الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غاية تلخيص المراد من فتاوى ابن زياد
.القضاء: (مسألة): قولهم: إنما يلزم القاضي القيام بالقضاء في ناحيته فقط، المراد بالناحية الجهة فالبلد وأعمالها يطلق عليها جهة فأنكر، وقد صرحوا بأن الإمام إذ اولاه قضاء بلد أو مدينة وصرح بدخول أعمالها أو خروجه اعتمده وإلا فالعرف المتقدم، فإن اختلف روعي الأكثر ثم أقربهما عهداً. (مسألة): يجب على الحاكم الوقوف على أحكام الشريعة التي أقيم لها ولا يتعداه إلى أحكام السياسة، بل يجب عليه قصر من تعدى ذلك وزجره وتعزيره وتعريفه أن الحق كذا (مسألة): القاضي المتعين للقضاء سواء كان مجتهداً مطلقاً أو مقلداً، لا ينعزل بعزله نفسه ولا بعزل من ولاه، لأنه إذا لم يوجد مجتهد وجب نصب مقلد. (مسألة): لا يستحق القاضي شيئاً من معلوم الوظيفة حتى يشرع في العمل أو التصدي لذلك بعد وصوله البلد، ولا شيء له مما قبضه القاضي الأوّل واستحقه قبل وصول الثاني واستحقاقه. (مسألة): ليس للقاضي أخذ عشر ما حكم به من نقد أو عقار، بل أخذه لذلك من أخذ مال الناس بالباطل وينعزل به ولا تنفذ أحكامه، وقول العباب للقاضي عشر أموال الأيتام فذاك في مقابلة أجرته في عمله في أموالهم لا في مقابلة القضاء، والعشر ليس بقيد، وإنما المقصود اعتبار أجرة مثل عمله، وليت شيخنا أضرب عن ذكر هذه المسألة في عبابه فإنها جرأت الحكام على أكل مال الأيتام، وقد بالغ ابن كج في إنكار ذلك أشد الإنكار وأقره عليه الرافعي، فإطلاق جواز ذلك باطل ليس لأحد نسبته للعلماء المعتمدين، نعم لو قال القاضي الذي لا رزق له في بيت المال ولا كفاية له للخصمين: لا أحكم بينكما حتى تجعلا لي رزقاً جاز بعشرة شروط: أن ينقطع عن كسبه، ويعلم به الخصمان قبل الترافع، ويكون عليهما معاً، ويأذن له الإمام، ويعجز عن رزقه، ويفقد متطوع، ولم يضر بالخصوم، ولا جاوز حاجته، واشتهر قدره، ويساوي بين الخصوم فيه إن استوى قدر نظره فيه وإلا جاز التفاوت، وقال السبكي: إذا ابتلي إنسان بالقضاء لا يحل له أن يأخذ عليه شيئاً إلا أن لا يرزقه الإمام أو يكتب مكتوباً يستحق أجرة مثله إذا لم يكن كتاب ذلك واجباً عليه، ولا يجوز أن يأخذ على الحكم، ولا على توليته نيابة القضاء، ولا مباشرة وقف أو مال يتيم شيئاً، وكذلك حاجب القاضي، وكل من تولى أمور المسلمين. (مسألة): النذر للقاضي إذا صدر من أهل محل ولايته فالظاهر الصحة والاحتياط التعفف. (مسألة): لا يكفي أن يكون في كل إقليم مفت واحد لعسر مراجعته، بل يجب لكل مسافة قصر مفت، وفرق بينه وبين قولهم: لا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض لكثرة الخصومات وتكررها في اليوم الواحد من كثيرين، بخلاف الاستفتاء في الواقعة. (مسألة): حيث قلنا يجوز التقليد في بعض المسائل لا يشترط لذلك قصد التقليد ابتداء بل يكفي دواماً، كما لو تزوج شافعي على مذهب أبي حنيفة ولم يخطر بباله الانتقال حال العقد ثم عنّ له بعد ذلك، فإنه يجوز ذلك وينقلب صحيحاً، كما ينقلب كذلك بالحكم بصحته من غير تقليد بالأولى، إذ التقليد بالنسبة إلى جواز التعاطي أقوى من الحكم الخالي عن التقليد لأنه فعل المتعاطي، والحكم أمر اصطلاحي، ولا يشترط لصحة الانتقال اعتقاد صحة ذلك. (مسألة): الذي يفهم من كلامهم في التقليد أن التركيب القادح فيه إنما يمتنع إذا كان في قضية واحدة، كمن توضأ ومس تقليداً لأبي حنيفة وافتصد تقليداً للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الإمامين على بطلان طهارته، وكذا لو توضأ ومس بلا شهوة تقليداً لمالك، ولم يدلك تقليداً للشافعي، ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الإمامين على بطلان طهارته، بخلاف ما إذا كان التركيب من قضيتين، فالذي يظهر أن ذلك غير قادح في التقليد، كما إذا قلد شافعي أبا حنيفة في استقبال جهة القبلة ولم يمسح ربع الرأس لا تبطل صلاته، لأن الإمامين لم يتفقا على بطلان طهارته، فإن الخلاف فيها بحالة، لا يقال: اتفقا على بطلان صلاته، لأنا نقول: هذا الاتفاق نشأ من التركيب من قضيتين وهو غير قادح في التقليد، ومثله إذا قلد أحمد في أن العورة السوأتان وكان قد ترك المضمضة والاستنشاق والتسمية الذي يقول أحمد بوجوبها، فالذي يظهر صحة صلاته لأنهما لم يتفقا على بطلان طهارته التي هي قضية واحدة. (مسألة): لا تنفذ تولية غير المجتهد والجاهل والفاسق مع وجود أضدادهم إلا إن ولاه ذو شوكة ولو كافراً والعياذ بالله تعالى إذا كان