فصل: ذكر الطبقة الثانية من ملوك الروم وهم المتنصر وتأريخهم وأعدادهم وما كان من الكوائن والأحداث العظام الديانية والملوكية في أيامهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)



.ذكر الطبقة الثانية من ملوك الروم وهم المتنصر وتأريخهم وأعدادهم وما كان من الكوائن والأحداث العظام الديانية والملوكية في أيامهم:

أول ملوك هذه الطبقة قسطنطين بن قسطنس يعرف، بأمه هيلاني، وإليها ينسب على ما قدمنا، ملك اثنتين وثلاثين سنة وثلاثة أشهر وهو الذي أظهر دين النصرانية وحارب عليها حتى قبلت وانتشرت في البلاد إلى هذه الغاية، وقد ذكرنا في كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار التنازع في سبب تنصره وتركه ما كان عليه من مذاهب الحنفاء، وما قالت الحنفاء في ذلك من ظهور الوضح في جسه وإجماعهم على خلعه، إذ كان في أصل دياناتهم وواجب عباداتهم أن من كان به ذلك لا يصلح للملك، وأنه ما يل من فشى فيه دين النصرانية واستظهر بهم وبخاصته وصنائعه على ما خالفه وأظهر النصرانية، إذ كان غر محظور فيها تمليك من به ذلك وقول من قال منهم أنه كتم ما ظهر به وأفشاه إلى بعض وزرائه ممن كان يخفي النصرانية، وأعلمه أنه يخشى خلعه عن الملك، فضمن له القيام بكفايته ذلك وأنفذ عدة عساكر إلى من حوله من الأعداء مرة بعد أخرى، بأسماء الأصنام السبعة التي كانت على أسماء الكواكب السبعة، ومثالات لها من النيرين والخمسة وكان الصابئون يقربون لها القرابين ويعتكفون على عبادتها، بعد أن جعلها في غاية الضعف فعادت منكوبة مهزومة، فأظهر الإزراء بها والتنقص لمن يرى عبادتها، وأشار عليه حينئذ بالانتقال إلى النصرانية ففعل وما ذهب إليه النصارى من أن السبب في ذلك ظهور صليب له نوري في السماء في نومه في حال حربه مع ملك برجان، وأنه قيل له استنصر به على عدوك تنصر عليه، وأنه ركب مثال ذلك على رءوس الأعلام كالأسنة فظهر على عدوه بعد أن كانوا الظاهرين عليه، فدان بها حينئذ وقول من قال منهم إنه رأى ذلك في يقظته، وغير ذلك من أقاويل الفريقين على الشرح والإيضاح ولثلاث سنين خلت من ملكه بنى مدينة القسطنطينية على الخليج الآخذ من بحر مايطس، ويعرف في هذا الوقت ببحر الخزر إلى بحر الروم والشأم ومصر، وذلك في الموضع المعروف بطابلا من صقع بوزنطيا وبالغ في تحصينها وإحكام بنائها، وجعلها دار مملكة له أضيفت إلى اسمه ونزلها ملوك الروم بعده إلى هذا الوقت غير أن الروم يسمونها إلى وقتنا هذا المؤرخ به كتابنا بولن وإذا أرادوا العبارة عنها أنها دار الملك لعظمها قالوا إستن بولن ولا يدعونها القسطنطينية وإنما العرب تعبر عنها بذلك والقسطنطينية من الأرض الكبيرة المتصلة برومية وبلاد الإفرنجة والصقالبة والأندلس وغيرهم من الأمم الواغلين في الشمال، واتصل ذلك بالمشرق كأرض الترك وغيرها من خراسان إلى الهند والصين، والخليج الآخذ من بحر مايطس الذي يعرف بالخزري، يحيط بها من ثلاث جهاتها ويصب في البحر الرومي، وقيل إنه يحيط بها من جهتين المشرق والشمال وجانباها الغربي والجنوبي في البر وطول الخليج ثلاثمائة وستون ميلاً، وقيل وثلاثون، عليه ست عدوات لمن يريد من دار الإسلام إليها