الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كتاب العلم **
1- سئل فضيلته - حفظه الله ـ: هل يعذر طلبة العلم الذين درسوا العقيدة على غير مذهب السلف الصالح محتجبين بأن العالم الفلاني أو الإمام الفلاني يعتقد هذه العقيدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يعذر به صاحبه حيث بلغه الحق؛ لأن الواجب عليه أن يتبع الحق أينما كان، وأن يبحث حتى يتبين له. والحق - ولله الحمد - ناصع، بين لمن صلحت نيته، وحسن منهاجه، فإن الله - عز وجل يقول في كتابه:
2- وسئل فضيلة الشيخ: عمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصًا مسألة القدر خوفًا من الزلل؟ فأجاب بقوله: هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمة التي لابد للإنسان منها في دينه ودنياه، لابد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله - تبارك وتعالى على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر؛ لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة. أما المسائل التي لا تخل بدينه لو أجلها ولا يخشى أن تكون سببا لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها مادام غيرها أهم منها، ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماما حتى يصل فيها إلى اليقين. وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال - ولله الحمد - والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هم أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب ((كيف)) على جانب ((لم)) والإنسان مسؤول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ((لم)) و((كيف)) فلم عملت كذا؟ هذا الإخلاص. كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ((كيف)) غافلون عن تحقيق جواب ((لم)) ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيرًا، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور، فالناس الآن مهتمون كثيرًا بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم وهو جانب العقيدة وجانب الإخلاص وجانب التوحيد. لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدين يسأل عن مسألة يسيرة جدًا جدًا وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقًا في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه، فقد يكون بعض الناس الآن عابدًا للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركًا بالله في الدنيا وهو لا يشعر، لأنه مع الأسف الشديد لا يهتم بجانب التوحيد وجانب العقيـدة، وهذا ليس من العامة فقط ولكن من بعض طلاب العلم وهذا أمر له خطورته. كما أن التركيز على العقدية فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضًا لأننا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو القيدة السمحاء وما أشبه ذلك من العبارات، وفي الحقيقة أن هذا يخشى أن يكون بابًا يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لابد من ملاحظة الأمرين جميعًا ليستقيم الجواب على ((لم)) وعلى ((كيف)). وخلاصة الجواب: أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة؛ ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده - جل وعلا - على بصيرة بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله، على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية، على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه، حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره. وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا سماه أهل العلم (الفقه الأكبر) وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * * * 3- سئل فضيلة الشيخ: يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة فكيف يتخلص طالب العلم من هذا الحرج؟ فأجاب بقوله: يجاب على ذلك بأمور: أحدها: أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها، بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق؛ لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس غالبًا لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة وبذلك تكون النية سليمة. الثاني: أن من أراد العلم قد لا يجده إلا في هذه الكليات فيدخل فيها بنية طلب العلم ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد. الثالث: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين حسنى الدنيا، وحسنى الآخرة فلا شيء عليه في ذلك؛ لأن الله يقول: فإن قيل: من أراد بعمله الدنيا كيف يُقال بأنه مخلص؟ فالجواب: أنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقا فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته بل قصد أمرًا ماديًا من ثمرات العبادة، فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله ويريد أن يمدحوه به، لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه فصار معه نوع من الشرك وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة. وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية؛ فمثلًا يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب، وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب الوجبات، والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة، ولذلك بين الله تعالى في كتابه حكمة الصوم - مثلًا أنه سبب للتقوى، فالفوائد الدينية هي الأصل، والدنيوية ثانوية، وعندما