متغلباً، لا إن ولاه أهل الحل والعقد إذ لا ضرورة إليه، وإذا زالت شوكة من ولاه بموت أو غيره انعزل المذكور لزوال المقتضي لنفوذ قضائه. (مسألة): إذا حكم الحاكم في حادثة من الاجتهادات على مقتضى مذهبه وكان مما لا ينقض ثم رفع إلى حاكم لا يراه، فظاهر كلام الروضة الميل إلى أنه ينفذه، ويؤيده قول السبكي: إنّ حكم الحاكم في الاجتهاديات يرفع الخلاف في المحكوم به، وصيغة حكم الحاكم حكمت أو قضيت له على فلان بكذا، أو نفذت الحكم به، وألزمت خصمه الحق أو الإخراج من حقه، أو كلفتك أو ألزمتك الخروج منه، وأما ثبت عندي كذاباً بالبينة العادلة أو صح أو أقر عندي، فليس بحكم عندنا بالحق المشهود به المختلف فيه ويعبر عنه بالثبوت، ومعناه أنه ظهر للقاضي صدق المدّعي، فإذا سمع شهادة الشهود في واقعة وعمل بمقتضاها كان حكماً منه بعدالة الشهود ليس إلا، والفرق بين الحكم والثبوت أن الثبوت يكتفي فيه بثبوت أهلية المتعاقدين صحة الصيغة، فإذا أراد الحكم بعد ذلك احتاج معه إلى ثبوت الملك للبائع، فإن ثبت ملك البائع للمبيع حكم بالصحة، فكل حكم ثبوت ولا عكس، والحكم يقبل النقل في البلد، ولا يقبله الثبوت إلا فرق مسافة العدوى، وإذا صدر الثبوت ممن يراه حكماً بعد توفر شرائط الحكم عنده كان ذلك من الخلاف اللفظي، فإن صيغ الحكم مما اصطلح عليها ولا مشاحة في الاصطلاح، والمعنى يدور على وجود الحكم ممن يراه وإن اختلفت الصيغ، وإذا صدر من الحاكم حكم فلكلّ من حضره أو سمعه أن يشهد به وإن لم يشهده الحاكم على حكمه، ولا يشترط في الشهادة على حكم الحاكم أن يكتب كتاباً حكمياً، بل الشهادة على اللفظ كافية من غير احتياج إلى كتب مسطور بذلك، بل المساطير الحكمية لا يجوز لأحد الشهادة عليها بالحكم إلا بعد سماعه من الحاكم. (مسألة): المعتمد الذي جرى عليه الشيخان المعوّل عليهما في الترجيح أن حكم الحاكم في المسائل الاجتهادية ينفذ ظاهراً وباطناً، ونقله القاضي والإمام عن الجمهور، وجرى عليه السبكي والعباب، وأما قول الروض ينفذ ظاهراً فالمراد كما قال شارحه زكريا ما إذا بناه على أصل كاذب، كما إذا حكم بشاهدي زور بظاهر العدالة، وقول ابن الصلاح: حكم الحاكم لا يغير ما في نفس الأمر مرجوح كما ذكره السمهودي. (مسألة): إذا قضى القاضي بالشهادة على الخط، كأن شهد عنده أن هذا الخط خط فلان القاضي فحكم بها لم ينفذ قضاؤه، بل لو قضى به قاض مالكي ورفع إلى قاض شافعي لم ينفذه، لأن الشهادة بالخط مما اتفق العلماء على عدم جوازها إلا مالكاً، بل قد ثبت رجوع مالك وجلّ أصحابه عنها، فلا تجوز الشهادة بالخط ولا الحكم به حينئذ. (مسألة): رجل أعجمي الجنس تولى القضاء ببلد ثم قامت نفسه وبقي يلعن أهل البلد بالجمع بل بالإفراد والتخصيص في بعض الأحيان، وفي بعضها يقول: هؤلاء عرب النبي، والنبي من هؤلاء العرب، فهذا الشخص قد ارتكب إثماً عظيماً باللعن المذكور، بل يخاف عليه سوء الخاتمة، إذ لا يجوز لعن شخص بعينه ولو كافراً حتى يموت على الكفر، فإذا انضم إلى ذلك ما يشعر بالاستخفاف بالعرب وإخراجه للمسلمين أهل بلده من الأمة انعزل عن ولايته، وإن صدر منه ذلك من غير تأويل فهو مرتد تجري عليه أحكام الردة. (مسألة): التقسيم هو أن يقال للشخص: احضر عند القاضي وقسم بكذا وكذا من المال للدولة إن بان الأمر خلاف ما تقول، فإذا لم يعط ما قسم به عاقبوه، فهو في الحقيقة ملجأ إلى ذلك، كما هو مشاهد من أحوالهم، ومنه يعلم أن التصوير بكونه طائعاً مختاراً غير صحيح مخالف للواقع، وحقيقة التقسيم عندهم التزام مال في المستقبل إن بان الأمر بخلاف ما يدّعونه عليه، ومثل ذلك لا يلزم منه تسليم المال بمجرد التقسيم، ومن أجاب بأنها صيغة إقرار فقد جهل وغلط، ولم يفرق بين الإخبار والإنشاء، فإن حقيقة الإقرار إخبار عن حق واقع سابق على المقر والواقع في مقابلة التقسيم المذكور، خلاف ذلك فإنه منشىء لالتزام المال، وكذلك البينة الشاهدة بأن ذلك إقرار فهي كاذبة لأنها تعلم خلاف ذلك، وأشنع من ذلك قول المجيب المذكور: إن القاضي يقضي بعلمه في ذلك، فإن هذا في الحقيقة قضاء، بخلاف العلم المتفق على منعه، لأن القاضي وغيره يعلم أنه ملجأ إلى التقسيم ملتزم له في المستقبل، ويعلم أيضاً أنهم يلزمونه بالتزام ما ذكر لا أنه يلتزم طائعاً مختاراً، وبالجملة فقد فتح المجيب المذكور بفتواه على المسلمين باباً عظيماً من أبواب الفساد المؤدّي إلى أكل أموال الناس بالباطل لا يرضى، وليس التقسيم في الشرع بشيء، فالحذر الحذر