الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (208): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}{يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ ادخلوا فِي السلم كَافَّةً} أخرج غير واحد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا بشرائعه وشرائع موسى عليه السلام فعظموا السبت وكرهوا لحمان الإبل وألبانها بعد ما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوى على هذا وهذا، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن التوراة كتاب الله تعالى فدعنا فلنعمل بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فالخطاب لمؤمني أهل الكتاب، والسلم عنى الإسلام، وكافة في الأصل صفة من كف عنى منع، استعمل عنى الجملة بعلاقة أنها مانعة للأجزاء عن التفرق والتاء فيه للتأنيث أو النقل من الوصفية إلى الإسمية كعامة وخاصة وقاطبة، أو للمبالغة واختار الطيبي الأول مدعيًا أن القول بالأخيرين خروج عن الأصل من غير ضرورة، والشمول المستفاد منه شمول الكل للأجزاء لا الكلي لجزئياته ولا الأعم منهما، ولا يختص بمن يعقل، ولا بكونه حالًا ولا نكرة خلافًا لابن هشام وليس له في ذلك ثبت وهو هنا حال من الضمير في {أَدْخِلُواْ} والمعنى ادخلوا في الإسلام بكليتكم ولا تدعوا شيئًا من ظاهركم وباطنكم إلا والإسلام يستوعبه بحيث لا يبقى مكان لغيره من شريعة موسى عليه السلام، وقيل: الخطاب للمنافقين، والسلم عنى الاستسلام والطاعة على ما هو الأصل فيه، وكافة حال من الضمير أيضًا، أي استسلموا لله تعالى وأطيعوه جملة واتركوا النفاق وآمنوا ظاهرًا وباطنًا، وقيل: الخطاب لكفار أهل الكتاب الذين زعموا الإيمان بشريعتهم، والمراد من السلم جميع الشرائع بذكر الخاص وإرادة العام بناءًا على القول بأن الإسلام شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحمل اللام على الاستغراق، {وكافة} حال من {القدوس السلام} والمعنى ادخلوا أيها المؤمنون بشريعة واحدة في الشرائع كلها ولا تفرقوا بينها، وقيل: الخطاب للمسلمين الخلّص، والمراد من السلم شعب الإسلام، وكافة حال منه، والمعنى: ادخلوا أيها المسلمون المؤمنون حمد صلى الله عليه وسلم في شعب الإيمان كلها ولا تخلوا بشيء من أحكامه، وقال الزجاج في هذا الوجه: المراد من السلم الإسلام، والمقصود أمر المؤمنين بالثبات عليه، وفيه أن التعبير عن الثبات على الإسلام بالدخول فيه بعيد غاية البعد، وهذا ما اختاره بعض المحققين من ستة عشر احتمالًا في الآية حاصلة من ضرب احتمالي {السلم} في احتمالي {كافة} وضرب المجموع في احتمالات الخطاب، ومبنى ذلك على أمرين، بأحدهما أن {كَافَّةً} لإحاطة الأجزاء، والثاني: أن محط الفائدة في الكلام القيد كما هو المقرر عند البلغاء، ونص عليه الشيخ في دلائل الإعجاز، وإذا اعتبرت احتمال الحالية من الضمير والظاهر معًا كما في قوله:بلغت الاحتمالات أربعة وعشرين، ولا يخفى ما هو الأوفق منها بسبب النزول. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي {السلم} بفتح السين والباقون بكسرها وهما لغتان مشهورتان فيه، وقرأ الأعمش بفتح السين واللام {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} خالفة ما أمرتم به، أو بالتفرق في جملتكم، أو بالتفريق بالشرائع أو الشعب {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة أو مظهر لها، وهو تعليل للنهي والانتهاء. .