مما يلي الثغور الشأمية والجزرية وغيرها فالعدوة الأولى تعرف بأقروبلي عرض الخليج هناك ميل، وعلى هذا الوضع نزل سابور الجنود بن أردشير وحاصر القسطنطينية، وبنى هناك بيت نار، واشترط على الروم عند انصرافه بقاءه فلم يزل على ذلك البيت قائماً إلى أيام المهدي فخرب ثم نزل عليه بعده أنوشروان بن قباذ ملك الفرس في بعض غزواته فأجرى إلى ما هناك نهراً ونصب عليه أرحاء، وأراد سكر هذا الموضع من الخليج بالحجارة، وجرب الرمل ليعبر عليه، فغلبه الماء لشدة انصبابه من البحر الخزري إلى الرومي، الذي هو بحر الشأم ومصر والعدوة الثانية يقال لها الأفقاطي، تكون من هذه العدوة على نحو من ثلاثين ميلاً وعرضها من الجانب الشأمي إلى ذلك الجانب تسعة أميال، ومن هذه العدوة تعبر عساكر الروم إذا أرادوا الخروج إلى دار الإسلام والعدوة الثالثة تعرف بسنكرة، وبينها وبين عدوة الأفقاطي نحو من ثلاثين ميلاً، يكون عرض هذه العدوة اثني عشر ميلاً وهذه العدوة تقرب من مدينة نيقية.
والعدوة الرابعة تعرف بفيلاس بينها وبين عدوة سنكرة نحو من ثمانية أميال يكون عرض هذه العدوة من الجانب الشأمي إلى ذلك الجانب وهو بند تراقية نحواً من أربعين ميلاً، ومن هذه العدوة يعدى بأسارى الروم إذا أرادوا بهم الفداء إلى اللامس، لأنها عدوة عريضة يرهبون بها الأسرى والعدوة الخامسة تعرف بلبادو، وبينها وبين عدوة فيلاس نحو من عشرين ميلاً، يكون عرض هذه العدوة من الجانب الشأمي إلى ذلك الجانب، وهو بند تراقية نحو من عشرين ميلاً، وقد حاصر القسطنطينية في الإسلام من هذه العدوة ثلاث أمراء آباؤهم ملوك وخلفاء، أولهم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، والثاني مسلمة بن عبد الملك بن مروان، والثالث هارون الرشيد بن المهدي والعدوة السادسة تعرف بأبدو، وهي فم الخليج الصاب في بحر مصر والشأم ومبدؤه من بحر مايطس المسمى بحر الخزر وعرضه في المبدأ نحو من عشرة أميال، وهناك مدينة الروم تعرف بمسناة تمنع من يرد في ذلك البحر من مراكب الكوذ كأنه وغيرهم من أجناس الروس، والروم تسميهم روسيا معنى ذلك الحمر وقد دخل كثير منهم في وقتنا هذا في جملة الروم، كدخول الأرمن والبرغر وهم نوع من الصقالبة والبجناك من الأتراك، فشحنوا بهم كثيراً من حصونهم التي تلي الثغور الشأمية وجعلوهم بإزاء برجان وغيرهم من الأمم المتأبدة لهم والمحيطة بملكهم، وأبدو مدينة على هذا الخليج مما يلي الشأم والجزيرة لا من جانب القسطنطينية ومن هذه العدوة إلى القسطنطينية مائتا ميل رومية، تكون أميالاً بأميالنا نحو مائة وعشرين ميلاً، وأبدو جبلان جبل من هذا الجانب من عمل الأبسيق وجبل من ذلك الجانب من عمل تراقية، وكان على هذين الجبلين حرس على كل جبل عشرون رجلاً يحرسون المراكب إذا دخلت وخرجت ويفتشونها وكانت فيه سلسلة تفتح وتغلق في عمودي حديد من هذا الجانب إلى ذلك الجانب هو باب الخليج الذي يحاصر به القسطنطينية حين كان للمسلمين أسطول يغزونهم من الثغر الشأمي والشأم ومصر والأسطول كلمة رومية سمة للمراكب الحربية المجتمعة وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا السبب في كيفية بناء القسطنطينية والتنازع في