الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القانون **
الكبد يحدث بها وجع إما من سوء مزاج مختلف في ناحية غشائها إما من ريح ممدة وإما من سدد وإما من أورام حارة أو صلبة إذ كانت الأورام البلغمية قلما تحدث وجعاً وقد يكون لحركة الأخلاط في البحرانات ويعرف جهتها من الدلائل المعلومة في الإنذارات وقد يكون من الضعف فلا تحتمل ما يصير إليها من الغذاء فتتأدى به لفافتها وقد يحدث في حركات المواد البحرانية فيحدث ثقلاً ووجعاً في نواحي الكبد والوجع الشديد جداً إلا أن يكون من ورم حار شديد أو من ريح فلذلك إذا لم تكن حمّى وكان وجع شديد فسببه الريح ولذلك ما كانت الحمّى الطارئة عليها تحللها كما ذكر أبقراط وقد ذكر أبقراط في كتاب منسوب إليه يزعمون أنه وجده في قبره أنه إذا عرض وجع في الكبد مع حكة شديدة في القمحدوة ومؤخر الرأس وإبهامي الرجلين وظهر في القفا شيء شبيه بالباقلا مات العليل في الخامس قبل طلوع الشمس. ومن عرض له هذا اعتراه عسر البول للسدّة مع تقطير لآفة في العضلة. أقول أنه يشبه أن تكون المائية الخبيثة إذ لا تندفع في البول ينفذ بوجه من الوجوه النفوذ في الأطراف فيحدث بمرارتها وبورقيتها حكّة شديدة. العلامات: قد علمت علامة كل شيء مما ذكرناه في بابه. المعالجات: قد ذكر أيضاً لكل شيء في بابه لكن الناس قد ذكروا لأوجاع الكبد أدوية ذكروا أنها تنفع منها قولاً مطلقاً وأكثر نفعها في النوع الضعفي منها ونحن نورد بعضها. والمعول على ما ذكرناه قالوا ينفع من ذلك أقراص الراوند بنسخها المختلفة ومعجون الراوند ودواء الكركم ومعجون السذاب المسهل ومعجون قردمانا ومعجون فودبانوس ومعجون قيصر وأثاناسيا الصغير والكبير والتمري قوينا ومعجون أسفلينيارس وأقراص العشرة ومعجون جالينوس المنسوب إلى قومامت. قالوا: ومما ينفع منه أوقيتان من عصارة ورق الصنوبر العفص بالسكنجبين أو سلاقته مع الراوند وزن نصف درهم والزعفران وزن ثلاثة دراهم ومع شيء من بزر الكرفس والرازيانج. وأيضاً يؤخذ من الورد أربعة دراهم ومن السنبل والمصطكي درهمان درهمان من عصارة الغافت وعصارة الأفسنتين واللك والراوند والزعفران وفقاح الأذخر وفوة الصبغ والأسارون والبزور الثلاثة والعود الخام من كل واحد وزن درهم ثم عود البلسان وزن نصف درهم وإذا كان وجع مع إسهال فقد وصفوا هذا الدواء. ونسخته: يؤخذ دردري الخل المطبوخ ولك وراوندصيني وسنبل من كل واحد مثقال خبث الحديد وزن سبعة دراهم يشرب على أوقيتين من ماء الكزبرة ويجب في جميع ذلك هجر الغليظ من الأغذية واللحمان ويقتصر على الخفيف اللطيف من الطيور وغيرها كما علمت وخصوصاً إذا كانت هنا حرارة. ومن الأضمدة ضماداً لقردمانا وضماد الفربيون وضماد كليل الملك الأورام الحادثة في نواحي الكبد منها ما يحدث في نفس الكبد ومنها ما يحدث في العضلات الموضوعة عليها ومنها ما يحدث في الماساريقا.والذي يحدث في نفس الكبد فمنه ما يحدث في أجزائها العالية وإلى الجانب المحدب ومنه ما يحدث في أجزائها السافلة وإلى الجانب المقعر ومنها ما يحدث في حجبها وأغشيتها وفي عروقها. وهذا القسم في الأقلّ وربما عم الورم أصنافاً من أجزائها ثم الورم نفسه لا يخلو إما أن يكون فلغمونيا دبيلة وغير دبيلة أو صفراوياً أو بلغمياً أو صلباً سرطانياً وغير سرطاني وإما نفخة ريحية. وأسباب ذلك مزاج حار مع حميات منهكة أو بغير حميات أو مزاج بارد يمنع الهضم والدفع أو ضعف في المعدة أو سدة تجمع الأخلاط ثم تنفذها في أجزاء الكبد تنفيذاً غير طبيعي. والصفراء أيضاً نحو ذلك من أسباب هذه السدة وإذا كانت السدة إلى جانب المرارة جعلت الدم يغلي ويتشرب في أجزاء الكبد تشرباً غير طبيعي لكثرة المرار. وبالجملة فإن كثرة المرار إحدى أسباب ورم الكبد الحار وربما كان لمشاركة المعدة فيفسد الهضم والأغذية المسخنة والغليظة والتي لا تنهضم جيداً معينة على حدوث الأورام في الكبد وكذلك إذا كانت الكبد شديدة الجذب فتجذب فوق الذي ينبغي ويتبعه مما حقه أن يندفع شيء صالح فيهيئ الورم وقد يحدث لضربة أو وثى وكل ورم. في الكبد متخزّن فإنه إن كان من جانب التحديب كان بحرانه بعرق أو إدرار أو رعاف. وإن كان من جانب التقعير فبحرانه بعرق أو قيء أو إسهال. والورم الذي في الحدبة أردأ من الذي عند التقعير وكل ورم يحصل في الكبد حار أو بارد فإنه بما يسد لا يخلي إلى البدن إلا دماً مائياً ومع ذلك يضعف الكبد عن تمييز المائية ومع ذلك فيحتبس كثيراً من المائية في الماساريقا. وهذه هي سبب الاستسقاء اللحمي والزقي وإذا انتقل الورم الحار من الكبد إلى الطحال فهو سليم وإذا انتقل من الطحال إلى الكبد فهو رديء. العلامات الكلية لأورام الكبد بالمشاركة: أما العلامات العامة فأن يجد العليل ثقلاً تحت الشراسيف لازماً ويجد هناك وجعاً يشتدّ أحياناً لا كما في السدد فإنها لا تخلو عن وجع قوي وتتغير معه السحنة لا كما في النفخة فلا تتغير ويكون معه انجذاب الترقوة إلى أسفل في كثير من الأوقات ليس دائماً وإنما يكون هذا الانجذاب لتمدد الأجوف والمعاليق ولا يعرض في أورام الكبد الحارة وغيرها ضربان لأن الشريانات تتفرق في غشائها ولا ثقل فيها إلا بقدر غير محسوس وقد يشارك أضلاع الخلف أوجاع الكبد وأورامها العالية والصاعدة وإن لم يكن مشاركة دائمة. وأصحاب أورام الكبد وخصوصاً الأورام الحارة والعظيمة لا يقدرون أن يناموا على الجانب الأيمن ويثقل أيضاً عليهم النوم على الجانب الأيسر لتمدد الورم إلى أسفل بل أكثر ميلهم إلى النوم المستلقي. فإن كان الورم في جانب الحدبة وجد الثفل هناك وأحسَ بامتداد عند المعاليق ووقع الحس على الورم وقوعاً أظهر وخصوصاً في القضيف وحدث سعال يابس ضيق نفس وخصوصاً إذا تنفس بقوة لمشاركة الحجاب والرئة إياها في الأذى ويقل بول وربما احتبس أصلاً إذا كان الورم عظيماً لما يحدث من السدّة في الجانب المحدب ومن ضعف الدافعة والثقل فيه أكثر مما في الكائن عند التقعير لأن جانب التقعير يعتمد على المعدة ويكون الثقل أكثر وانجذاب الترقوة إلى أسفل من اليمين أقل وخصوصاً فيمن كانت حدبة كبده غير شديدة الالتصاق والملاقاة للأضلاع. وأما انجذاب الترقوة إلى أسفل ومشاركة الترقوة في وجع الكبد فهو في متصل الكبد ويقل الفواق في الحدبي ويكثر في التقعيري لبعد الحدبة عن فم المعدة. وأما إذا كان الورم في التقعير والجانب