الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)
.الشَّرْطُ الْخَامِسُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ: .الطَّرَفُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَقْبَلُ إِلَيْهِ وَهُوَ الْكَعْبَة: فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: فِي الْجَوَاهِرِ لَوِ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ قَرِيبُ الْبَيْتِ فَالْخَارِجُ عَنْ سَمْتِ الْبَيْتِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَمِثْلُ هَذَا الصَّفِّ فِي الْآفَاق تصح وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي بَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ لِسَمْتٍ وَاحِدٍ تَصِحُّ إِجْمَاعًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ الِاسْتِقْبَالَ الْعَادِيَّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ فَلَوِ اسْتَقْبَلَ صَفٌّ طَوِيلٌ حَيَوَانًا بَعِيدًا فِي بَرِّيَّةٍ صَدَقَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُبَالَتُهُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَلَوْ قَرُبَ مِنْهُمْ بَطَلَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْكَعْبَةُ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا فَالصَّفُّ الْبَعِيدُ مِنْهَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ مُسْتَقْبِلًا لَهَا بِخِلَافِ الْقَرِيبِ. الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْخَلَائِقَ يَسْتَقْبِلُونَ الْكَعْبَةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ كَاسْتِقْبَالِ أَجْزَاءِ مُحِيطِ الدَّائِرَةِ لِمَرْكَزِهَا فَإِذَا تَخَيَّلْنَا الْكَعْبَةَ مَرْكَزًا فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ خُطُوطٌ مُجْتَمِعَةُ الْأَطْرَافِ فِي الْمَرْكَزِ وَكُلَّمَا بَعُدَتِ اتَّسَعَتْ مِثْلُ قَصَبَتَيْ شَبَكَةِ الصَّيَّادِينَ فَمِنَ الْمَعْلُومِ حِينَئِذٍ أَنَّ كُلَّمَا بَعُدَ خَطَّانِ مِنْ هَذِهِ الْخُطُوطِ وَسِعَ طَرَفَاهُمَا أَكْثَرُ مِمَّا إِذا قربا فَلذَلِك كَانَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ فِي الْبُعْدِ مُسْتَقْبِلًا وَفِي الْقُرْبِ لَيْسَ مُسْتَقْبِلًا. الثَّانِي: فِي الْجَوَاهِرِ الْوَاقِفُ بِمَكَّةَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَسْتَقْبِلُ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ اسْتَدَلَّ فَإِنْ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِمَشَقَّةٍ فَلِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ تَرَدُّدٌ. الثَّالِثُ: الْوَاقِفُ بِالْمَدِينَةِ يَتَنَزَّلُ مِحْرَابُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَقِّهِ مَنْزِلَةَ الْكَعْبَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ بالتيامن والتياسر لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِالْوَحْيِ وَمُبَاشَرَةِ الْمَعْصُومِينَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَهِيَ مَعْصُومَةٌ أَيْضًا فَيَقْطَعُ بِصِحَّتِهِ وَخَطَأِ مُخَالِفِهِ فَلَا مَعْنَى لِلِاجْتِهَادِ. .الطَّرَفُ الثَّانِي الَّذِي يَسْتَقْبِلُ فِيهِ: فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ لَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَرْجُوهُ صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ رَاجِيًا صَلَّى آخِرَ الْوَقْت وَإِن شكّ فوسط الْوَقْت. الثَّانِي: قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ خَافَ السِّبَاعَ أَوْ غَيْرَهَا صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ إِيمَاءً حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ فَإِنْ أَمِنَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ ركبانا} وَفِي التِّرْمِذِيّ أَنهم كَانُوا مَعَه عَلَيْهِم السَّلَامُ فِي مَسِيرَةٍ فَانْتَهَوْا إِلَى مَضِيقٍ فَمُطِرُوا وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَذَّنَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَقَامَ أَوْ أُقِيمَ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُونَ إِيمَاءَ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَوْلُهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَوَجَّهَ بِهَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالْمُسَايَفَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْعذر هَهُنَا قَدْ يَكُونُ مَوْهُومًا وَالْمُسَايَفَةُ مُحَقَّقَةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْجُلَّابِ إِذَا كَانَ عُذْرُهُ مُشْكَلًا غَيْرَ مُحَقَّقٍ أَعَادَ الثَّانِي فَضِيلَةُ الْجِهَادِ وَسَوَّى الْغَيْرُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَوْ خَافَ مِنَ السِّبَاعِ أَوِ اللُّصُوصِ وَهُوَ مَاشٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي إِيمَاءً كَالْمُسَايَفَةِ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا وَخَافَ مِنْ عَدُوِّهِ قَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يُصَلِّي جَالِسًا وَيَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَيُومِئُ. الثَّالِثُ: قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ غَشِيَهُ السَّيْلُ فِي وَادٍ لَا مَفَرَّ لَهُ إِلَّا بطول وَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفُ صَلَّى فِي غدوه وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ خَوْفُ الْحَيَّاتِ وَقَالَ الْمُزَنِيُّ الْحَيَّاتُ عذر نَادِر والنَّادِرٌ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَةِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَهِيَ تَعَارُضُ الْمَقَاصِدِ وَالْوَسَائِلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَقَاصِدِ لِكَوْنِهَا أَهَمَّ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَالْأَرْكَانُ مَقَاصِدُ وَالِاسْتِقْبَالُ شَرْطٌ وَوَسِيلَةٌ فَلَا تُتْرَكُ الْمَقَاصِدُ لِأَجْلِ تَعَذُّرِهِ. الرَّابِعُ: قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلِّي عل دَابَّته التَّطَوُّع إِلَّا فِي سفر تقصر فِيهِ الصَّلَاة قَالَ صَاحب الطّراز إِن كَانَ مُسْتَقْبل الْقِبْلَةَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ عَلَى رَأْيِ مَنْ جَوَّزَ الْإِيمَاءَ لِلْمُتَنَفِّلِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْبِلًا فَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ الْفَرْسَخَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدٍ فِي حَاجَة رَاكِبًا أَو مَاشِيا الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَجَوَّزَ فِي الْكِتَابِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْوِتْرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ خِلَافًا لِ (ح) فِي الْوِتْرِ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَيُرْسِلُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة والتنفل على الدَّابَّة من حَيْثُ الْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَاشِي فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ حُجَّتُنَا عَمَلُ السَّلَفِ وَلَيْسَ لِلْمُخَالِفِ مُدْرَكٌ إِلَّا الْقِيَاسُ عَلَى الرَّاكِبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّاكِبَ بِمَنْزِلَةِ الْجَالِسِ الْمُتَنَفِّلِ وَحَرَكَةُ الْمَاشِي تُنَافِي هَيْئَةَ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْقِبْلَةِ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَتْ دَابَّتُهُ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ وَاقِفَةً افْتَتَحَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِذَا كَانَتْ وَاقِفَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا إِلَى الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقُوا فِي الْمَقْطُورَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُفْرَدَةِ الَّتِي لَا تَصْعُبُ إِدَارَتُهَا فَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَلْزَمُهُ إِدَارَتُهَا وَيُحْرِمُ إِلَى الْقِبْلَةِ كَالْمَاشِي عِنْدَهُمْ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ لُزُومَ ذَلِكَ حُجَّتُهُمْ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذَا سَافَرَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجه ركابه وَإِذا أحرم إِلَى جِهَة مسيره فَلَا يَنْحَرِفُ بِوَجْهِهِ إِلَى غَيْرِهَا قَالَ مَالِكٌ إِذَا مَالَ مَحْمَلَهُ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى دُبُرِ الْبَعِيرِ لَمْ أُحِبَّهُ وَلْيُصَلِّ إِلَى سَيْرِ الْبَعِيرِ وَلَوْ صلى فِي الْمحمل مشرقا أَو مغربا لَا يَنْحَرِفُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَلْيُصَلِّ قِبَلَ وَجْهِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَعَلَى هَذَا إِذا انحرف بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا سَهْوٍ فَإِن كَانَت الْقبْلَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِنَّهَا الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرُهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَمَّا إِذَا ظَنَّ أَنَّ تِلْكَ طَرِيقُهُ أَوْ غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَلَوْ وَصَلَ مَنْزِلًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ نَزَلَ وَأَتَمَّ بِالْأَرْضِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَّا قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْإِيمَاءَ فِي النَّافِلَةِ لِلصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ عَلَى دَابَّتِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزِلَ إِقَامَةٍ خَفَّفَ قِرَاءَتَهُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ يَسِيرُ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ مَسْكِ الْعِنَانِ وَالضَّرْبِ بِالسَّوْطِ وَتَحْرِيكِ الرِّجْلِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَى قَرْبُوسِ سِرْجِهِ وَلَكِنْ يُومِئُ قَالَ فِي الْكتاب قيام الْمصلى فِي الْمحمل مُتَرَبِّعًا وَإِذَا رَكَعَ رَكَعَ مُتَرَبِّعًا وَوَضَعَ يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ فَإِذا رفع رَأسه من رُكُوعه رَفَعَ يَدَيْهِ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَإِذَا أَهْوَى إِلَى السَّجْدَة بَين رجلَيْهِ وَسجد إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ فَيُومِئَ متربعا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّة إِذا أعيا فِي تَرَبُّعِهِ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ فِي قِبْلَتِهِ قَائِمًا رَاكِعًا وَسَاجِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أَجَزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُون لَا يجْزِيه لدُخُوله على الْغَرَرِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ. تَمْهِيدٌ: أَقَامَ الشَّرْعُ جِهَةَ السَّفَرِ بَدَلًا مِنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ مَقَاصِدِ الصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا وَلَوْ مَنَعَ الشَّرْعُ التَّنَفُّل فِي الْأَسْفَار لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَامْتَنَعَ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنَ التَّنَفُّلِ فِي السَّفَرِ وَلَامْتَنَعَ الْأَبْرَارُ مِنَ الْأَسْفَارِ حِرْصًا عَلَى النَّوَافِلِ وَكَذَلِكَ لَا تُتْرَكُ مَقَاصِدُ الصَّلَاةِ مِنَ الْأَرْكَانِ لِتَعَذُّرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ تَقْدِيمُ الْمَقَاصِدِ عَلَى الْوَسَائِلِ. .الطَّرَفُ الثَّالِثُ الْمُسْتَقْبِلُ: تَنْبِيهٌ: إِذَا قُلْنَا إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُمكن القَوْل بِهِ هَهُنَا لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَفِيهَا الْعَامُّ وَالْمُخَصَّصُ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ فَقَدْ يَطَّلِعُ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الْعَامِّ دُونَ الْمُخَصَّصِ وَيَطَّلِعُ الْآخَرُ عَلَى الْمُخَصَّصِ فَيَخْتَلِفَانِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَقْسَامِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا فَمَنْ عَلِمَ جُمْلَتَهَا كَمَنْ عَلِمَ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهَا إِلَّا بَيْنَ جَاهِلٍ وَعَالِمٍ وَلَا يَقَعُ بَيْنَ عَالِمَيْنِ أَبَدًا لِأَنَّهَا أُمُورٌ مَحْسُوسَةٌ فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ لَيْسَ إِلَّا الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ أَرْبَابَ الْمَذَاهِبِ يَنْقُلُونَ الْخِلَافَ فِي الْوَاجِبِ فِي الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ عَنْهَا هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوِ الْجِهَةُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمُعَايِنَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْعَيْنُ بِلَا خلاف هَهُنَا وَالْغَائِبُ عَنْهَا إِمَّا وَاحِدٌ وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ جِهَةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ عَيْنَ الْكَعْبَةِ وَرَاءَهَا إِمَّا بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِالتَّقْلِيدِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَة وَلِأَن اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَهُ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ مَعَ الْغَيْبَةِ فَلَا خلاف هَهُنَا أَيْضا وَأما الْكثير فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الْمَدِينَتَيْنِ الْمُتَقَارِبَتَيْنِ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَعْبَة لَا يَكْفِي طولهَا بذلك وَأَنْ بَعْضَهُمْ خَارِجٌ عَنْهَا بِالضَّرُورَةِ وَالصَّفُّ الطَّوِيلُ بِمَنْزِلَة المدينتين وَقد انْعَقَد الْإِجْمَاع هَهُنَا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْجِهَةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ صَلَاةَ بَعْضِهِمْ بَاطِلَةٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ إِذْ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ فَيَبْقَى مَحَلُّ الْخِلَافِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَقَاصِدُ وَوَسَائِلُ فَالْمَقَاصِدُ كَالْحَجِّ وَالسَّفَرُ إِلَيْهِ وَسِيلَةٌ وَإِعْزَازُ الدِّينِ وَنَصْرُ الْكَلِمَةِ مَقْصِدٌ وَالْجِهَادُ وَسِيلَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ فَتَحْرِيمُ الزِّنَا مَقْصِدٌ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَفْسَدَةِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَتَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَسِيلَةٌ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ مَقْصِدٌ مَنْدُوبٌ وَالْمَشْيُ إِلَيْهَا وَسِيلَةٌ وَرَطَانَةُ الْأَعَاجِمِ مَكْرُوهَةٌ وَمُخَالَطَتُهُمْ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ وَأَكْلُ الطَّيِّبَاتِ مَقْصِدٌ مُبَاحٌ وَالِاكْتِسَابُ لَهُ وَسِيلَةٌ مُبَاحَةٌ وَحُكْمُ كُلِّ وَسِيلَةٍ حُكْمُ مَقْصِدِهَا فِي اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ وَإِنْ كَانَتْ أَخْفَضَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالِاجْتِهَادُ قَدْ يَكُونُ فِي تَعْيِينِ الْمَقَاصِدِ كتميز الْأُخْت من الْأَجْنَبِيَّة وَقد تقع فِي الْوَسَائِلِ كَالِاجْتِهَادِ فِي أَوْصَافِ الْمِيَاهِ وَمَقَادِيرِهَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمِقْدَارَ وَالْمَقْصِدُ هُوَ الطَّهُورِيَّةُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ مَهْمَا تَبَيَّنَ عَدَمُ إِفْضَاءِ الْوَسِيلَةِ إِلَى الْمَقْصِدِ بِطَلَ اعْتِبَارُهَا كَمَا إِذَا تَيَقَّنَّا أَن المَاء الَّذِي اجتهدنا فِي أَوْصَافِهِ مَاءُ وَرْدٍ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ أُخْرَى فَعَيْنُ الْكَعْبَةِ مَعَ الْجِهَاتِ كَطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ مَعَ الْأَوْصَافِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوَاجِبِ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ فِي الْكَعْبَةِ هَلْ هُوَ الْعَيْنُ وَتَكُونُ الْجِهَاتُ وَسَائِلَ فَإِذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهَا بَطَلَتِ الصَّلَاةُ كَالْمِيَاهِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الأَصْل فَإِن الْمَقْصُود الَّذِي دلّ النَّص عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْبَيْتُ أَوِ الْوَاجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ هُوَ الْجِهَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْعَيْنِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا اسْتَحَالَ تَيَقُّنُهَا عَادَةً أَسْقَطَ الشَّرْعُ اعْتِبَارَهَا وَأَقَامَ مَظِنَّتَهَا الَّتِي هِيَ الْجِهَةُ مَقَامَهَا كَإِقَامَةِ السَّفَرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَإِقَامَةِ صِيَغِ الْعُقُودِ مَقَامَ الرِّضَا وَالرِّضَا هُوَ الأَصْل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طيب نَفسه مِنْهُ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ لِخَفَائِهِ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ وَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَوْلٌ وَلَا فعل لم ينتفل الْمِلْكُ فَكَذَلِكَ عَيْنُ الْكَعْبَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا لِخَفَائِهَا وَأُقِيمَتِ الْجِهَةُ مَقَامَهَا فَصَارَتْ هِيَ الْوَاجِبَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِد وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عندنَا وَمذهب أبي حنيفَة وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ وَسِيلَةِ الطَّهُورِيَّةِ وَوَسِيلَةِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ الْوُصُولَ إِلَى الطَّهُورِيَّةِ مُمْكِنٌ وَلَوْ فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ إِجْمَاعًا إِمَّا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَو وُجُوبَ الْوَسَائِلِ وَالْعَيْنُ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مُطلقًا لَا مقصد وَلَا وَسِيلَة وَيظْهر حِينَئِذٍ إِمْكَان الْخلاف فِي المسئلة وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ أَخْطَأَ فَإِنْ قُلْنَا الْجِهَةُ هِيَ الْمَقْصِدُ وَقَدْ حَصَلَتْ فَلَا إِعَادَةَ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا وَسِيلَةٌ وَالْوَسِيلَةُ إِذَا لَمْ تُفِضْ إِلَى الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَالْأَوْصَافِ مَعَ الْمِيَاهِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصِدِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ هِيَ أَنَّ جِهَةَ الْكَعْبَةِ تَكُونُ شَرْقًا فِي قطر وغربا فِي قطر وكل نقطة تفرض بَين الْمشرق وَالْمغْرب من جِهَةِ الشَّمَالِ أَوِ الْجَنُوبِ فَهِيَ جِهَةُ الْكَعْبَةِ لقوم وعَلى ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ نُقْطَةٍ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُ الْإِسْطِرْلَابِ وَلَا الطُّرُقِ الهندسية بل إِن حصلت فَهِيَ حسن لِأَنَّهَا مُؤَكدَة للحق لَا مبطلة لَهُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَام مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَذكره مَالك عَن عمر فِي الْمُوَطَّأِ خَاصًّا بِبَعْضِ الْأَقْطَارِ فَإِنَّ اتِّبَاعَ ظَاهِرِهِ يُوجِبُ كَوْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ قِبْلَةً لِكُلِّ أحد وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع وَبِأَن الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ لَيْسَا قِبْلَةً لِأَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَنَحْوِهِمَا فِي جِهَةِ الْجَنُوبِ وَعَلَى الْيَمَنِ وَنَحْوِهِ فِي جِهَة الشمَال فَإِن هَذِه الأقطار الْبَيْتُ مِنْهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُمْ فَلَا يُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ فَاشْتَرَطَ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَدِيثِ مُصَادَفَةَ جِهَةَ الْكَعْبَةِ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَا تستقبلوا الْقبْلَة لبول أَوْ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا مَحْمُولٌ عَلَى مَا حُمِلَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّشْرِيقَ وَالتَّغْرِيبَ قَدْ يَكُونُ جِهَةَ الْكَعْبَةِ فَيَنْعَكِسُ الحكم. فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ابْتَدَأَ الصَّلَاة مَنْ أَوَّلِهَا بِإِقَامَةٍ وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ صَاحب الطّراز وَيتَخَرَّج فِيهَا قَول باستدارة وَالتَّمَادِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ ذَكَرَ النَّجَاسَةَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُهَا وَيَتَمَادَى وَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ السُّتْرَةَ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ التَّوَجُّهَ مُتَّفَقٌ عَلَى شَرْطِيَّتِهِ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَالسُّتْرَةِ فَيَكُونُ آكَدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ظُهُورِ الْخَطَأِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَفِي أَثْنَائِهَا أَنَّ ظُهُورَهُ فِي أَثْنَائِهَا كَظُهُورِ الْخَطَأِ فِي الدَّلِيلِ قَبْلَ بَتِّ الْحُكْمَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ إِجْمَاعًا وَبَعْدَهَا كَظُهُورِ الْخَطَأِ بَعْدَ بَتِّ الْحُكْمِ وَتَنْفِيذِهِ فَلَا يُؤثر سُؤال قد استدارت الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لما أخبروا بتحول الْجِهَة من الْبَيْت الْمُقَدّس وَلم يبتدئوا جَوَابه أَنَّ الْمَاضِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ لَمْ يَكُنْ خَطَأً بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَالطَّارِئُ نَسَخَ فَبَنَوُا الصَّحِيحَ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ هَذَا الْمُصَلِّي. الثَّانِي: قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَبَيَّنَ الْخَطَأُ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي الْبَيَانِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لِسَحْنُونٍ يُعِيدُ مُطْلَقًا وَكَالْأَسِيرِ يجْتَهد فيصوم شعْبَان وَحكي التَّفْصِيل عَن الشَّافِعِي قَالَ وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْقَابِسِيِّ يُعِيدُ النَّاسِي أَبَدًا بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ قَالَ فَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ فَلَا خِلَافَ فِي إِعَادَتِهِ أَبَدًا وَلِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالْمُغِيرَةِ إِنْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ مُطْلَقًا حُجَّةٌ الْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وقَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فثم