الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.بَاب تَحْرِيم الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة أَخِيهِ حَتَّى يَأْذَن أَوْ يَتْرُك: وَقَالَ دَاوُدَ: يُفْسَخ النِّكَاح. وَعَنْ مَالِك رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك: يُفْسَخ قَبْل الدُّخُول لَا بَعْده. أَمَّا إِذَا عُرِّضَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يُصَرَّح فَفِي تَحْرِيم الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَته قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا لَا يَحْرُم. وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: لَا يَحْرُم حَتَّى يَرْضَوْا بِالزَّوْجِ وَيُسَمَّى الْمَهْر، وَاسْتَدَلُّوا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا هُوَ إِذَا حَصَلَتْ الْإِجَابَة بِحَدِيثِ فَاطِمَة بِنْت قَيْس فَإِنَّهَا قَالَتْ: خَطَبَنِي أَبُو جَهْم وَمُعَاوِيَة، فَلَمْ يُنْكِر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطْبَة بَعْضهمْ عَلَى بَعْض، بَلْ خَطَبَهَا لِأُسَامَة. وَقَدْ يُعْتَرَض عَلَى هَذَا الدَّلِيل فَيُقَال: لَعَلَّ الثَّانِي لَمْ يَعْلَم بِخِطْبَةِ الْأَوَّل، وَأَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بِأُسَامَة لَا أَنَّهُ خَطَبَ لَهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْخِطْبَة رَغْبَة عَنْهَا، وَأَذِنَ فيها، جَازَتْ الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَته، وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى خِطْبَة أَخِيهِ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: ظَاهِره اِخْتِصَاص التَّحْرِيم بِمَا إِذَا كَانَ الْخَاطِب مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا تَحْرِيم، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء: تَحْرُم الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة الْكَافِر أَيْضًا، وَلَهُمْ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ الْحَدِيث بِأَنَّ التَّقْيِيد بِأَخِيهِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِب، فَلَا يَكُون لَهُ مَفْهُوم يَعْمَل بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ مِنْ إِمْلَاق} وَقَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ} وَنَظَائِره وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيح الَّذِي تَقْتَضِيه الْأَحَادِيث وَعُمُومهَا أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن الْخَاطِب الْفَاسِق وَغَيْره. وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم الْمَالِكِيّ: تَجُوز الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة الْفَاسِق. و(الْخِطْبَة) فِي هَذَا كُلّه بِكَسْرِ الْخَاء، وَأَمَّا (الْخُطْبَة) فِي الْجُمُعَة وَالْعِيد وَالْحَجّ وَغَيْر ذَلِكَ وَبَيْن يَدَيّ عَقْدِ النِّكَاح فَبِضَمِّهَا. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَبِعْ بَعْضكُمْ عَلَى بَيْع بَعْض، وَلَا يَسُمْ عَلَى سَوْم أَخِيهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِر لِبَادٍ» فَسَيَأْتِي شَرْحهَا فِي كِتَاب الْبُيُوع إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. 2530- سبق شرحه بالباب. 2531- سبق شرحه بالباب. 2532- سبق شرحه بالباب. 2533- سبق شرحه بالباب. 2534- سبق شرحه بالباب. 2535- قَوْله: (حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ الْعَلَاء وَسُهَيْل عَنْ أَبِيهِمَا) هَكَذَا صُورَته فِي جَمِيع النُّسَخ. و(أَبُو الْعَلَاء) غَيْر أَبِي سُهَيْل فَلَا يَجُوز أَنْ يُقَال عَنْ أَبِيهِمَا قَالُوا: وَصَوَابه أَبَوَيْهِمَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: وَيَصِحّ أَنْ يُقَال عَنْ أَبَيْهِمَا بِفَتْحِ الْبَاء عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ فِي تَثْنِيَة الْأَب (أَبَان) كَمَا قَالَ فِي تَثْنِيَة (الْيَد) (يَدَانِ) فَتَكُون الرِّوَايَة صَحِيحَة، لَكِنَّ الْبَاء مَفْتُوحَة. وَاَللَّه أَعْلَم. 2536- سبق شرحه بالباب. .بَاب تَحْرِيم نِكَاح الشِّغَار وَبُطْلَانه: قَالَ الْعُلَمَاء: الشِّغَار بِكَسْرِ الشِّين الْمُعْجَمَة وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة أَصْله فِي اللُّغَة الرَّفْع. يُقَال: شَغَرَ الْكَلْب إِذَا رَفَعَ رِجْله لِيَبُولَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَرْفَع رِجْل بِنْتِي حَتَّى أَرْفَع رِجْل بِنْتك. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ شَغَرَ الْبَلَد إِذَا خَلَا لِخُلُوِّهِ عَنْ الصَّدَاق، وَيُقَال: شَغَرَتْ الْمَرْأَة إِذَا رَفَعَتْ رِجْلهَا عِنْد الْجِمَاع. قَالَ اِبْن قُتَيْبَة: كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَشْغَر عِنْد الْجِمَاع. وَكَانَ الشِّغَار مِنْ نِكَاح الْجَاهِلِيَّة. وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيّ عَنْهُ، لَكِنْ اِخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ نَهْي يَقْتَضِي إِبْطَال النِّكَاح أَمْ لَا؟ فَعِنْد الشَّافِعِيّ يَقْتَضِي إِبْطَاله، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبِي عُبَيْد، وَقَالَ مَالِك: يُفْسَخ قَبْل الدُّخُول وَبَعْده، وَفِي رِوَايَة عَنْهُ قَبْله لَا بَعْده، وَقَالَ جَمَاعَة: يَصِحّ بِمَهْرِ الْمَثَل، وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة، وَحُكِيَ عَنْ عَطَاء وَالزُّهْرِيّ وَاللَّيْث، وَهُوَ رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَإِسْحَاق، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن جَرِير، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْر الْبَنَات مِنْ الْأَخَوَات وَبَنَات الْأَخ وَالْعَمَّات وَبَنَات الْأَعْمَام وَالْإِمَاء كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا، وَصُورَته الْوَاضِحَة: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجنِي بِنْتك، وَيَضَع كُلّ وَاحِدَة صَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَيَقُول: قَبِلْت. وَاَللَّه أَعْلَم. 2537- سبق شرحه بالباب. 2538- سبق شرحه بالباب. 2539- سبق شرحه بالباب. 2540- سبق شرحه بالباب. 2541- سبق شرحه بالباب. .باب الْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ: وَأَمَّا شَرْط يُخَالِف مُقْتَضَاهُ كَشَرْطٍ أَلَّا يَقْسِم لَهَا، وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، وَلَا يُنْفِق عَلَيْهَا، وَلَا يُسَافِر بِهَا، وَنَحْو ذَلِكَ، فَلَا يَجِب الْوَفَاء بِهِ بَلْ يَلْغُو الشَّرْط وَيَصِحّ النِّكَاح بِمَهْرِ الْمَثَل لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ شَرْط لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه فَهُوَ بَاطِل» وَقَالَ أَحْمَد وَجَمَاعَة: يَجِب الْوَفَاء بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ إِنَّ أَحَقّ الشُّرُوط وَاَللَّه أَعْلَم. .بَاب اِسْتِئْذَان الثَّيِّب فِي النِّكَاح بِالنُّطْقِ وَالْبِكْر بِالسُّكُوتِ: قَالَ الْعُلَمَاء: (الْأَيِّم) هُنَا الثَّيِّب كَمَا فَسَرَّتْهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرنَا، وَلِلْأَيِّمِ مَعَانٍ أُخَر. و(الصُّمَات) بِضَمِّ الصَّاد هُوَ السُّكُوت. قَالَ الْقَاضِي: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْأَيِّمِ هُنَا مَعَ اِتِّفَاق أَهْل اللُّغَة عَلَى أَنَّهَا تُطْلَق عَلَى اِمْرَأَة لَا زَوْج لَهَا صَغِيرَة كَانَتْ أَوْ كَبِيرَة، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، قَالَهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَإِسْمَاعِيل الْقَاضِي وَغَيْرهمَا. وَالْأَيْمَة فِي اللُّغَة الْعُزُوبَة، وَرَجُل أَيِّم وَامْرَأَة أَيِّم. وَحَكَى أَبُو عُبَيْد أَنَّهُ أَيِّمَة أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي: ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِهَا هُنَا فَقَالَ عُلَمَاء الْحِجَاز وَالْفُقَهَاء كَافَّة: الْمُرَاد الثَّيِّب، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى بِالثَّيِّبِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِأَنَّهَا جُعِلَتْ مُقَابِلَة لِلْبِكْرِ، وَبِأَنَّ أَكْثَر اِسْتِعْمَالهَا فِي اللُّغَة لِلثَّيِّبِ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزُفَر: الْأَيِّم هُنَا كُلّ اِمْرَأَة لَا زَوْج لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَة. قَالُوا: فَكُلّ اِمْرَأَة بَلَغَتْ فَهِيَ أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا، وَعَقْدهَا عَلَى نَفْسهَا النِّكَاح صَحِيح، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ. قَالُوا: وَلَيْسَ الْوَلِيّ مِنْ أَرْكَان صِحَّة النِّكَاح، بَلْ مِنْ تَمَامه. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد: تَتَوَقَّف صِحَّة النِّكَاح عَلَى إِجَازَة الْوَلِيّ. قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقّ مِنْ وَلِيّهَا» هَلْ هِيَ أَحَقّ بِالْإِذْنِ فَقَطْ، أَوْ بِالْإِذْنِ وَالْعَقْد عَلَى نَفْسهَا؟ فَعِنْد الْجُمْهُور بِالْإِذْنِ فَقَطْ، وَعِنْد هَؤُلَاءِ بِهِمَا جَمِيعًا. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقّ بِنَفْسِهَا» يَحْتَمِل مِنْ حَيْثُ اللَّفْظ أَنَّ الْمُرَاد أَحَقّ مِنْ وَلِيّهَا فِي كُلّ شَيْء مِنْ عَقْد وَغَيْره كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَدَاوُد، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا أَحَقّ بِالرِّضَا أَيْ لَا تُزَوَّج حَتَّى تَنْطِق بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْر، وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ» مَعَ غَيْره مِنْ الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى اِشْتِرَاط الْوَلِيّ تَعَيَّنَ الِاحْتِمَال وَالثَّانِي. وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَة (أَحَقّ) هُنَا لِلْمُشَارَكَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسهَا فِي النِّكَاح حَقًّا، وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا، وَحَقّهَا أَوْكَد مِنْ حَقّه. فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَر، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّج كُفُؤًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيّ أُجْبِرَ، فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي، فَدَلَّ عَلَى تَأْكِيد حَقّهَا وَرُجْحَانه. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْر: «وَلَا تُنْكَح الْبِكْر حَتَّى تُسْتَأْمَر» فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ: الِاسْتِئْذَان فِي الْبِكْر مَأْمُور بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيّ أَبًا أَوْ جَدًّا كَانَ الِاسْتِئْذَان مَنْدُوبًا إِلَيْهِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اِسْتِئْذَانهَا صَحَّ لِكَمَالِ شَفَقَته، وَإِنْ كَانَ غَيْرهمَا مِنْ الْأَوْلِيَاء وَجَبَ الِاسْتِئْذَان وَلَمْ يَصِحّ قَبْله. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَغَيْرهمَا مِنْ الْكُوفِيِّينَ: يَجِب الِاسْتِئْذَان فِي كُلّ بِكْر بَالِغَة. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْر: «إِذْنهَا صُمَاتهَا» فَظَاهِره الْعُمُوم فِي كُلّ بِكْر، وَكُلّ وَلِي، وَأَنَّ سُكُوتهَا يَكْفِي مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: إِنْ كَانَ الْوَلِيّ أَبًا أَوْ جَدًّا فَاسْتِئْذَانه مُسْتَحَبّ، وَيَكْفِي فيه سُكُوتهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرهمَا فلابد مِنْ نُطِقْهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي مِنْ الْأَب وَالْجَدّ أَكْثَر مِنْ غَيْرهمَا. وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّ السُّكُوت كَافٍ فِي جَمِيع الْأَوْلِيَاء لِعُمُومِ الْحَدِيث لِوُجُودِ الْحَيَاء، وَأَمَّا الثَّيِّب فلابد فيها مِنْ النُّطْق بِلَا خِلَاف سَوَاء كَانَ الْوَلِيّ أَبًا أَوْ غَيْره لِأَنَّهُ زَالَ كَمَال حَيَائِهَا بِمُمَارَسَةِ الرِّجَال، وَسَوَاء زَالَتْ بَكَارَتهَا بِنِكَاحٍ صَحِيح أَوْ فَاسِد، أَوْ بِوَطْءِ شُبْهَة أَوْ بِزِنًا، وَلَوْ زَالَتْ بَكَارَتهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ بِإِصْبَعٍ أَوْ بِطُولِ الْمُكْث أَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرهَا فَلَهَا حُكْم الثَّيِّب عَلَى الْأَصَحّ وَقِيلَ: حُكْم الْبِكْر وَاَللَّه أَعْلَم. وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط إِعْلَام الْبِكْر بِأَنَّ سُكُوتهَا إِذْن، وَشَرَطَهُ بَعْض الْمَالِكِيَّة، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَاب مَالِك عَلَى اِسْتِحْبَابه، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي اِشْتِرَاط الْوَلِيّ فِي صِحَّة النِّكَاح فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ: يُشْتَرَط، وَلَا يَصِحّ نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُشْتَرَط فِي الثَّيِّب وَلَا فِي الْبِكْر الْبَالِغَة، بَلْ لَهَا أَنْ تُزَوِّج نَفْسهَا بِغَيْرِ إِذْن وَلِيّهَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْر: يَجُوز أَنْ تُزَوِّج نَفْسهَا بِإِذْنِ وَلِيّهَا، وَلَا يَجُوز بِغَيْرِ إِذْنه. وَقَالَ دَاوُدَ: يُشْتَرَط الْوَلِيّ فِي تَزْوِيج الْبِكْر دُون الثَّيِّب، وَاحْتَجَّ مَالِك وَالشَّافِعِيّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور: «لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ» وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْي الصِّحَّة. وَاحْتَجَّ دَاوُدَ بِأَنَّ الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي مُسْلِم صَرِيح فِي الْفَرْق بَيْن الْبِكْر وَالثَّيِّب، وَأَنَّ الثَّيِّب أَحَقّ بِنَفْسِهَا، وَالْبِكْر تُسْتَأْذَن. وَأَجَابَ أَصْحَابنَا عَنْهُ بِأَنَّهَا أَحَقّ أَيْ شَرِيكَة فِي الْحَقّ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُجْبَر، وَهِيَ أَيْضًا أَحَقّ فِي تَعْيِين الزَّوْج. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَة بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْع وَغَيْره فَإِنَّهَا تَسْتَقِلّ فيه بِلَا وَلِيّ، وَحَمَلَ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي اِشْتِرَاط الْوَلِيّ عَلَى الْأَمَة وَالصَّغِيرَة، وَخَصَّ عُمُومهَا بِهَذَا الْقِيَاس، وَتَخْصِيص الْعُمُوم بِالْقِيَاسِ جَائِز عِنْد كَثِيرِينَ مِنْ أَهْل الْأُصُول. وَاحْتَجَّ أَبُو ثَوْر بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور: «أَيّمَا اِمْرَأَة نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْن وَلِيّهَا فَنِكَاحهَا بَاطِل» وَلِأَنَّ الْوَلِيّ إِنَّمَا يُرَاد لِيَخْتَارَ كُفُؤًا لِدَفْعِ الْعَار، وَذَلِكَ يَحْصُل بِإِذْنِهِ. قَالَ الْعُلَمَاء: نَاقَضَ دَاوُدُ مَذْهَبه فِي شَرْط الْوَلِيّ فِي الْبِكْر دُون الثَّيِّب لِأَنَّهُ إِحْدَاث قَوْل فِي مَسْأَلَة مُخْتَلَف فيها، وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَمَذْهَبه أَنَّهُ لَا يَجُوز إِحْدَاث مِثْل هَذَا. وَاَللَّه أَعْلَم. 2543- سبق شرحه بالباب. 2544- سبق شرحه بالباب. 2545- سبق شرحه بالباب. 2546- سبق شرحه بالباب. .بَاب تَزْوِيج الْأَب الْبِكْر الصَّغِيرَة: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَآخَرُونَ مِنْ السَّلَف: يَجُوز لِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاء، وَيَصِحّ وَلَهَا الْخِيَار إِذَا بَلَغَتْ إِلَّا أَبَا يُوسُف فَقَالَ: لَا خِيَار لَهَا. وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِير عَلَى أَنَّ الْوَصِيّ الْأَجْنَبِيّ لَا يُزَوِّجهَا، وَجَوَّزَ شُرَيْح وَعُرْوَة وَحَمَّاد لَهُ تَزْوِيجهَا قَبْل الْبُلُوغ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِك أَيْضًا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه قَالُوا: وَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُزَوِّج الْأَب وَالْجَدّ الْبِكْر حَتَّى تَبْلُغ، وَيَسْتَأْذِنهَا لِئَلَّا يُوقِعهَا