الأسفل كان الثقل أقل لاعتماده على المعدة ولم يكن سعال وضيف نفس يعتد به ولم يقع تحت المس وقوعاً يعتدّ به ولكن كان الوجع أشدّ للمزاحمة الكائنة هناك وخصوصاً إذا جذبت المراق. وإذا كانت أورام الكبد عظيمة مال الطبع إلى الاستلقاء عن الاضطجاع فإن أفرط تعذر الاستلقاء عن الاضطجاع أيضاً. وأورام الجانب المقعر يستصحب أورام الماساريقا كثيراً. وبالجملة إذا كان الورم في الجانب المقعر كانت المعدة أشدّ مشاركة فيظهر الفواق والغثيان والعطش إن كان الورم حاراً. زعم بعضهم أن المشاركة بينهما بعصبة رقيقة تصل بين الكبد وبين فمّ المعدة فلذلك يحدث الفواق وقال بعضهم: لا يحدث الفواق إلا عند ورم عظيم بضغط فم المعدة ويرى جالينوس أن السبب فيه ما ينصب إلى المعدة في فمها من الورم الحار من خلط حاد. وبالجملة أن الفواق عند الجماعة لا يظهر إلا عن ورم عظيم لأن المسافة بعيدة بين الكبد وفمّ المعدة وإن كانت عصبة يتشاركان فيها وتصل بينها فهي رقيقة جداً. وبالجملة ما لم يكن ورم عظيم لم يكن بين الكبد والمعدة مشاركة في أكثر الأمر. والكائن من أورام الكبد بقرب الأغشية والعروق أشد وجعاً وأضعف حمّى إن كان حاراً وإذا كان الورم في الجانبين جميعاً ظهرت العلامات التي للجانبين وربما شارك جانب جانباً إلى حدّ غير كثير وقد يؤدي جميع أصناف أورام الكبد الحارة والباردة إلى الاستسقاء واعلم أن ورم الكبد إذا قارنه إسهال فهو مهلك. وورم العضلات الموضوعة عليه في المراق يعرف الفرق بينهما من جهة الوضع ومن جهة الشكل ومن جهة الأعراض.أما من جهة الوضع فلأن ورم العضل يظهر دائماً وورم الكبد قد لا يظهر وخصوصاً التقعيري وفي السمين اللهم إلا أن يكون آمراً متفاقماً. والعضل وضعه إما في عرض أو في طول أو في وراب يأخذ أحد العضلة. وقد دللنا عليه في التشريح. وأما في الشكل فإن شكل ما يظهر من أورام الكبد هلالي بحسب وضع الكبد يحسّ بفصل انقطاعه المشترك. وأما العضلي فهو مستطيل أحد طرفيه غليظ والآخر رقيق وكأنه ذنب الفارة ولذلك لا يحصل بفصل انقطاعه المشترك بل تراه طويلاً يلطف في طوله قليلاً قليلاً وربما لم ينل منه إلا شيئاً في الغور مستطيلاً إذا كان في العضل الغائرة الموربة وهو أشبه بأورام الكبد. وأما من جهة الأعراض فإن الأعراض الخاصية والمشاركة التي تعرض للأورام التي في الكبد لا يكون منها في أورام العضل شيء يعتدّ به وإذا رأيت المراق يبادر إلى القحل واليبوسة فاحدس أن الورم كبدي. أسبابه من جملة أسباب الورم ما فيه حرارة. وأما علاماته فالعلامة المذكورة للأورام الجامعة والتي في بعض الأجزاء ويكون هناك حمّى حادة إذا كان الورم في اللحمية ويشتدّ العطش وتقل الشهوة ويحدث الفواق والغثيان وقيء الصفراء أولاً ثم الزنجاري والكرّاثي ثم السوداء ويحدث برد الأطراف واسوداد اللسان والغشي كل ذلك خصوصاً إذا كان الوَرم تقعيرياً ويكون سوء تنفس وألم يمتد إلى خلف وإلى الترقوة ولذع وخصوصاً إذا كان الورم في الحدبة. وإذا كان في التقعير فإنه يؤثر في أمر التنفس إذا استنشق هواء كثير جداً بتمديد الورم للحجاب وضغطه إياه وضايق الاستنشاق وربما أحدث سعالاً. ويعرضَ للسان كيف كان اصفرار واحمرار شديد ثم يضرب إلى السواد ثم يتغير لون البدن كله خصوصاً إذا كان الورم في الحدبة. وإذا كانت القوة قوية وخصوصاً قوة المعدة خصوصاً والورم في التقعير استمسكت الطبيعة وإن كانت القوة في البدن والمعدة ضعيفة استسهلت الطبيعة. قال أبقراط: البراز الخاثر الأسود في أول المرض الحار دليل على أن في الكبد ورماً حاراً عظيماً. هذا ويكون النبض موجياً عظيماً متواتراً سريعاً. والورم الحار إما أن يتحلل فتبطل أعراضه وإما أن يجمع فتكون معه علامات الدبيلة وسنذكرها. وإما أن تصلب فينتقل أيضاً إلى علامات الورم الصلب وتبطل علامات الحار. وأكثر سبب انتقاله إلى الصلابة الإفراط في التبريد والتقبض واستعمال المغلظات في الورم الحار. والفرق بينه وبين ذات الجنب أن السعال لا يعقب نفثاً وأن الوجع يكون في اليمين وثقيلاً ولون اللسان ولون البدن يتغير معه والنبض لا يكون منشارياً جداً ويتناول إن باليد كان عند الحدبة ويدلّ عليه تكلف النفس العظيم والاستنشاق الكثير إن كان في المقعر لضغط الورم الحجاب وتمديده إياه وربما هاج حينئذ سعال وبحران وبحران أورام الكبد الحارة الحديبة. وأورام عضلها أيضاً الحارة يكون برعاف وخصوصاً من الأيمن أو بعرق أو بول محمودين والتقعيرية تكون بعرق أو اختلاف مراري أو قيء. الثقل في الماشرا أقلّ واللهيب واللذع واسوداد اللسان وانصباغ البول الشديد أكثر ويكون اللون إلى صفرة ويكون نوائب اشتداد الحمى غباً ويكون انتفاعه بالبارد الرطب أشدّ والنبض أصلب وأشبه بالمنشاري منه بالموجي الصرف وأصغر وأشد تواتراً وسرعة وأنت تعرف فصل في الفلغموني: يدل عليه علامات الورم الحار وبمخالفة ما نسبناه إلى الماشرا في الخواص وحمرة الوجه ودرور العروق. هذه الأورام يكون فيها ثقل ولكن لا يكون فيها عطش ولا حمى ولا سواد لسان وثقل ويحس معه في المعدة بشبه تشنج ويدل عليه السن والتدبير والمزاج واللون على ما سلف منا بيان ذلك. يدل عليه تهيح الجلد ورصاصية اللون وأن لا يحس بصلابة وشدة لين النبض مع سائر علامات الورم البارد المذكور وأنت تعلم جميع ذلك. أكثر ما يحدث يحدث عن ورم تقدمه وقد يحدث ابتداء وقد يحدث عن ضربة فيبادر إلى الصلابة ويدلّ عليه المسّ فيمن ينال المس ناحية كبده. ولولا مبادرة الاستسقاء إلى صاحبه لظهر للحس ظهوراً جيداً فإن المراق تهزل معه وتضعف فيشاهد ورم هلالي من غير وجع يعقل بل ربما آذى عند ابتداء تناول الطعام وخف عند الجوع وهو طريق إلى الاستسقاء. وقد يدل عليه شدة الثقل جداً بلا حمى وهزال البدن وسقوط الشهوة وكمودة اللون وأن يقل البول وربما أعقب الأعراض الورم الحار فإنها إذا زالت ولم يبق إلا الثقل وازداد لذلك عسر النفس دل على أن الورم الحار صلب. وعسر النفس والثقل بلا حمى يشتركان للصلب والسدد ويفترقان بسائر ما قيل ويتبعه الاستسقاء خصوصاً اللحمي لضعف تميز المائية إلا الرشح الرقيق منه فيجري المائية في الدم في الأعضاء ويحدث اللحمي والتهيج. والكثيف عن المائية قد يصير أيضاً إلى فضاء البطن على ما نذكره في باب الاستسقاء فيكون الزقيّ ويهلكون في أكثر الأمر بانحلال الطبيعة لانسداد المسالك إلى