نتكلم عند عامة الناس فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية، وعندما نتكلم عند ممن لا يقتنع إلا بشيء مادي فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال. * * * 4- وسئل فضيلته - حفظه الله تعالى -: يختلف الكثير من طلبة العلم في معاملة أهل المعاصي، فما التوجيه الصحيح جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب - رعاه الله تعالى -: نقول: هذه المسألة وهي أن بعض طلبة العلم إذا رأوا المنحرف خٌلقيًا أو فكريًا أو عمليًا . يكرهونه ويتخذون من هذه الكراهة نفورًا منه وبعدًا عنه، ولا يحاولون أبدًا أن يصلحوا إلا من شاء الله من طلبة العلم الذين أنار الله قلوبهم ويرون أن هجره وكراهته والبعد عنه والتنفير منه يرون ذلك قربة. وهذا لا شك أنه خطأ وأن الواجب على طلبة العلم أن ينصحوا وينظروا كم من إنسان في غفلة فإذا نُصح استجاب. وما أشد تأثير جماعة أهل الدعوة الذين يسمون أنفسهم أهل الدعوة والتبليغ. ما أشد تأثيرهم على الناس . وكم من فاسق اهتدي فأطاع، وكم من كافر اهتدى فأسلم على أيديهم؛ لأنهم وسعوا الناس بحسن الأخلاق، فلذلك نحن نسأل الله أن يجعل إخواننا الذين أعطاهم العلم أن يطعمهم من أخلاق هؤلاء حتى ينفعوا الناس أكثر وإن كان يؤخذ على جماعة الدعوة والتبليغ ما يؤخذ لكنهم في حسن الخلق والتأثير يسبب أخلاقهم لا أحد ينكر فضلهم، وقد رأيت كتابًا للشيخ عبد العزيز ابن باز - حفظه الله - وجهه إلى شخص كتب إليه ينتقد هؤلاء الجماعة، فقال في جملة رده: وحسن الخلق لا شك أنه له تأثيرًا عظيمًا في استجابة الناس للداعي. أما إذا رأوا الإنسان خشنًا فإنهم يسبونه ويذمونه على ما فيه من الأخلاق الشرعية، تجدهم مثلًا يسبونه على لحيته، واللحية أخلاق شرعية، ويسبونه على تقصير الثوب، يسبونه على المشي حافيًا . لماذا؟ لأنه ليس حَسَنَ الأخلاق مع الناس. لا يدعو بالأخلاق إنما يدعو بالجفاء والغلظة، ويريد أن يصلح الناس كلهم في ساعة واحدة، هذا خطأ لا يمكن أن يصلح الناس في ساعة واحدة أبدًا . أليس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس؟ وفي النهاية أخرج من مكة حين تآمروا عليه * * * 5- وسئل فضيلته: هناك بعض طلبة العلم يحرص على حضور دروس طلبة العلم دون أن يلقي اهتمامًا بدروس العلماء الذين جمعوا ما لم يجمعه طلبة العلم. فما توجيه فضيلتكم - حفظكم الله تعالى -؟ فأجاب فضيلته بقوله: الذي أراه أن الإنسان ينبغي أن يطلب العلم على عالم ناضج؛ لأن بعض طلبة العلم يتصدر للتدريس فيحقق المسألة من المسائل سواء حديثية أو فقهية أو عقائدية يحققها تمامًا ويراجع عليها، فإذا سمعه الناشئ من طلبة العلم ظن أنه من أكابر العلماء، لكن لو خرج قيد أنملة عن هذا الموضوع الذي حققه ونقحه وراجع عليه وجدت أنه ليس عنده علم، لذلك يجب على طالب العلم المبتدئ أن يتلقي العلم على يد العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم ودينهم. 6- فضيلة الشيخ: يلاحظ ضعف الهمة والفتور في طلب العلم، فما الوسائل والطرق التي تدفع إلى علو الهمة والحرص على العلم؟ فأجاب - حفظه الله ورعاه - بقوله: ضعف الهمم في طلب العلم الشرعي من المصائب الكبيرة وهناك أمور لابد منها: الأمر الأول: الإخلاص لله - عز وجل - في الطلب والإنسان إذا أخلص لله في الطلب وعرف أنه يُثاب على طلبه وسيكون في الدرجة الثالثة من درجات الأمة فإن همته تنشط ثانيا: أن يُلازم زملاء يحثونه على العلم ويساعدونه على المناقشة والبحث ولا يمل من صحبتهم ماداموا يعينونه على العلم. ثالثا: أن يصبر نفسه بمعني يحبسها لو أرادت أن تتفلت، قال الله تعال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: 7- سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى -: ما نصيحة فضيلتكم لمن يجعل الولاء والبراء لإخوانه في موافقتهم له في مسألة أو عدم موافقتهم له، وكذلك ما يحصل من الحسد والبعض من طلاب العلم؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذا صحيح، فإن بعض الناس يجعلون الولاء والراء مقيد بالموافقة له أو عدم الموافقة، فتجد الشخص يتولى الشخص؛ لأنه وافقه فيها، يتبرأ منه لأنه خالفه فيها، وأذكر لكم قصة مرت علينا في منى بين طائفتين من الإفريقيين كل واحد يلعن الثاني ويكفره، فجيء بهم إلينا، وهم يتنازعون قلنا: ما الذي حدث؟ قال الأول: هذا الرجل إذا قام إلى الصلاة يضع يده اليمنى على اليسرى فوق الصدر وهذا كفر بالسنة، وقال الثاني: هذا إذا قام للصلاة يرسل يديه على الفخذين دون أن يجعل اليمنى على اليسرى وهذا كفر؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ولا شك أن الحسد من أخلاق اليهود أخبث عباد الله. ثم إن الحسد لا يستفيد منه الحاسد إطلاقا، بل لايزيده إلا غمًا وحسرة، ابغ الخير للغير يحصل لك الخير، وأعلم أن فضل الله يؤتيه من يشاء، لو حسدت فإنك لن تمنع فضل الله، ربما تمنع فضل الله عليك بمحبتك زوال فضل الله على غيرك وكراهتك نعمة الله على غيرك، لذلك الحاسد في ظروف طالب العلم مشكوك في نيته وإخلاصه في طلب العلم؛ لأنه إنما حسد لكون الثاني صار له جاه عند الناس وله كلمة والتف الناس حوله فحسده، لكونه يريد الدنيا، أما لو كان يريد الآخرة حقًا، ويريد العلم حقًا، لسأل عن هذا الرجل الذي التف الناس حوله وأخذوا بقوله. تسأل عن علمه لتكون مثله أيضًا؛ تجيء أنت لتستفيد منه؛ أما أن تحسده وتشوه سمعته، وتذكر فيهمن العيوب ما ليس فيه فهذا لا شك أنه بغي وعدوان وخصلة ذميمة. * * * 8- سئل فضيلة الشيخ: ذكر الخطيب البغدادي جانبًا من جوانب تعلم العلم وهو لزوم أحد العلماء أو أحد المشائخ فما رأي فضيلتكم؟ فأجاب فضيلته: بقوله: هذا جيد كون الإنسان يركز على شيخ من المشائخ يجعله هو الأصل لاسيما المبتدئ الصغير، المبتدئ الصغير إذا طلب العلم على عدة أناس تذبذب، لأن الناس ليسوا على رأي واحد خصوصًا في عصرنا الآن، كان فيما سبق أي قبل مدة كان الناس هنا في المملكة لا يخرجون أبدًا عن الإقناع والمنتهى؛ فتجد فتاواهم واحدة، وشروحهم واجدة، لا يختلف واحد عن الآخر إلا في الإلقاء وحسن الأسلوب، لكن الآن لما كان كل واحد حافظًا حديثًا أو حديثين قال: أنا الإمام المقتدي به والإمام أحمد رجل ونحن رجال، فصارت المسألة فوضى، صار كل إنسان يفتي أحيانًا تأتي الفتاوى تبكي وتُضحك وكنت أهم أن أدؤّن مثل هذه الفتاوى لكن كنت أخشى أن أكون ممن تبع عورات إخوانه فتركته تحاشيًا مني وإلا نقلنا أشياء بعيدة عن الصواب بعد الثريا عن الثرى. فأقول: ملازمة عالم واحد مهمة جدًا مادام الطالب في أول الطريق لكي لا يتذبذب، ولهذا كان مشائخنا ينهوننا عن مطالعة المغني وشرح المهذب والكتب التي فيها أقوال متعددة عندما كنا في زمن الطلبة، وذكر لنا بعض مشائخنا أن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بابطين رحمه الله - وهو من أكبر مشائخ نجد مفتي الديار النجدية ذكروا أنه كان مكبًا على الروض المربع لا يطالع إلا إياه ويكرره، كل ما خلص منه كرره لكن يأخذه بالمفهوم و المنطوق والإشارة والعبارة فحصل خير كثير. أما إذا توسعت مدارك الإنسان فهذا ينبغي له أن ينظر أقوال العلماء يستفيد منها فائدة علمية وفائدة تطبيقية، لكن في أول الطلب أنا أنصح الطالب أن يركز على شيخ معين لا يتعداه. 9- وسئل فضيلة الشيخ: إذا أراد طالب العلم أن ينقل الأحاديث التي زادت من بلوغ المرام على المحرر لابن عبد الهادي فهل هذه الطريقة مفيدة؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا شيء في ذلك، هذه طريقة خاصة لكنه على سبيل العموم كونه يُدرس الكتب المشهورة المتداولة بين الناس أحسن. * * * 10- سئل فضيلة الشيخ: عن: كتاب المحرر لابن عبد الهادي أليس خيرًا من بلوغ المرام؟ فأجاب فضيلته بقوله: بلوغ المرام بين الناس، وصحابه محقق - رحمه الله والشيء المتداول ينبغي للإنسان أن يعتني به أكثر من غيره؛ لأن الشيء المهجور لا ينتفع به الناس كثيرًا، والبلوغ كما هو معلوم خُدم وقرأ به علماؤنا ومشائخنا. * * * 11- وسئل حفظة الله تعالى:- ذكر عن ابن الوزير - رحمه الله - أن الصحابة أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم - لم يحفظوا القران الكريم، وكذلك ما ورد عن الأئمة كعثمان ابن أبي شيبة على قدره أنه لم يحفظ القرآن، الأشياء التي تدعو بعض طلبة العلم لترك حفظ كتاب الله، هل هذا صحيح؟ فأجاب فضيلته: بقوله: أنا أستبعد أن أبابكر، وعمر وعثمان، وعليًا وهؤلاء الأجلة من الصحابة لم يحفظوا كتاب الله - هذا بعيد - وتعلم أن القرآن جمع على عهد أبي بكر، وعلى عهدعثمان كيف يجمعون ولا يحفظون؟! بعيد جدًا ولكن حتى لو رُوي عنه فيجب أن ننظر في الإسناد أولًا ثم إذا صح الإسناد فنقول: إن الذي تحدث عنهم وقال إنهم لم يحفظوا القرآن كله تحدث عما علمَ، ويبعده جدًا أن مثل هؤلاء لا يحفظون القرآن، ولام ينبغي أن يثني الرجل عن حفظ القرآن مثل هذه الروايات. * * * 12 - وسئل فضيلة الشيخ: أرجو من فضيلتكم - حفظكم الله تعالى - توضيح المنهج الصحيح في طلب العلم في مختلف العلوم الشرعية جزاكم الله غيرًا وغفر لكم؟ فأجاب بقوله: العلوم الشرعية على أصناف منها: 1- علم التفسير: فينبغي لطالب العلم أن يقرن التفسير بحفظ كتاب الله- عز وجل - اقتداء بالصحابة - رضي الله عنهم- حيث لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ولأجل أن يرتبط معنى القرآن الكريم بحفظ ألفاظه فيكون الإنسان ممن تلاه حق تلاوته لا سيما إذا طبقه. 2- علم السنة: فيبدأ بما هو أصح، وأصح ما في السنة ما اتفق عليه البخاري ومسلم. لكن طلب السنة ينقسم إلى قسمين: قسم يريد الإنسان معرفة الأحكام الشرعية سواء في علم العقائد والتوحيد أو في علم الأحكام العملية، وهذا ينبغي أن يُركز على الكتب المؤلفة في هذا فيحفظها كبلوغ المرام، وعمدة الأحكام، وكتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاب التوحيد، وما أشبه ذلك وتبقى الأمهات للمراجعة والقراءة، فهناك حفظ وهناك قراءة يقرأ الأمهات ويكثر من النظر فيها لأن في ذلك فائدتين: الأولى: الرجوع إلى الأصول. الثانية: تكرار أسماء الرجال على ذهنه، فإنه إذا تكررت أسماء الرجاء لا يكاد يمر به رجل مثلا من رجال البخاري في أي سند كان إلا عرف أنه من رجال البخاري فيستفيد هذه الفائدة الحديثية. 3- علم العقائد: كتبه كثيرة وأرى أن قراءتها في هذا الوقت تستغرق وقتًا كثيرًا والفائدة موجودة في الزبد التي كتبها مثل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله والعلامة ابن القيم، وعلماء نجد مثل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ومن بعده من العلماء. 