ذلك، وقول من قال إن ما وراء الخليج كان من أرض برجان فاحتال قسطنطين على ملك برجان لعلمه بالموضع وحصانته حتى أذن له في بنائها وما يذم من خصالها وهوائها ومائها وتربتها، وأن الخيل لا تنزو بها ولا تصهل لما يلحقها من الربو لنداوة البلد وعفونته، وقيل إن ذلك لطلسم فيها وغير ذلك من أخبارها ولعشرين سنة خلت من ملك قسطنطين كان السنهودس الأول بمدينة نيقية من بلاد الروم تفسير ذلك المجمع وهو القداس حضر هذا المجمع ألفان وثمانية وأربعون أسقفاً مختلفو الآراء فاختير منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً متفقين غير مختلفين فحرموا أريوس الإسكندراني وإلى اسمه أضيفت الأريوسية من النصارى ووضعوا في هذا المجمع الأمانة التي يتفق عليها سائر النصارى من الملكية، واليعقوبية والعباد وهم النسطورية، ويذكرونها كل يوم في القداس ولهم أربعون كتاباً فيها السنن والشرائع واتفقوا على أن يكون فصح النصارى يوم الأحد الذي يكون بعد فصح اليهود، وألا يكون فصح اليهود مع فصح النصارى وكان المقدم والرئيس في هذا المجمع الإسكندر، بطريرك الإسكندرية من بلاد مصر وهو بالرومية بطريركس تفسيره رئيس الآباء فخفف، وحضر أسطاث بطريرك أنطاكية، ومارقس أسقف بيت المقدس، ويوليوس بطريرك رومية، وكان هذا الاجتماع في اليوم التاسع عشر من حزيران سنة 636 للإسكندر الملك وقيل أنها السنة التاسعة عشرة من ملك قسطنطين وكثير من النصارى يعد ذلك من شمعون بن قلوفا فأضافها إليه، وبيت هيلاني بإيليا الكنيسة المعروفة بالقيامة في هذا الوقت الذي يظهر منها النار في يوم السبت الكبير الذي صبحه الفصح، وكنيسة قسطنطين وديارات كثيرة للنساء والرجال على الجبل المطل على مدينة بيت المقدس المعروف بطور زيتا وهو بإزاء القبلة اليهود وعمرت مدينة إيليا عمارة لم يكن قبلها مثلها، ولم يزل ذلك عامراً إلى أن أخربته جنود الفرس حين غلبت على الشأم ومصر وسبت من كان في تلك الديارات وغيرها قبل ظهور الإسلام وذلك في ملك كسرى أرويز ملك فارس والملك على الروم يومئذ فوقاس على ما نحن ذاكروه فيما يرد من هذا الكتاب مجملاً وقد سلف في كتبنا مشروحاً.
والأطوار المقدسة للنصارى أربعة:
فأولها طور سينا الذي كلم الله موسى عليه وأنزلت عليه التوراة وهو على أيام من مدينة القلزم، وعلى يوم وبعض آخر من راية من ساحل بحر القلزم الثاني هو طور هارون وهو على أيام من جبل طور سينا والثالث طور زيتا على ما ذكرناه والرابع طور الأردن بين فلسطين وطبرية جميعها للملكية من النصارى والأطوار الجبال وبنت هيلاني كنيسة حمص وهي إحدى عجائب العالم على أربعة أركان، وكنيسة الرهاء من بلاد ديار مضر وهي إحدى عجائب العالم الأربع المذكورة، وكانت هيلاني من بلاد الرهاء من قرية تعرف بتل فخار إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا هذا، على طريق آمد وقد أتينا على خبر قسطنس أبي قسطنطين، والسبب في تزوجه بها عند مشاهدته إياها والعجائب الأربع جامع دمشق، ومنارة الإسكندرية، وقنطرة سنجة وهي الكنيسة، وقد أغفل قوم من مصنفي الكتب في التواريخ والسير من النصارى فزعموا أن خروج هيلاني أم قسطنطين إلى الشأم كان لسبع