الكبد فتنحل قواهم وهؤلاء لا يعالجون إلا في الابتداء. وربما نجع العلاج. وإذا طالت العلة لم ينفع العلا فإن كان الصلب سرطانياً كان هناك إحساس بالوجع أشد وكان إحداث الآفة في اللون وفي الشهوة وغير ذلك أكثر وربما أحدث فواقاً وغثياناً بلا حمّى وإن لم يحس بالوجع كان في طريق إماتة العضو واعلم أن الكبد سريعة الانسداد والتحجّر وخصوصاً إذا استعملت المغلظة والمقبضة في الورم الحار استعمالاً مفرطاً. أكثرها يكون بعد ورم حار فإن أخذ يجمع صار دبيلة وإذا أخذ يجمع اشتدت الحمّى والوجع والأعراض أولاً ثم حدثت قشعريرات مختلفة وتعقر الاستلقاء فضلاً عن النوم على جانب فإذا جمع لان المغمز وسكنت الأعراض. وإذا انفجر حدث نافض واستطلق قيحاً ومدة أو شيئاً كالدردي ووجد بذلك خفاً وانحلالاً من الثفل المحسوس. وانفجاره يكون إما إلى ناحية الأمعاء ويخرج بالبراز وإما إلى ناحية الكلي فيخرج بالبول وإما إلى الفضاء الذي في الجوف فيجد جفافاً وضموراً ولا يشاهد استفراغاً في بول أو برازاً. والدبيلة قد تكون غائرة في الكبد وقد تكون إلى ظاهرها وغير غائرة. والمدة تختلف فيهما فتكون في الغائرة سوداء وفي غير الغائرة إلى البياض لتعلم ذلك. يشارك في علاماته علامات ورم الكبد لكن الحمى في الحار منه تكون ضعيفة ليست في شدة حمى الورم الكبدي ويكون الثقل مع تمدد أغور إلى البطن والمعدة وقد يكون فيها التمدد أكثر من الثقل فإذا لم تجد علامات سدد الكبد ولا علامات أورام الكبد ووجدت البراز كيلوسياً رقيقاً ليس لسبب ضعف الهضم في المعدة ودلائله وكان هناك تمدد وحمى خفيفة فاحكم بأن في الماساريقا ورماً حاراً. وأما الورم الصلب فيعسر التفريق بينه وبين سدد الماساريقا إلا بحدس بعيد فإن خرج شيء صديدي بعد أيام فاعلم أنه عن ورم. وهذا الصديد يفارق الصديد الكائن عن مثله في الكبد بأن ذلك إلى الحمرة والدموية وهذا إلى القيحية والصفرة. أول ما يجب عليك أن تنظر حال الامتلاء وحال القوة والسن والوقت وغير ذلك مما تعرفه وتطلب منها رخصة في الفصد فتفصد إن أمكنك من الباسليق وإلا فمن الأكحل وإلا فمن القيفال. وإن كانت القوة قوية أخرج ما يحتاج إليه من الدم في دفعة واحدة وإلا فرقت وشرحته في مرات. واعلم أنك إذا لم تفصد وتركت المادة في الكبد واستعملت القوابض والرواح أوشك أن يصلب الورم. وإن استعملت المحللات أوشك أن يهتج الألم والورم فافصد أولاً ولا تقتصر في ذلك إذا لم يكن مانع قوي وأخرج دماً وافراً واعلم أنك تحتاج في ابتدائه إلى ما هو القانون في مثله من الردع والتبريد. لكن عليك حينئذ بأن تتوقى جانب الصلابة فما أسرع ما تجيب إلى الصلابة فلذلك يجب أن يكون مخلوطاً بالملطفات المفتحات والأطلية الباردة وربما أدى إفراط استعمالها إلى التصليب.وربما كفاها دخول الحمام وربما تفجّرت إلى الكلية. واعلم أن كثيراً من الأدوية التي فيها قبض ما وبرد وكذلك من الأغذية التي بهذه الصفة مثل الرمان والتفاح والكمثري فإنها تضر من جهة أخرى وذلك لأنها تضيق المنفذ إلى المرارة فلا تتحلب الصفراء ويكون ذلك زيادة في الورم وشراً كثيراً. فالتقبيض مع أنه لا بد منه في أول العلة وفي آخرها أيضاً عند وجوب التحليل لحفظ القوة وتخاف منه خلتان التحجير وحبس الصفراء في الكبد وأنك تحتاج لذلك أيضاً إلى أن تبادر إلى تدبير التحليل في هذه العلة أكثر من مبادرتك في سائر الأورام خوفاً من التحجّر والصلابة ودفعاً لما عسى يرشح من صديد رديء لا يخلو عن ترشحه الأورام الحارة لكن التحليل والتفتيح ربما أرخى القوة وقرب الموت كما حكى جالينوس من حال طبيب كان يعالج أورام الكبد بالمرخيات التي تعالج بها سائر الأورام مثل أضمدة متخذة من الزيت والحنطة والماء وإطعامه الخدروس. وكان الواجب أن يطعم ما فيه جلاء بلا لزوجة وغلظ وأن يخلط بالمحللات أدوية فيها قبض وتقوية وعطرية كالسعد وقصب الذريرة والأفسنتين وأن يستعمل من هذه قدر ما يحفظ القوة ولا يفرط ويكون العمدة في أوله الردع بقوة وفي أوسطه التركيب وفي آخره التحليل مع قوابض من هذا القبيل. وإن كانت الحاجة إلى تقوية التحليل وتعجيل وقته ماسة فلم يقبل من جالينوس وأنذره جالينوس في مريض آخر اجتمعا عليه فإن هذا المريض يموت بانحلال القوّة وبعرق لزج يسير فهذا التحليل هو ذا يحتاج أن يبادر به في وقت وجوب الردع ويحتاج إلى أن لا يخلى عن القبض والتغرية في حال وجوب التحليل الصرف ومراعاة جميع هذا أمر دقيق.واعلم أن هذا العضو كما هو سريع القبول للتحجر كذلك هو سريع القبول للتهلهل وربما كان التفتيح والتحليل سبباً للتفجير. وإذا استعملت محللاً فلا تستعمله من جنس ما يلذع فيهيّج الورم وماء العسل - وإن كان يجلو بلا لذع - فإنه حلو والحلو يورث السدد فلذلك كان في ماء الشعير مندوحة كافية لأنه يجلو بلا لذع ولا يحدث سدة ثم يمكن أن يقوي تفتيحه وجلاؤه بما يخلط إن احتيج إلى زيادة قوة. واللذاعة والقابضة أكثر ضرراً بالمقعّر منها بالمحدب لأنها تغافص بقوتها وتحدث السدة في أول المجاري وفي الحدبة تكون مكسورة القوة وتلاقي آخر الفوهات. ثم يجب أن تعرف الجانب المعتل فإياك أن تمرّ والعلة في المقعر أو تسهل والعلة في الحدبة فتجعل المادة في الحالين جميعاً أغور بل يجب أن يستفرغ من أقرب المواضع فيستفرغ من الورم الذي في الجانب المقعر من جانب الإسهال والذي في المحدب من جانب الإدرار وإياك أن تترك الطبيعة تبقى مستسمكة فإن في ذلك أذى عظيماً وخطراً خطيراً ولا أيضاً أن تتركها تنطلق بإفراط فتسقط القوة وتخور الطبيعة بل عليك أن تحل المستمسك باعتدال وتحبس المستطلق وأما الأدوية الصالحة لأورام الكبد في ابتداء الأمر إذا كانت هناك حرارة مفرطة فماء الهندبا وماء عنب الثعلب مع السكنجبين السكري وماء الشعير وماء عصا الراعي وماء لسان الحمل وماء الكاكنج وماء الكزبرة الرطبة وماء القرع والقثاء وماء الكشوث ويجب أن يخلط بها شيء من مثل الأفسنتين وقصب الذريرة وأقراص من الأقراص التي نحن واصفوها. ونسختها: يؤخذ لحم الأمبر باريس عشرة دراهم ورد وطباشير من كل واحد خمسة دراهم لب بزر الخيار ولب بزر القرع وبزر البقلة وبزر الهندبا من كل واحد ثلاثة دراهم بزر الرازيانج وزن درهمين يقرص ويسقى منه وزن مثقالين. وإن احتيج إلى زيادة تطفئة جعل فيه كافور قليل وإن أريد زيادة تقوية الكبد جعل فيه لك وراوند وإن كان هناك سعال جعل فيه رب السوس وشيء من الكثيراء وشيء من الترنجبين. وأما الأدوية التي هي أقوى وأصلح لما ليس فيها من الحرارة المقدار البالغ في الغاية فماء الرازيانج ولسان الثور والأذخر والكرفس الجبلي واللبلاب كل ذلك بالسنكجبين. وهذا ونحوها تنفع في التي في الطبقة الأولى إذا أخذت في النضج يسيراً وأقراص الورد أيضاً وخصوصاً الذي يلي التقعير وكثيراً ما كان سبب الورم وابتداؤه وثياً وضربة.