من جعله إقراراً، بل هو من أكل أموال الناس بالباطل. (مسألة): ليس قول القاضي: ثبت عندي كذا أو صح بحكم حتى لا يجوز للقاضي والشهود الرجوع عنه، سواء كان مختلفاً فيه أو متفقاً عليه، وما في العباب مما يوهم الفرق غير مراد. (مسألة): ادّعى متولي الوقف على متول قبله معزول جملاً من الدعاوى عند الحاكم، فأجاب المدعى عليه بإيصال ما قبضه إلى مستحقه، فطلب من القاضي محاسبته تفصيلاً، فأجابه القاضي بعدم الوجوب بتفصيل ما ادعاه، فقول القاضي هذا حكم منه، إذ لا يشترط في الحكم تفصيل، كما لو قال: اخرج من حقه أو اقضه فهو حكم بالدين، فليس لحاكم يرى خلافه نقضه. (مسألة): ليس للقاضي ولا غيره محاسبة القيم أو الوصي الأمين، لا سيما إذا اشتهرت ديانته واستفاض ذلك عند الخاص والعام، فإن القول قوله بيمينه فيما يدعي من التصرف المأذون فيه، بل لو ادعى عليه أنه قبض شيئاً فأجابه أنه أوصله إلى من ائتمنه، صدق، كما في العباب وأدب القضاء، وحينئذ يزجر القاضي من تعرّض لإيذاء هذا الأمين وطلب منه ما لا يجب عليه. (مسألة): حكم الشافعي بحكم في حادثة فرفع إلى حاكم حنفي فنفذه وأمضاه، ثم ظهر بطلان ما ترتب عليه الإمضاء والتنفيذ عند الحاكم الأوّل بنحو بينة أقامها المحكوم عليه بطل الحكم وما ترتب عليه من التنفيذ والإمضاء، لأن المنفذ إنما هو منفذ بما قامت به الحجة عند الأوّل لا مبتدىء الحكم، لا سيما إذا كان الحنفي لا يرى الدعوى والبينة التي أقامها المحكوم عليه. (مسألة): إذا استأذن شخص القاضي في إحضار آخر للدعوى عليه، فلا يتوقف إحضاره على استفصال القاضي المستأذن هل هذا المطلوب كبير أو صغير، لكن الاستفصال أولى كما في الجواهر. (مسألة): يحرم على القاضي التشديد بغير مقتضى الشرع، وأن يقول لمسلم: يا يهودي، أو يغري ظالماً على أحد الرعية، أو ينقص عالماً ويفسق بذلك وينعزل، بل في الروضة: لو قال لمسلم يا كافر بلا تأويل كفر لأنه سمى الإسلام كفراً، وهذا قبيح ومن القاضي أقبح، ولا يخفى أن الوقوع في أهل العلم والتنقيص لهم من كبائر الذنوب اتفاقاً. (مسألة): ادعى على آخر عند حاكم حنفي دعوى شرعية، فقامت الحجة للمدعى عليه وحكم بها الحاكم المذكور، ثم رفع المدعي دعواه إلى حاكم شافعي ليبطل حكم الحنفي، لم يجبه الحاكم إلى ذلك إن كان مما لا ينقض فيه حكم الحنفي، بل إن طلب من الحاكم الشافعي تنفيذه نفذه. (مسألة): ليس للنائب في الأحكام الحكم بخلاف مذهبه، بل إن حكم به فحكمه باطل، كما قاله ابن عبد السلام وابن الصلاح، هذا في التقليد في الحكم والفتوى، أما التقليد في حق نفسه فجائز بشرطه، وأما الرشوة فحرام مطلقاً، سواء كانت لأجل الحكم بغير الحق وهي أشد حرمة، أو ليحكم بالحق ولولاها لما قضى به ولا أعلم فيها خلافاً لكنها أخفّ من الأولى، وقد لعن النبي الراشي والمرتشي والرائش أي الساعي بينهما، نعم إنما يحرم على الراشي إذا توصل بها إلى أخذ ما ليس له، أو إبطال حق عليه، أما لو حيل بينه وبين حقه وعلم أنه لا يصل إليه إلا بسحت يبذله لقاض سوء فالوزر خاص بالمرتشي، وحكم الرائش حكم موكله منهما، ويحرم على القاضي التعصب مع أحد الخصمين والقيام معه، وقبض ما لا يستحقه من أموال الناس ومنع مستحقه، ويجب على وليّ الأمر صرف النائب المذكور عن النيابة لانعزاله بهذه المثالب، ولا يجوز إقامته في شيء من الوظائف الدينية ولا توليته إماماً يصلي بالناس وإن صحت خلفه، وهذه مفاسد تؤدي بفاعلها والراضي بها إلى سوء الخاتمة ولا يرضى بها إلا منافق. (مسألة): لا مدخل للفراسة والإلهام في الأحكام الشرعية، فلو ادعى شخص وديعة وأنكره المدعى عليه فأقام شاهداً فقط، فليس للحاكم أن يلزم المدعى عليه بالتسليم بمجرد فراسته كما أنه لا مدخل للكشف في ذلك أيضاً، وليس للقاضي أن يمتنع من سماع دعوى للمدعى عليه إذا طلب سماعها هو لاأجنبي. (مسألة): أطلق القاضي محبوساً وقال: إنما حبسته لإقامة البينة على حريته لا على تسليم الدين للمدعي فالقول قوله بيمينه حال ولايته فقط، وحينئذ لو طلب الخصم من القاضي أن يمهله ليأتي ببينة وكان لا يمكن استحضارها إلا بعد أكثر من ثلاثة أيام لم يجبه بل يحكم بمقتضى الحال، ثم إن أتى بدافع بعد ذلك رتب عليه حكمه، ولي جواب أنه يجب على القاضي إحضار الخصم ورده إلى الحبس، وذاك مصوّر بما إذا كان الحبس على الدين وأن القاضي أخرجه من غير مسوّغ شرعي فافهم ذلك ولا يختلف عليك الكلامان. (مسألة): تولى القاضي قسمة تركة ميت بين ورثته بعد أن ثبت عنده بشهادة عدلين انحصار الإرث فيهم، ثم بعد قبض كل حصته ظهر وارث آخر فحقه في التركة، ولا يضمن من القاضي التركة بل ولا حصته لأنه نائب الشرع، والدعوى على الشرع لا تسمع، بل قال السبكي: لو أقام بينة بما يقتضي الضمان لم تسمع، فقول القاضي أصدق من البينة، وليس للوارث المذكور تحليف القاضي إنه لم يبق تحت يده شيء لأنه يدعي خيانته وهي لا تسمع وهذا مفروض في القاضي العدل المتصف بالأهلية شرعاً. (مسألة): ثبت على سجان القاضي حق وامتنع عن تسليمه، فطلب خصمه من القاضي حبسه، حبسه في المحل المتخذ للحبس ومنعه من الخروج من الحبس وهو ممنوع منه، ولا يمنع من دخول أهله وعياله عليه..