فِي أَسْر الزَّوْج وَهِيَ كَارِهَة، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا يُخَالِف حَدِيث عَائِشَة لِأَنَّ مُرَادهمْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجهَا قَبْل الْبُلُوغ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَة ظَاهِرَة يَخَاف فَوْتهَا بِالتَّأْخِيرِ كَحَدِيثِ عَائِشَة، فَيُسْتَحَبّ تَحْصِيل ذَلِكَ الزَّوْج لِأَنَّ الْأَب مَأْمُور بِمَصْلَحَةِ وَلَده فَلَا يُفَوِّتهَا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا وَقْت زِفَاف الصَّغِيرَة الْمُزَوَّجَة وَالدُّخُول بِهَا فَإِنْ اِتَّفَقَ الزَّوْج وَالْوَلِيّ عَلَى شَيْء لَا ضَرَر فيه عَلَى الصَّغِيرَة عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ اِخْتَلَفَا فَقَالَ أَحْمَد وَأَبُو عُبَيْد: تُجْبَر عَلَى ذَلِكَ بِنْت تِسْع سِنِينَ دُون غَيْرهَا. وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة: حَدّ ذَلِكَ أَنْ تُطِيق الْجِمَاع، وَيَخْتَلِف ذَلِكَ بِاخْتِلَافِهِنَّ، وَلَا يُضْبَط بِسِنٍّ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَلَيْسَ فِي حَدِيث عَائِشَة تَحْدِيد، وَلَا الْمَنْع مِنْ ذَلِكَ فِيمَنْ أَطَاقَتْهُ قَبْل تِسْع، وَلَا الْإِذْن فيه لِمَنْ لَمْ تُطِقْهُ وَقَدْ بَلَغَتْ تِسْعًا. قَالَ الدَّاوُدِيّ: وَكَانَتْ قَدْ شَبَّتْ شَبَابًا حَسَنًا رَضِيَ اللَّه عَنْهَا. وَأَمَّا قَوْلهَا فِي رِوَايَة: «تَزَوَّجَنِي وَأَنَا بِنْت سَبْع»، وَفِي أَكْثَر الرِّوَايَات: «بِنْت سِتّ» فَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا سِتّ وَكَسْر فَفِي رِوَايَة اِقْتَصَرَتْ عَلَى السِّنِينَ، وَفِي رِوَايَة عَدَّتْ السَّنَة الَّتِي دَخَّلَتْ فيها. وَاَللَّه أَعْلَم. 2547- قَوْله: (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة قَالَ: وَجَدْت فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَة هَذَا) مَعْنَاة أَنَّهُ وَجَدَ فِي كِتَابه، وَلَمْ يَذْكُر أَنَّهُ سَمِعَهُ، وَمِثْل هَذَا تَجُوز رِوَايَته عَلَى الصَّحِيح، وَقَوْل الْجُمْهُور، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْتَصِر مُسْلِم عَلَيْهِ، بَلْ ذَكَرَهُ مُتَابَعَة لِغَيْرِهِ. قَوْلهَا: «فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَة» الْوَعَك أَلَم الْحُمَّى، و«وَفَى» أَيْ كَمُلَ، و(جُمَيْمَة) تَصْغِير (جُمَّة) وَهِيَ: الشَّعْر النَّازِل إِلَى الْأُذُنَيْنِ وَنَحْوهمَا أَيْ صَارَ إِلَى هَذَا الْحَدّ بَعْد أَنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ بِالْمَرَضِ. قَوْلهَا: «فَأَتَتْنِي أُمّ رُومَان وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَة» (أُمّ رُومَان) هِيَ أُمّ عَائِشَة، وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاء وَإِسْكَان الْوَاو، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَلَمْ يَذْكُر الْجُمْهُور غَيْره. وَحَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي الِاسْتِيعَاب ضَمّ الرَّاء وَفَتْحهَا، وَرَجَّحَ الْفَتْح وَلَيْسَ هُوَ بِرَاجِحٍ. و(الْأُرْجُوحَة) بِضَمِّ الْهَمْزَة هِيَ خَشَبَة يَلْعَب عَلَيْهَا الصِّبْيَانُ وَالْجَوَارِي الصِّغَار، يَكُون وَسَطهَا عَلَى مَكَان مُرْتَفِع، وَيَجْلِسُونَ عَلَى طَرَفهَا وَيُحَرِّكُونَهَا فَيَرْتَفِع جَانِب مِنْهَا وَيَنْزِل جَانِب. قَوْلهَا: «فَقُلْت هَهْ هَهْ حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي» هُوَ بِفَتْحِ الْفَاء هَذِهِ كَلِمَة يَقُولهَا الْمَبْهُور حَتَّى يَتَرَاجَع إِلَى حَال سُكُونه، وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْهَاء الثَّانِيَة فَهِيَ هَاء السَّكْت. قَوْلهَا: «فَإِذَا نِسْوَة مِنْ الْأَنْصَار فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْر وَالْبَرَكَة وَعَلَى خَيْر طَائِر» (النِّسْوَة) بِكَسْرِ النُّون وَضَمّهَا لُغَتَانِ وَالْكَسْر أَفْصَح وَأَشْهَر، و(الطَّائِر) الْحَظّ يُطْلَق عَلَى الْحَظّ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ، وَالْمُرَاد هُنَا عَلَى أَفْضَل حَظّ وَبَرَكَة. وَفيه اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَة لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَمِثْله فِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف: «بَارَكَ اللَّه لَك». قَوْلهَا: «فَغَسَلْنَ رَأْسِيّ وَأَصْلَحْنَنِي» فيه اِسْتِحْبَاب تَنْظِيف الْعَرُوس وَتَزْيِينهَا لِزَوْجِهَا، وَاسْتِحْبَاب اِجْتِمَاع النِّسَاء لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّن إِعْلَان النِّكَاح، وَلِأَنَّهُنَّ يُؤَانِسْنَهَا وَيُؤَدِّبْنَهَا وَيُعَلِّمْنَهَا آدَابهَا حَال الزِّفَاف وَحَال لِقَائِهَا الزَّوْج. قَوْلهَا: «فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ» أَيْ لَمْ يَفْجَأنِي وَيَأْتِنِي بَغْتَة إِلَّا هَذَا. وَفيه جَوَاز الزِّفَاف وَالدُّخُول بِالْعَرُوسِ نَهَارًا، وَهُوَ جَائِز لَيْلًا وَنَهَارًا، وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيّ فِي الدُّخُول نَهَارًا، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابًا. 2549- قَوْله: «وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ اِبْنَة تِسْع سِنِينَ، وَلُعَبهَا مَعَهَا» الْمُرَاد هَذِهِ اللُّعَب الْمُسَمَّاة بِالْبَنَاتِ الَّتِي تَلْعَب بِهَا الْجَوَارِي الصِّغَار، وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيه عَلَى صِغَر سِنّهَا. قَالَ الْقَاضِي: وَفيه جَوَاز اِتِّخَاذ اللُّعَب، وَإِبَاحَة لَعِب الْجَوَارِي بِهِنَّ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرهُ». قَالُوا: وَسَبَبه تَدْرِيبهنَّ لِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَاد وَإِصْلَاح شَأْنهنَّ وَبُيُوتهنَّ. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَخْصُوصًا مِنْ أَحَادِيث النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَصْلَحَة، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَكَانَتْ قِصَّة عَائِشَة هَذِهِ وَلُعَبهَا فِي أَوَّل الْهِجْرَة قَبْل تَحْرِيم الصُّوَر. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب اسْتِحْبَابِ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ فِي شَوَّالٍ وَاسْتِحْبَابِ الدُّخُولِ فِيهِ: .باب نَدْبِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا لِمَنْ يُرِيدُ تَزَوُّجَهَا: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَنْظُر إِلَى مَوَاضِع اللَّحْم، وَقَالَ دَاوُدَ: يَنْظُر إِلَى جَمِيع بَدَنهَا، وَهَذَا خَطَأ ظَاهِر مُنَابِذ لِأُصُولِ السُّنَّة وَالْإِجْمَاع، ثُمَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَأَحْمَد وَالْجُمْهُور أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط فِي جَوَاز هَذَا النَّظَر رِضَاهَا، بَلْ لَهُ ذَلِكَ فِي غَفْلَتهَا، وَمَنْ غَيْر تَقَدُّم إِعْلَام، لَكِنْ قَالَ مَالِك: أَكْرَه نَظَرَهُ فِي غَفْلَتهَا مَخَافَة مِنْ وُقُوع نَظَره عَلَى عَوْرَة. وَعَنْ مَالِك رِوَايَة ضَعِيفَة أَنَّهُ لَا يَنْظُر إِلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَشْتَرِط اِسْتِئْذَانهَا، وَلِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي غَالِبًا مِنْ الْإِذْن، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا، فَرُبَّمَا رَآهَا فَلَمْ تُعْجِبهُ فَيَتْرُكهَا فَتَنْكَسِر وَتَتَأَذَّى، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون نَظَره إِلَيْهَا قَبْل الْخِطْبَة حَتَّى إِنْ كَرِهَهَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْر إِيذَاء بِخِلَافِ مَا إِذَا تَرَكَهَا بَعْد الْخِطْبَة. وَاَللَّه أَعْلَم. قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِذَا لَمْ يُمْكِنهُ النَّظَر اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَبْعَث اِمْرَأَة يَثِق بِهَا تَنْظُر إِلَيْهَا وَتُخْبِرهُ وَيَكُون ذَلِكَ قَبْل الْخِطْبَة لِمَا ذَكَرْنَاهُ. 2553- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّة مِنْ عُرْض هَذَا الْجَبَل» (الْعُرْض) بِضَمِّ الْعَيْن وَإِسْكَان الرَّاء هُوَ الْجَانِب وَالنَّاحِيَة، (وَتَنْحِتُونَ) بِكَسْرِ الْحَاء أَيْ تُقَشِّرُونَ وَتُقَطِّعُونَ. وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام كَرَاهَة إِكْثَار الْمَهْر بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَال الزَّوْج. .باب الصَّدَاقِ وَجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَخَاتَمَ حَدِيدٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَاسْتِحْبَابِ كَوْنِهِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِمَنْ لاَ يُجْحَفُ بِهِ: قَوْلهَا: «جِئْت أَهَبُ لَك نَفْسِي» مَعَ سُكُوته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فيه: دَلِيل لِجَوَازِ هِبَة الْمَرْأَة نِكَاحهَا لَهُ كَمَا قَالَ اللَّه: {وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيّ أَنْ يَسْتَنْكِحهَا خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ أَصْحَابنَا: فَهَذِهِ الْآيَة وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيلَانِ لِذَلِكَ، فَإِذَا وَهَبَتْ اِمْرَأَة نَفْسهَا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْر حَلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَجِب عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ مَهْرهَا بِالدُّخُولِ، وَلَا بِالْوَفَاةِ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْره فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو نِكَاحه وُجُوب مَهْر إِمَّا مُسَمَّى، وَإِمَّا مَهْر الْمِثْل. وَفِي اِنْعِقَاد نِكَاح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ الْهِبَة وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدهمَا يَنْعَقِد لِظَاهِرِ الْآيَة، وَهَذَا الْحَدِيث. وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِد بِلَفْظِ الْهِبَة، بَلْ لَا يَنْعَقِد إِلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيج أَوْ الْإِنْكَاح كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّة، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِد إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدنَا بِلَا خِلَاف، وَيَحْمِل هَذَا الْقَائِل الْآيَة وَالْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْهِبَةِ أَنَّهُ لَا مَهْر لِأَجْلِ الْعَقْد بِلَفْظِ الْهِبَة، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَنْعَقِد نِكَاح كُلّ أَحَد بِكُلِّ لَفْظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك عَلَى التَّأْبِيد، وَبِمِثْلِ مَذْهَبنَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْر وَكَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَاب مَالِك وَغَيْرهمْ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِك وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ يَنْعَقِد بِلَفْظِ الْهِبَة وَالصَّدَقَة وَالْبَيْع إِذَا قُصِدَ بِهِ النِّكَاح سَوَاء ذَكَرَ الصَّدَاق أَمْ لَا، وَلَا يَصِحّ بِلَفْظِ الرَّهْن وَالْإِجَارَة وَالْوَصِيَّة. وَمِنْ أَصْحَاب مَالِك مَنْ صَحَّحَهُ بِلَفْظِ الْإِحْلَال وَالْإِبَاحَة حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض. قَوْله: «فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَر فيها وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ» أَمَّا (صَعَّدَ) فَبِتَشْدِيدِ الْعَيْن أَيْ رَفَعَ، وَأَمَّا (صَوَّبَ) فَبِتَشْدِيدِ الْوَاو أَيْ خَفَضَ، وَفيه دَلِيل لِجَوَازِ النَّظَر لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّج اِمْرَأَة وَتَأَمُّلهُ إِيَّاهَا. وَفيه اِسْتِحْبَاب عَرْض الْمَرْأَة نَفْسهَا عَلَى الرَّجُل الصَّالِح لِيَتَزَوَّجهَا. وَفيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ حَاجَة لَا يُمْكِنهُ قَضَاؤُهَا أَنْ يَسْكُت سُكُوتًا يَفْهَم السَّائِل مِنْهُ ذَلِكَ وَلَا يُخْجِلهُ بِالْمَنْعِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَحْصُل الْفَهْم إِلَّا بِصَرِيحِ الْمَنْع فَيُصَرِّح. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفيه جَوَاز نِكَاح الْمَرْأَة مِنْ غَيْر أَنْ تَسْأَل هَلْ هِيَ فِي عِدَّة أَمْ لَا؟ حَمْلًا عَلَى ظَاهِر الْحَال. قَالَ: وَعَادَة الْحُكَّام يَبْحَثُونَ عَنْ ذَلِكَ اِحْتِيَاطًا. قُلْت: قَالَ الشَّافِعِيّ: لَا يُزَوِّج الْقَاضِي مَنْ جَاءَتْهُ لِطَلَبِ الزَّوَاج حَتَّى يَشْهَد عَدْلَانِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلِيّ خَاصّ، وَلَيْسَتْ فِي زَوْجِيَّة وَلَا عِدَّة. فَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ قَالَ: هَذَا شَرْط وَاجِب، وَالْأَصَحّ عِنْدهمْ أَنَّهُ اِسْتِحْبَاب وَاحْتِيَاط وَلَيْسَ بِشَرْطٍ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُنْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيد» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «خَاتَم مِنْ حَدِيد» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «خَاتَمًا» وَهَذَا وَاضِح، وَالْأَوَّل صَحِيح أَيْضًا أَيْ وَلَوْ حَضَرَ خَاتَم مِنْ حَدِيد، وَفيه دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَلَّا يَنْعَقِد النِّكَاح إِلَّا بِصَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَقْطَع لِلنِّزَاعِ، وَأَنْفَع لِلْمَرْأَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَوْ حَصَلَ طَلَاق قَبْل الدُّخُول وَجَبَ نِصْف الْمُسَمَّى، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَة لَمْ يَجِب صَدَاق، بَلْ تَجِب الْمُتْعَة، فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاح بِلَا صَدَاق صَحَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة} فَهَذَا تَصْرِيح بِصِحَّةِ النِّكَاح وَالطَّلَاق مِنْ غَيْر مَهْر، ثُمَّ يَجِب لَهَا الْمَهْر. وَهَلْ يَجِب بِالْعَقْدِ أَمْ بِالدُّخُولِ؟ فيه خِلَاف مَشْهُور، وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحّهمَا بِالدُّخُولِ، وَهُوَ ظَاهِر هَذِهِ الْآيَة. وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون الصَّدَاق قَلِيلًا وَكَثِيرًا مِمَّا يُتَمَوَّل إِذَا تَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ، لِأَنَّ خَاتَم الْحَدِيد فِي نِهَايَة مِنْ الْقِلَّة. وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَهُوَ مَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَة وَأَبُو الزِّنَاد وَابْن أَبِي ذِئْب وَيَحْيَى بْن سَعِيد وَاللَّيْث بْن سَعْد وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُسْلِم بْن خَالِد الزِّنْجِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَدَاوُد وَفُقَهَاء أَهْل الْحَدِيث وَابْن وَهْب مِنْ أَصْحَاب مَالِك. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالْبَصَرِيَّيْنِ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَغَيْرهمْ أَنَّهُ يَجُوز مَا تَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ مِنْ قَلِيل وَكَثِير كَالسَّوْطِ وَالنَّعْل وَخَاتَم الْحَدِيد وَنَحْوه. وَقَالَ مَالِك: أَقَلّه رُبْع دِينَار كَنِصَابِ السَّرِقَة. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِمَّا اِنْفَرَدَ بِهِ مَالِك. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه: أَقَلّه عَشَرَة دَرَاهِم. وَقَالَ اِبْن شُبْرُمَةَ أَقَلّه خَمْسَة دَرَاهِم اِعْتِبَارًا بِنِصَابِ الْقَطْع فِي السَّرِقَة عِنْدهمَا. وَكَرِهَ النَّخَعِيُّ أَنْ يَتَزَوَّج بِأَقَلّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وَقَالَ مَرَّة: عَشَرَة. وَهَذِهِ الْمَذَاهِب سِوَى مَذْهَب الْجُمْهُور مُخَالِفَة لِلسُّنَّةِ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح الصَّرِيح. وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز اِتِّخَاذ خَاتَم الْحَدِيد، وَفيه خِلَاف لِلسَّلَفِ حَكَاهُ الْقَاضِي. وَلِأَصْحَابِنَا فِي كَرَاهَته وَجْهَانِ: أَصَحّهمَا لَا يُكْرَه لِأَنَّ الْحَدِيث فِي النَّهْي عَنْهُ ضَعِيف، وَقَدْ أَوْضَحْت الْمَسْأَلَة فِي شَرْح الْمُهَذِّب، وَفيه اِسْتِحْبَاب تَعْجِيل تَسْلِيم الْمَهْر إِلَيْهَا. قَوْله: «لَا وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه وَلَا خَاتَم مِنْ حَدِيد» فيه جَوَاز الْحَلِف مِنْ غَيْر اِسْتِحْلَاف وَلَا ضَرُورَة، لَكِنْ قَالَ أَصْحَابنَا: يُكْرَه مِنْ غَيْر حَاجَة، وَهَذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِيُؤَكِّد قَوْله. وَفيه جَوَاز تَزْوِيج الْمُعْسِر وَتَزَوُّجه. قَوْله: «وَلَكِنَّ هَذَا إِزَارِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَصْنَع بِإِزَارِك إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْء، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك مِنْهُ شَيْء» فيه دَلِيل عَلَى نَظَر كَبِير الْقَوْم فِي مَصَالِحهمْ، وَهِدَايَته إِيَّاهُمْ إِلَى مَا فيه الرِّفْق بِهِمْ، وَفيه جَوَاز لُبْس الرَّجُل ثَوْب اِمْرَأَته إِذَا رَضِيَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنّه رِضَاهَا، وَهُوَ الْمُرَاد فِي هَذَا الْحَدِيث. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتهَا بِمَا مَعَك» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ: «مُلِّكْتهَا» بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر اللَّام الْمُشَدَّدَة عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله. وَفِي بَعْض النُّسَخ: «مَلَّكْتُكهَا» بِكَافَيْنَ، وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «زَوَّجْتُكهَا». قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رِوَايَة مَنْ رَوَى: «مُلِّكْتهَا» وَهْم. قَالَ: وَالصَّوَاب رِوَايَة مَنْ رَوَى: «زَوَّجْتُكهَا». قَالَ: وَهُمْ أَكْثَر وَأَحْفَظ. قُلْت: وَيَحْتَمِل صِحَّة اللَّفْظَيْنِ، وَيَكُون جَرَى لَفْظ التَّزْوِيج أَوَّلًا (فَمُلِّكَهَا). ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اِذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتهَا» بِالتَّزْوِيجِ السَّابِق. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِجَوَازِ كَوْن الصَّدَاق تَعْلِيم الْقُرْآن، وَجَوَاز الِاسْتِئْجَار لِتَعْلِيمِ الْقُرْآن، وَكِلَاهُمَا جَائِز عِنْد الشَّافِعِيّ، وَبِهِ قَالَ عَطَاء وَالْحَسَن بْن صَالِح وَمَالِك وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ، وَمَنَعَهُ جَمَاعَة مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة، وَهَذَا الْحَدِيث مَعَ الْحَدِيث الصَّحِيح: «إِنَّ أَحَقّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَاب اللَّه» يَرُدَّانِ قَوْل مَنْ مَنْع ذَلِكَ. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض جَوَاز الِاسْتِئْجَار لِتَعْلِيمِ الْقُرْآن عَنْ الْعُلَمَاء كَافَّة سِوَى أَبِي حَنِيفَة. 2555- قَوْلهَا: «كَانَ صَدَاق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَة أُوقِيَّة وَنَشًّا قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشّ؟ قُلْت: لَا قَالَتْ: نِصْف أُوقِيَّة فَتِلْكَ خَمْسمِائَةِ دِرْهَم» أَمَّا (الْأُوقِيَّة) فَبِضَمِّ الْهَمْزَة وَبِتَشْدِيدِ الْيَاء، وَالْمُرَاد أُوقِيَّة الْحِجَاز وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَأَمَّا (النَّشّ) فَبِنُونٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة مُشَدَّدَة، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابنَا بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ كَوْن الصَّدَاق خَمْسمِائَةِ دِرْهَم، وَالْمُرَاد فِي حَقّ مَنْ يَحْتَمِل ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَصَدَاق أُمّ حَبِيبَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَأَرْبَعمِائَةِ دِينَار فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا الْقَدْر تَبَرَّعَ بِهِ النَّجَاشِيّ مِنْ مَاله إِكْرَامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّاهُ أَوْ عَقَدَ بِهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. 2556- قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْد الرَّحْمَن أَثَر صُفْرَة قَالَ: مَا هَذَا؟» فيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ وَالْفَاضِل تَفَقُّد أَصْحَابه وَالسُّؤَال عَمَّا يَخْتَلِف مِنْ أَحْوَالهمْ. وَقَوْله: «أَثَر صُفْرَة» وَفِي رِوَايَة فِي غَيْر كِتَاب مُسْلِم: «رَأَى عَلَيْهِ صُفْرَة» وَفِي رِوَايَة: «رَدْع مِنْ زَعْفَرَان» وَالرَّدْع بِرَاءٍ وَدَال وَعَيْن مُهْمَلَات هُوَ أَثَر الطِّيب. وَالصَّحِيح فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَثَر مِنْ الزَّعْفَرَان وَغَيْره مِنْ طِيب الْعَرُوس، وَلَمْ يَقْصِدهُ وَلَا تَعَمَّدَ التَّزَعْفُر، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح النَّهْي عَنْ التَّزَعْفُر لِلرِّجَالِ، وَكَذَا نَهْي الرِّجَال عَنْ الْخَلُوق لِأَنَّهُ شِعَار النِّسَاء، وَقَدْ نَهَى الرِّجَال عَنْ التَّشَبُّه بِالنِّسَاءِ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَعْنَى الْحَدِيث، وَهُوَ الَّذِي اِخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ يُرَخَّص فِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الْعَرُوس، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَثَر ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْد أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي ذَلِكَ لِلشَّابِّ أَيَّام عُرْسه. قَالَ: وَقِيلَ: لَعَلَّهُ كَانَ يَسِيرًا فَلَمْ يُنْكَر. قَالَ: وَقِيلَ: كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام مَنْ تَزَوَّجَ لَبِسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا عَلَامَة لِسُرُورِهِ وَزَوَاجه. قَالَ: وَهَذَا غَيْر مَعْرُوف. وَقِيلَ: يَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ فِي ثِيَابه دُون بَدَنه. وَمَذْهَب مَالِك وَأَصْحَابه جَوَاز لُبْس الثِّيَاب الْمُزَعْفَرَة، وَحَكَاهُ مَالِك عَنْ عُلَمَاء الْمَدِينَة، وَهَذَا مَذْهَب اِبْن عُمَر وَغَيْره. وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة: لَا يَجُوز ذَلِكَ لِلرَّجُلِ. قَوْله: «تَزَوَّجْت اِمْرَأَة عَلَى وَزْن نَوَاة مِنْ ذَهَب» قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّوَاة اِسْم لِقَدْرٍ مَعْرُوف عِنْدهمْ فَسَّرُوهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِم مِنْ ذَهَب. قَالَ الْقَاضِي: كَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَر الْعُلَمَاء، وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: هِيَ ثَلَاثَة دَرَاهِم وَثُلُث، وَقِيلَ: الْمُرَاد نَوَاة التَّمْر أَيْ وَزْنهَا مِنْ ذَهَب، وَالصَّحِيح الْأَوَّل. وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: النَّوَاة رُبْع دِينَار عِنْد أَهْل الْمَدِينَة. وَظَاهِر كَلَام أَبِي عُبَيْد أَنَّهُ دَفَعَ خَمْسَة دَرَاهِم قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَهَب إِنَّمَا هِيَ خَمْسَة دَرَاهِم تُسَمَّى نَوَاة كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَبَارَكَ اللَّه لَك» فيه اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء لِلْمُتَزَوِّجِ، وَأَنْ يُقَال بَارَكَ اللَّه لَك أَوْ نَحْوه، وَسَبَقَ فِي الْبَاب قَبْله إِيضَاحه. 2557- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» قَالَ الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل اللُّغَة وَالْفُقَهَاء وَغَيْرهمْ: الْوَلِيمَة الطَّعَام الْمُتَّخَذ لِلْعُرْسِ مُشْتَقَّة مِنْ الْوَلْم وَهُوَ الْجَمْع لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ. قَالَهُ الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره. وَقَالَ الْأَنْبَارِيّ: أَصْلهَا تَمَام الشَّيْء وَاجْتِمَاعه، وَالْفِعْل مِنْهَا (أَوْلَمَ). قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: الضِّيَافَات ثَمَانِيَة أَنْوَاع: الْوَلِيمَة لِلْعُرْسِ، وَالْخُرْس بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَيُقَال الْخُرْص أَيْضًا بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة لِلْوِلَادَةِ، وَالْإِعْذَار بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَالذَّال الْمُعْجَمَة لِلْخِتَانِ. وَالْوَكِيرَة لِلْبِنَاءِ، وَالنَّقِيعَة لِقُدُومِ الْمُسَافِر مَأْخُوذَة مِنْ النَّقْع وَهُوَ الْغُبَار ثُمَّ قِيلَ: إِنَّ الْمُسَافِر يَصْنَع الطَّعَام، وَقِيلَ: يَصْنَعهُ غَيْره لَهُ، وَالْعَقِيقَة يَوْم سَابِع الْوِلَادَة، وَالْوَضِيمَة بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة الطَّعَام عِنْد الْمُصِيبَة، وَالْمَأْدُبَة بِضَمِّ الدَّال وَفَتْحهَا الطَّعَام الْمُتَّخَذ ضِيَافَة بِلَا سَبَب. وَاَللَّه أَعْلَم. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وَلِيمَة الْعُرْس هَلْ هِيَ وَاجِبَة أَمْ مُسْتَحَبَّة؟ وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا أَنَّهَا سُنَّة مُسْتَحَبَّة، وَيَحْمِلُونَ هَذَا الْأَمْر فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَى النَّدْب، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَغَيْره، وَأَوْجَبَهَا دَاوُدَ وَغَيْره، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وَقْت فِعْلهَا، فَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ الْأَصَحّ عِنْد مَالِك وَغَيْره أَنَّهُ يُسْتَحَبّ فِعْلهَا بَعْد الدُّخُول، وَعَنْ جَمَاعَة مِنْ الْمَالِكِيَّة اِسْتِحْبَابهَا عِنْد الْعَقْد، وَعَنْ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ اِسْتِحْبَابهَا عِنْد الْعَقْد وَعِنْد الدُّخُول. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُوسِرِ أَنْ لَا يُنْقِص عَنْ شَاة. وَنَقَلَ الْقَاضِي الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهُ لَا حَدّ لِقَدْرِهَا الْمُجْزِئ بَلْ بِأَيِّ شَيْء أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَام حَصَلَتْ الْوَلِيمَة. وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم بَعْد هَذَا فِي وَلِيمَة عُرْس صَفِيَّة أَنَّهَا كَانَتْ بِغَيْرِ لَحْم. وَفِي وَلِيمَة زَيْنَب أَشْبَعَنَا خُبْزًا وَلَحْمًا وَكُلّ هَذَا جَائِز تَحْصُل بِهِ الْوَلِيمَة، وَلَكِنْ يُسْتَحَبّ أَنْ تَكُون عَلَى قَدْر حَال الزَّوْج. قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي تَكْرَارهَا أَكْثَر مِنْ يَوْمَيْنِ فَكَرِهَتْهُ طَائِفَة، وَلَمْ تَكْرَههُ طَائِفَة. قَالَ: وَاسْتَحَبَّ أَصْحَاب مَالِك لِلْمُوسِرِ كَوْنهَا أُسْبُوعًا. 2558- سبق شرحه بالباب.
|