ومما يمنع حدوثه بعدهما بعد الفصد أن يسقى من القوة والراوند الصيني كل يوم وزن درهم ثلاثة أيام وإذا علمت أن الورم في الجانب المقعّر فالأولى أن يستعمل ماء اللبلاب مخلوطاً بما يجب خلطه به من المبردات المذكورة وماء السلق وجميع ما ينضج ويردع ويليّن الطبيعة وينفع عند ظهور النضج الخيار شنبر مع ماء الرازيانج وماء عنب الثعلب وماء اللبلاب وأن تجعل في الأغذية شيئاً من بزر القرطم وشمة من الأنجرة والبسفايج وإذا انحط استعمل القوية مثل الصبر والغاريقون والتربد. وقوم يستعملون الهليلج الأصفر وأنا أكرهه لما فيه من قوة القبض المزمن فأخاف أن يخرج الرقيق ويحجر الغليظ. وقد يستعمل في هذا الوقت مثل بزر القرطم ومثل الأنجرة والبسفايج في الطعام والأفتيمون بلا احتسام. وربما أقدمنا على مثل الخربق بحسب الحاجة. وأما الحقن في أول الأمر وحيث يتفق أن تكون الطبيعة مستمسكة فبمثل عصير ورق السلق بالعسل والملح والبورق أو بالسكر الأحمر وعند الانحطاط يقوي ويجعل فيها البسفايج والقنطوريون والزوفا والصعتر وربما جعل فيها حنظل. فأما إذا كان في جانب الحدبة فيجب أن يبدأ بالمدرات الباردة ثم المعتدلة. ثم إذا ظهر النضج استعملت القوية الجيدة وإنما يجب هذا التأخير خوفاً من التحجّر. وأما هذه الأدوية فمثل القوة والفطراساليون والأسارون والأذخر وأقراص الأمير باريس الكبير وأما الأضمدة فلا يجب أن تستعمل باردة كما على الأورام الأخرى بل فاترة. والتي يجب أن تبادر بها عندما يحدس أن الورم هو ذا يبتدئ العصارات الباردة القابضة وعصارة بقلة الحمقاء والقرع وحي العالم وماء الورد والصندل والكافور والضمادات المتخذة من عساليج الكرم والورد اليابس والسويق ولا يجب أن يكرر أمثال هذه بل إذا صح أن الورم قد يكون فأجود الضمادات هي الضمّادات المتخذة من السفرجل مع أدوية أخرى. من ذلك أن يدقّ السفرجل مع دقيق الشعير وماء الورد ويضمّد به. أو السفرجل المطبوخ بالخلّ والماء حتى ينضج تخلطه مع صندل وتجعل عليه شيئاً من دهن الورد وتستعمله. أو من ذلك أن يطبخ السفرجل بشراب ريحاني فيه قبض ما ويضاف إليه عصارة عصا الراعي وتقويه بمثل قليل سنبل وأفسنتين وسعد ويقوم بسويق الشعير ويستعمل. وربما جعل معه دهن السفرجل أو دهن المصطكي ودهن الحناء ومن المياه ماء الآس وماء ورق التفاح وماء السفرجل ونحوه. وقد يتخذ ضمّاد من السفرجل المطبوخ بطبيخ الأفسنتين. وإذا أريد أن يرفع إلى درجة من التحليل جعل فيها مصطكي وبابونج وإكليل الملك ودقيق الشعير وحلبة مع أشياء فيها عفوصة وبزر الكتان ودهن الشبث ودهن البابونج والحلبة. ومن الضمّادات المتخذة ضمّاد بيلبوس وضماد فيلغريوس وضمّاد إكليل الملك وضمّاد ومما جرب هذا الضمّاد: وهو لتسكين الالتهاب. ونسخته: يؤخذ بسر وعصارة العوسج من كل واحد جزء زعفران ومصطكي من كل واحد نصف جزء ومن دهن الورد أربعة أجزاء شمع مقدار الحاجة إليه وفي آخره يستعمل الأضمدة المفتحة المحللة مخلوطة بقوابض لحفظ القوة مثل الضمادات المتخذة من الايرسا والأسارون والأشنة والجعدة والصعتر والشيح وبزر الكرنب والمقل ونحوه. وقد زيد فيها مقويات والأضمدة المتخذة من الآس وفوة الصبغ وحب الغار والزعفران والمرّ والمصطكي والشمع ودهن الزنبق. ومما جرب الأدهان التي ربما خلط بها دهن النرجس ودهن السوسن الأزاذ. نسخة ضمّاد يحلل أورام الكبد منسوب إلى قابوس محمود مجرب: يؤخذ من الميعة ومن الشمع من كل واحد عشرة درخميات ومن المصطكي والزعفران والحماما من كل واحد أربع درخميات ومن دهن شجر المصطكي ومن دهن الورد من كل واحد وزن درخميين شراب قوطولان ونصف يذاب الشمع والدهن ويخلط به الجميع. وآخر نافع جداً: يؤخذ سوسن وحماما وساذج من كل واحد درخمي آس ميعة شمع من كل واحد عشرون درخمياً كندر زعفران أسارون من كل واحد درخمي دهن شجر المصطكي مقدار الحاجة ويستعمل. آخر جيد: يؤخذ صبر ثلاثة أواق مصطكي أوقية بابونج وإكليل الملك من كل واحد أربع أواق زعفران وفوة وقصب فريرة وأسارون من كل واحد أوقيتان شمع وأشق من كل واحد تسعة أواق حماما وسنبل رومي وحبّ البلسان من كل واحد ست أواق دهن السوسن مقدار الكفاية. آخر محلل قوي: يؤخذ زعفران أوقيتان مقل سبع أواق وسخ الكواير أربع أواق مصطكي ثلاث أواق ميعة وزفت وشمع وأشق من كل واحد سبع أواق حماما وسنبل رومي وحب البلسان من كل واحد ست أواق دهن السوسن مقدار الكفاية يخلط ويستعمل. وأما إذا كان مع الورم إسهال مضعف يوجب الاحتياط حبسه وجب أن يسقى أقراص الأمير باريس وأقراص الراوند المسك وأما الغذاء فأجوده كشك الشعير فإنه يبرّد ويجلو ولا يورث سدة ويسرع نفوذه. وأما الخندروس وأشد منه الحنطة فلا بد فيه من غلظ ومزاحمة للورم. فإن لم يكن بد من خبز فالخبز الخمير الذي ليس بسميذ ولا من حنطة علكة وقد خبز في النور. ويجب أن يعتني بالغذاء غاية العناية ومن البقول الخس والسرمق ومن الفواكه الرمان الحلو لمن لا تستحيل الحلاوة في معدته إلى الصفراء ويجب أن يجنب الحلاوات ما أمكن. علاج الحمرة قريب من علاج الفلغموني ولكن يجب أن يكون الإسهال والإدرار أرفق وبما هو أميل إلى البرودة وتوضع عليه الأدوية المبردة بالثلج ولا يزال يجد ذلك حتى يجد العليل غوص البرد ويتخذ أضمدة من النيلوفر وماء الكاكنج وماء السفرجل والصندل والكافور ونحوه ولا يستعمل فيه المسخنات ما أمكن. في علاج الدبيلة: إن الدبيلة يجب أن يستعمل في أولها وحين ما تبتدئ ورماً حاراً ويحدس أنه يجمع الرادعات من الأضمدة باعتدال والأطلية ويسقى ماء الشعير والسكنجبين. وإن أوجب الحال الفصد فصد من الباسليق أو يحجم ما يلي الظهر من الكبد وربما احتيج إلى إسهال فإذا لم يكن بدّ من أن يجمع فالواجب أن يستعجل إلى الإنضاج والتفتيح ولا بد أن يعان بالتقطيع والتلطيف إذ لا بدّ من أخلاط غليظة تكون في مثل هذه الأورم قد تشرّبها العضو ولا بد من ملين ليجعل الخلط