سنين من ملك ابنها قسطنطين وهذا غلط متفاحش لأن قسطنطين دان بالنصرانية بعد مضي عشرين سنة من ملكه قال المسعودي: ولقسطنطين أخبار وسير وسياسات في الملك والدين وسير في الأرض وحروب قبل تنصره وبعده، وقد أتينا على جميع ذلك في كتابنا في أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية، والأجيال الخالية، والممالك الداثرة، وما تلاه من الكتاب الأوسط وفي النسخة الأخيرة من كتاب مروج الذهب، ومعادن الجوهر وفي كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار وإنما نذكر في هذا الكتاب لمعاً من ذلك، ليكون منبهاً عليها ومدخلاً إليها الثاني من المتنصرة قسطنطين بن قسطنطين بن هيلاني، ملك أربعاً وعشرين سنة، وكان أبوه قسطنطين عهد إليه بالملك في حياته وولاه القسطنطينية وولي أخاه قسطنس أنطاكية والشأم ومصر الجزيرة وجعل مقامه بأنطاكية وولي أخاه قسطوس رومية وما يليها من بلاد الإفرنجة والصقالبة وغيرهم من الأمم وأنزله رومية وأخذ على أخويه هذين العهود والمواثيق بالانقياد لأخيهما قسطنطين فاستقام ملكه إلى أن هلك الثالث يوليانوس ابن أخي قسطنطين بن هيلاني ملك سنتين، وكاني خفي الصابئية في أيام عمه وابن عمه، فلما ملك أظهرها وارتد عن دين النصرانية وخرب الكنائس، ورد التماثيل التي جعل الصابئون مثلاً للجواهر العلوية والأجسام السمائية التي هي وسائط بين العلة الأولى عندهم وبين الخليقة في العبادات، وقتل من النصارى خلقاً كثيراً، وجعل عقوبة من لم يرتد إلى الحنيفية القتل، وكان يأخذ من عاد إلى الحنيفية بإلقاء اللبان على النار والأكل من ذبيحة الحنفاء وغير ذلك، وكان عظيم السطوة كثير الجنود.
قال المسعودي: وسار إلى أرض العراق في ملك سابور بن أردشير فهلك بسهم غرب أصابه. وقد أتينا على خبره وخبر سابور الجنود ملك بابل وما كان بينهما من الحروب في الجزء السابع من كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر في أخبار الفرس في ملك سابور والروم تسميه باربديس تفسير ذلك المرتد والصابئة أوسيبوس تفسير ذلك المؤمن التقي، والنصارى جميعاً يتبرأون منه ومنهم من يدعوه البزتاط الرابع يوبيانوس، ملك سنة وكان خليفة يوليانوس المقتول ومعه في عسكره ففزعوا إلى تمليكه عليهم فأبى إلا أن يرجعوا إلى النصرانية فأجابوا إلى ذلك فرد دين النصرانية وانصرف بجيوش الروم عن العراق بعد قصص كانت له مع سابور ومهادنة قد ذكرناها فيما سلف من كتبنا.
الخامس والنطيوس، ملك اثنتي عشرة سنة وخمسة أشهر.
السادس والنس، ملم ثلاث سنين وثلاثة أشهر.
السابع والنطيانوس، ملك ثلاث سنين وأربعة أشهر، وعاضده على ملكه غراطيانوس فهلك قبله.
الثامن تدوس الكبير وتفسير تدوس عطية الله ملك تسع عشرة سنة وفي ملكه كان السنهودس الثاني وهو المجمع بمدينة قسطنطينية من بلاد بوزنطيا اجتمع فيه مائة وخمسون أسقفاً، فأمنوا مقذونس وأشياعه مع البطارقة الذين بعده قالوا بمقالته وكان المقدم في هذا المجمع طيموثاوس بطريرك الإسكندرية، ومليطيوس بطريرك أنطاكية، وقورللس بطريرك بيت المقدس وفي هذا المجمع بطرك وهو أول بطريرك لبيت المقدس وإنما كانوا أساقفة وكانت البطارقة أصحاب الكراسي الأربعة.
أولها مدينة رومية وهي لبطرس رئيس الحواريين وخليفة إيشوع.
الثاني الإسكندرية من بلاد مصر، وهي لمرقس أحد أصحاب الأناجيل الأربعة.
والثالث قسطنطينية من بلاد بوزنطيا وكان أول بطريرك لها مطروفانس رتبه الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفاً الذين أقاموا دين النصرانية بمدينة نيقية المقدم ذكرهم.
والرابع أنطاكية وهي لبطرس أيضاً، واستخلف بطرس على الكرسي بها حين سار إلى مدينة رومية وأذيوس، فصارت البطاركة خمسة إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهي سنة 345 للهجرة جميعاً للملكية فكان من السنهودس الأول بنيقية الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفاً إلى هذا الاجتماع ست وخمسون سنة، وأطلق طيماثاوس بطريريك الإسكندرية في هذا المجمع للبطاركة والأساقفة والرهبان ببلاد مصر والإسكندرية أكل اللحم لأحل الثنوية ليعرف من كان منهم مثنوي المذهب إذ كانت الثنوية تمتنع من ذلك، فأما البطاركة والأساقفة والرهبان بغير مصر والإسكندرية كرومية وأنطاكية وغيرهما من البلاد فإنهم امتنعوا من أكل اللحم وأكلوا بدلاً عنه السمك محنة لهم إذ كانت الثنوية لا تأكل اللحم ولا السمك إلا السماعين منهم فإن منهم من يأكل اللحم والسمك، ومنهم من يأكل السمك دون اللحم.
قال المسعودي: ولثماني سنين خلت من ملكه ظهر الفتية أصحاب الكهف الذي كانوا قد هربوا من داقيوس الملك على ما قدمنا في أخبار الطبقة الأولى من ملوك الروم في هذا الكتاب وقد ذكرنا في كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف أخبارهم وما قيل فيهم والتنازع في موضعهم أهو الموضع الذي بمدينة أفسيس وراء مدينة زمرني على البحر الرومي، أم الهوته التي تسمي خارمي مما يلي قرة بأرض الروم؛ أم غيرهما من المواضع التي يشار إليها بذلك؟ وخبر تدوس الملك والسبب في إفضاء الملك إليه وما كان من خبره قبل ذلك وبعده.
التاسع أرقاذيوس بن تدوس ملك ثلاث عشرة سنة.
العاشر تدوس الصغير بن تدوس الكبير ملك اثنتين وأربعين سنة ولإحدى وعشرين سنة خلت من ملكه كان السنهودس الثالث بمدينة أفسيس على بطريرك القسطنطينية نسطورس وكان على كرسيها أربع سنين حضر هذا المجمع مائتا أسقف، وكان المقدم فيه قورللس بطريرك الإسكندرية، وكلسطوس بطريرك رومية، وبولانيوس بطريرك إيليا فلعنوا نسطورس وتبرءوا منه ونفوه فسار إلى صعيد مصر فأقام ببلاد أخميم والبلينا ومات بقرية يقال لها سيفلح وموضعه معروف في هذا الوقت المؤرخ به كتابنا، وأضافت الملكية العباد من النصارى وهم المشارقة إليه تقريعاً لهم بذلك فسموا النسطورية وكانت رئاسة البطركة للمشارقة في ذلك الوقت بالمدائن من أرض العراق لداديشوع بعد بلادها في ملك فارس.