القضاء على الغائب: (مسألة): يشترط حضور الخصم للدعوى وإقامة البينة عليه عند الحاكم حتى لو كانت شاهداً ويميناً فلا بد من حضوره اليمين بشرطه، وقول الريمي: لا يشترط فيه نظر، ولا يشترط حضور الخصم يمين المدعى عليه ولا يمين الاستظهار، ومما عمت به البلوى في عصرنا المعلوم حال قضاته المبادرة إلى تنفيذ الكتاب الحكمي من غير بحث عن حال القاضي الكاتب ولا معرفة عدالته، والذي يجب على القاضي أن لا يبادر إلى تنفيذ كتاب حكمي على غائب، لا سيما من البلدان الشاسعة التي لا يعرف أحوال قضاتها، ومن شرط العمل بكتاب القاضي أن يكون الثاني عالماً بصحة ولاية الأول وأحكامه وبكمال عدالته، ولا سيما في هذه الأعصار التي شوهد فيها تولية غير الأهل ممن جمع بين الفسق والجهل، والأصل براءة الذمة. (مسألة): أثبت عند حاكم بإقرار ميت معين له بدين معلوم، وبأنه أحاله به على شخص معين غائب عن البلد حوالة شرعية مستوفية للشروط وقبل الحوالة، فلما جاء إلى بلد المحال عليه أنكرها، فأقام بيِّنة بقبولها عند الحاكم الأول، احتاج إلى يمين الاستظهار التي لم يحلفها عند الحاكم الأوّل بعد صحة الدعوى عنده وإقامة البينة، ويكفيه في هذه الصورة أن يحلف أن الذي ادعاه باق في ذمة الميت إلى أن أحال لي به، وإني الآن أستحق هذا المال المحال به بحكم الحوالة المذكورة، ويكفي ذلك عن يمين الإقرار لشمول يمين الاستظهار لمعنى يمين حقيقة الإقرار. (مسألة): يجوز للقاضي سماع الدعوى والبينة والحكم بها على الغائب في غير محل ولايته وإن كان دون مسافة العدوى، كما نقله الرداد والمزجد والقمولي عن الماوردي، وإنما تعتبر مسافة العدوى فيما إذا كان الخصم في محل ولايته. (مسألة): كتب قاض إلى قاض آخر فوق مسافة العدوى ما لفظه: ثبت عندي بالإنهاء الصحيح الشرعي أن فلاناً نذر على فلان بما هو كذا من العقار، أو بما هو تحت يده من الأعيان، ثم وصل شهود بذلك الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه، فله حينئذ الحكم بشرطه، وله تنفيذ ذلك الثبوت ولا يكون تنفيذه حكماً. (مسألة): الثبوت عند القاضي لا يكون حكماً، ولا يجوز نقله إلا إلى فوق مسافة العدوى، والثبوت المجرد هو الذي لم يقترن به حكم بالمدعي، فإن اقترن به حكم كان ثبوتاً غير مجرد إذا علمت ذلك، فإذا نقل الحاكم ثبوتاً بعقد بيع أو نكاح مثلاً مجرداً عن الحكم فهو نقل للثبوت فقط، هذا في الثبوت الصحيح، وأما الثبوت الفاسد ففائدته فيما إذا أراد الحاكم إبطال عقد فيشترط ثبوته عنده، فحينئذ إذا حكم بإبطاله ونقل إبطاله إلى حاكم آخر فله تنفيذ ذلك الإبطال بشرطه، وكماله تنفيذ الصحة له تنفيذ الإبطال. (مسألة): يمين الاستظهار ليست حجة مثبتة لحق المدعي ولا دافعة له، وإنما هي شرط لحكم الحاكم على نحو الغائب على الأصح، فإذا حلفها المدعي حكم له الحاكم، وإن لم يحلفها لم يحكم له كما قاله الأصحاب، فكما أن الحكم بعد تعديل البينة لا يجوز إلا بطلب المدعي، كذلك الحكم على الغائب ونحوه لا يجوز إلا بعد يمين الاستظهار على الأصح، ولا يحكم على الممتنع منها بالنكول على إشكال فيه، ولو طلب القيم من المدعي على اليتيم يميناً بأنه لا يعلم كذب شاهديه فنكل حلف القيم يمين الردّ وبطلت شهادتهم. (مسألة): دار مرهونة طلب المرتهن من الحاكم بيعها واستيفاء دينه من ثمنها بغيبة الراهن وجبت إجابته بأن يبيعها بثمن مثلها، وهو ما انتهت إليه رغبات الناس بعد الاشتهار والنداء في ذلك الزمان والمكان لا ما قوّمه المقوّمون. (مسألة): يجوز للحاكم أن ينصب من يدعي للغائب ويحكم له إن دعت حاجة إلى ذلك، كأن خيف فلس الغريم، أو كان على الغائب دين أو نفقة ممون، وله قبض دين له بذله المدين، بل إن خيف عليه وجب طلبه، ولا ينافي هذا ما في الروضة من بطلان القضاء للغائب لأن ذاك فيما لم تدع