الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
.حرف الزاي: .166- زنا: 1- التعريف:الزنا في اللغة: مصدر قولهم: زَنَى يَزْنِي زِنىً وزِناءً، بكسرهما: فَجَرَ. وزانَى مُزاناةً وزِناءً: بمعناهُ، قال الجوهري: الزِنَى يمدُّ ويقصَر: فالقَصر لأهل الحجاز، قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى}؛ والمدُّ لأهل نجد، قال الفرزدق: وقد زَنَى يَزْنِي. والنسبة إلى المقصور: زِنَوِيٌّ، وإلى الممدود: زِنَائِيٌّ. وزَنَّاهُ تَزْنِيَةً، أي قال له: يازَانِي. وفي الاصطلاح: الزنا هو تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في أحد الفرجين من قبل أو دبر ممن لا عصمة بينهما ولا شبهة. وعرف بأنه: إيلاج الذكر بفرج محرم لعينه خال عن الشبهة مشتهى يوجب الحد. 2- حكم الزنا: الزنا من أكبر الكبائر، ومن أقبح المعاصي، يقول الإمام أحمد رحمه الله: (لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنا). والزنا محرم بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء 32]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً.يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً.إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان 68-70]. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن». وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله». ونقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع على تحريم الزنا، فقال: «وأجمعوا على تحريم الزنا». 3- بم يثبت الزنا؟ يثبت ارتكاب جريمة الزنا الموجب للحد، من طريقين هما الإقرار والشهادة: أ- الإقرار: يثبت الزنا بالإقرار، والإقرار بالزنا يختلف عن الإقرار بالجرائم الأخرى، فلابد أن يقر به أربع مرات، ويكون إقراره بطوعه واختياره، ويبين من هي التي زنا، وكيف فعل الزنا بها، لأنه قد يفعل ما ليس بزنا، ويظنه زنا، دليل ذلك ما رواه أبو داود عن هشام بن سعد قال: حدثني يزيد بن نعيم بن هزال، عن أبيه قال: كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجاً، فأتاه فقال: يا رسول الله، إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله، إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله، إني زنيت فأقم علي كتاب الله، حتى قالها أربع مرار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟ قال: بفلانة، فقال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، قال: فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه». ب- الشهادة: ويشترط لإثبات جريمة الزنا بالشهادة، أن يشهد به أربعة رجال عدول في مجلس واحد، قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء 15]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور آية 4]. ويشترط أن يصفوا الفعل وصفا شرعيا، ويصرحوا بمعاينتهم بإيلاج ذكره في فرجها. قال السرخسي: (وإذا شهد الأربعة بالزنا بين يدي القاضي ينبغي له أن يسألهم عن الزنا ما هو؟ وكيف هو؟ ومتى زنى؟ وأين زنى؟ لأنهم شهدوا بلفظ محتمل فلابد من أن يستفسرهم، أما السؤال عن ماهية الزنا؛ لأن من الناس من يعتقد في كل وطء حرام أنه زنى ولأن الشرع سمى الفعل فيما دون الفرج زنى قال: «العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذب» والحد لا يجب إلا بالجماع في الفرج، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استفسر ماعزا حتى فسر كالميل في المكحلة والرشا في البئر؟ وقال له مع ذلك: لعلك قبلتها، لعلك مسستها). 4- كيف يضبط المحقق إقرار من اعترف بالزنا؟ إذا اعترف المتهم بالزنا بطوعه واختياره، فعلى المحقق ضبط اعترافه مفصلا، بحيث يشتمل على كيفية الفعل، ومن التي فعل بها، وإذا كان المعترف امرأة تبين من الذي فعل بها، وكيف فعل، لما جاء في حديث ماعز السابق (إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟)، قال: بفلانة، فقال: «هل ضاجعتها؟»...، ويبين الإحصان من عدمه، والديانة، وذلك لمعرفة العقوبة المترتبة على الفعل؛ ولا يلزم المحقق تدوين الاعتراف أربع مرات بل يكتفي بمرة واحدة، ولا يلزمه تصديق الاعتراف بالزنا شرعا، لأن المقر به له أن يرجع عن إقراره حتى أثناء التنفيذ. 5- شروط إقامة حد الزنا: يشترط لإقامة حد الزنا الشروط التالية: 1- الأهلية، بأن يكون الزاني بالغا عاقلا غير مكره؛ وهذا باتفاق الفقهاء. 2- أن يكون عالما بالتحريم؛ وقد بين ابن قدامة هذا الشرط فقال: (ولا حد على من لم يعلم تحريم الزنى. قال عمر، وعثمان، وعلي: لا حد إلا على من علمه؛ وبهذا قال عامة أهل العلم، فإن ادعى الزاني الجهل بالتحريم، وكان يحتمل أن يجهله، كحديث العهد بالإسلام والناشئ ببادية، قبل منه؛ لأنه يجوز أن يكون صادقا، وإن كان ممن لا يخفى عليه ذلك، كالمسلم الناشئ بين المسلمين، وأهل العلم، لم يقبل؛ لأن تحريم الزنى لا يخفى على من هو كذلك، فقد علم كذبه). 3- أن يكون محصنا. وسيأتي بيان معنى الإحصان. 4- انتفاء الحمل إذا كان الزاني امرأة. بدليل ما جاء بقصة الغامدية. 5- استغناء الولد عن أمه التي سيقام عليها حد الرجم. بدليل ما جاء بقصة الغامدية. 6- معنى الإحصان في الرجم: قال الكاساني: (إحصان الرجم هو عبارة عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم، وهي سبعة: العقل والبلوغ والحرية والإسلام والنكاح الصحيح وكون الزوجين جميعا على هذه الصفات). والمحصن: من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح، ويكفي تغييب الحشفة أو قدرها وهما بالغان عاقلان حران. وشروط الإحصان سبعة هي: 1- الوطء في القبل. 2- أن يكون الوطء في نكاح. 3- أن يكون النكاح صحيحا. 4- أن يكون بالغا. 5- أن يكون عاقلا. 6- أن يكون حرا. 7- أن تتوفر الشروط السابقة في الزوجين حال الوطء. 7- الزنا بالمحارم: الزنا من أقبح الجرائم، وإذا كان بإحدى المحارم فإنه أشد قبحا وتحريما، وفي حد من وقع على ذات محرم روايتان في المذهب، إحداهما حده حد الزنا، لعموم الآيات والأخبار، وهذا هو الراجح من المذهب، والرواية الثانية، يقتل في كل الأحوال، لحديث البراء، رضي الله عنه قال: (لقيت عمي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده، أن اضرب عنقه وأخذ ماله). ولما رواه الترمذي، مرفوعا «من وقع على ذات محرم فاقتلوه». 8- الفواحش المشابهة للزنا: 1- اللواط: هو أن يأتي الرجلُ الرجلَ، وهو من أقبح الجرائم، وأعظمها إثما. (انظر: مصطلح: لواط). 2- السحاق: هو أن تدلك المرأةُ المرأةَ، وهو محرم بإجماع العلماء، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أتى الرجلُ الرجلَ، فهما زانيان، وإذا أتت المرأةُ المرأةََ، فهما زانيتان». رواه البيهقي. ولا حد على المرأتين المتساحقتين، لأن السحاق لا يتضمن إيلاجا، لكن عليهما عقوبة تعزيرية بما يراه القاضي. (وأنظر مصطلح: سحاق). 3- المباشرة فيما دون الفرج: هي مباشرة الرجل للمرأة، والاستمتاع بها فيما دون الفرج، ويطلق عليها البعض (المفاخذة) وهي محرمة بالإجماع، ولا توجب الحد، لكن توجب عقوبة تعزيرية، ودليل كونها لا توجب الحد، ما رواه مسلم وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة فأصبت منها كل شيء إلا الجماع، فأنزل الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [هود الآية 14]، فقال الرجل: ألي هذا؟ فقال: «لمن عمل بها من أمتي». متفق عليه. 4- التقبيل: هو أن يصيب الرجل من المرأة الأجنبية قبلة، سوى كانت المرأة راضية أو مكرهة، وهذا محرم بالإجماع، وحكمه حكم المباشرة فيما دون الفرج، لما ورد في حديث ابن مسعود السابق. 