مستعداً للتحليل. فإذا ظهر النضج ولم تنفجر أعين على ذلك بالمفتحات القوية شرباً وضمّاداً على ما ذكر ثم أعينت الطبيعة على دفع المادة إن احتاجت إلى المعونة وينظر إلى جهة الميل فإن وجب أن يسهل أو يدرّ فعل ولم يدر بشيء قوي وشيء حاد فيورث ضرراً في المثانة فإن حفظ المثانة في هذه العلة وعند انفجار القيح إليها بنفسه أو بدواء مدرّ واجب فإذا انفجر انفجاراً واندفع القيح اندفاعاً احتيج إلى غسل بقايا القيح بمثل ماء العسل ونحوه ثم احتيج إلى ما يدمل القرحة. وإن احتملت القوة الإسهال كان فيه معونة كبيرة على الإدمال إذا لم يكن إفراط. والإسهال يحتاج إليه لأمرين: أحدهما قبل الانفجار لتقلّ المادة وتجف على الطبيعة والثاني بعد الانفجار أو عند قرب الانفجار وتمام النضج إذا علم أن المادة إلى جهة المعي أميل وأن الدبيلة في جانب التقعير. ومما يستسهل به قبل الانفجار على سبيل المعونة للطبيعة فالخفيف من ذلك الترنجبين والشيرخشك والخيار شنبر والسكر الأحمر وأمثال ذلك في مياه اللبلاب والهندبا مشروباً. وأقوى من ذلك قليلاً طبيخ البزور والأصول وقد طبخ فيها الغافت وديف فيه الترنجبين والشيرخشك والخيار شنبر ونحوه. وربما جعل فيه الصبر والأفسنتين ومن الحقن الحقن الخفيفة المعروفة. وأما المسهّلات التي تكون بعد التقيّح وتعين على النضج أيضاً وعلى التفجير فأن يسقى في طبيخ الأصول والغافت دهن الحسك وزن أربعة دراهم أو الزنبق وزن درهمين مع نصف أوقية سكّر ونصف أوقية خيار شنبر. فأما إن كانت المادة نحو الحدبة فلا يجب أن تستعمل المسهّلات اللهم إلا على سبيل المعونة. وأما عند النضج فيجب أن يستعمل المدرات المذكورة على ترتيبها كلما كان النضج أبلغ استعمل الأقوى. وأما الأدوية المشروبة المعينة على النضج فمثل لبن الأتن بالسكر الأحمر أو بسكر العشر أو مثل ماء الأصول وبالزبيب والتين والبرشياوشان والحلبة بدهن اللوز الحلو أو المرّ ودهن الحلبة أو دهن الحسك. وإن أريد أقوى من ذلك جعل فيه الثمر ويسقون على الريق طبيخ الجعدة وشراب الزوفا القوي ويطعمون العسل المصفى من رغوته بالطبخ والتين وماء العسل في ماء الشعير أو يؤخذ من الطرحشقوق اليابس وزن درهم ومن بزر المرو درهم ونصف ومن دقيق الحلبة درهم يسقى بثلاث أواق لبن الأتن مع السكر ويستعملون الأدوية التي فيها تفتيح وتلطيف وأيضاً تقوية. وهي مثل الأفسنتين والزعفران والسنبل وأصول الفاوانيا وأصول الحاشا وأصل القوة والمصطكي والسنبلات حبّ الفقد وعصارة الغافت وأصول القنطوريون. ومن الأدهان دهن الناردين ودهن شجرة المصطكي ودهن السوسن. وأما الأضمدة المعينة فمثل الأضمدة التي يقع فيها الدقيق وإكليل الملك والبابونج وأصول السوسن والفوتنج وأصول الخطمي والتين والزبيب والخمير والبصل المشوي ودهن البزر. فإن احتيج إلى أقوى من ذلك استعمل ضماداً من دقيق الشعير والبورق وذرق حمام والفوذنج وعلك البطم والزفت ودقاق الكندر ونحوه. ويجب إذا أحس بالنضج أن ينام على كبده ويديم الاستحمام بالماء الحار. وربما احتاج إلى أن يرتاض ويتمشى إن أمكنه ذلك فإذا انفجر فيجب أن يتناول عليه ماء يغسله وينقّيه مثل ماء العسل الحار ثم يتبع بما ينقيه من جهة ميله إما الإسهال وإما الإدرار إن احتاج إليهما أو يخلط شيء من ذلك بماء العسل. ولا يجب أن يسقيه المدرات القوية جداً فينكأ مجاري البول فإن اتفق أن يقرّح أو أضر القيح بمجاري البول والمثانة فالصواب أن يغذى بأغذية فيها جلاء من غير لذع بل مع تغرية ماء كماء العسل المطبوخ طبخاً معتدلاً وقد خلط به يسير نشا وبيض ودهن ورد وأيضاً مثل الخبازي بالخندروس. وبالجملة يجب أن يدبره بتدبير قروح الأعضاء الباطنة وعلى ما يجب أن يجري عليه الأمر في قروح الكلى. فإذا نقى نقاء بالغاً فيجب أن يسقيه في الغدوات ماء الشعير والسكنجبين فإذا مضى ساعتان أخذت من الكندر ودم الأخوين مثقالا مثقالاً ومن بزر الهندبا وبزر الكرفس والمصطكي من كل واحد مثقالاً وتسقيه في سكنجبين أو جلاب أو ماء العسل. وبعد ذلك فتقويه بالغذاء وتعالج قرحته بمثل ما يذكر في قروح الكلى. وإذا اتفق أن تنصب المدة إلى فضاء الجوف فلا بد حينئذ من أن تشرّح الجلد عند الأربية وتنحي العضل حتى يظهر الصفاق الداخل المسمى باريطان ثم تثقب فيه ثقبة وتوضع فيه أنبوبة ويسيل منه القيح ثم يعالج بالمراهم. وأما الأغذية فيجب أن يستعمل في الابتداء تلطيف الغذاء ويقتصر على كشك الشعير والسكنجبين ثم بعد ذلك يستعمل الأغذية المفتحة التي ذكرناها وصفرة بيض نمبرشت والاحساء الملينة فإذا انفجر وتنقى احتيج إلى ما يقوّي مثل ماء اللحم ولحوم الحملان والدجاج. والجداء والطيور الناعمة ومرقها الحامضة بالأبازير وصفرة البيض النمبرشت ونحو ذلك وقليل شراب ويستعمل المشمومات المقوية. علاج الأورام الباردة: يجب أن تستعمل فيها الملطّفات الجالية ويقرّب علاجها من علاج السدد ومن علاج الدبيلات التي تهيأت للإنضاج وقد عرفت الأدوية المنضجة والمدرة والمفتحة والملطّفة. ويجب أن يكون فيها قوّة قابضة مقوية عطرية ويقع فيها من الأدهان دهن الخروع ودهن الياسمين ودهن الزنبق. ومن الأضمدة المتخذة لها وأجود أضمدتها ضماد فولارحيون ومرهم فيلغريوس ومرهم الأصطمحيقون ومرهم البزور. وينفع منها دواء الكركم ودواء اللكّ ونحو ذلك. وللفستق منفعة عظيمة فيها وأقراص السنبلين. ومن الأشربة شراب البزور بكمادريوس والجعدة قد طبخا فيه. ومما ينفع فيها - وخصوصاً فيما يضرب إلى الصلابة وينفع أيضاً من أوجاع الكلى والطحال - الدواء المعمول بالعنصل على هذه الصفة. ونسخته: يؤخذ عنصل مشوي وسوسن أسمانجوني وأسارون ومو وفو وبزر كرفس وأنيسون وسنبل الطيب وسليخة وجندبيدستر وفوذنج جبلي وكمون وفوذنج نهري ووج وأشراس وعاقرقرحا ودار فلفل وجزر بري وحماما وأوفربيون وبزر خطمي واسطوخودوس وجعدة وسيساليوس وبزر سذاب وبزر رازيانج وقشور أصل الكبر وزراوند مدحرج وقرفة وزنجبيل وحب غار وأفيون وبزر البنج وقسط ونانخواه وبزر الكراويا الأبيض من كل واحد جزء يعجن بعسل منزوع الركوة ويستعمل. وهذا الدواء الذي نحن واصفوه يفعل الفعل المذكور بعينه وهو معمول بالثوم البري. ونسخته: يؤخذ ثوم وجنطيانا أبيض وغافت وقسط وزراوند وكاشم وسيساليوس ودار فلفل من كل واحد ثلاثون درخمياً بزر كرفر وأسارون ومووفو وجزر بري ونانخواه وأنجمان أسود من