الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (103): {وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}{وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ} أي بالرسول، أو بما أنزل إليه من الآيات، أو بالتوراة {واتقوا} أي المعاصي التي حيكت عنهم {لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ الله خَيْرٌ} جواب {لَوْ} الشرطية، وأصله لأثيبوا مثوبة من عند الله خيرًا مما شروا به أنفسهم فحذف الفعل، وغير السبك إلى ما ترى ليتوسل بذلك مع معونة المقام إلى الإشارة إلى ثبات المثوبة، وثبات نسبة الخيرية إليها مع الجزم بخيريتها لأن الجملة إذا أفادت ثبات المثوبة كان الحكم نزلة التعليق بالمشتق، كأنه قيل: لمثوبة دائمة خير لدوامها وثباتها، وحذف المفضل عليه إجلالًا للمفضل من أن ينسب إليه، ولم يقل لمثوبة الله، مع أنه أخصر ليشعر التنكير بالتقليل، فيفيد أن شيئًا قليلًا من ثواب الله تعالى في الآخرة الدائمة خير من ثواب كثير من الدنيا الفانية، فكيف وثواب الله تعالى كثير دائم، وفيه من الترغيب والترهيب المناسبين للمقام ما لا يخفى، وببيان الأصل انحل إشكالان لفظي وهو أن جواب {لَوْ} إنما يكون فعلية ماضوية ومعنوي وهو أن خيرية المثوبة ثابتة لا تعلق لها بإيمانهم وعدمه، ولهذين الاشكالين قال الأخفش واختاره جمع لسلامته من وقوع الجملة الابتدائية في الظاهر جوابًا للو ولم يعهد ذلك في لسان العرب كما في البحر أن اللام جواب قسم محذوف والتقدير ولو أنهم آمنوا واتقوا لكان خيرًا لهم ولمثوبة عند الله خير وبعضهم التزم التمني ولكن من جهة العباد لا من جهته تعالى خلافًا لمن اعتزل دفعًا لهما إذ لا جواب لها حينئذ، ويكون الكلام مستأنفًا، كأنه لما تمنى لهم ذلك قيل: ما هذا التحسر والتمني؟ فأجيب بأن هؤلاء المبتذلين حرموا ما شيء قليل منه خير من الدنيا وما فيها، وفي ذلك تحريض وحث على الإيمان، وذهب أبو حيان إلى أن {خير} هنا للتفضيل لا للأفضلية على حد.والمثوبة مفعلة بضم العين من الثواب، فنقلت الضمة إلى ما قبلها، فهو مصدر ميمي، وقيل: مفعولة وأصلها {مثووبة} فنقلت ضمة الواو إلى ما قبلها، وحذفت لالتقاء الساكنين، فهي من المصادر التي جاءت على مفعولة كمصدوقة كما نقله الواحدي ويقال: {مَثُوبَةً} بسكون الثاء وفتح الواو وكان من حقها أن تعل، فيقال: مثابة كمقامة إلا أنهم صححوها كما صححوا في الأعلام مكوزة وبها قرأ قتادة وأبو السماك؛ والمراد بها الجزاء والأجر، وسمي بذلك لأن المحسن يثوب إليه، والقول بأن المراد بها الرجعة إليه تعالى بعيد {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} المفعول محذوف بقرينة السابق، أي إن ثواب الله تعالى خير وكلمة لو إما للشرط، والجزاء محذوف أي: آمنوا وإما للتمني ولا حذف، ونفي العلم على التقديرين بنفي ثمرته الذي هو العمل، أو لترك التدبر.هذا ومن باب الإشارة في الآيات {واتبعوا} أي اليهود وهي القوى الرواحينة {مَا تَتْلُواْ الشياطين} وهم من الإنس المتمردون الأشرار، ومن الجن الأوهام والتخيلات المحجوبة عن نور الروح المتمردة عن طاعة القلب العاصية لأمر العقل والشرع، والنفوس الأرضية المظلمة القوية على عهد {مُلْكِ سليمان} الروح الذي هو خليفة الله تعالى في أرضه {وَمَا كَفَرَ سليمان} لاحظة السوى واتباع الهوى، وإسناد التأثير إلى الأغيار {ولكن الشياطين كَفَرُواْ} وستروا مؤثرية الله تعالى وظهوره الذي محا ظلمة العدم.