إليه حاجة. (مسألة): غاب شخص وفي ذمته ديون حالة لجماعة، وبيده شجر حور لم يتعلق به حق أحد من الغرماء برهن ولا غيره، باعه الحاكم ووزع ثمنه على غرمائه على قدر ديونهم، فلو كان لأحدهم شرك في شيء منه فباع الكل من غير إذن الغائب والحاكم بطل في نصيب الغائب. (مسألة): ادعى على ميت ديناً وأقام شاهداً فقط، احتاج إلى يمين تكمل البينة، ويمين للحكم المسماة يمين الاستظهار. (مسألة): ادعى وكيل المرأة على زوجها الغائب فوق مسافة العدوى أنه علق طلاقها على البراءة من مهرها، وأنها أبرأته عنه فوراً وأقام بذلك شاهدين سمعها القاضي ولا يحتاج إلى ذكر انقضاء العدة، إذ القول في انقضائها قول المرأة بيمينها حيث نازعها الزوج في الانقضاء، وإلا فاليمين مستحبة في حقها، وإذا ثبت الطلاق بالشهادة بالإبراء عن المهر فوراً، ثم ادعى الزوج أنه علق الطلاق على الإبراء عن حقوق الزوجية من المهر وغيره، وشهدت البينة على أنه لم يذكر غير المهر وأنها شاهدت فاه بعد النطق بالمهر منطبقاً لم يقبل قوله ظاهراً..القسمة: (مسألة): أخوان يملكان داراً محتوية على جملة مساكن، فأجرا مسكناً منها مدة معلومة كل شهر بكذا، ثم اقتسما الدار، وتميز المسكن المؤجر لأحدهما صحت القسمة بناء على صحة بيع المؤجر وبقيت الأجرة بينهما، ولا يرجع المتميز له ذلك على أخيه بشيء قبضت الأجرة أم لا، بناء على أن من اشترى عقاراً مؤجراً لا يرجع إلا بأجرة بل هي للمؤجر. (مسألة): اقتسما عرصة وتراضيا على القسمة من غير قرعة صح، ولا يجاب طالب النقض من غير مسوغ إذ القرعة ليست ركناً في القسمة. (مسألة): دار صغيرة لا يمكن قسمتها بالإجبار مشتركة بين اثنين، ولم يرضيا بالمهايأة، ولم يوجد من يستأجرها، فطلب أحدهما استئجار نصيب الآخر، وطلب الآخر بأن تسمر وتعطل عن الانتفاع. أجيب طالب الاستئجار، ويؤجرها منه الحاكم بأجرة المثل، ويقتصر على أقل مدة يؤجر المذكور فيها عادة، إذ قد يتفقان عن قرب، وأما قول الشريك إنها تسمر وتعطل فمذهب فاسد وزلة من قائله. (مسألة): للقاضي إجابة الحاضر من الشركاء طالب القسمة إذ كانت إجباراً، فإن لم تكن إجباراً فلا بد من رضا الجميع، وأجرة القسمة على قدر حصص الجميع لا على الرؤوس..الشهادات: (مسألة): الحناء حرام، أما كونه صغيرة فلا شك فيه، ولم أر من عده من الكبائر، والمعتمد أن مجرد الإصرار على الصغيرة من غير نظر إلى غلبة الطاعات لا يمنع من قبول الشهادة، فعلى أنه صغيرة لا تردّ به الشهادة من قبل إخلاله بالمروءة كما قاله الأذرعي. (مسألة): لا يجوز هجو المسلم مطلقاً وإن صدر في حال كفره، فلا تجوز حكايته بعد الإسلام، وكذا لكافر لغير الذب عن الله أو رسوله إن كان له ذمّة أو تأذى به مسلم أو ذمي. (مسألة): اختصم هو وآخر فقال له الآخر: والله لأخرجنك من بلدك وهو يكره الخروج منها، ثم أراد الشهادة عليه عقب ذلك لم تقبل شهادته، إذ حلفه على إخراجه من أعظم العداوة، إذ الإنسان يكره الخروج من بلده، بل هو أشدّ من بذل المال، فتحصل من ذلك أنه يججب ما يكره ويلزم منه أنه يكره ما يحب. (مسألة): مات عن أخ وزوجة فطلبت الزوجة ميراثها، فشهد ابن الأخ المذكور مع آخر حسبة بأن الزوج الميت طلقها قبل موته ثلاثاً، لم تقبل شهادة ابن الأخ للتهمة لأن شهادته لأبيه كشهادته لنفسه. (مسألة): من لا يصح الفاتحة لغير عذر أو الصلاة أو الوضوء، أو لا يعلم واجبات الإيمان مع مضي مدة في الإسلام يمكنه التعلم فيها لم تقبل شهادته. (مسألة): تقدم في الغصب أن من عنده شهادة لشخص فدعي ليشهد له عند حاكم جائر لا يجب بل لا يجوز له الأداء. (مسألة): امتنع عن أداء الشهادة عند القاضي لاعتقاده أن القاضي غير صحيح الولاية بفسقه أو عاميته، أو لكون موليه بهذه الصفة أثم بامتناعه كالكاتم لها ووجب عليه الأداء، ولا يكون اعتقاده ما ذكر عذراً فيه. (مسألة): للابن أن يتحمل عن أبيه وبالعكس، وإن كان المتحمل عنه مجهول العدالة بناء على الأصح من عدم اشتراط تزكية الفرع للأصل خلافاً للعباب. (مسألة): ادعى على آخر وديعة وقدّرها بمقدار معلوم، وطلب إحضارها إلى مجلس الحاكم لسماع الدعوى على عينها فأحضرت، فطلب الحاكم البينة بعد ثبوت الدعوى، فشهد الشاهد لما رأى العين المدعاة وهو إناء وفيه دراهم مثلاً بأن هذا الإناء وما فيه للمدّعي، وعدة ما فيه كذا للقدر الذي ادعاه المدعي أم لا، ثم فتح الرباط وعدت الدراهم فوجدت ناقصة عما ذكره الشاهد لم يقدح في شهادته، إذ يحتمل سرقة شيء من المشهود به ولو على