كل واحد خمسة عشر درخمياً ورق سذاب يابس وفوذنج جبلي وكمون وفوذنج نهري وصعتر بري من كل واحد عشر درخميات جندبادستر وباذاورد من كل واحد اثنا عشر درخمياً تحل هذه بالشراب وتسحق الباقية ويخلط الجميع خلطاً يصير به شيئاً واحداً ثم علاج الورم الصلب في الكبد: أنه لم يبرأ من الورم الصلب المستقر المستحكم أحد. والذين برؤا منه فهم الذين عولجوا في ابتدائه وكان قانون علاجهم بعد تنقية البدن من الأخلاط الغليظة بأدوية مركبة من عقاقير فيها تليين معتمل وتحليل وتلطيف وإسخان معتدل وتفتيح السدد أغلب من التليين وتقوية وقبض وعطرية بمقدار ما يحتاج إليه دون ما يعاوق الغرضين الآخرين. وأكثر هذه الأدوية تغلب عليها مرارة وقبض يسير. وهذه الأدوية تستعمل مشرربات وتستعمل أضمدة وتستعمل نطولات. ويجب أن تلين الطبيعة إن كانت معتقلة بالأشياء الخفيفة والحقن خاصة وقد يفعل ذلك حبّ الصنوبر الكبار وبزر الكتان وعلك البطم مع نفع للورم. ويجب أن لا يقدم على إسهال البطن بالأشياء الشديدة الحرارة فتؤلم وتزيد في الأذى. ويجب أن يكون نومه على الجانب الأيمن فإن ذلك مما يعين على تحليله جداً. فأما الأدوية المفردة النافعة من ذلك فحب الصنوبر والمخاخ والشحوم المعتدلة وإلى الحرارة ودقيق الحلبة فيه تليين ما مع إنضاج والقسط شديد المنفعة فإنه إذا سقي منه نصف درهم إلى مثقال بطلاء ممزوج أو بشراب نفع نفعاً بيناً. وقد ينفع منه سقي دهن الناردين أو دهن البلسان أو دهن القسط بماء طبخ فيه السذاب والشبث. والشربة من دهن الناردين وزن أربعة دراهم. ويستعمل ذلك أسبوعاً فينفع نفعاً عظيماً. ومما ينفع من ذلك عصارة الشيح الرطب إذا استعمل أياماً. ومما ينفع من ذلك بزر الفنجنكشت وزن درهم في بعض الأشربة والغافت وزن درهم بماء الكرفس أو الرازيانج وأما ماء الهندبا ولسان الحمل المجفف وزن مثقال وطبيخ الترمس وقد جعل فيه سنبل إلى نصف درهم أو فلفل أقل من ذلك واللوز المر في الشراب وأصل شجرة دم الأخوين نافع أيضاً. أو لحاء شجرة الدهمست وحبّ الغار وأصل القوة وأصل اللوف والحمص الأسود والجعدة والكمادريوس. ومن الأشربة المركبة النافعة من ذلك قرص المقل صفته: يؤخذ ورد مطحون عشرة دراهم سنبل طيب وزن درهمين زعفران درهم قسط درهم ونصف مصطكي درهم لوز مر درهم ونصف مقل ثلاثة دراهم وتدق الأدوية ويحل المقل بالشراب ويعجن به الأدوية ويقرص الشربة ثلاثة دراهم بماء العسل أو بطبيخ البزور. وإن كانت حرارة فبماء اللبلاب والهندبا. ومن ذلك دواء اسقلينادوس المتخذ بمرارة الدب فإنه مجرب نافع لما فيه من صنوف الأدوية من ذلك على شرائطها التي ذكرناها. ونسخته: يؤخذ كمافيطوس وفراسيون وبزر كرفس جبلي والجنطيانا وبزر الفنجنكشت ومرارة الدب وخردل وبزر القثاء واسقولوقندريون وأصل الجاوشير وخواتيم البحيرة وفوة الصبغ وبزر الكرنب والزرواند والفلفل والسنبل الهندي والقسط وبزر الكرفس البستاني وبزر الجرجير والبقلة اليهودية والجعدة والافيون والغافت وحبّ العرعر أجزاء سواء يعجن بعسل. والشربة منه قدر بندقة بشراب معسل قدر قواثوس. ومما ينفع من ذلك دواء الكركم والأثاناسيا. وترياق الأربعة والشجرينا نافعان في ذلك. ومن المركبات المجربة الخفيفة في ذلك دواء طرحشقوق المذكور في باب الدبيلة وأدوية ذكرناها في باب الأورام الباردة مطلقاً. وإذا استعمل كل يوم من أقراص الأمير باريس أسبوعاً يشرب في الماء ويبتدأ من وزن درهم ونصف إلى درهمين ونصف كان نافعاً. وإن جمع شيئاً من الماء استعمل أقراص الصفر والشبرم متدرجاً من ثلث درهم إلى درهم ويجتهد أن لا يوقعه ذلك في قيام. ومن الأضربة التي تشرب سلاقة القسط وقضبان الغافت والحلبة والزبيب أربع أواق مع أوقية دهن الجوز أو دهن الجوز الطري أو سلاقة تتخذ من الجنطانيا والأفسنتين وإكليل الملك والزبيب والتين أو سلاقة من الراوند والأفسنتين والسذاب وفقاح الأذخر والزبيب والحلبة وسلاقة الترمس والقسط والأفسنتين بدهن الخروع. ومن الأضمدة الجيدة لذلك أن يضمد بالحماما الرطب أو اليابس المطبوخ في شراب عفص أو السنبل بدهن الفستق مع الفارسيون أو الفراسيون مع الشبث المطبوخ أو ضمّاد يتخذ من دقيق الحلبة والتين والسذاب وإكليل الملك والنطرون أو يؤخذ من الأشق وزن مائة درهم ومن المقل خمسة وعشرون درهماً ومن الزعفران اثنا عشر درهماً يسحق الجميع ويجمع بقيروطي متخذ من الشمع ومن دهن الحناء بحسب المشاهدة. أو ضماد متخذ من دقيق الحلبة وبعر الماعز وقردمانا وفوذنج وكرنب وأشنة وسذاب. والذي يكون سببه ضربة - وقد ابتدأ يرم ويصلب - فأوفق الأضمدة له مرهم المورد سفرم. ومن التدبير الجيد إذا استعملت المشروبات والأضمدة أن يوضع على العضو محجمة مسخنة ولا يشرط بل تعلق على الموضع العليل ثم يستعمل الأدوية التي هي أقوى في التحليل في التلطيف والتحليل. ويلزم الموضع مثل النطرون والكبريت الأصفر يلزم الموضع في كل خمسة أيام أو أسبوع ثم يستعمل الطلاء بالخردل في كل عشرة أيام ثم يقيأ العليل بالفجل. فإن استعصى الورم استعمل الخربق الأبيض وإذا صار الورم سرطانياً قل الرجاء فيه. فإن نفع فيه شيء فدواء الاسقلنيادوس الذي في القراباذين بغير مرارة الدبّ. وأما الأغذية فما يسرع انهضامه مثل صفرة البيض النمبرشت ومثل كشك الشعير ومثل غذاء من به سدد في كبده والقليل الرقيق من الشراب جداً ويجتنب اللحم. هي قريبة من علاج أورام الكبد ومن جهة الأدوية إلا أن الجرأة على ردع المادة أولاً وعلى تحليلها ثانياً تكون أقوى ولا يخاف منه من القبض والتحليل ما يخاف في ورم الكبد. وعلاج أورام الماساريقا هو مثل علاج أورام تقعير الكبد فحسب. أنه قد تعرض ضربة أو صدمة أو سقطة على الكبد فيحتاج أن تتدارك لئلا يحدث منها نزف أو ورم عظيم. فإن عرض ورم عولج بما ذكرنا من علاج الورم الذي يعقب الضربة وربما عرض منه أن الزائدة الكبيرة من زوائد الكبد تزول عن موضعها وخصوصاً إن كانت كبيرة فيحدث وجع تحت الشراسيف اليمنى عقيب ضربة أو صدمة أو سقطة.وهذا يصلحه الغمز والنفض مع انتصاب من صدر الذي به ذلك وقيام منه فيسكن الوجع دفعة بعود الزائدة إلى موضعها. وأما غير ذلك فيحتاج إلى أن تبدأ فتفصد. وإن كانت حرارة شديدة فيسقى ويطلى من المبردات الرادعة. وإن خرج دمه فاجعل معها القوابض. وإن لم يكن حرارة شديدة ولا سيلان دم أو كان قد سكن ما كان من ذلك وانتهى وإنما وكدك أن تحلل دماً إن مات فاستعمل المحلل ولا مثل الطلاء بالمومياي ودهن الرازقي. وينفع من جميع ذلك الأدوية المذكورة في باب الأورام الحادثة من الصدمة. يؤخذ من الراوند والجلنار ودم الأخوين والشب اليماني أجزاء سواء. والشربة من ذلك مثقال بماء السفرجل. وإن لم يكن هناك حرارة كثيرة وأردت أن تستعمل أدوية فيها ردع مع تحليل ما وتغرية فينفع من ذلك هذا التركيب. ونسخته: يؤخذ كهربا عشرة دراهم إكليل الملك عشرة دراهم ورد خمسة أقاقيا أربعة سنبل هندي وزعفران من كل واحد ست مصطكي وقشور الكندر من كل واحد أربعة طين أرمني سبعة جوز السرو ثمانية يعجن بماء لسان الحمل ويقرّص كل قرصة مثقال ويستعمل. دواء آخر جيد: يؤخذ من موريافيليون عشرة ومن اللك المغسول سبعة ومن الراوند الصيني سبعة ومن الزعفران وزن ثلاثة دراهم ونصف حاشا وزن أربعة دراهم حمص أسود سبعة دراهم مر خمسة طين أرمني عشرة يلت بدهن السوسن وقد جعل معه مومياي ويتخذ منه أقراص ويسقى. والشربة منه إلى ثلاثة دراهم. والراوند الصيني والطين المختوم إذا خلط بشيء من حبّ الآس كان أنفع الأشياء لهذا فيما جربته أنا. وأما في آخر الأمر وحين لا يتوقى ما يتوقى من الالتهاب والتورم فيجب أن يسقى من هذا القرص. ونسخته: يؤخذ راوند ولك زنجبيل يتخذ منها أقراص وربما جعل معها شيء من الزرنيخ الأصفر فإنه عجيب القوّة في الرضّ وتحليل الورم يسقى من هذا ويطلى عليه مثل هذا الطلاء فإنه عجيب القوة. ونسخته: يؤخذ من العود والزعفران وحبٌ الغار ومقل وذريرة ومصطكي وشمع ودهن الرازقي وميسوسن يجعل ضماداً. زعم أبقراط أن من انخرق كبده مات ويعني به تفرّق اتصال عام فيها لجرمها ولعروقها. وأما ما دون ذلك فقد يرجى وربما حدث هناك بول دم وإسهاله بحسب جانبي الكبد. المعالجات: علاج ذلك يكون بالأدوية القابضة والمغرية على ما تعلم وعلى ما قيل في باب نفث الدم وربما نفع سقيه وزن درهمين من الورد بماء بارد أو سقيه جنلنار بماء الورد أو يضمد بهما أو يضمد بالطين المختوم مع الصندلين المحكوك بماء الورد فإنه نافع. بسبب الكبد أن تندفع بارزة أو تحتقن كامنة قد تختلف الاندفاعات في جوهر ما يندفع وقد يختلف بالسبب الذي له يندفع.فأما جوهر ما يندفع فقد يكون شيئاً كيلوسياً وقد يكون مائياً وقد يكون غسالياً وقد يكون مرّياً وقد يكون صديدياً وقد يكون مدياً وقد يكون أسود رقيقاً وأسود كالدردي وأسود سوداوياً وقد يكون منتناً وقد يكون غير منتن وقد يكون دماً خالص ربما اندفع مثله من طريق المعدة بالقيء. ويدلّ عليه عدم الوجع وقد يكون شيئاً غليظاً أسود هو جوهر لحم الكبد. وأما السبب الذي يندفع فربما كان ورماً انفجر أو سدّة انفتحت واندفعت أو فتقاً وشقاً عرض في جرمه أو عروقه سببه قطع أو ضربة أو وثي أو قرحة أو تأكل أو ضعف من الماسكة فلا تمسك ما يحصل أو ضعف من الجاذبة فلا تجذب أو ضعف من الهاضمة فلا هضم ما يحصل فيها. وإذا لم ينهضم لم يقبله البدن ودفعه أو قوة من الدافعة أو سوء مزاج مذيب أو بارد مضعف من أسباب مبرّدة ومنها الاستفراغات الكثيرة أو يكون لامتلاء وفضل تحتاج الطبيعة إلى دفعه وربما كان الامتلاء بحسب البدن كله وربما كان في نفس الكبد إذا أحسّ بتوليد الدم لكن مكث فيها الدم فلم ينفذ في العروق لضيقها أو لضعف الجذب فيها أو لسدد أو أورام وقد يكون سبب الامتلاء الذي يندفع ترك رياضة أو زيادة في الغذاء أو قطع عضو على ما ذكرنا في الكتاب الكلي أو احتباس سيلان معتاد من باسور أو طمث أو غير ذلك وقد يكون السبب لذعاً وحمّة من المادة يحوج الطبيعة إلى الدفع وإن كانت القوى لم تفعل بعد فيها فعلها الذي تفعله لو لم يكن هذا الأذى وربما استصحب ما يجده في الطريق وصار له عنف وعسف. وقد يكون مثل هذا في البحرانات وربما لم يكن السبب في الكبد نفسها بل في الماساريقا وإن كان ليس يمكن في الماساريقا جميع وجوه هذه الأسباب فيمكن أن يكون من جهة أورام وسدد. وإن كان يبعد أو لا يمكن أن يكون الكبد يجذب والماساريقا لا يجذب فيعرض منه أمر يعتدّ به فإن الجذب الأول للكبد لا للماساريقا وليس جذب الماساريقا وحده جذباً يعتدّ به. وكثيراً ما يكون القيام الكبدي لأن البدن لا يقبل الغذاء فيرجع لسدد أو غير ذلك. وجميع أصناف هذه الاندفاعات تستند في الحقيقة إما إلى ضعف أو إلى قوة فيكون الفتقي والقرحي والمنسوب إلى سوء المزاج وضعف القوى من جنس الضعيف. وفتح السدد وتفجير الدبيلات ودفع الفضل من جنس القوى فإن القوة ما لم تقو لم تدفع فتح الدبيلة وفضل الدم الفاسد لكثرة الاجتماع وقلة الامتياز منه وفضل الدم الكثير وغير ذلك. وإذا خرج الدم منتناً فليس يجب أن يظن به أن هناك ضعفاً فإنه قد نتن لطول المكث ثم يندفع وهو كالدردي الأسود إذا فضل ودفعته الطبيعة. كما ينتن أيضاً في القروح لكن الذي يندفع عن القوة يتبعه خف وتكون معه صحة الأحوال. وإذا لم يكن المنتن في كل حال رديئاً فالأسود أولى أن لا يكون في كل حال رديئاً. وكذلك قد يكون في اندفاعات ألوان مختلفة شفاء وخفّ. ويخطئ من يحبس هذه الألوان المختلفة في كل حال وأشدّ خطأ منه من يحبسها بالمسددات المقبضة. وليعلم أنه لا يبعد أن القوة كانت ضعيفة لا تميز الفضول ولا تدفع الامتلاء ثم عرض لها أن قويت القوة أو حصل من استعداد المواد للاندفاع وانفتاح السدد ما يسهل معه الدفع المتصعّب فاندفعت الفضول. والسبب في الإسهال الكيلوسي الذي بسبب الكبد وما يليه إما ضعف القوة الجاذبة التي في الكبد أو السدد والأورام في تقعيرها وفي الماساريقا حتى لا تجذب ولا تغيّر البتّة. وسنذكر حكم هذا السددي في باب الأمعاء وهو مما إذا أمهل أذبل وأسقط القوة وإذا احتبس نفح في الأعالي وآذاها وضيق النفس وأما كثرة المادة الكيلوسية وكونها أزيد من القوة الجاذبة التي في الكبد فتبقى عامتها غير منجذبة. وربما كان السبب في ذلك شدة شهوة المعدة وإفراطها. والسبب في الإسهال الغسالي هو ضعف القوة المغيرة والمميزة التي في الكبد أو زيادة المنفعل عن الفاعل أو لضعف الماسكة ويكون حينئذ نسبة الإسهال الغسالي من الكبد الضعيف نسبة القيء والهيضة عما لا تحتمله المعدة من المعدة الضعيفة فتندفع قبل تمام الفعل لضعف الماسكة. فإذا لم يكن لضعف الماسكة فهو لضعف المغيرة. والضعفان يتبعان ضعف كل سوء مزاج لكن أكثر ضعف الماسكة لحرارة ورطوبة. وأكثر ضعف المغيرة