5- النظر إلى المردان ومصاحبتهم والخلوة بهم: الأمرد في اللغة هو: من طر شاربه ولم تنبت لحيته. جاء في كشاف القناع: (الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة، أي فتحرم لخوف الفتنة، ولو لمصلحة تعليم وتأديب). وقال الإمام النووي رحمه الله: (وينبغي أن يحذر من مصافحة الأمرد والحسن، فإن النظر إليه من غير حاجة حرام على الصحيح المنصوص). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والتلذذ بمس الأمرد: كمصافحته، ونحو ذلك: حرام بإجماع المسلمين). وقال ابن الحاج المالكي رحمه الله: (وقد قال بعضهم: اللوطية على ثلاث مراتب، طائفة تتمتع بالنظر وهو محرم، لأن النظرة إلى الأمرد بشهوة حرام إجماعا، بل صحح بعض العلماء أنه محرم وإن كان بغير شهوة). ونقل ابن الحاج أيضا جملة من النصوص حول ذلك فقال: (قال الواسطي رحمه الله وهو من كبار الصوفية: إذا أراد الله هوان عبد ألقاه إلى هؤلاء الأنتان الجيف أو لم تسمعوا إلى قول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [سورة النور آية 30]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «لا تتبع النظرةَ النظرة فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة»، وقال: بقية بن الوليد رحمه الله قال: بعض التابعين رضي الله عنه كانوا يكرهون أن يحدق الرجل النظر إلى الغلام الأمرد الجميل الوجه قال ابن عباس رضي الله عنهما: للشيطان من الرجل ثلاثة منازل في نظره وقلبه وذكره، وقال عطاء رحمه الله: كل نظرة يهواها القلب لا خير فيها، وقال: سفيان الثوري رحمه الله: لو أن رجلا عبث بغلام بين أصابع رجليه يريد الشهوة لكان لواطا، وقال الحسن بن ذكوان: رحمه الله لا تجالسوا أبناء الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى، وقال: بعض التابعين ما أخاف على الشاب الناسك في عبادته من سبع ضار كخوفي عليه من الغلام الأمرد يقعد إليه، وقال بعض التابعين رضي الله عنهم: اللوطية على ثلاثة أصناف: صنف ينظرون، وصنف يصافحون، وصنف يعملون ذلك العمل، وروي أن أحمد بن حنبل رحمه الله جاء إليه رجل، ومعه ابن له حسن الوجه فقال: لا تجئني به مرة أخرى فقيل له: إنه ابنه، وهما مستوران فقال: علمت، ولكن على رأي أشياخنا). 6- الخلوة: هي أن ينفر رجل بامرأة أجنبية عنه، أو بأمرد، بحيث لا يراهما أحد، وهي محرمة بالإجماع، وسبق الكلام عن مصاحبة المردان والنظر إليهم والخلوة بهم، وحكم الخلوة من حيث العقوبة، حكم المباشرة فيما دون الفرج، لحديث ابن مسعود السابق. (راجع: مصطلح: خلوة). 7- إتيان البهيمة: وهو أن يفعل الشخص الفاحشة بالبهيمة، وهذا محرم بإجماع العلماء، وهو شذوذ تأنفه النفوس، وللعلماء في البهيمة وعقوبة من أتاها تفصيلات. قال البهوتي: (ومن أتى بهيمة ولو سمكة عزر، لأنه لم يصح فيه نص ولا يمكن قياسه على اللواط لأنه لا حرمة له والنفوس تعافه، ويبالغ في تعزيره، لعدم الشبهة له فيه كوطء الميتة، وقُتلت البهيمة سواء كانت مملوكة له أو لغيره، وسواء كانت مأكولة أو غير مأكولة؛ لما روى ابن عباس مرفوعا قال: «من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة» رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وقال الطحاوي: هو ضعيف، وقد صح عن ابن عباس أنه قال: من أتى بهيمة فلا حد عليه، فإن كانت البهيمة المأتية ملكه، أي الآتي لها فهي هدر لأن الإنسان لا يضمن مال نفسه، وإن كانت، البهيمة، لغيره ضمنها، لربها لأنها أُتلفت بسببه أشبه ما لو قتلها؛ ويحرم أكلها، وإن كانت من جنس ما يؤكل، روي عن ابن عباس لأنها وجب قتلها لحق الله تعالى فأشبهت سائر المقتولات لحق الله تعالى). |