بعد، ويحتمل الغلط في العدد. (مسألة): أرسل إليه أحمال هدف على كل حمل قطعتان فاختلفا في واحد منهما، فشهد للمرسل شاهدان بأنه أرسل هذا الحمل المذكور وعليه قطعتان من غير ذكر وزنهما لم تصح الشهادة. (مسألة): سبق لسان الشاهدين بين يدي الحاكم إلى غلط في التاريخ، كأن أراد أن يقول 48 سنة فسبق لسانه إلى 28 سنة، لم يكن قادحاً في شهادته إذا رجع وأعادها على الصواب على الراجح، كما صرّح بذلك إسماعيل الحضرمي، لا سيما إذا كان الشاهد مشهوراً بالعدالة والضبط، ولا يشكل بما إذا قال الشاهد قبل الحكم: غلطت في شهادتي فإنه لا تقبل منه تلك الشهادة كما في الروضة وغيرها، لأن هذه مفروضة في سبق اللسان مع اعتقاد الشاهد أن السنة وصورة تلك أن يقول ظاناً إن الواقع كذلك ثم تبين له أنه 47 سنة، فهذا لا يقبل فيه ذلك لتقصيره بعد التثبت. (مسألة): شهدت له بينة بأنه اشترى داراً معينة بثمن معلوم مسلم بيد البائع من غير ذكر قدّره كأن نسيته لم يكن ذلك قادحاً في الشهادة على المعتمد، وما في فتاوى البغوي مما يخالف ذلك مفروض فيما إذا لم تذكر تسليم الثمن. (مسألة): ادعى المشهود عليه جرحاً في الشاهد الذي يشهد عليه، لم يشترط حضور الشاهد المجروح ولا المدعي عند الجرح لأنه تقبل فيه شهادة الحسبة، بل إن حضر المجروح وإشار إليه الجارح وإلا ذكره باسمه ونسبه المعروف، ولا معنى لإنكار المدعي والشاهد الجرح، فإن بينة الجرح مقدمة على بينة التعديل. (مسألة): ادعى قوم أرضاً أنها وقف عليهم لكون الواقف وقفها على مدرسة كذا، وخص بوظائفها جدّهم فلان الفلاني ثم بنوه ما تناسلوا، وأنكر الخصم الاختصاص بهم مع إقرارهم الوقف، وشهدت بينة بأن هذا وقف خاص لبني فلان، فادعى الخصم أن الواقف مات قبل ظهور جد المدعين المذكورين ووافقه على ذلك نقلُ العلماء والفقهاء في الطبقات والتواريخ أن الواقف مات سنة 667، وجدّهم الذي يزعمون أنه مختص بالوقف قد درس اثنان في المدرسة قبله، وبين موت جدّهم وبين الواقف 137 سنة، فالحق الذي لا يرتاب فيه ولا ينقدح غيره بطلان الشهادة المذكورة وما ترتب عليها، لا سيما إذا قال الشاهد: مستندي التسامع، إذ من شرطه أن لا تكون هناك دلالة يرتاب بها، وأيّ دلالة على بطلان الشهادة بانحصار الوقف فيه أعظم من وجود نقل العلماء في طبقاتهم وتواريخهم التي يبعد فيها التدليس قدّم عصر الواقف على عصر الموقوف عليهم بزمن العادة فيه قاطعة بعدم اجتماعهما وتعاصرهما وتدريس غير المشهود له، ويجب على الحكام الاجتهاد وبذل الوسع في الكشف عن شهود التسامع وتحقيق وجود الشروط المعتبرة في ذلك، ولا تقبل الشهادة بشرط الواقف اعتماداً على التسامع إلا إن كانت متصلة بالشهادة بأصل الوقف إلا إن كانت منفردة عنه، وإذا بتّ الشاهد الشهادة وقال بعد ذلك: مستندي التسامع لم يقدح في شهادته، وإن قال حال الشهادة: أشهد بالتسامع أن كذا وكذا كذا وكذا لم يُقبل حرر ذلك السبكي. (مسألة): عتيق احتاج أن يثبت عتقه، فشهد له اثنان أحدهما بإقرار سيده أنه أعتقه والآخر بالاستفاضة بشرطها لفقت الشهادتان كما صرح به في العباب. (مسألة): جماعة يملكون أرضاً من مخلف مورثهم، فباع أحدهم جميع الأرض من غير إذن الباقين، فأراد أحد المستحقين فيها أن ينازع في سهمه، لم يكن له أن يقيم بينة من بقية المستحقين فيها أنه يستحق كذا لاستلزام ما يشهدون به حصول شيء لهم فيه، إذ لا تقبل شهادة الشريك لشريكه في المشترك إلا إن كان ما يشهد به لا يستلزم حصول شيء له فيه. (مسألة): يقبل في النذر شاهد ويمين، إذ المقصود الأعظم منه المال كالوقف والوصية، إذ النذر والوصية من واد واحد، ولهذا يصحان بالمجهول والمعدوم. (مسألة): إذا توجهت دعوى المرأة إلى إثبات النكاح وموت الزوج وهي في عصمته، فلا بد من شروط دعوى النكاح وإثبات قدر المهر، ولا يكفي فيه شاهد ويمين، وإن توجهت دعواها إلى المهر بأن قالت: أدعي أني أستحق في ذمة هذا المتوفي مهراً قدره وصفته كذا بسبب نكاح صحيح قبل في ذلك شاهد ويمين. (مسألة): ادعى على آخر مائة سليماني حالة في ذمته فادعى المدعى عليه بأنه كان عليه المبلغ المذكور وأنه صالحه عنه بخمسبن وأحاله بها على شخص سماه حال كونه يستحق عليه مثل المبلغ المحال به وأنكر الخصم جميع ذلك فأتى المدعى عليه بشاهدين على ذلك أحدهما المحال عليه قبلت شهادة المحال عليه إذا كان مقراً بالدين للمحيل وأنه باق إلى حال الشهادة والمحيل أيضاً باق على إقراره بالحوالة إذ لا تهمة في حق المحال عليه لأنه لم