قال المسعودي: فذكرت العباد أن تيادوس الملك كان كتب إلى يوحنا بطريرك أنطاكية وأساقفته أن يسيروا إلى المدينة أفسيس، لينظروا فيما بين نسطورس وقورللس بطريرك الإسكندرية من الخلاف فاجتمع نسطورس وأصحابه وقورللس وأصحابه بها فانتدب قورللس فحرم نسطورس قبل موافاة يوحنا صاحب أنطاكية الذي جعله الملك حكماً بينهما فلما رأى نسطورس أن قورللس يجري إلى الحيلة والمغالبة والعدول عن الحق اعتزل وقال الديانة لا تكون بالمجاذبات والحيل وطب الرئاسات وإن يوحنا بطريرك أنطاكية لما وافى فوقف على فعل قورللس أنكره عليه وحرمه وأنكر ذلك عليه عند قراءته مقالة نسطورس ومقالة قورللس وصحح مقالة نسطورس وأمانته ورد مقالة قورللس وذكر أنها مخالفة للحق لا يجوز لأحد أن يقول بها و لا يتقلدها وأن يوحنا عاد إلى أنطاكية وكتب إلى بطريرك المشرق بما جرى وتوجه الحيلة على نسطورس من صاحب الإسكندرية ببذل الأموال لبطانة الملك حتى حل الحرم عنه وبقي حرم نسطورس، فكان هذا أحد أسباب الخلاف بين أهل المشرق من النصارى وأهل المغرب وداعية إلى ما كان بينهم من العداوة والقتال وسفك الدماء، والعباد تذكر أن أول البطاركة السريانيين الذي نزلوا كرسي المشرق على قديم الأيام بعد صعود المسيح إلى السماء بنحو ثلاثين سنة بعد توما أحد الاثني عشر أدى السليح قبل حدوث الخلاف بين النصارى وهو أدى برماري السليح من السبعين وهو نصر أهل المدائن ودير قنى وكسكر وغيرهما من السواد وبنى بيعتين إحداهما بالمدائن دار مملكة فارس يومئذ وجعلها كرسياً لمن يأتي بعده من البطاركة ورسم ألا تتم البطركة لمن نصب لها إلا في هذه البيعة، وأخرى بدير قنى وقبره بها، وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا خبر المشارقة من النصارى مع سابور ملك فارس حين أخذهم بالتمجس وامتناعهم من ذلك وقتله منهم نحواً من مائتي ألف وغير ذلك من أخبارهم، وذكر الملكية أن مقالة نسطورس كانت درست فأحياها برسوما مطران نصيبين ودعا إليها المشارقة من النصارى فدانوا بها.
قال المسعودي: وفي هذا المجمع خالفت النسطورية الملكية وافترقوا عنهم، فمن المجمع الثاني المائة والخمسين الأسقف الذين اجتمعوا بمدينة القسطنطينية ولعنوا مقذونس إلى هذا المجمع المائتي أسقف الذين اجتمعوا بمدينة أفسيس إحدى وخمسون سنة، وكان في أيام تدوس هذا عند النصارى حوادث في الدين والملك منها نفيه يوحنا المعروف بفم الذهب بطريرك القسطنطينية بحكومة حكمها في كرم فكرهت ذلك زوجة الملك يدوقية، وغير ذلك.
الحادي عشر مرقيان، ملك ست سنين وفي أول سنة من ملكه كان السنهودس الرابع بمدينة خلقيذون على ديسقرس بطريرك القسطنطينية وأوطيسوس اجتمع فيها ستمائة وثلاثون أسقفاً فمن المجمع الثالث المائتي أسقف الذين اجتمعوا بمدينة أفسيس إلى هذا المجمع إحدى وعشرون سنة في هذا المجمع خالفت اليعقوبية سائر النصارى وفارقوهم، وقد ذكرنا في كتاب أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والأمم الداثرة في أخبار ملوك الروم وطبقاتهم وسيرهم خبر يعقوب البرذعاني الأنطاكي، وقيل الحراني تلميذ سورس، وكيف أضيظ أهل مقالة ديسقرس إلى اليعاقبة، ونسبوا إلى يعقوب، وما كان من سواري. وقد ذكرنا في أخبار ملوك الروم المتنصرة من كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف عند ذكرنا مرقيان هذا والسنهودس الذي كان في أيامه ما اتفقت عليه الملكية والنسطورية واليعقوبية وما اختلفت فيه من الكلام في الأقانيم والجوهر وغير ذلك، وما احتج به كل فريق منهم لذلك على الشرح، وقول من خالف هؤلاء من فرق النصارى الأريوسية والمارونية والبيالقة وهو المذهب الذي أحدثنه بولس الشمشاطي، وهو أول بطاركة أنطاكية وأصحاب الكراسي بها متوسطاً بين مذاهب النصارى والمجوس وأصحاب الاثنين من تعظيم سائر الأنوار وعبادتها على مراتبها وغير ذلك، وإنما نذكر في هذا الكتاب لمعاً وجوامع منبهين بذلك على ما تقدم من كتبنا وسبق من تصنيفنا، ولليعاقبة كرسيان لا ثالث لهما؛ أحدهما بأنطاكية، والآخر بمصر، والغالب على نصارى مصر من الأقباط وغيرها بفسطاطها وسائر كورها وما يليها من أرض النوبة والأحابش رأى اليعقوبية وبها منهم ما لا يحيط به الإحصاء كثرة ومقام بطركتهم بدير يعرف بأبي مقار بناحية الإسكندرية والملكية والنسطورية بمصر قليلون جداً، وما عدا هذين البلدين فإنما لليعقوبية مطارنة وأساقفة الثاني عشر لاوون الكبير، ملك ست عشرة سنة.
