فصل: (سورة الأعراف: آية 10)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:
سورة الأعراف مكية، غير ثمان آيات: {واسئلهم عن القرية}، إلى: {وإذ نتقنا الجبل} وهي مائتان وست آيات نزلت بعد ص.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الأعراف: الآيات 1- 2]

{المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
{كِتابٌ} خبر مبتدأ محذوف، أي هو كتاب. و{أُنْزِلَ إِلَيْكَ} صفة له. والمراد بالكتاب السورة {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} أي شك منه، كقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ}.
وسمى الشك حرجًا، لأن الشاك ضيق الصدر حرجه، كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحه. أي لا تشك في أنه منزل من اللّه، ولا تحرج من تبليغه لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم عنه وأذاهم، فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له فأمّته اللّه ونهاه عن المبالاة بهم. فإن قلت: بم تعلق قوله لِتُنْذِرَ؟ قلت: بأنزل، أي أنزل إليك لإنذارك به أو بالنهى، لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذلك إذا أيقن أنه من عند اللّه شجعه اليقين على الإنذار، لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه، متكل على عصمته. فإن قلت: فما محل ذكرى؟ قلت: يحتمل الحركات الثلاث. والنصب بإضمار فعلها. كأنه قيل: لتنذر به وتذكر تذكيرا لأن الذكرى اسم بمعنى التذكير، والرفع عطفًا على {كتاب}، أو بأنه خبر مبتدإ محذوف. والجر للعطف على محل أن تنذر، أي للإنذار وللذكر. فإن قلت: النهى في قوله: {فَلا يَكُنْ} متوجه إلى الحرج فما وجهه؟ قلت: هو من قولهم: لا أرينك هاهنا.

.[سورة الأعراف: آية 3]

{اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3)}
{اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} من القرآن والسنة {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ} من دون اللّه {أَوْلِياءَ} أي ولا تتولوا من دونه من شياطين الجن والإنس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلوكم عن دين اللّه وما أنزل إليكم، وأمركم باتباعه. وعن الحسن: يا ابن آدم، أمرت باتباع كتاب اللّه وسنة محمد صلى اللّه عليه وسلم. واللّه ما نزلت آية إلا وهو يحب أن تعلم فيم نزلت وما معناها. وقرأ مالك بن دينار: {ولا تبتغوا} من الابتغاء {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا}. ويجوز أن يكون الضمير في {مِنْ دُونِهِ} لـ: {ما أنزل}، على: {ولا تتبعوا} من دون دين اللّه دين {أولياء قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ} حيث تتركون دين اللّه وتتبعون غيره. وقرى: {تذكرون}، بحذف التاء. و{يتذكرون}، بالياء. و{قَلِيلًا}: نصب {يتذكرون}، أي تذكرون تذكرا قليلا. وما مزيدة لتوكيد القلة.

.[سورة الأعراف: آية 4]

{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4)}
{فَجاءَها} فجاء أهلها {بَياتًا} مصدر واقع موقع الحال، بمعنى بائتين. يقال: بات بياتًا حسنًا، وبيتة حسنة. وقوله: {هُمْ قائِلُونَ} حال معطوفة على {بياتا}، كأنه قيل: فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين. فإن قلت: هل يقدر حذف المضاف الذي هو الأهل قبل {قَرْيَةٍ} أو قبل الضمير في {أَهْلَكْناها}؟ قلت: إنما يقدّر المضاف للحاجة ولا حاجة، فإنّ القرية تهلك كما يهلك أهلها. وإنما قدّرناه قبل الضمير في فَجاءَها لقوله: {أَوْ هُمْ قائِلُونَ} فإن قلت: لا يقال: جاءني زيد هو فارس، بغير واو، فما بال قوله: {هُمْ قائِلُونَ}؟ قلت: قدّر بعض النحويين الواو محذوفة، ورده الزجاج وقال: لو قلت جاءني زيد راجلا، أو هو فارس. أو جاءني زيد هو فارس، لم يحتج فيه إلى واو، لأن الذكر قد عاد إلى الأول. والصحيح أنها إذا عطفت على حال قبلها حذفت الواو استثقالا. لاجتماع حرفى عطف، لأنّ واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل، فقولك: جاءني زيد راجلا أو هو فارس، كلام فصيح وارد على حدّه.
وأمّا جاءني زيد هو فارس، فخبيث. فإن قلت: فما معنى قوله: {أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا} والإهلاك إنما هو بعد مجيء البأس؟ قلت: معناه أردنا إهلاكها كقوله: {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} وإنما خصّ هذان الوقتان وقت البيات ووقت القيلولة، لأنهما وقت الغفلة والدعة، فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع، وقوم لوط أهلكوا بالليل وقت السحر، وقوم شعيب وقت القيلولة.

.[سورة الأعراف: آية 5]

{فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (5)}
{فَما كانَ دَعْواهُمْ} ما كانوا يدعونه من دينهم وينتحلونه من مذهبهم إلا اعترافهم ببطلانه وفساده. وقولهم {إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} فيما كنا عليه. ويجوز: فما كان استغاثتهم إلا قولهم هذا، لأنه لا مستغاث من اللّه بغيره، ومن قولهم دعواهم: يا لكعب. ويجوز، فما كان دعواهم ربهم إلا اعترافهم لعلمهم أن الدعاء لا ينفعهم، وأن لات حين دعاء، فلا يزيدون على ذمّ أنفسهم وتحسرهم على ما كان منهم، {دَعْواهُمْ} نصب خبر لكان، و{أَنْ قالُوا} رفع اسم له، ويجوز العكس.

