ذلك على غير وجه اليمين يتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أنه يصدق فيما ادعاه ولا يلزمه شيء، وهو الذي يأتي على قول أصبغ، فيما روي عنه من أنه قال: من قال: امرأتي طالق إن مت، فلا شيء عليه إلا أن يريد بذلك العناد، بمعنى أنه لا يموت، والثاني: أنه لا يصدق في ذلك، ويعجل عليه الطلاق، وهو ظاهر ما في هذه الرواية، ورآه ابن وهب؛ لأن المسألة معطوفة على مسائل تقدمت من قوله، وكان ابن القاسم يقف في مسألة أصبغ، وهذا يشبهها، والله أعلم، ولو قال: امرأتي طالق إذا مت لم يكن عليه شيء، وبالله التوفيق. .مسألة حلف لغريمه بطلاق امرأته ليوفينه حقه إلى أجل سماه ولم يسم واحدة: قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، ومضى القول عليها هناك، وفيما كان في معناها في رسم البز، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. .مسألة طلق امرأته واحدة ثم يقول إن راجعتها فهي طالق البتة ثم يرتجعها: قال: لا يقبل قوله، وقد طلقت بالبتة إن هو ارتجعها، إلا أن يكون استثنى ذلك استثناء، وتكلم به وإلا لم ينفعه، وقاله أصبغ، وكذلك قوله إن قال: لو تزوجتها، فمخرج التزويج هاهنا ارتجاع، إلا أن يرتجعها حتى يظهر غيره بإفصاح وبيان، ومن ذلك أن يذكر له ارتجاعها، ويقبح في طلاقها، وسئل ارتجاعها، فيقول: هي طالق البتة إن راجعتها أو إن تزوجتها، فهذا الذي لا شك فيه إن ارتجعها طلقت بالبتة، وهو جواب والآخر مثله، وبجملة حتى يعرف خلاله بسبب أو بساط له مخرج أو استثناء به، يتكلم كلاما إن شاء الله. قال محمد بن رشد: لفظ الارتجاع في العدة حقيقة، وبعد انقضائها مجاز، ولفظ المراجعة والتزويج في العدة مجاز، وهو في العدة حقيقة؛ لأن المراجعة مفاعلة من الاثنين، فلا تستعمل حقيقة إلا حيث يحتاج إلى رضا المرأة، ولم يراع في هذه الرواية شيئا من ذلك؛ لجواز استعمال المجاز، يقال في ارتجاع المرأة في العدة: راجعتها، وفي مراجعتها بعد العدة ارتجعتها، فلم ينوه مع قيام البينة عليه، وإن كانت نيته التي ادعى موافقة لحقيقة لفظه، إلا أن تكون ليمينه بساط يدل على نيته التي ادعى خلاف ما مضى من قول ابن القاسم في رسم العرية، من سماع عيسى، ونحو قول مالك فيه. وأما إن كانت نيته التي ادعى مخالفة لحقيقة لفظه، مثل أن يحلف ألا يراجعها، ثم يراجعها بعد العدة، ويقول: إنما نويت بذلك ألا أرتجعها في العدة، أو يحلف ألا يرتجعها ثم يرتجعها في العدة، ويقول: إنما نويت بذلك ألا أراجعها بعد العدة، فإنه لا ينوي في ذلك مع قيام البينة، قاله في رسم سلف، عن سماع عيسى، من كتاب السنة، ولا خلاف عندي في هذا الوجه، قال محمد بن المواز، وكذلك إن كان مطلوبا فأقر باليمين، وادعى النية، وليس قوله بخلاف، وأما إذا جاء مستفتيا غير مطلوب، فلا اختلاف في أنه ينوي في كل حال دون يمين، وبالله تعالى التوفيق.
|