الثالث عشر لاوون الصغير، ملك سنة وكان يعقوبي المذهب وأراد حمل أهل مملكته على ذلك فهلك ولم يبلغ ما أراده وقيل إنه اغتيل بالسم.
الرابع عشر زينون، ملك سبع عشرة سنة وكان يعقوبي المذهب وزهد في الملك وجعله إلى ولده فهلك ولده فعاد إلى الملك.
الخامس عشر أنسطس، ملك سبعاً وعشرين سنة وكان يعقوبي المذهب.
السادس عشر يوسطين، ملك تسع سنين وتتبع اليعقوبية بالقتل والنفي.
السابع عشر يوسطانوس، ملك تسعاً وعشرين سنة، وفي ملكه كان السنهودس الخامس بمدينة القسطنطينية فحرموا أريجانس أسقف منبج لقوله بتناسخ الأرواح في أجسام الحيوان وتبديل الأسماء وتغير الأجسام، وأن الله عز وجل لا يفعل ذلك بخلقه إلا باستحقاق لما ارتكبوه من الأجرام وأنه لا يجلب بعذابهم منفعة ولا يدفع عن ذاته مضرة إذ كان غنياً عن جميع ذلك وغير ذلك من الكلام في إيلام الحيوان والتعديل والتحرير، وأيبا أسقف الرهاء وتدوس أسقف المصيصة وتوزروطس أسقف أنقرة لأقاويل أظهروها، حضر هذا المجمع أصحاب الكراسي الأربعة وأساقفتهم وهم مائة وأربعة وستون أسقفاً ولم يحضر بطريرك إيليا وحضر أصحابه فكان من المجمع الرابع الستمائة والثلاثين الذين اجتمعوا بخلقيذون إلى هذا المجمع مائة وست وثلاثون سنة وقد ذكرنا في كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف ما كان في أيام هذا الملك من أمر اليعاقبة والملكية ببلاد مصر والإسكندرية وأمر اليهود بإيليا وجبل يهودا وجبل الجليل وقتلهم النصارى، وما بنى هذا الملك من الكنائس والديارات وبطور سينا على الناطس والعليقة وهو الموضع الذي أنزلت فيه التوراة على موسى بن عمران عليه السلام وغير ذلك من أحواله.
الثامن عشر يوسطينوس، ملك ثلاث عشرة سنة، وكان في أيامه أوشروان الملك.
التاسع عشر طيباريوس، ملك ثلاث سنين وثمانية أشهر، وكان بينه وبين أنوشروان مراسلات ومهاداة.
العشرون موريق، ملك عشرين سنة واربعة أشهر وظهر في أيامه رجل من أهل مدينة حماة من أعمال حمص يعرف بمارون إليه تنسب المارونية من النصارى إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا، وأمرهم مشهور بالشأم وغيرها، أكثرهم بجبل لبنان وسنير وحمص وأعمالها كحماة وشيزر ومعرة النعمان.