.[سورة الأعراف: الآيات 6- 7]

{فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7)}
{فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} أُرْسِلَ مسند إلى الجار والمجرور وهو {إِلَيْهِمْ} ومعناه:
فلنسألنّ المرسل إليهم وهم الأمم، يسألهم عما أجابوا عنه رسلهم، كما قال: {وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} ويسأل المرسلين عما أجيبوا به، كما قال: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ}، {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ} على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم {بِعِلْمٍ} عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة وأقوالهم وأفعالهم {وَما كُنَّا غائِبِينَ} عنهم وعما وجد منهم، فإن قلت: فإذا كان عالمًا بذلك وكان يقصه عليهم، فما معنى سؤالهم؟ قلت معناه التوبيخ والتقريع والتقرير إذا فاهوا به بألسنتهم وشهد عليهم أنبياؤهم.

.[سورة الأعراف: الآيات 8- 9]

{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (9)}
{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} يعنى وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها. ورفعه على الابتداء. وخبره {يَوْمَئِذٍ}. و{الْحَقُّ} صفته أي: والوزن يوم يسأل اللّه الأمم ورسلهم الوزن الحق، أي العدل. وقرئ: {القسط}. واختلف في كيفية الوزن فقيل: توزن صحف الأعمال بميزان له لسان وكفتان، تنظر إليه الخلائق، تأكيدًا للحجة، وإظهارًا للنصفة، وقطعًا للمعارة، كما يسألهم عن أعمالهم فيعترفون بها بألسنتهم، وتشهد بها عليهم أيديهم وأرجلهم وجلودهم، وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والأشهاد، وكما تثبت في صحائفهم فيقرءونها في موقف الحساب. وقيل: هي عبارة عن القضاء السوىّ والحكم العادل {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ} جمع ميزان أو موزون، أي فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها وزن وقدر وهي الحسنات. أو ما توزن به حسناتهم. وعن الحسن: وحقّ لميزان توضع فيه الحسنات أن يثقل. وحق لميزان توضع فيه السيئات أن يخف. {بِآياتِنا يَظْلِمُونَ} يكذبون بها ظلمًا: كقوله: {فَظَلَمُوا بِها}.

.[سورة الأعراف: آية 10]

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (10)}
{مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ} جعلنا لكم فيها مكانًا وقرارًا. أو ملكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها {وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ} جمع معيشة وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرها. وما يتوصل به إلى ذلك. والوجه تصريح الياء. وعن ابن عامر: أنه همز، على التشبيه بصحائف.

.[سورة الأعراف: آية 11]

{وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}
{وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ} يعنى خلقنا أباكم آدم طينًا غير مصوّر، ثم صورناه بعد ذلك. ألا ترى إلى قوله: {ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} الآية {مِنَ السَّاجِدِين}، ممن سجد لآدم.

.[سورة الأعراف: آية 12]

{قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)}
{أَلَّا تَسْجُدَ} لا في {أَلَّا تَسْجُدَ} صلة بدليل قوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}. ومثلها {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ} بمعنى ليعلم: فإن قلت: ما فائدة زيادتها؟ قلت: توكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه وتحقيقه كأنه قيل: ليتحقق علم أهل الكتاب. وما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك؟ {إِذْ أَمَرْتُكَ} لان أمرى لك بالسجود أوجبه عليك إيجابًا وأحتمه عليك حتما لابد لك منه فإن قلت: لم سأله عن المانع من السجود، وقد علم ما منعه؟ قلت: للتوبيخ، ولإظهار معاندته وكفره وكبره وافتخاره بأصله وازدرائه بأصل آدم، وأنه خالف أمر ربه معتقدًا أنه غير واجب عليه، لما رأى أنّ سجود الفاضل للمفضول خارج من الصواب. فإن قلت: كيف يكون قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} جوابًا لما منعك، وإنما الجواب أن يقول: منعني كذا؟ قلت: قد استأنف قصة أخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم، وبعلة فضله عليه، وهو أنّ أصله من نار وأصل آدم من طين، فعلم منه الجواب وزيادة عليه، وهي إنكار للأمر واستبعاد أن يكون مثله مأمورًا بالسجود لمثله، كأنه يقول: من كان على هذه الصفة كان مستبعدًا أن يؤمر بما أُمر به.

.[سورة الأعراف: آية 13]

{قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)}
{فَاهْبِطْ مِنْها} من السماء التي هي مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة، إلى الأرض التي هي مقرّ العاصين المتكبرين من الثقلين {فَما يَكُونُ لَكَ} فما يصح لك {أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها} وتعصى {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} من أهل الصغار والهوان على اللّه وعلى أوليائه لتكبرك، كما تقول للرجل: قم صاغرًا، إذا أهنته. وفي ضدّه: قم راشدًا. وذلك أنه لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار. وعن عمر رضي الله عنه: من تواضع للّه رفع اللّه حكمته وقال: انتعش أنعشك اللّه. ومن تكبر وعدا طوره وهصه اللّه إلى الأرض.

.[سورة الأعراف: الآيات 14- 15]

{قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)}
فإن قلت: لم أجيب إلى استنظاره، وإنما استنظر ليفسد عباده ويغويهم قلت: لما في ذلك من ابتلاء العباد، وفي مخالفته من أعظم الثواب، وحكمه حكم ما خلق في الدنيا من صنوف الزخارف وأنواع الملاذ والملاهي، وما ركب في الأنفس من الشهوات ليمتحن بها عباده.