لبرودة فلا يخر من القضية أن الغسالي يكون لحرارة فقط أو لبرودة فقط. وفي الحالين فإن الغسالي يستحيل إلى ما هو أكثر دموية لشدة الاستنباع من البدن إلى ما هو خاثر. وللكائن عن الحرارة علامة أخرى وللكائن عن البرودة علامة أخرى سنذكرهما. والسبب في الإسهال المراري كثرة المرار وقوة الدافعة. والسبب في الصديدي احتراق دم وأخلاط وذوبها وربما أدت إلى احتراق جرم الكبد نفسه وإخراجه بعد الأخلاط المختلفة وقد يكون الصديدي بسبب ترشح من ورم أو دبيلة وكثيراً ما يكون لترشح من الكبد ويكون للقيام أدوار. والسبب في الخاثر الذي يشبه الدرديّ إما انفجار من دبيلة وإما سدد انفتحت وأما تأكّل وقروح متعفنة وإما احتراق من الدم وتغيّره في نواحي الكبد لقلة النفوذ مع حرارة الكبد وما يليها أو تغيره في العروق إذا كانت شديدة الحرارة وأفسدته فلم يمتر منها البدن فغلظ وصار كالدردي منتناً شديد النتن وفيه زبدية للغليان والذوبان ومرار لغلبة الحرارة. وإذا فسد هذا الفساد دفعته الطبيعة القوية ودلت على فساد مزاج في الأعضاء وتكون أصحابه لا محالة نحفاء مهزولين ويفارق السوداء باللون والقوام والنتن فإنه دونها في السواد وأغلظ منها في القوام ونتنه شديد ليس للسوداء مثله وأما برد يخثر الدم ويجمده أو ضعف من الكبد يؤدي الأمر عن الغسالي إلى الدموي وإلى الدردي ولا يكون بغتة إلا في النادر. وأكثر ما يكون بغتة هو عن سوء مزاج حار محترق فإن البارد يجعله سيالاً غير نضيج والحار المحترق يخثره كالدردي وإما لخروج نفس لحم الكبد محترقاً غليظاً. والسبب في المنتن عفونة عرضت لتأكل وقرحة أو لكثرة احتباس واحتراق والسبب في الدم النقيج قوة قوية لم تحتج أن تزاول الفضل الدموي مدة يتغير فيها ثم تدفعه. وقد تكون لانحلال فرد. قال بقراط: من امتلأت كبده ماء ثم انفجر ذلك إلى الغشاء الباطن فإذا امتلأت بطنه مات. واعلم أن الإكثار من شرب النبيذ الطري يوقع في القيام الكبدي. وإذا كان احتباس القيام يكرب وانحلاله بعيد الراحة فهو مهلك. واعلم أن الشيخ الطويل المرض إذا أعقبه مرضه قياماً وهو نحيف وإذا احتبس قيامه تأذى فقيامه كبدي وبدنه ليس يقبل الغذاء لجفاف المجاري. العلامات: أما الفرق بين الإسهال الكبدي والمعوي فهو أن الأخلاط الرديئة الخارجة والدم من المعي يكون مع سحج مؤلم ومغص ويكون قليلاً قليلاً على اتصال. والكبدي يكون بلا ألم ويكون كثيراً ولا يكون دائماً متصلاً بل في كل حين وقد يفرّق بينهما الاختلاط بالبراز والانفراد عنه والتأخر عنه فإن أكثر الكبدي يجيء بعد البراز قليل الاختلاط به. وأما الفرق بين الإسهال الكبدي والمعدي فهو أن الكبدي يخرج كيلوسياً مستوياً قد قضت المعدة ما عليها فيه وبقي تأثر الكبد فيه. ولو كان معدياً لسال فيما يسيل شيء غير منهضم ولنقل على المعدة وكان معه آفات المعدة. وربما خرج الشيء غير منهضم لا بسبب المعدة وحدها بل بسبب مشاركة الكبد أيضاً للمعدة لكنه ينسب إلى المعدة بأن الآفة في فعلها. والفرق بين الإسهال الكيلوسي الذي من الكبد. والذي من الماساريقا أن الذي من الماساريقا لا تكون معه علامات ضعف الكبد في اللون وفي البول وغير ذلك. وأما الفرق بين الصديد الكائن عن قرحة أو رشح ورم وبين الكائن من الجهات الأخرى فهو أن الأول يكون قبله حمى وهذا الآخر يبتدئ بلا حمى. فإن حمّ بعد ذلك فبسبب آخر. والصديد الذي ذكرناه أنه من الماساريقا ومن الأورام فيها يكون معه اختلاف كيلوس صرف من غير علامات ضعف في نفس الكبد من ورم أو وجع يحيل اللون وتكون حماه التي تلزمه ضعيفة. وبالجملة فإن الصديد الكبدي أميل إلى بياض وحمرة وكأنه رشح عن قيح ودم والماساريقائي أميل إلى بياض من صفرة كأنه صديد قرحة. وأما الفرق بين الخاثر الذي عن قروح وتكّل ودبيلات والذي عن قوة فهو أن هذا الذي عن قوة يوجد معه خف وتخرج معه ألوان مختلفة عجيبة ولا يكون معه علامات أورام وربما كانت قبله سدد. وكيف كان فلا يتقدمه حمى وذبول ولا يتقدمه إسهال غسالي أو دموي رقيق أو صديدي. والذي يكون بسبب أورام حبست الدم وأفسدته وليست دبيلات فعلامته أن يكون هناك ورم وليس هناك علامة أجمع ويكون أولاً رقيقاً صديدياً رشحياً ثم يغلظ آخر الأمر. والذي يكون لضعف الكبد المبتدئ من الغسالي والصائم إلى الدردي فإنه يتقدمه ذلك وقلما يكون بغتة. فإن كان بغتة مع تغير لون وسقوط شهوة فهو أيضاً عن ضعف. وإذا كان السبب مزاجاً ما دل عليه علاماته. والدرديّ الذي سببه حرارة يشبه الدم المحترق ويتقدمه ذوبان الأخلاط والأعضاء واستطلاق صديدي والعطش وقلة الشهوة وشدّة حمرة الماء وربما كانت معه حميّات ويكون برازه كبراز صاحب حمى من وباء في شدة النتن والغلظ وإشباع اللون ثم يخرج في آخره دم أسود. والذي سببه البرودة فيشبه الدم المتعفن في نفسه ليس كاللحم الذائب ولا يكون شديد النتن جداً بل نتنه أقلّ من نتن الحار ويكون أيضاً أقلّ تواتراً من الحار وأقلّ لوناً وربما كان دماً رقيقاً أسود كأنه دم معتكر تعكر إما ليس بجامد ويكون استمراره غسالياً أكثر ويكون العطش في أوله قليلاً وشهوة الطعام أكثر وربما تأدى في آخره للعفونة إلى حميات فيسقط الشهوة أيضاً ويؤدي إلى الاستسقاء. وبالجملة هو أطول امتداد حال. ويستدل على ما يصحب المزاجين من الرطوبة واليبوسة بحال ما يخرج في قوامه وبالعطش. والذي يكون عن الدبيلة فقد يكون قيحاً غليظاً ودماً عكراً وأخلاطاً كثيرة كما يكون في السدد ولكن العلامات في نضجها وانفجارها تكون كما قد علمت ووقفت عليها من قبل وربما سال من الدبيلي والورمي في أوله صديد رقيق ثم عند الانفجار تخرج المدة وقد يسيل معها دم. والذي يكون عن قرحة أو آكلة فيكون مع وجع في ناحية الكبد ومع قلة ما يخرج ونتنه وتقدم موجبات القروح والأكال. والذي يكون الخارج منه نفس لحم الكبد فيكون أسود غليظاً ويصحبه ضعف بقرب من الموت وأوقات سالفة. والذي يكون لامتلاء من ورم وعن احتباس سيلان أو قطع عضو أو ترك رياضة أو نحوه فيدل عليه سببه ويكون دفعة ومع كثرة وانقطاع سريع ونوائب. وكل من تأذى أمره في الخلفة الطويلة كان دردياً أو صديدياً أو غير ذلك إلى أن يخلف الأسود قل فيه الرجاء. وربما نفعته الأدوية القوية القابضة الغذائبة قليلاً ولكن لم يبالغ مبالغة تؤدي إلى العافية. وأما علاج هذا الباب فقد أخرناه إلى باب الإسهالات فليطلب من هناك.
|