يدفع عن نفسه بشهادته طلب المحيل له فله الشهادة بها والحال ما ذكر وقول الأصحاب قول المقر كان لفلان عليّ كذا لا يكون إقراراً محله إذا لم يكن في جواب دعوى وإلا فهو إقرار كما هنا. (مسألة): طلب ليشهد على آخر بشيء فقال: ليس عندي شهادة عليه في ذلك ثم شهد به، فإن قال ذلك حال تصديه للشهادة لم يقبل، وإن قال قبله بيوم أو شهر مثلاً لم يضر، لأنه قد لا يكون شاهداً ثم يصير، ولو بسط رجلان على مال لامرأة بغير وجه شرعي، ثم طالبت أحدهما بما عنده فشهد له الآخر بأنه وكيل لها لم تقبل شهادته لتعديه كما أفتى به الرداد. (مسألة): تجوز شهادة الحسبة بالاستفاضة بالنسب إلى رجل أو قبيلة أو بلد إذا وقف على أهله شيء وإن علم الحاكم أن مستند الشاهد الاستفاضة إذا بتّ شهادته، وكذا تجوز الشهادة بنسبة القرية إلى جهة من الجهات، أو إلى عمل من أعمال بلدة، فيستفاد من ذلك ما يفتقر إليه حاكم الشريعة، كتزويج من لا ولي لها خاص في القرية المضافة إلى البلد، وأعد قاضي البلد من استعداه على خصيمه من القرية المشهود بها، والنظر في أمر أيتامها وغير ذلك. (مسألة): شهد اثنان حسبة عند الحاكم أن فلاناً الغائب طلق زوجته فلانة بنت فلان أو أعتق عبده فلاناً، فله أن يحكم عليه بالطلاق أو العتق طلبا ذلك منه أم لا، إذا لاحظ في حكمه جهة الحسبة معرضاً عن طلبهما. (مسألة): خطب امرأة فلما أجابته ودفع إليها ما تراضيا عليه علم بذلك زوجها الأوّل الذي تدعي أنها مطلقة منه، فادعى أنها زوجته إلى حال الدعوى، فأقامت شاهدين على طلاقه لها أحدهما الخاطب المذكور قبلت شهادته، ولا يقدح في ذلك خطبتها وقصد تزويجها. (مسألة): ذكر الشيخان وغيرهما أن من خوازم المروءة الذي ترد به الشهادة أن يلبس العامي لباس العلماء الذين يعرفون ويتميزون به من بين آحاد الناس، فيجب على حكام الشريعة بل على كل من قدر عليه منعهم من ذلك وزجرهم بالتعزير على ذلك بما يراه زاجراً لهم. (مسألة): إذا غلب على ظن الشاهد ظناً مؤكداً مستنداً إلى قرينة كتوعد أنه إن شهد سعى به المشهود عليه إلى ظالم، وكان معروفاً بالسعاية بالناس والإخبار بأموالهم ظلماً، لم تجب عليه الشهادة ولا يدخل في وعيد ترك الأداء، كما قالوا فيمن دعي ليشهد عند وال جرت عادته أن يقابل على الجناية بأكثر من عقوبتها أنه لا تجوز لها لشهادة حينئذ. (مسألة): شهد شاهد بالإقرار وآخر بالاستفاضة لفقتا لأنهما مستندان إلى إخبار، بخلاف ما لو شهد واحد بالعقد في نحو وقف والآخر بالاستفاضة فلا تلفيق، لأن شهادة العقد شهادة على الإنشاء والاستفاضة إخبار، ولو شهدا معاً بعقد الوقف أو بالاستفاضة سمعت، فلو أقام المدعي بينة شهدت له باليد والملك قدمت بينته لترجيحها باليد، بناء على ما رجحه الشيخان أن تعارض بينتي الوقف والملك كتعارض بينتي الملك، فترجح بينة صاحب اليد سواء مدعي الوقف أو الملك، ويمكن مدعي الملك من جرح شهود الوقف وعكسه. (مسألة): شهد واحد بالبيع لمال محجور بإذن الحاكم، وآخر شهد عن الحاكم صحة البيع لم تلفق الشهادتان، لأن الأولى على الإنشاء والثانية على الإقرار. (مسألة): لا تقبل شهادة الأجير لمؤجره فيما استؤجر عليه كما صرح به القاضي شريح. (مسألة): المعتمد الذي صححه في أصل الروضة أنه يعتبر في الشيوع، والمراد به الاستفاضة المسوّغة للشهادة أو يكون استناد شهادته إلى جمع لا يمكن تواطؤهم على كذب، وأقله أحد عشر رجلاً ولا تحصل بأقل من ذلك، وقول التنبيه والخادم إن أقلهما اثنان مرجوح، ويجوز الحكم والإفتاء بالمرجوح في المذهب، بل ينقض إذا لم يتصل به حكم يراه، فحينئذ لو قدم اثنان من سفر وأخبرا بمعاينة موت رجل ونشأت الاستفاضة من خبرهما، فأراد اثنان أن يشهدا بالاستفاضة لم تصح الشهادة إذا كان مستند شهادتهما إخبار المذكورين، ولو سمع فقيه من اثنين غير القادمين وعلمت الزوجة ووليها بذلك وزوّجها الولي بعد انقضاء عدتها ولفظ الفقيه لم يصحّ التزويج المذكور، ويحرم على الفقيه المذكور الإقدام على ذلك، وإن قال مستندي قول الفقيه لما علمت أنه مرجوح، وطريق الصحة أن يخبر الرجلان المعاينان أو أحدهما الزوجة ويقع في قلبها صدق المخبر، فيجوز لها التزويج بغير الحاكم. (مسألة): رجل مشهور بالفضل والصلاح من بيت علم وصلاح عند الخاص والعام، أمره بعض ولاة الأمر أن يصلح بين طائفة من العرب وبين حاكمها أصلح بينهما، ثم حصل بينهما وبين الحاكم مخالفة، فجاء الحاكم باثنين من الطائفة المذكورة وأكرههما الإكراه الشرعي على أن يشهد بأن