تفسير الآية رقم (209): {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}{فَإِن زَلَلْتُمْ} أي ملتم عن الدخول في السلم وتنحيتم، وأصله السقوط وأريد به ما ذكر مجازًا {مّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ البينات} أي الحجج الظاهرة الدالة على أنه الحق، أو آيات الكتاب الناطقة بذلك الموجبة للدخول {فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ} غالب على أمره لا يعجزه شيء من الانتقام منكم {حَكِيمٌ}. لا يترك ما تقتضيه الحكمة من مؤاخذة المجرمين..تفسير الآية رقم (210): {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}{هَلْ يَنظُرُونَ} استفهام في معنى النفي، والضمير للموصول السابق إن أريد به المنافقون أو أهل الكتاب، أو إلى {مَن يُعْجِبُكَ} [البقرة: 204] إن أريد به مؤمنو أهل الكتاب أو المسلمون. {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله} بالمعنى اللائق به جل شأنه منزهًا عن مشابهة المحدثات والتقيد بصفات الممكنات. {فِي ظُلَلٍ} جمع ظلة كقلة وكقلل وهي ما أظلك، وقرئ {ظلال} كقلال {مّنَ الغمام} أي السحاب أو الأبيض منه. {والملئكة} يأتون، وقرئ {والملئكة} بالجر عطف على {ظلل} أو {الغمام} والمراد: مع الملائكة أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجمع الله تعالى الأوّلين والآخرين لميقات يوْم معلوم قيامًا شاخصة أبصارهم إلى السماء ينظرون فصل القضاء وينزل الله تعالى في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي»؛ وأخرج ابن جرير وغيره عن عبد الله بن عمر في هذه الآية قال: يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب منها النور والظلمة والماء فيصوت الماء في تلك العظمة صوتًا تنخلع له القلوب، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن من الغمام ظللًا يأتي الله تعالى فيها محفوفات بالملائكة، وقرأ أبيّ {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله والملئكة *فِي ظُلَلٍ} ومن الناس من قدر في أمثال هذه المتشابهات محذوفًا فقال: في الآية الإسناد مجازي، والمراد يأتيهم أمر الله تعالى وبأسه أو حقيقي، والمفعول محذوف أي يأتيهم الله تعالى ببأسه، وحذف المأتي به للدلالة عليه بقوله سبحانه: {أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 209] فإن العزة والحكمة تدل على الانتقام بحق، وهو البأس والعذاب، وذكر الملائكة لأنهم الواسطة في إتيان أمره أو الآتون على الحقيقة، ويكون ذكر الله تعالى حينئذٍ تمهيدًا لذكرهم كما في قوله سبحانه: {يخادعون الله والذين ءامَنُوا} [البقرة: 9] على وجه وخص الغمام حلية العذاب لأنه مظنة الرحمة فإذا جاء منه العذاب كان أفظع لأن الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير، ولا يخفى أن من علم أن الله تعالى أن يظهر بما شاء وكيف شاء ومتى شاء وأنه في حال ظهوره باق على إطلاقه حتى عن قيد الإطلاق منزه عن التقيد مبرأ عن التعدد كما ذهب إليه سلف الأمة وأرباب القلوب من ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم لم يحتج إلى هذه الكلفات، ولم يحم حول هذه التأويلات {وَقُضِىَ الامر} أي أتم أمر العباد وحسابهم فأثيب الطائع وعوقب العاصي وأتم أمر إهلاكهم وفرغ منه وهو عطف على {هَلْ يَنظُرُونَ} لأنه خبر معنى ووضع الماضي موضع المستقبل لدنو وتيقن وقوعه. وقرأ معاذ بن جبل {وقضاء الأمر} عطفًا على {الملائكة} {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الامور} تذييل للتأكيد كأنه قيل: وإلى الله ترجع الأمور التي من جملتها الحساب أو الإهلاك، وعلى قراءة معاذ عطف على {هَلْ يَنظُرُونَ} أي لا ينظرون إلا الإتيان وأمر ذلك إلى الله تعالى، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم {ترجع} على البناء للمفعول على أنه من الرجع، وقرأ الباقون على البناء للفاعل بالتأنيث غير يعقوب على أنه من الرجوع، وقرئ أيضًا بالتذكير وبناء المفعول..تفسير الآية رقم (211): {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}{سَلْ بَنِى إسراءيل} أمر للرسول صلى الله عليه وسلم كما هو الأصل في الخطاب أو لكل واحد ممن يصح منه السؤال، والمراد بهذا السؤال تقريعهم وتوبيخهم على طغيانهم وجحودهم الحق بعد وضوح الآيات لا أن يجيبوا فيعلم من جوابهم كما إذا أراد واحد منا توبيخ أحد يقول لمن حضر سله كم أنعمت عليه، وربط الآية بما قبلها على ما قيل: إن الضمير في {هَلْ يَنظُرُونَ} [البقرة: 210] إن كان لأهل الكتاب فهي كالدليل عليه وإن كان لـِ {مَن يُعْجِبُكَ} [البقرة: 204] فهي بيان لحال المعاندين من أهل الكتاب بعد بيان حال المنافقين من أهل الشرك {كَمْ ءاتيناهم مّنْ ءايَةً بَيّنَةً} أي علامة ظاهرة وهي المعجزات الدالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الحسن ومجاهد، وتخصيص إيتاء المعجزات بأهل الكتاب مع عمومه للكل لأنهم أعلم من غيرهم بالمعجزات وكيفية دلالتها على الصدق لعلمهم عجزات الأنبياء السابقة وقد يراد بالآية معناها المتعارف وهو طائفة من القرآن وغيره، وبينة من بان المتعدي، فالسؤال على إيتاء الآيات المتضمنة لنعت الرسول صلى الله عليه وسلم وتحقيق نبوته والتصديق بما جاء به. و{كَمْ} إما خبرية والمسؤول عنه محذوف، والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب مبينة لاستحقاقهم التقريع كأنه قيل: سل بني إسرائيل عن طغيانهم وجحودهم للحق بعد وضوحه فقد آتيناهم آيات كثيرة بينة، وزَعْمُ لزوم انقطاع الجملة على هذا التقدير وهم كما ترى، وإما استفهامية والجملة في موضع المفعول الثاني لـ {سَلْ} وقيل: في موضع المصدر أي سلهم هذا السؤال، وقيل: في موضع الحال أي سلهم قائلًا كم آتيناهم والاستفهام للتقرير عنى حمل المخاطب على الإقرار، وقيل: عنى التحقيق والتثبيت، واعترض بأن معنى التقريع الاستنكار والاستبعاد وهو لا يجامع التحقيق؛ وأجيب بأن التقريع إنما هو على جحودهم الحق وإنكاره المجامع لإيتاء الآيات لا على الإيتاء حتى يفارقه، ومحلها النصب على أنها مفعول ثان لآتينا وليس من الاشتغال كما وهم أو الرفع بالابتداء على حذف العائد، والتقدير آتيناهموما أو آتيناهم إياها، وهو ضعيف عند سيبويه، وآية تمييز، ومن صلة أتى بها للفصل بين كون آية مفعولًا لآتينا وكونها مميزة لـ {كَمْ} ويجب الإتيان بها في مثل هذا الموضع فقد قال الرضي: وإذا كان الفصل بين كم الخبرية ومميزها بفعل متعد وجب الإتيان بمن لئلا يلتبس المميز فعول ذلك المتعدي نحو {كَمْ تَرَكُواْ مِن جنات} [الدخان: 25] و{كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٌ} [القصص: 58] وحال كم الاستفهامية المجرور مميزها مع الفصل كحال كم الخبرية في جميع ما ذكرنا انتهى، وحكي عنه أنه أنكر زيادة من في مميز الاستفهامية وهو محمول على الزيادة بلا فصل لا مطلقًا فلا تنافي بين كلاميه.