وكان له دير عظيم يعرف به شرقي حمة وشيزر ذو بنيان عظيم حوله أكثر من ثلاثمائة صومعة فيها الرهبان، وكان فيه من آلات الذهب والفضة والجوهر شيء عظيم فخرب هذا الدير وما حوله من الصوامع بتواتر الفتن من الأعراب وحيف السلطان وهو يقرب من نهر الأرنط؛ نهر حمص وأنطاكية.
وكان مارون قد أحدث آراء بان بها عمن تقدمه من النصارى في المشيئة وغيرها وكثر متبعوه، وقد أتينا على شرح مذهبه وموافقته الملكية والنسطورية واليعاقبة في الثالوث ومخالفته إياهم فيما يذهب إليه من أن المسيح جوهر أن أقنوم واحد مشيئة واحدة وهذا القول متوسط بين قول النسطورية والملكية وغير ذلك في كتابنا في المقالات في أصول الديانات، ولبعض متبعيه من المارونية ويعرف بقيس الماروني كتاب حسن في التاريخ وابتداء الخليقة والأنبياء والكتب والمدن والأمم وملوك الروم وغيرهم وأخبارهم، انتهى بتصنيفه إلى خلافة المكتفي ولم أر للمارونية في هذا المعنى كتاباً مؤلفاً غيره.
وقد ألف جماعة من الملكية والنسطورية واليعقوبية كتباً كثيرة ممن سلف وخلف منهم.
وأحسن كتاب رأيته للملكية في تاريخ الملوك والأنبياء والأمم والبلدان وغير ذلك كتاب محبوب بن قسطنطين المبجي، وكتاب سعيد بن البطريق المعروف بابن الفراش المصري بطريرك كرسي مارقس بالإسكندرية، وقد شاهدناه بفسطاط مصر، انتهى بتصنيفه إلى خلافة الراضي. وكتاب أثنايوس الراهب المصري رتب فيه ملوك الروم وغيرهم من الأمم وسيرهم وأخبارهم من آدم إلى قسطنطين بن هيلاني، ورأيت لأهل المشرق من العباد كتاباً ليعقوب بن زكرياء الكسكري الكاتب وقد شاهدناه بأرض العراق والشأم يشتمل على أنواع من العلوم في هذه المعاني، يزيد على غيره من كتب النصارى، وكتاباً لليعاقبة في ذكر ملوك الروم واليونانيين وفلاسفتهم وسيرهم وأخبارهم ألفه أبو زكرياء دنخا النصراني وكان متفلسفاً جدلاً نظاراً جرت بيني وبينه مناظرات كثيرة ببغداد في الجانب الغربي بقطيعة أم جعفر وبمدينة تكريت في الكنيسة المعروفة بالخضراء في الثالوث وغيره وقد أتينا على ذكرها في كتاب المسائل والعلل، في المذاهب والملل وفي كتاب سر الحياة وذلك في سنة 313.
الحادي والعشرون فوقاس، ملك ثماني سنين وأربعة أشهر، ولما ملك تتبع ولد موريقيس حمو أبرويز وحاشيته بالقتل، فلما بلغ ذلك أبرويز أحفظه وسير الجنود إلى بلاد الشأم ومصر فاحتوى عليها وقتلوا من النصارى خلقاً كثيراً وخربوا الكنائس بإيليا وغيرها وتوجه شهربراز في جيوش كثيرة كثيفة نحو القسطنطينية فخيموا على الخليج بإزائهم واشتد حصارهم إياها، وكان هرقل ابن فوق بن مرقس يختلف من مدينة صلونيقي وهو من أهلها إلى القسطنطينية بالزاد في البحر وهم محاصرون فبانت شهامته، وظهرت شجاعته، وأحبه أهل القسطنطينية فخلا بالبطارقة وذوي المراتب فأغراهم بفوقاس، وذكر لهم ما نزل بهم في أيامه وذكرهم بسوء آثاره فيهم وغلبة الفرس على ملكهم بسوء تدبيره وقبح سياسته وإقدامه على الدماء، ودعاهم إلى الفتك به فأجابوه إلى ذلك فقتلوه.