الرجل المذكور هو الذي أمرهم بالفساد والمخالفة فشهدا بذلك، كانت الشهادة باطلة، وشهادة من شهد عليهما كذلك، ولا يجوز الحكم بها ولا تنفيذه بل لا يصحان، ولا يجوز لأحد أن يحكم على هذا الرجل الساعي بالإصلاح بشيء من العقوبات، ولا تجب عليه شيء بل هو مأجور مثاب على سعيه، ووجب على الوالي منع من أراد عقوبته. (مسألة): أهل الجهات الذين يتلفظون بالشهادتين ولا يصلون ولا يصومون، ويأخذون أموال الناس، ولا شيء معهم غير عقود الأنكحة لنسائهم يتولونه أنفسهم إيجاباً وقبولاً وشهودهم منهم، فهؤلاء محكوم بإسلامهم بتلفظهم بالشهادتين، وأما فسقهم بما ذكر فمجمع عليه، أما حكم أنكحتهم فمبني على أن العامي هل له مذهب أو يلزمه التزام مذهب معين؟ والذي حققه السمهودي في العقد الفريد أن العامي لا مذهب له، ولا يلزمه التزام مذهب معين، فإذا فعل شيئاً صحيحاً عند بعض العلماء المجتهدين من أئمة المذاهب لم يعاقب عليه، وإن كان غيره يقول بعدم صحته، ومعلوم أن في ولاية الفاسق خلافاً إذا زوّج موليته، وكذا إذا عقد النكاح بشاهدين فاسقين فحينئذ يحكم بصحة أنكحتهم بناء على ما قلناه. (مسألة): أقرّ بأنه لا بينة له على فلان فيما يدعيه عنده ثم أقام بينة سمعت دعواه وبينته وإن تقدمها ما ذكر، بل لو قال: لا شهادة لي عند فلان، ثم قال: لي عنده شهادة وكنت أظن عدمها فأعلمني بها قبلت. (مسألة): المعروف في المذهب أن البلوغ لا يثبت إلا بشهادة رجلين عدلين، زاد القفال من أهل الخبرة عند الحاكم، فحينئذ يحكم ببلوغه وتكون شهادة لا خبراً، وأما الإخبار فيكفي فيه الواحد، فحينئذ إذا أخبر عدل أباً كان أو أماً أو غيرهما عن بلوغ الصبية وصدقه الزوج أو الولي المجبر وكذا القاضي بناء على المعتمد أن تصرفه ليس بحكم جاز له الإقدام على النكاح، وإذا اطلع عليه الحاكم لم يجز له نقضه، نعم لو طلب منه الحكم بصحته لم يحكم بها إلا بعد ثبوت البلوغ عنده بشاهدين، ويجوز للمفتي أن يعلم والزوج بجواز الإقدام بما ذكر. (مسألة): لا تقبل شهادة مشايخ السياسة والخرص وكفى بذلك في رد الشهادة. (مسألة): تقبل شهادة الحسبة في الجرح والتعديل حيث صرحت ببيان سبب الجرح، وللشاهد الاعتماد في هذين على الاستفاضة لحصول العلم والظن بذلك، وتقدم بينة الجرح على بينة التعديل لأن معها زيادة علم، صرح بذلك الشيخان، ويجب الجرح التعديل حسبة إذا تعين طريقاً إلى حفظ دم أو بضع أو مال ومن لا يعبر عن نفسه، ومثله الشهادة بجرح من أقيم في وظيفة دينية العدالة شرط فيها، وتعين ذلك طريقاً إلى صرفه عن الوظيفة المذكورة. (مسألة): تقبل شهادة أهل البدع كمنكري صفات الله تعالى وخلقه أفعال العباد وجواز رؤيته يوم القيامة، لاعتقادهم أنهم مصيبون في ذلك لما قام عندهم إلا الخطابية فلا تقبل شهادتهم لمثلهم، وإن علمنا أنهم لا يستحلون دماءنا وأموالنا لأنهم يرون جواز شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول: لي علي فلان كذا فيصدقه بيمين وعدمه، ويشهد له اعتماداً على أنه لا يكذب إذ الكذب عندهم كفر، وإلا المنكري العلم لله تعالى بالمعدوم والجزئيات، ومنكري حدوث العالم والبعث للأجسام فلا تقبل شهادتهم أيضاً، وأما قوله صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم في حديث الترمذي وأبي داود والحاكم وابن حبان: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «من كان على ما أنا عليه وأصحابي» فالمراد بالأمة هنا من تجمعهم دائرة الدعوى من أهل القبلة كقوله: أمتي أمة مرحومة، نعم ورد في الحديث ما يصح أن تحمل الأمة فيه على ما انتهت إليه الدعوة كحديث الشفاعة، فعلى هذا لو ذهب ذاهب في تأويل الأمة في هذا الحديث أنه من توجهت عليهم الدعوة لانخراطهم في سلك واحد من بلوغ الدعوة فله وجه، وحينئذ فيتناول أهل الكفر والضلال، وأما قوله سبعين ملة فالملة في الأصل ما شرعه الله تعالى لعباده على ألسنة الأنبياء عليهم السلام، ثم إنها اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة، حتى قيل الكفر كله ملة واحدة، ومعنى الحديث أنهم يفترقون فرقاً تدين كل واحدة منها، بخلاف ما تتدين به الأخرى، فسميت طريقهم ملة على الاتساع، وفيه كلهم في النار إلا ملة واحدة، فإن أطلق الحديث على أهل القبلة فقط فمعناه أنهم يتعرضون لما يدخلهم النار كقوله: «القاتل والمقتول في النار»، أو يكون المعنى أنهم يدخلونها بذنوبهم، ثم يخرج منها من لم نقض به بدعته إلى الكفر، وقوله: «إلا ملة واحدة» أي أهل ملة.
|