{يُعَلّمُونَ الناس السحر} والشبه الصادة عن السير والسلوك إلى ملك الملوك {وَمَا أُنزِلَ عَلَى الملكين} وهما العقل النظري والعقل العملي النازلان من سماء القدس إلى أرض الطبيعة المنكوسان في بئرها لتوجههما إليها باستجذاب النفس إياهما {بِبَابِلَ} الصدر المعذبان بضيق المكان بين أبخرة حب الجاه، ومواد الغضب؛ وأدخنة نيران الشهوات المبتليان بأنواع المتخيلات، والموهومات الباطلة من الحيل والشعوذة والطلسمات والنيرنجات {وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ} له {إِنَّمَا نَحْنُ} امتحان وابتلاء من الله تعالى: {فَلاَ تَكْفُرْ} وذلك لقوة النورية وبقية الملكوتية فيهما، فإن العقل دائمًا ينبه صاحبه إذا صحا عن سكرته وهب من نومته عن الكفر والاحتجاب {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ} القلب والنفس، أو بين الروح والنفس بتكدير القلب {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ} بزيادة الاحتجاب وغلبة هوى النفس {وَلاَ يَنفَعُهُمْ} كسائر العلوم في رفع الحجاب وتخلية النفس وتزكيتها {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَالَهُ} [البقرة: 102] في مقام الفناء والرجوع إلى الحق سبحانه من نصيب لإقباله على العالم السفلي وبعده عن العالم العلوي بتكدر جوهر قلبه، وانهماكه برؤية الأغيار {وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ} برؤية الأفعال من الله تعالى واتقوا الشرك باثبات ما سواه لأثيبوا ثوبه {مِنْ عِندِ الله} تعالى دائمة، ولرجوا إليه، وذلك {خَيْرٌ لَهُمْ لَّوْ كَانُواْ} من ذوي العلم والعرفان والبصيرة والإيقان. .تفسير الآية رقم (104): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}{ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ راعنا} الرعي حفظ الغير لمصلحته سواء كان الغير عاقلًا أو لا، وسبب نزول الآية كما أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن اليهود كانوا يقولون ذلك سرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سب قبيح بلسانهم، فلما سمعوا أصحابه عليه الصلاة والسلام يقولون: أعلنوا بها، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وروي أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه سمعها منهم، فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، قالوا: أوَلستم تقولونها؟ فنزلت الآية ونهي المؤمنون سدًا للباب، وقطعًا للألسنة وإبعادًا عن المشابهة. وأخرج عبيد وابن جرير والنحاس عن عطاء قال: كانت {راعنا} لغة الأنصار في الجاهلية فنهاهم الله تعالى عنها في الإسلام، ولعل المراد أنهم يكثرونها في كلامهم واستعملها اليهود سبًا فنهوا عنها، وأما دعوى أنها لغة مختصة بهم فغير ظاهر لأنها محفوظة في لغة جميع العرب منذ كانوا، وقيل: ومعنى هذه الكلمة عند اليهود لعنهم الله تعالى اسمع لا سمعت وقيل: أرادوا نسبته صلى الله عليه وسلم وحاشاه إلى الرعن، فجعلوه مشتقًا من الرعونة وهي الجهل والحمق، وكانوا إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانًا قالوا: راعنا، أي يا أحمق فالألف حينئذ لمد الصوت وحرف النداء محذوف وقد ذكر الفراء أن أصل يا زيد يا زيدا بالألف ليكون المنادى بين صوتين، ثم اكتفى بيا ونوى الألف، ويحتمل أنهم أرادوا به المصدر، أي رعنت رعونة أو أرادوا صرت راعنا وإسقاط التنوين على اعتبار الوقف، وقد قرأ الحسن وابن أبي ليلى وأبو حيوة وابن محيصن بالتنوين وجعله الكثير صفة لمصدر محذوف، أي قولا: راعنا وصيغة فاعل حينئذ للنسبة كلابن وتامر، ووصف القول به للمبالغة كما يقال: كلمة حمقاء، وقرأ عبد الله وأبيّ {راعونا} على إسناد الفعل لضمير الجمع للتوقير كما أثبته الفارسي وذكر أن في مصحف عبد الله {ارعونا} وذهب بعض العلماء أن سبب النهي أن لفظ المفاعلة يقتضي الاشتراك في الغالب فيكون المعنى عليه ليقع منك رعي لنا ومنا رعى لك، وهو مخل بتعظيمه صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى بُعده عن سبب النزول راحل.