{وَمَن يُبَدِّلْ نعْمَةَ الله} أي آياته فإنها سبب الهدى الذي هو أجل النعم، وفيه وضع المظهر موضع المضمر بغير لفظه السابق لتعظيم الآيات، وتبديلها تحريفها وتأويلها الزائغ، أو جعلها سببًا للضلالة وازدياد الرجس، وعلى التقديرين لا حذف في الآية، وقال أبو حيان حذف حرف الجر من {نعمة} والمفعول الثاني لـ {يبدل} والتقدير: ومن يبدل بنعمة الله كفرًا، ودل على ذلك ترتيب جواب الشرط عليه وفيه ما لا يخفى، وقرئ ومن يبدل بالتخفيف {مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ} أي وصلته وتمكن من معرفتها، وفائدة هذه الزيادة وإن كان تبديل الآيات مطلقًا مذمومًا التعريض بأنهم بدلوها بعد ما عقلوها، وفيه تقبيح عظيم لهم ونعي على شناعة حالهم واستدلال على استحقاقهم العذاب الشديد حيث بدلوا بعد المعرفة وبهذا يندفع ما يتراءى من أن التبديل لا يكون إلا بعد المجيء فما الفائدة في ذكره {فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} تعليل للجواب أقيم مقامه والتقدير: ومن يبدل نعمة الله عاقبه أشد عقوبة لأنه شديد العقاب، ويحتمل أن يكون هو الجواب بتقدير الضمير أي شديد العقاب له وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة..تفسير الآية رقم (212): {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}{زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا} أي أوجدت حسنة وجعلت محبوبة في قلوبهم فتهافتوا عليها تهافت الفراش على النار وأعرضوا عما سواها ولذا أعرض أهل الكتاب عن الآيات وبدلوها؛ وفاعل التزيين بهذا المعنى حقيقة هو الله تعالى وإن فسر بالتحسين بالقول ونحوه من الوسوسة كما في قوله تعالى: {لأزَيّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلاغْوِيَنَّهُمْ} [الحجر: 39] كان فاعل ذلك هو الشيطان والآية محتملة لمعنيين، والتزيين حقيقة فيهما على ما يقتضيه ظاهر كلام الراغب.{وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين ءامَنُواْ} الموصول للعهد، والمراد به فقراء المؤمنين كصهيب وبلال وعمار أي يستهزؤون بهم على رفضهم الدنيا وإقبالهم على العقبى، و{مِنْ} للتعدية وتفيد معنى الابتداء كأنهم جعلوا لفقرهم ورثاثة حالهم منشأ للسخرية وقد يعدى السخر بالباء إلا أنه لغة رديئة، والعطف على {زين} وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار، وجوز أن تكون الواو للحال و{يسخرون} خبر لمحذوف أي وهم يسخرون، والآية نزلت في أبي جهل وأضرابه من رؤساء قريش بسطت لهم الدنيا وكانوا يسخرون من فقراء المؤمنين ويقولون لو كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا لاتبعه أشرافنا، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقيل: نزلت في ابن أبيّ بن سلول، وقيل: في رؤساء اليهود، ومن بني قريظة والنضير وقينقاع سخروا من فقراء المهاجرين وعن عطاء لا مانع من نزلها في جميعهم.{والذين اتقوا} هم الذين آمنوا بعينهم وآثر التعبير به مدحًا لهم بالتقوى وإشعارًا بعلة الحكم، ويجوز أن يراد العموم ويدخل هؤلاء فيهم دخولًا أوليًا. {فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} مكانًا لأنهم في عليين وأولئك في أسفل السافلين، أو مكانة لأنهم في أوج الكرامة وهم في حضيض الذل والمهانة، أو لأنهم يتطاولون عليهم في الآخرة فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا، والجملة معطوفة على ما قبلها، وإيثار الاسمية للدلالة على دوام مضمونها، وفي ذلك من تسلية المؤمنين ما لا يخفى. {والله يَرْزُقُ} في الآخرة {مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي بلا نهاية لما يعطيه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: هذا الرزق في الدنيا، وفيه إشارة إلى تملك المؤمنين المستهزئ بهم أموال بني قريظة والنضير، ويجوز أن يراد في الدارين فيكون تذييلًا لكلا الحكمين.
|