وَجه الله} خَصَّ مِنْهُ الْجِهَةَ الْمَعْلُومَةَ الْخَطَأِ فَتَكُونُ حُجَّةً فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى حَاله فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذكرنَا ذَلِك للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَنزل قَوْله {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى الرَّوَاحِلِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْجَمْعِ فِي الْإِرَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ أَمَّا مَنْ لَا تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ الْكَعْبَةُ وَإِنَّمَا سَهَا فَتَوَجَّهَ إِلَى غَيْرِهَا أَعَادَ أَبَدًا. الثَّالِثُ: قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ شَكَّ الْمُجْتَهِدُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ وَلَمْ تَتَعَيَّنْ لَهُ جِهَةٌ تَمَادَى لِأَنَّهُ دخل بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ. الرَّابِعُ: قَالَ لَوْ صَلَّى بِاجْتِهَاد وَحضر صَلَاةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتَانِ تَخْتَلِفُ فِيهِمَا الْأَدِلَّةُ اجْتَهَدَ ثَانِيًا وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْجَوَاهِرِ يُعِيدُ الِاجْتِهَادَ مُطْلَقًا. الْخَامِسُ: قَالَ إِذَا أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إِلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيُّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ قَالَ كَمَا لَوْ صَلَّى ظَانًّا أَنَّهُ مُحْدِثٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَطَهِّر. السَّادِسُ: قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَلِمَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُشَرِّقْ وَلَمْ يُغَرِّبِ اسْتَقَامَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ تَبْطُلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ إِلَى جِهَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ وَأَمَّا لَوِ اعْتَقَدَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ انْحَرَفَ انْحِرَافًا بَيِّنًا فَارَقَهُ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانُوا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا لِجِهَاتٍ شَتَّى فَإِن كَانَ الإِمَام إِلَى غير الْقِبْلَةِ أَعَادُوا كُلُّهُمْ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعَادَ دُونَ الْإِمَامِ. السَّابِعُ: قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْكَافَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ يُحْسِنُ الِاسْتِدْلَالَ وَلَا وَجَدَ دَلِيلًا أَنَّهُ يَتَحَرَّى جِهَةً تَرْكَنُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ يُصَلِّي إِلَيْهَا صَلَاةً وَاحِدَةً وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْأَوَانِي يُصَلِّي بعددها وزائد إِحْدَى صلوَات وَكَذَلِكَ فِي الثِّيَابِ النَّجِسَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وَأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَحْصُلُ بِأَرْبَعِ جِهَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَن تكون الْكَعْبَة فِي جِهَة بَين اثْنَتَيْنِ مِنْهَا بَلْ لَا يَحْصُلُ الْيَقِينُ حَتَّى يُصَلِّيَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَلَاةً وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ففارقت هَذِه المسئلة مسئلة الْأَوَانِي. الثَّامِنُ: قَالَ لَوْ أَخْبَرَ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا وَهُوَ ثِقَة خَبِير عَنْ جِهَةِ الْبَلَدِ رَجَعَ إِلَيْهِ فَإِنَّ قِبْلَةَ الْبَلَدِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنِ اجْتِهَادَاتٍ فَهِيَ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ مِنِ اجْتِهَادٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنِ اجْتِهَادِ نَفْسِهِ سَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ الِاجْتِهَادِ فَإِن تَبَيَّنَ لِأَحَدِهِمَا صَوَابُ الْآخَرِ اتَّبَعَهُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ فَعَلَ فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فَإِنْ طَلَعَ الْغَيْمُ وَنَسِيَ أَحَدُهُمَا وَجْهَ اجْتِهَادِهِ سَأَلَ صَاحِبَهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ صَوَابُهُ اتَّبَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنِ انْتَظَرَ زَوَالَ الْغَيْمِ فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ قَلَّدَ صَاحِبَهُ كَالْأَعْمَى.
|