{راعنا وَقُولُواْ انظرنا} أي انتظرنا وتأن علينا، أو انظر إلينا، ليكون ذلك أقوى في الإفهام والتعريف، وكان الأصل أن يتعدى الفعل بالى، لكنه توسع فيه فتعدى بنفسه على حد قوله:وقيل: هو من نظر البصيرة، والمراد به التفكر والتدبر فيما يصلح حال المنظور في أمره والمعنى تفكر في أمرنا وخير الأمور عندي أوسطها إلا أنه ينبغي أن يقيد نظر العين بالمقترن بتدبير الحال لتقوم هذه الكلمة مقام الأولى خالية من التدليس، وبدأ بالنهي لأنه من باب التروك فهو أسهل ثم أتى بالأمر بعده الذي هو أشق لحصول الاستئناس قبل بالنهي، وقرأ أبيّ والأعمش {أنظرنا} بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار ومعناه أمهلنا حتى نتلقى عنك ونحفظ ما نسمعه منك، وهذه القراءة تشهد للمعنى الأول على قراءة الجمهور إلا أنها على شذوذها لا تأبى ما اخترناه.{واسمعوا} أي ما أمرتكم به ونهيتكم عنه بجد حتى لا تعودوا إلى ما نهيتكم عنه ولا تتركوا ما أمرتكم به، أو هو أمر بحسن الاستماع بأن يكون باحضار القلب وتفريغه عن الشواغل حتى لا يحتاج إلى طلب صريح المراعاة ففيه تنبيه على التقصير في السماع حتى ارتكبوا ما تسبب للمحذور، والمراد سماع القبول والطاعة فيكون تعريضًا لليهود حيث قالوا: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93] وإذا كان المراد سماع هذا الأمر والنهي يكون تأكيدًا لما تقدم.{وللكافرين عَذَابٌ أَلِيمٌ} اللام للعهد فالمراد بالكافرين اليهود الذين قالوا ما قالوا تهاونا بالرسول صلى الله عليه وسلم المعلوم مما سبق السياق ووضع المظهر موضع المضمر إيذانًا بأن التهاون برسول الله صلى الله عليه وسلم كفر يوجب أليم العذاب، وفيه من تأكيد النهي ما فيه، وجعلها للجنس فيدخل اليهود كما اختاره أبو حيان ليس بظاهر على ما قيل: لأن الكلام مع المؤمنين فلا يصلح هذا أن يكون تذييلًا. .تفسير الآية رقم (105): {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}{مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين} الوَدّ محبة الشيء وتمني كونه، ويذكر ويراد كل واحد منهما قصدًا والآخر تبعًا، والفارق كون مفعوله جملة إذا استعمل في التمني ومفردًا إذا استعمل في المحبة فتقول على الأول: وددت لو تفعل كذا، وعلى الثاني: وددت الرجل، ونفيه كناية عن الكراهة وأتي بما للإشارة إلى أن أولئك متلبسون بها و{مِنْ} للتبيين، وقيل: للتبعيض وفي إيقاع الكفر صلة للموصول وبيانه بما بين وإقامة المظهر موضع المضمر إشعار بأن كتابهم يدعوهم إلى متابعة الحق إلا أن كفرهم يمنعهم وإن الكفر شر كله لأنه الذي يورث الحسد ويحمل صاحبه على أن يبغض الخير ولا يحبه كما أن الإيمان خير كله لأنه يحمل صاحبه على تفويض الأمور كلها إلى الله تعالى، ولا صلة لتأكيد النفي وزيدت له هنا دون قوله: {لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين} [البنية: 1] لما أن مبنى النفي الحسد، واليهود بهذا الداء أشهر لاسيما وقد تقدم ما يفيد ابتلاءهم به فلم يلزم من نفي ودادتهم هذه نفي ودادة المشركين لها ولم يكن ذلك في {لَمْ يَكُنِ} وسبب نزول الآية أن المسلمين قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا حمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: وددنا لو كان خيرًا مما نحن عليه فنتبعه فأكذبهم الله تعالى بذلك، وقيل: نزلت تكذيبًا لجمع من اليهود يظهرون مودة المؤمنين ويزعمون أنهم يودون لهم الخير وفصلت عما قبل، وإن اشتركا في بيان قبائح اليهود مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لاختلاف الغرضين فإن الأول لتأديب المؤمنين وهذا لتكذيب أولئك الكافرين، ولأجل هذا الاختلاف فصل السابق عن سابقه، ومما ذكرنا يعلم وجه تعلق الآية بما قبلها، والقول بأن ذلك من حيث إن القول المنهي عنه كثيرًا ما كان يقع عند تنزيل الوحي المعبر عنه بالخير فيها فكأنه أشير إلى أن سبب تحريفهم له إلى ما حكي عنهم لوضوعه في أثناء حصول ما يكرهونه من تنزيل الخير مساق على سبيل الترجي وأظنه إلى التمني أقرب، وقرئ {وَلاَ المشركون} بالرفع عطفًا على {الذين كفروا}{أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم} في موضع النصب على أنه مفعول {يَوَدُّ} وبناء الفعل للمفعول للثقة بتعيين الفاعل وللتصريح به فيما بعد، وذكر التنزيل دون الإنزال رعاية للمناسبة بما هو الواقع من تنزيل الخيرات على التعاقب وتجددها لاسيما إذا أريد {مّنْ خَيْرٍ} في قوله تعالى: {مّنْ خَيْرٍ} الوحي وهو قائم مقام الفاعل، ومن صلة وزيادة خير، والنفي الأول منسحب عليها، ولذا ساغت زيادتها عند الجمهور ولا حاجة إلى ما قيل: إن التقدير يود أن لا ينزل خير، وذهب قوم إلى أنه للتبعيض وعليه يكون عليكم قائمًا ذلك المقام، والمراد من الخير إما الوحي أو القرآن أو النصرة أو ما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزايا أو عام في أنواع الخير كلها لأن المذكورين لا يودون تنزيل جميع ذلك على المؤمنين عداوة وحسدًا وخوفًا من فوات الدراسة وزوال الرياسة، وأظهر الأقوال كما في البحر الأخير ولا يأباه ما سيأتي لما سيأتي.{مّن رَّبّكُمْ} في موضع الصفة للخير، ومن ابتدائية والتعرض لعنوان الربوبية للاشعار بعلية التنزيل والإضافة إلى ضمير المخاطبين لتشريفهم {والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء} جملة ابتدائية سيقت لتقرير ما سبق من تنزيل الخير والتنبيه على حكمته وإرغام الكارهين له، والمراد من الرحمة ذلك الخير إلا أنه عبر عنه بها اعتناء به وتعظيما لشأنه؛ ومعنى اختصاص ذلك على القول الأول ظاهر ولذا اختاره من اختاره، وعلى الأخير انفراد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جموعه وعدم شركة أولئك الكارهين فيه وعروّهم عن ترتب آثاره، وقيل: المراد من الآية دفع الاعتراض الذي يشير إليه الحسد بأن من له أن يخص لا يعترض عليه إذا عم، وفي إقامة لفظ الله مقام ضمير {ربكم} تنبيه على أن تخصيص بعض الناس بالخير دون بعض يلائم الألوهية كما أن إنزال الخير على العموم يناسب الربوبية، والباء داخلة على المقصور أي يؤتي رحمته، ومن مفعول، وقيل: الفعل لازم، ومن فاعل وعلى التقديرين العائد محذوف {والله ذُو الفضل العظيم}. تذييل لما سبق وفيه تذكير للكارهين الحاسدين بما ينبغي أن يكون مانعًا لهم لأن المعنى على أنه سبحانه المتفضل بأنواع التفضلات على سائر عباده فلا ينبغي لأحد أن يحسد أحدًا، ويود عدم إصابة خير له، والكل غريق في بحار فضله الواسع الغزير كذا قيل: وإذا جعل الفضل عامًا؛ وقيل: بإدخال النبوة فيه دخولًا أوليًا لأن الكلام فيها على أحد الأقوال: كان هناك إشعار بأن النبوة من الفضل لا كما يقوله الحكماء من أنها بتصفية الباطن، وأن حرمان بعض عباده ليس لضيق فضله بل لمشيئته وما عرف فيه من حكمته، وتصدير هذه الجملة بالاسم الكريم لمناسبة العظيم.
|