الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة
.4- الشروط التي نهى الشارع عنها: فعن أبي هريرة أن النبي عليه السلام: «نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبيع على بيعه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على الله تعالى» متفق عليه. وفي لفظ متفق عليه: نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها..وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله عليه السلام قال: «لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى» رواه أحمد. فهذا النهي يقتضي فساد المنهي عنه، ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته، فلم يصح، كما لو شرطت عليه فسخ بيعه. فان قيل: فما الفارق بين هذا وبين اشتراطها أن لا يتزوج عليها، حتى صححتم هذا، وأبطلتم شرط طلاق الضرة. أجاب ابن القيم عن هذا فقال: قيل: الفرق بينهما أن في اشتراط طلاق الزوجة من الاضرار بها وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها ما ليس في اشتراط عدم نكاحها ونكاح غرها، وقد فرق النص بينهما، فقياس أحدهما على الاخر فاسد. ومعنى الحديث: نهي المرأة الاجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته، وإن يتزوجها فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة. .5- ومن صور الزواج المقترن بشرط غير صحيح: .زواج الشغار: قال في الزوائد: اسناده صحيح، ورجاله ثقات، وله شواهد صحيح. 2- وعن ابن عمر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار». والشغار: أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك أو أختك، على أن أزوجك ابنتي أو أختي، وليس بينهما صداق رواه ابن ماجه. .رأي العلماء فيه: وذهب أبو حنيفة الى أنه يقع صحيحا، ويجب لكل واحدة من البنتين مهر مثلها على زوجها، إذ أن الرجلين سميا ما لا تصلح تسميته مهرا، إذ جعل المرأة مقابل المرأة ليس بمال. فالفساد فيه من قبل المهر، وهو لا يوجب فساد العقد، كما لو تزوج على خمر أو خنزير. فان العقد لا يفسخ، ويكون فيه مهر المثل. .علة النهي عن نكاح الشغار: وقيل: أن العلة التشريك في البضع، وجعل بضع كل واحدة مهرا للاخرى. وهي لا تنتفع به، فلم يرجع إليها المهر، بل عاد المهر إلى الولي، وهو ملكه لبضع زوجته بتمليكه لبضع موليته. وهذا ظلم لكل واحدة من المرأتين وخلاء لنكاحها عن مهر تنتفع به. قال ابن القيم: وهذا موافق للغة العرب. .شروط صحة الزواج: وهذه الشروط اثنان: الشرط الأول حل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الاقتران بها. فيشترط ألا تكون محرمة عليه بأي سبب من أسباب التحريم المؤقت أو المؤبد. وسيأتي ذلك مفصلا في بحث المحرمات من النساء. الشرط الثاني الاشهاد على الزواج، وهو ينحصر في المباحث الاتية: 1- حكم الاشهاد. 2- شروط الشهود. 3- شهادة النساء. .حكم الاشهاد على الزواج: وإذا شهد الشهود وأوصاهم المتعاقدان بكتمان العقد وعدم إذاعته كان العقد صحيحا واستدلوا على صحته بما يأتي: أولا: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة» رواه الترمذي. واحتجوا لمذهبهم بأن البيوع التي ذكرها الله تعالى فيها الاشهاد عند العقد. وقد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع. والنكاح الذي لم يذكر الله تعالى فيه الاشهاد أخرى بأن لا يكون الاشهاد فيه من شروطه وفرائضه وانما الغرض الاعلان والظهور لحفظ الانساب. والاشهاد يصلح بعد العقد للتداعي والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين، فان عقد العقد ولم يحضره شهود ثم أشهد عليه قبل الدخول لم يفسخ العقد، وان دخلا ولم يشهدا فرق بينهما. ثانيا: وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» رواه الدار قطني. وهذا النفي يتوجه الى الصحة، وذلك يستلزم أن يكون الاشهاد شرطا، لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة، وما كان كذلك فهو شرط. ثالثا: وعن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة. فقال: «هذا نكاح السر، ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت». رواه مالك في الموطأ. والأحاديث وإن كانت ضعيفة الا أنه يقوي بعضها بعضا. قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: «لا نكاح إلا بشهود» لم يختلف في ذلك من مضى منهم إلا قوم من المتأخرين من أهل العلم. رابعا: ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين، وهو الولد، فاشترطت الشهادة فيه، لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه. ويرى بعض أهل العلم أنه يصح بغير شهود: منهم الشيعة، وعبد الرحمن ابن مهدي، ويزيد بن هارون، وابن المنذر، وداود، وفعله ابن عمر، وابن الزبير. وروي عن الحسن بن علي أنه تزوج بغير شهادة، ثم أعلن النكاح. قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر. وقال يزيد بن هارون: أمر الله تعالى بالاشهاد في البيع دون النكاح، فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنكاح، ولم يشترطوها للبيع. وإذا تم العقد فأسروه وتواصوا بكتمانه صح مع الكراهة، لمخالفته الأمر بالاعلان، وإليه ذهب الشافعي، وأبو حنيفة، وابن المنذر. وممن كره ذلك عمر، وعروة، والشعبي، ونافع. وعند مالك أن العقد يفسخ. روى ابن وهب عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ويستكتمهما؟ قال يفرق بينهما بتطليقة، ولا يجوز النكاح، ولها صداقها إن أصابها، ولا يعاقب الشاهدان. .ما يشترط في الشهود: فلو شهد على العقد صبي، أو مجنون، أو أصم، أو سكران، فان الزواج لا يصح، إذ أن وجوه هؤلاء كعدمه. اشتراط العدالة في الشهود: وأما اشتراط العدالة في الشهود، فذهب الأحناف الى أن العدالة لا تشترط، وأن الزواج ينعقد بشهادة الفاسقين، وكل من يصلح أن يكون وليا في زواج يصلح أن يكون شاهدا فيه، ثم أن المقصود من الشهادة الاعلان. والشافعية قالوا، لابد من أن يكون الشهود عدولا للحديث المتقدم: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل». وعندهم أنه إذا عقد الزواج بشهادة مجهولي الحال ففيه وجهان والمذهب أنه يصح. لأن الزواج يكون في القرى والبادية وبين عامة الناس، ممن لا يعرف حقيقة العدالة، فاعتبار ذلك يشق فاكتفي بظاهر الحال، وكون الشاهد مستورا لم يظهر فسقه. فإذا تبين بعد العقد أنه كان فاسقا لم يؤثر ذلك في العقد، لأن الشرط في العدالة من حيث الظاهر ألا يكون ظاهر الفسق، وقد تحقق ذلك. .شهادة النساء: ولان عقد الزواج عقد ليس بمال، ولا المقصود منه المال، ويحضره الرجل غالبا، فلا يثبت بشهادتهن كالحدود. والأحناف لا يشترطون هذا الشرط، ويرون أن شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كافية، لقول الله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}. ولأنه مثل البيع في أنه عقد معارضة فينعقد بشهادتهن مع الرجال. اشتراط الحرية: ويشترط أبو حنيفة والشافعي أن يكون الشهود أحرارا. وأحمد لا يشترط الحرية، ويرى أن شهادة العبدين ينعقد بها الزواج، تقبل في سائر الحقوق، وأنه ليس فيه نص من كتاب ولا سنة يرد شهادة العبد، ويمن عمن قبولها ما دام أمينا صادقا تقيا. اشتراط الإسلام: والفقهاء لم يختلفوا في اشتراط الإسلام في الشهود إذا كان العقد بين مسلم ومسلمة. واختلفوا في شهادة غير المسلم فيما إذا كان الزوج وحده مسلما. فعند أحمد والشافعي ومحمد بن الحسن أن الزواج لا ينعقد، لأنه زواج مسلم، لا تقبل فيه شهادة غير المسلم. وأجاز أبو حنيفة وأبو يوسف شهادة كتابيين إذا تزوج مسلم كتابية. وأخذ بهذا مشروع قانون الاحوال الشخصية. .عقد الزواج شكلي: .شروط نفاذ العقد: 1- أن يكون كل من العاقدين اللذين توليا انشاء العقد تام الأهلية، أي عاقلا بالغا حرا. فان كان أحد العاقدين ناقص الأهلية بأن كان معتوها أو صغيرا مميزا، أو عبدا، فان عقده الذي يعقد بنفسه ينعقد صحيحا موقوفا على اجازة الولي، أو السيد، كان أجازه نفذ، وإلا بطل. 2- وأن يكون كل من العاقدين ذا صفة، تجعل له الحق في مباشرة العقد. فلو كان العاقد فضوليا، باشر العقد لا بوكالة ولا بولاية، أو كان وكيلا ولكن خالف فيما وكل فيه، أو كان وليا ولكن يوجد ولي أقرب منه مقدم عليه، فان عقد أي واحد من هؤلاء إذا استوفى شروط الانعقاد والصحة ينعقد صحيحا موقوفا على اجازة صاحب الشأن. .شروط لزوم عقد الزواج: وإذا لزم فليس لاحد الزوجين ولا لغيرهما حق نقض العقد ولا فسخه، ولا ينتهي الا بالطلاق أو الوفاة، وهذا هو الاصل في عقد الزواج. لان المقاصد التي شرع من أجلها - من دوام العشرة الزوجية وتربية الأولاد والقيام على شؤونهم - لا يمكن أن تتحقق إلا مع لزومه. ولهذا قال العلماء: شروط لزوم الزواج يجمعها شرط واحد. وهو ألا يكون لاحد الزوجين حق فسخ العقد بعد انعقاده وصحته ونفاذه، فلو كان لاحد حق فسخه كان عقدا غير لازم. .متى يكون العقد غير لازم: إذا تبين أن الرجل غرر بالمرأة أو أن المرأة غررت بالرجل. مثال ذلك أن يتزوج الرجل المرأة وهو عقيم، لا يولد له ولم تكن تعلم بعقمه، فلها في هذه الحال حق نقض العقد وفسخه متى علمت، الا إذا اختارته زوجا لها، ورضيت معاشرته. قال عمر رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له، أخبرها انك عقيم وخيرها. ومن صور التغرير أن يتزوجها على انه مستقيم، ثم يتبين أنه فاسق، فلها كذلك حق فسخ العقد. ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية: إذا تزوج امرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فله الفسخ، وله أن يطالب بأرش الصداق - وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب - وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر. وكذلك لا يكون العقد لازما إذا وجد الرجل بالمرأة عيبا ينفر من كمال الاستمتاع. كأن تكون مستحاضة دائما، فان الاستحاضة عيب يثبت به فسخ النكاح وكذلك إذا وجد بها ما يمنع الوطء كانسداد الفرج. ومن العيوب التي تجيز للرجل فسخ العقد: الأمراض المنفرة: مثل البرص والجنون والجذام، وكما يثبت حق الفسخ للرجل فكذلك يثبت للمرأة إذا كان الرجل أبرص، أو كان مجنونا أو مجذوما أو مجبوبا أو عنينا أو صغيرا.
|