4- علم الفقه: ولا شك أن الإنسان ينبغي له أن يُركز على مذهب معين يحفظه ويحفظ أصوله وقواعده، لكن لا يعني ذلك أن نلتزم التزامًا بما قاله الإمام في هذا المذهب كما يلتزم بما قاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكنه يبني الفقه على هذا ويأخذ من المذاهب الأخري ما قام الدليل على صحته، كما هي طريقة الأئمة من أتباع المذاهب كشيخ الإسلام ابن تيمية، والنووي وغيرهما حتى يكون قد بنى على أصل، لأني أرى أن الذين أخذوا بالحديث دون أن يرجعوا إلى ما كتبه العلماء في الأحكام الشرعية، أرى عندهم شطحات كثيرة، وإن كانوا أقوياء في الحديث وفي فهمه لكن يكون عندهم شطحات كثيرة؛ لأنهم بعيدون عما يتكلم به الفقهاء. فتجد عندهم من المسائل الغريبة ما تكاد تجزم بأنها مخالفة لإجماع أو يغلب على ظنك أنها مخالفة للإجماع، لهذا ينبغي للإنسان أن يربط فقهه بما كتبه الفقهاء - رحمهم الله - ولا يعني ذلك أن يجعل الإمام، إمام هذا المذهب كالرسول - عليه الصلاة والسلام - يأخذ بأقواله وأفعاله على وجه الالتزام، بل يستدل بها ويجعل هذا قاعدة ولا حرج بل يجب إذا رأى القول الصحيح في مذهب آخر أن يرجع إليه، والغالب في مذهب الإمام أحمد أنه لا تكاد ترى مذهبًا من المذاهب إلا وهو قول للإمام أحمد، راجع كتب الروايتين في المذهب تجد أن الإمام أحمد - رحمه الله - لا يكاد يكون مذهب من المذاهب إلا وله قول يوافقه، وذلك لأنه - رحمه الله - واسع الإطلاع ورجّاع للحق أينما كان، فلذلك أرى أن الإنسان يركز على مذهب من المذاهب التي يختارها، وأحسن المذاهب فيما نعلم من حيث اتباع السنة مذهب الإمام أحمد رحمه الله - وإن كان غيره قد يكون أقرب إلى السنة من غيره، على إنه كما أشرت قبل قليل؛ لا تكاد تجد مذهبًا من المذاهب إلا والإمام أحمد يوافقه - رحمه الله وأهم شيء أيضًا في منهج طالب العلم بعد النظر والقراءة، أن يكون فقيهًا، بمعنى أنه يعـرف حكم الشريعة وآثارها ومغزاها وأن يطبق ما علمه منها تطبيقًا حقيقيًا بقدر ما يستطيع ونضرب مثلًا إذا مَر أحدكم بأخيه هل يشرع له أن يسلم عليه؟ الجواب: نعم يشرع ولكن أرى الكثير يمر بإخوانه وكأنما مر بعمود لا يسلم عليه، وهذا خطأ عظيم حيث يمكن أن ننقد العامة إذا فعلوا مثل هذا الفعل، فكيف لا يُنتقد الطالب؟ وما الذي يضرك إذا قلت السلام عليكم؟ وكم يأتيك؟ عشر حسنات - تساوي الدنيا كلها عشر حسنات لو قيل للناس: كل من مر بأخيه وسلم عليه سيدفع له ريال، لوجدت الناس في الأسواق يدورون لكي يسلموا عليه؛ لأن سيحصل على ريال لكن عشر حسنات نفرط فيها. والله المستعان. وفائدة أخرى: المحبة والألفة بين الناس، فالمحبة والألفة جاءت نصوص كثيرة بإثباتها وتمكينها وترسيخا، والنهي عما يضادها والمسائل التي تضاد كثيرة، كبيع المسلم على بيع أخيه، والخطبة على خطبة المسلم، وما أشبه ذلك، كل هذا دفعاُ للعداوة والبغضاء وجلبًا للألفة والمحبة، وفيها أيضًا تحقيق الإيمان لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة يمضي أكثرها ونحن ندبر شئونًا أخرى، الصيام كذلك، الصدقة الله أعلم بها، فأعمالنا وإن فعلناها فهي هزيلة نحتاج إلى تقوية الإيمان، السلام مما يقوي الإيمان؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: * * * 13- سئل فضيلة الشيخ: متى يكون طالب العلم متبعًا لمذهب الإمام أحمد؟ فأجاب فضيلته: بقوله: مذهب الإمام أحمد وغيره من الأئمة قسمان: * مذهب شخصي. * ومذهب اصطلاحي. فأنت تكون متبعًا له شخصيًا إذا أخذت برواية من الروايات عنه، ولكنك لست آخذًا بالمذهب المصطلح عليه إذا كان يخالف المصطلح عليه، والمذهب المصطلح عليه، أحيانًا ينص الإمام أحمد على أنه رجع عنه وعلى أنه لا يقول به، لكن لكل أناس من أصحاب المذاهب طريقة يمشون عليها. * * * 14- وسئل الشيخ: ما توجيه فضيلتكم - حفظكم الله تعالى - لطالب العلم المبتدىء هل يقلد إمامًا من أئمة المذاهب أم يخرج عنه؟ فأجاب قائلا: قال الله -عز وجل-: فإذا كان هذا طالبًا ناشئًا لا يعرف كيف يخرج الأدلة فليس له إلا التقيد سواء قلد إمامًا سابقًا ميتًا أو إمامًا حاضرًا - عالم من العلماء - وسأله، هذا هو الأحسن، لكن إذا تبين له أن هذا القول مُخالف للحديث الصحيح وجب عليه أن يأخذ بالحديث الصحيح. 15- سئل فضيلة الشيخ - رعاه الله -: ما رأي فضيلتكم في بعض طلبة العلم الذين قد جمعوا أسس العلم في العقيدة ومعرفة الأحكام الفقهية أخذًا من العلماء، فهل يقومون الدعوة في المساجد أم ينتظرون حتى يكون عندهم إذن رسمي من الجهات المختصة، وجزاكم الله خيرًا؟ فأجاب فضيلته: بقوله: الذي أرى ألا يتكلموا فيما يمنع فيه الكلام إلا بإذن لأن طاعة ولي الأمر في تنظيم الأمور واجبة، وتعلم أنه لو أذن للصغار الذين ابتدأوا طلب العلم بالكلام لتكلموا بما لا يعلمون، وحصل بذلك مفسدة واضطراب للناس، ربما في العقائد فضلًا عن الأعمال البدنية. فمنع الناس من الكلام إلا بإذن وبطاقة ليس منعًا تامًا حتى نقول لا طاعة لولاة الأمر في ذلك لأن فيه منعًا لتبليغ الشريعة لكنه منعُ مقيد بما يضبطه بحيث يُعرف من هو أهل لذلك أو لا، وكما تعلمون الآن كل من تقدم إلى المسئولين لهذا الأمر وعلموا أنه أهل لذلك أعطوه إذنًا لم نعلم بأنهم قالوا لأحد تقدم وهو أهل لنشر العلم لا تفعل، والأمر - والحمد لله - أمر يطمئن إليه الإنسان، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في موضع يُمنع فيه من الكلام من جهة ولي الأمر، إلا بإذن يعني مثلًا في المساجد أو في الأماكن العامة، لكن بينه وبين إخوانه، في غرفته، في حجرته فهذا لا بأس به ولا يمنع أحد منه. * * * 16 - سئل فضيلة الشيخ: - عفر الله له -: كثرت الأسئلة عن كيفية الطلب وبأي شيء يبدأ من أراد أن يطلب العلم وبأي المتون يبدأ حفظًا، فما توجيهكم لهؤلاء الطلبة، وجزاكم الله خيرًا؟ فأجاب فضيلته بقوله: أولًا وقبل أن أذكر التوجيه لهؤلاء الطلبة أوجه الطلبة أن يتلقوا العلم عن عالم؛ لأن تلقي العلم عن العالم فيه فائدتان عظيمتان: الأولى: أنه أقرب تناولا؛ لأن العالم عنده اطلاع وعنده معرفة ويعطيك العلم ناضجًا سهلًا. الثانية: أن الطلب على عالم يكون أقرب إلى الصواب بمعنى أن الذي يطلب العلم على غير عالم يكون له شطحات وآراء شاذة بعيدة عن الصواب، وذلك لأنه لم يقرأ على عالم راسخ في علمه حتى يربيه على طريقته التي يختارها. فالذي أرى أن يحرص الإنسان على أن يكون له شيخ يلازمه لطلب العلم؛ لأنه إذا كان له شيخ فإنه سوف يوجهه التوجيه الذي يرى أنه مناسب له. أما بالنسبة للجواب على سبيل العموم فإننا نقول: أولًا: الأولى أن يحفظ الإنسان كتاب الله تعالى قبل كل شيء؛ لأن هذا هو دأب الصحابة - رضي الله عنه - كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى تعلموها وما فيها من العلم والعمل، وكلام الله أشرف الكلام على الإطلاق. ثانيًا: يأخذ من متون الأحاديث المختصرة ما يكون ذخرًا له في الاستدلال بالنسبة مثل: عمدة الأحكام، بلوغ المرام، الأربعين النووية وما أشبه ذلك. ثالثًا: يحفظ من متون الفقه ما يناسبه ومن أحسن المتون التي نعلمها (زاد المستقنع في اختصار المقنع) لأن هذا الكتاب قد خدم من قبل شارحه منصور بن يونس البهوتي ومن قبل من بعده من خدموا هذا الشرح والمتن بالحواشي الكثيرة. رابعًا: النحو وما أدراك ما النحو الذي لا يعرفه من الطلبة إلا القليل حتى إنك لترى الرجل قد تخرج من الكلية وهو لا يعرف عن النحو شيئًا يتمثل بقول الشاعر: أحـرقه الله بنصـف اسـمه ** وجعل الباقي صـراخًا عليه لماذا قال الشاعر هذا الكلام؟ الجواب: لأنه عجز عن النحو، ولكن أقول إن النحو بابه من حديد ودهاليزه قصب يعني أنه شديد وصعب عند أول الدخول فيه، ولكنه إذا انفتح الباب لطالبه سهل عليه الباقي بكل يسر وصار سهلًا عليه، حتى إن بعض طلبة العلم الذين بدءوا في النحو صاروا يعشقونه فإذا خاطبتهم بخطاب عادي جعل يعربه ليتمرن على الإعراب، ومن أحسن متون النحو الأجرومية، كتاب مختصر مركز غاية التركيز ولهذا أنصح من يبدأ أن يبدأ به فهذه الأصول التي ينبغي أن يبني عليها طالب العلم. خامسًا: أما ما يتعلق بعلم التوحيد فالكتب في هذا كثيرة منها: (كتاب التوحيد) لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ومنها: (العقيدة الواسطية) لشيخ ابن تيمية، وهي كثيرة معروفة ولله الحمد. والنصيحة العامة لطالب العلم أن يكون عليه آثار علمه من تقوي الله - عز وجل والقيام بطاعته، وحسن الخلق، والإحسان إلى الخلق بالتعليم والتوجيه والحرص على نشر العلم بجميع الوسائل سواء كان ذلك عن طريق الصحف أو المجلات أو الكتب أو الرسائل أو النشرات وغير ذلك من الوسائل. وأنصح طالب العلم أيضًا ألا يتسرع في الحكم على الشيء؛ لأن بعض طلبة العلم المبتدئين تجده يتسرع في الإفتاء وفي الأحكام وربما يخطىء العلماء الكبار وهو دونهم بكثير، حتى إن بعض الناس يقول: ناظرت شخصًا من طلبة العلم المبتدئين فقلت له: إن هذا قول الإمام أحمد بن حنبل. فقال: وما الإمام أحمد بن حنبل؛ الإمام أحمد بن حنبل رجل ونحن رجال، سبحان الله !! صحيح أن الإمام أحمد رجل وأنت رجل، فأنتما مستويان في الذكورة، أما في العلم فبينكما فرق عظيم، وليس كل رجل رجلًا بالنسبة للعلم. وأقول إن على طالب العلم أن يكون متأدبًا بالتواضع وعدم الإعجاب بالنفس وأن يعرف قدر نفسه. ومن المهم لطالب العلم المبتدئ: ألا يكون كثير المراجعة لأقوال العلماء؛ لأنك إذا أكثرت مراجعتك لأقوال العلماء وجعلت تطالع المغني في الفقه لابن قدامة، والمجموع للنووي والكتب الكبيرة التي تذكر الخلاف وتناقشه فإنك تضيع. ابدأ أولًا كما قلنا بالمتون المختصرة شيئًا حتى تصل إلى الغاية، وأما أن تريد أن تصعد الشجرة من فروعها فهذا خطأ. * * * 17- سئل فضيلة الشيخ: ـ حفظه الله تعالى ـ: ما طريقة طلب العلم باختصار جزاكم الله خيرًا ؟. فأجاب فضيلته: بقوله: طريقة طلب العلم باختصار في نقاط: 1- احرص على حفظ كتاب الله تعالى واجعل لك كل يوم شيئا معينًا تحافظ على قراءته بتدبر وتفهم، وإذا عنت لك فائدة أثناء القراءة فقيدها. 1- 2- احرص على حفظ ما تيسر من صحيح سنة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن ذلك حفظ عمدة الأحكام. 2- 3- احرص على التركيز والثبات بحيث لا تأخذ العلم نتفًا من هذا شيئًا ومن هذا شيئًا؛ لأن هذا يضيع وقتك ويشتت ذهنك. 3- 4- ابدأ بصغار الكتب وتأملها جيدًا ثم انتقل إلى ما فوقها، حتى تحصل على العلم شيئًا فشيئًا على وجه يرسخ في قلبك وتطمئن إليه نفسك. 4- 5- احرص على معرفة أصول المسائل وقواعدها وقيد كل شيء يمر بك من هذا القبيل فقد قيل: من حُرم الأصول حُرم الوصول. 5- 6- ناقش المسائل من شيخك، أو مع من تثق به علمًا ودينًا من أقرانك، ولو بأن تقدر في ذهنك أن أحدًا يناقشك فيها إذا لم تمكن المناقشة مع من سمينا. * * * 18- وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى -: عن حكم تعلم اللغة الإنجليزية في الوقت الحاضر؟ فأجاب فضيلته: بقوله: تعلمها وسيلة، فإذا كنت محتاجًا إليها كوسيلة في الدعوة إلى الله فقد يكون تعلمها واجبًا، وإن لم تكن محتاجًا إليها فلا تشغل وقتك بها واشتغل بما هو أهم وأنفع، والناس يختلفون في حاجتهم إلى تعلم اللغة الإنجليزية، وقد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود [ونصه: عن خارجه - يعني ابن زيد بن ثابت:- قال: قال زيد بن ثابت: أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتعلمت له كتاب يهود، وقال: ( والحديث علقـه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب: ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد بقوله: (وقال خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه). وانظر: الإصابة جـ 1 ص 543. ] فتعلم اللغة الإنجليزية وسيلة من الوسائل إن احتجت إليها تعلمتها وإن لم تحتج إليها فلا تضع وقتك فيها. * * * 19- سئل رعاه الله بمنه وكرمه - عن حكم مشاهدة الأفلام التعليمية التي قد تكون فيها نساء وخصوصًا أفلام تعلم اللغة الإنجليزية؟ فأجاب قائلًا: أنا أرى أن مشاهدة الأفلام التعليمية جائزة ولا بأس بها؛ لأنها مشاهدة لأمر يكون خيرًا، وإذا كان الذي يظهر من النساء والمشاهدون رجال فإن حصل تمتع بالنظر إليها، فهذا محرم، وأما إذا لم يكن ذلك فهذا محل توقف عندي، وعلى كل حال فإنني أكره ذلك لأن يُخشى على الإنسان من الفتنة إذا شاهد ذلك، وبالإمكان إذا كان الذي يتكلم في هذه الحلقة امرأة أن تضع على الشاشة غطاء حتى لا تظهر أما الطلبة، هذا إذا اضطررنا إلى الاستماع للمرأة بحيث لا يوجد لهذا الموضوع رجل، فإن كان يوجد رجل فلا يعدل عنه إلى النساء إذا كان المتعلمون رجالًا والعكس بالعكس. * * * 20- وسئل فضيلته: كثر عند بعض الشباب الصالح القول بعدم التقيد مستندين إلى بعض أقوال ابن القيم عليه رحمة الله، فما قولكم؟ فأجاب فضيلته بقوله: الحقيقة إنني أؤيد هذا، أن الإنسان لا يركن إلى التقليد؛ لأن المقلد قد يخطئ، ولكني مع ذلك لا أرى أن نبتعد عن أقوال أهل العلم السابقين حتى لا نتشتت ونأخذ من كل مذهب لأننا وجدنا أن الإخوة الذين يُنكرون التقليد وجدناهم أحيانًا يضيعون حتى يقولوا بما لم يسبقهم إليه أحد. ولكن إذا دعت الضرورة إلى التقليد فإنه لابد منه لقول الله تعالى: فالتقليد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- بمنزلة الميتة إن اضطررت إليها فكلها، وإن استغنيت عنها فهي حرام عليك، فمتى نزل بالإنسان نازلة ولا يتمكن من مطالعتها في الكتب التي تسوق الأدلة فلا حرج عليه حينئذ أن يقلد، ولكنه يقلد من يراه أقرب إلى الحق في علمه وأمانته، وأما مادام عنده قدرة على استنباط الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لا يقلد. * * * 21- سئل فضيلة الشيخ: إذا كانت الأمة أحوج إلى العلوم المادية كالطب والهندسة وغيرها، فهل الأفضل للإنسان أن يتخصص في العلوم المادية أم العلوم الشرعية؟ فأجاب بقوله: لاشك أن الأصل هو العلوم الشرعية ولا يمكن لإنسان أن يعبد الله حق عبادته إلا بالعلم الشرعي كما قال الله تعالى: والعلوم الشرعية تنقسم إلى قسمين: قسم لابد للإنسان من تعلمه وهو ما يحتاجه في أمور دينه ودنياه. وقسم آخر وهو فرض كفاية، فإنه هنا يمكن الموازنة بينه وبين ما تحتاجه الأمة من العلوم الأخرى التي ليست من العلوم الشرعية. وكذلك العلوم الأخرى التي ليست من العلوم الشرعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم علوم ضارة، فيحرم تعلمها ولا يجوز للإنسان أن يشتغل بهذه العلوم مهما تكن نتيجتها. 2- قسم علوم نافعة، فإنه يتعلم منها ما فيه النفع. 3- وقسم العلوم التي جهلها لا يضر والعلم بها لا ينفع وهذه لا ينبغي للطالب أن يقضي وقته في طلبها. * * * 22- سئل فضيلة الشيخ: نلاحظ أن أكثر الشباب يهتم بقراءة الكتب الثقافية العامة متأثرًا بها وغير مهتم بكتب الأصول فما نصيحتكم وفقكم الله؟ فأجاب قائلًا: نصيحتي لنفسي أولًا لإخواننا طلبة العلم أن يعتنوا بكتب أهل العلم من السلف؛ لأن كتب السلف فيها من الخير الكثير والعلم الكثير وفيها من البركة ما هو معلوم. * * * 23- وسئل فضيلته: نرى كثيرًا من الناس يعلم بعض الأحكام الشرعية كتحريم حلق اللحية وشرب الدخان ومع ذلك لا يعمل بعلمه، فما أسباب ذلك؟ وكيف تُعالح هذه الظاهرة الخطيرة؟ فأجاب بقوله: أسباب ذلك هو: اتباع الهوى، وكون الإنسان ليس عنده من الوازع الديني ما يحمله على تقوى الله - عز وجل - في تجنب ما يراه حرامًا، والإنسان إذا حاسب نفسه ورأى أنه راجع إلى ربه مهما طال ** فإنه قد يغلب هواه وقد يسيطر على نفسه. ومن أسباب ذلك أيضًا: أن الشيطان يصغر مثل هذه المعاصي في قلب العبد، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حذر من ذلك فقال: ولهذا قال أهل العلم: إن الإصرار على الصغائر يجعلها كبائر، وإن الاستغفار من الكبائر يكفرها، لهذا نقول لهؤلاء: عليكم أن تحاسبوا أنفسكم. ومن أسباب ذلك أيضا: قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو كان كل واحد منا إذا رأى أحدًا على معصية أرشده وبين له أن ذلك مخالف لهدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن العاقل سوف يعتبر ويتغير. 24- وسئل - غفر الله له -: ما لواجب على طالب العلم والعالم تجاه الدعوة إلى الله؟ فأجاب فضيلته بقوله: الدعوة إلى الله واجبه كما قال الله تعالى: وانظر إلى مجادلة إبراهيم - عليه السلام- مع الذي حاجه في ربه، قال الله عن ذلك: فيمكن أن يحاج هذا الرحل بمثل ذلك، ولكن إبراهيم عليه السلام، أراد أن يأتي بدليل آخر لا يحتاج إلى محاجة ولا مجادلة، قال إبراهيم: فقوله تعالى: * * * 25- سئل فضيلة الشيخ: ما فائدة تعلم طلاب العلم فرق المعتزلة والجهمية والخوارج مع عدم وجودها في هذا العصر؟ فأجاب فضيلته بقوله: تعلم فرق المبتدعة في هذا الزمان فيه فائدة وهي: أن نعرف مآخذ هذه الفرق لنرد عليهم إذا وجدوا، وهم موجودون فعلًا، وقوله السائل: إنه لا وجود لهم الآن مبني على علمه هو، ولكن المعلوم عندنا وعند غيرنا ممن يطلعون على أحوال الناس أن هذه الفرق موجودة وأن لها نشاطًا أيضًا في نشر بدعهم، ولذلك لابد من أن نتعلم هذه الآراء حتى نعرف زيفها ونعرف الحق ونرد على من يجادلون فيها. * * * 26 - سئل فضيلة الشيخ: نحن طلاب العلم نحفظ الكثير من الآيات على سبيل الاستشهاد، وفي نهاية العام نكون قد نسينا الكثير منها، فهل ندخل في حكم من يعذبون بسبب نسيان ما حفظوه؟ فأجاب قائلًا: نسيان القرآن له سببان: الأول: ما تقتضيه الطبيعة. والثاني: الإعراض عن القرآن وعدم المبالاة به. فالأول لا يأثم به الإنسان ولا يعاقب عليه، فقد وقع من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين صلى بالناس ونسي آية، فلما انصرف ذكره بها أبي بن كعب، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وهذا يدل على أن النسيان الذي يكون بمقتضى الطبيعة ليس فيه لوم على الإنسان. أما ما سببه الإعراض وعدم المبالاة فهذا قد يأثم به . وبعض الناس يكيد له الشيطان ويوسوس له إلا يحفظ القرآن لئلا ينساه ويقع في الإثم، والله سبحانه وتعالى يقول: ونظير هذا ما يستدل به بعض الناس بقول الله تعالى: * * * 27- سئل فضيلة الشيخ ـ غفر الله له ـ: قد يعلم الإنسان شيئًا ويأمر به غيره وهو نفسه لا يعمله سواء كان فرضًا أو نفلًا فهل يحل له أن يأمر غيره بما لا يعمل؟. وهل يجب على المأمور امتثال أمره أم يحل له الاحتجاج عليه بعدم عمله ثم لا يعمل ما أمر به تبعًا لذلك؟ فأجاب فضيلته بقوله: هنا أمران، الأمر الأول: هذا الذي يدعو إلى الخير وهو لا يفعله نقول له: قال الله - عز وجل: أما الأمر الثاني: بالنسبة للمأمور فإنه لا يصح له أن يحتج على هذا الرجل بفعله فإذا أمره بخير وجب عليه القبول، يجب أن يقبل الحق من كل من قال به ولا يأنف من العلم. * * * 28- وسئل فضيلته: كيف نرد على من قال: إن العلماء السابقين لم تكن لديهم المشاغل التي تؤثر على حفظهم كما هو حاصل لعلماء هذا الزمان، ومنهم من يكون ليس لديهم إلا التفرغ لطلب العلم وحفظه والجلوس بلا مشاغل، أما الآن فكثرت المشاغل الدنيوية التي تأخذ كل الوقت، والإنسان قد لا يستطيع الاستغناء عن هذه المشاغل؟ فأجاب ـ حفظه الله ـ: أقول لطالب العلم ما دمت أنك قد فرغت نفسك للعلم فكن طالب علم حقًا، وأعتقد أن البناء الذي فرغ نفسه للبناء لا يلتفت إلى عمل آخر، بل يلتفت إلى مهمته التي كرس نفسه لها ورأى أنها هي الخير له، فما دمت تعلم أن طلب العلم هو الخير وتريد أن تتخذه طريقًا فلا تلتفت إلى غيره. وفي ظني أن الرجل إذا ثابر مع الإيمان والإخلاص وصدق النية فإن الله - سبحانه وتعالى - يعينه ولا يعبأ بهذه المشكلات، والله - عز وجل - يقول: * * * 29- وسئل الشيخ: بماذا تنصح من يريد طلب العلم الشرعي ولكنه بعيد عن العلماء مع العلم بأن لديه مجموعة كتب منها الأصول والمختصرات؟ فأجاب بقوله: أنصحه بأن يثابر على طلب العلم ويستعين بالله - عز وجل - ثم بأهل العلم، لأن تلقي الإنسان العلم على يدي العالم يختصر له الزمن بدلًا من أن يذهب ليراجع عدة كتب وتختلف عليه الآراء، ولست أقول كمن يقول، أنه لا يمكن إدراك العلم إلا على عالم أو على شيخ فهذا ليس بصحيح، لأن الواقع يكذبه لكن دراستك علىالشيخ تُنورُ لك الطريق وتختصره. * * * 30- سئل الشيخ: أنا طالب علم وأهلي عندهم ظروف مادية، فقال لي والدي اعمل علينا أفضل لك من طلب العلم فهل أترك دراستي للعلم؟ وهل العمل على الأهل أفضل أم لا؟ فأجاب فضيلته: بقوله: لا شك أن طلب العلم أفضل، اللهم إلا في حالة الضرورة إلا أنه يمكنه أن يجمع بينهما ولا سيما أن الحالة الاقتصادية - والحمد لله - أن أكثر الناس قد أوسع الله عليهم فيمكن أن تقوم بحاجة أهلك فتتزوج امرأة يكون عندها بعض المؤنة وتكون مستمرًا في طلب العلم . * * * 31- وسئل فضيلة الشيخ: أنا طالب في الجامعة وكل دراستي نظريات غربية تنافي تعالىم الشرع فيما رأيكم إذا علمت أنني أنوي نقد مثل هذه النظريات ونفع الأمة الإسلامية في دراستي الحالية وبعد تخرجي؟ فأجاب بقوله: أقول هذا لا شك أنه من الجاهد في سبيل الله، أن يدرس الإنسان هذه النظريات المخالفة للإسلام حتى يرد عليها عن علم. ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ وقد أرسله إلى اليمن: ] فأخبره بحالهم كي يستعد لهم، وكذلك العلماء الذين درسوا هذه الأمور كشيخ الإسلام ابن تيمية درس من العلوم والنظريات الفلسفية وغيرها ما يستطيع أن يرد به على أصحابها. فإذا كنت تتعلم هذه الأمور للرد، وأنت واثق أن لديك المقدرة والحصانة على الرد بحيث لا تتأثر بها، بأن يكون لديك علم شرعي راسخ، ويكون لديك عبادة وتقوى فأرجو إن شاء الله تعالى أن يكون هذا خيرًا لك ونفعًا للمسلمين، وأما إذا كنت ترد عليها بشيء غير مقبول أو ليس لديك دليل، فلا تنتهج هذا الطريق وكذلك إذا كنت تعرف نفسك أنك لست على يقين كامل وثبات راسخ فأنا أشير عليك أن تدع هذه الأمور لأنها خطيرة، ولا ينبغي للإنسان أن يتعرض للبلاء مع الخوف منه. * * * 32- وسئل فضيلته: أنا طالب أحب أن آخذ درجات عالية ومعدلًا ممتازًا وأنا مع ذلك نيتي طيبة فما رأيك في الفرح بالدرجات العالية والغضب من الدرجات الضعيفة، هل في هذا خدش للإخلاص؟ فأجاب فضيلته بقوله: الظاهر إن شاء الله أنه ليس في هذا خدش للإخلاص؛ لأن هذا أمر طبيعي أن الإنسان يُسر بالحسنة ويُساء بالسيئة، والله تعالى بين أن الأشياء التي لا تلائم المرء سماها سيئة فلا بد أن تسؤه وكذلك الحسنة لا بد أن تسره. (1) فهذا لا يؤثر على إخلاصك إذا كان الأمر كما قلت عندك نية طيبة، أما إذا كان همك هو الدرجات أو الشهادة فهذا شيء آخر، فها هو عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما ألقى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه مسألة قال:
]، وعمر رضي الله عنه - قال لابنه: (وددت أنك قلتها)، وهذا يدل على أن فرح الإنسان بنجاح وما أشبه ذلك لا يضر. * * * 33- وسئل الشيخ - غفر الله له -: ما رأي فضيلتكم في تعلم طالب العلم اللغة الإنجليزية لا سيما في سبيل استخدامها في الدعوة إلى الله؟ فأجاب فضيلته: بقوله: رأينا في تعلم اللغة الإنجليزية أنها وسيلة لا شك، وتكون وسيلة طيبة إذا كانت الأهداف طيبة، وتكون رديئة إذا كانت لأهداف رديئة، لكن الشيء الذي يجب اجتنابه أن تتخذ بديلًا عن اللغة العربية، فإن هذا لا يجوز، وقد سمعنا بعض السفهاء يتكلم بها بدلًا من اللغة العربية، حتى إن بعض السفهاء المغرمين الذين اعتبرهم أذنابًا لغيرهم كانوا يعلمون أولادهم تحية غير المسلمين يعلمونهم أن يقولوا بأي باي عند الوداع وما أشبه ذلك. لأن إبدال اللغة العربية التي هي لغة القرآن وأشرف اللغات بهذه اللغة محرم وقد صح عن السلف النهي عن رطانة الأعاجم وهم من سوى العرب. أما استعمالها وسيلة للدعوة فإنه لا شك أن يكون واجبًا أحيانًا، وأنا لم أتعلمها وأتمني أنني كنت تعلمتها ووجدت في بعض الأحيان أني أضطر إليها حتى المترجم لا يمكن أن يعبر عما في قلبي تمامًا. وأذكر لكم قصة حديث في مسجد المطار بجدة مع رجال التوعية الإسلامية نتحدث بعد صلاة الفجر عن مذهب التيجاني وأنه مذهب باطل وكفر بالإسلام وجعلت أتكلم بما أعلم عنه فجاءني رجل فقال: أريد أن تأذن لي أن أترجم بلغة الهوسا. فقلت: لا مانع فترجم فدخل رجل مسرع فقال: هذا الرجل الذي يترجم عنك يمدح التيجانية فدهشت وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلوا كنت أعلم مثل هذه اللغة ما كنت أحتاج إلى مثل هؤلاء الذين يخدعون، فالحاصل أن معرفة لغة من تخاطب لا شك أنا مهمة في إيصال المعلومات قال الله تعالى 34- وسئل - حفظه الله تعالى ـ : أنا متخصص في علم الكيمياء وأتابع البحوث والدراسات التي تصدر في هذا المجال لكي أستفيد وأفيد من ذلك في أي مجال أعمل به سواء مدرسـة أو مصنعًا مع العلم بأن ذلك يشغلني عن طلب العلم والشرعي فكيف أوفق بينهما؟. فأجاب بقوله: أرى أن التوفيق بين العلمين يمكن بحيث تركز على العلم الشرعي ويكون هو الأصل لديك، ويكون طلب العلم الآخر على سبيل الفضول ثم مع ذلك تمارس هذا العلم الثاني من أجل مصلحة تعود عليك وعلى أمتك بالخير مثل أتستدل بدراسة هذا العلم على كمال حكمة الله - عز وجل - وربط الأسباب بمسبباتها وما إلى ذلك مما يعرفه غيرنا ولا نعرفه في هذه العلوم، فأنا أقول استمر في طلب العلم الشرعي وأطلب الآخر لكن اجعل الأهم والمركز عليه هو العلم الشرعي. 35- سئل فضيلة الشيخ: أي كتب تفسير القرآن تنصح بقراءتها؟ وحفظ القرآن، إذا حفظ الإنسان ونسي فهل هناك وعيد فيه؟ وكيف يحفظ الإنسان ويحافظ على ما حفظ؟ فأجاب بقوله: القرآن وعلومه متنوعة، وكل مفسر يفُسر القرآن يتناول طرفًا من هذه العلوم ولا يمكن أن يكون تفسيرًا واحدًا يتناول القرآن من جميع الجوانب. فمن العلماء من ركز في تفسيره على التفسير الأثري - أي على ما يؤثر عن الصحابة والتابعين - كابن جرير وابن كثير. ومنهم من ركز على التفسير النظري كالزمخشري وغيره ولكن أنا أرى أن يفسر الآية هو بنفسه أولًا - أي يكرر في نفسه أن هذا هو معنى الآية - ثم بعد ذلك يراجع ما كتبه العلماء فيها؛ لأن هذا يفيده أن يكون قويًا في التفسير غير عالة على غيره، وكلام الله -عز وجل - منذ بُعث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى اليوم وإن كان يجب الرجوع إلى تفسير الصحابة؛ لأنهم أدرى الناس بمعانيه، ثم إلى كتب المفسرين التابعين، لكن مع ذلك لا أحد يستوعب كلام الله ـ عز وجل. فالذي أرى أن الطريقة المثلى أن يكرر الإنسان تفسير الآية في نفسه، ثم بعد ذلك يراجع كلام المفسرين فإذا وجده مطابقًا فهذا مما يُمكنه من تفسير القرآن وييسره له وإن وجده مخالفًا رجع إلى الصواب. وأما حفظ القرآن فطريقة حفظه تختلف من شخص لآخر، بعض الناس يحفظ القرآن آية آية بمعنى أنه يحفظ آية يقرأها أولًا ثم يرددها ثانيًا وثالثًا حتى يحفظها ثم يحفظ التي بعدها ثم يكمل ثمن أو ربع الجزء أو ما أشبه ذلك، وبعض الناس يقرأ إلى الثمن جميعًا ويردده حتى يحفظه ومثل هذا لا يمكن أن نحكم عليه بقاعدة عامة فنقول للإنسان استعمل ما تراه مناسبًا لك في حفظ القرآن. لكن المهم أن يكون عندك علم لما حفظت متى أردت الرجوع إليه، وأحسن ما رأيت في العلم أن الإنسان إذا حفظ شيئًا اليوم يقرأه مبكرًا الصباح التالي فإن هذا يعين كثيرًا على حفظ ما حفظه في اليوم الأول هذا شيء فعلته أنا فإن هذا يعين على الحفظ الجيد. أما الوعيد على من ينسى، قال الإمام أحمد: (ما أشد ما ورد فيه) أي حفظ آية ونسيها والمراد بذلك من أعرض عنها حتى تركها، وأما من نسيها لسبب طبيعي أو لأسباب كانت واجبة أشغلته فإن هذا لا يلحق به إثم وقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه صلى بأصحابه فنسي آية فذكره أحد الصحابة بها بعد الصلاة فقال: * * * فأجاب فضيلته: بقوله: لا شك أنه من خير الكتب؛ لأن فيه مسائل كثيرة مقرونة بالأدلة، لكنه لا يسلم من الأخطاء،وكما قال ابن رجب - رحمه الله - في مقدمة القواعد الفقهية، قال (يأبي الله العصمة لكتاب غير كتابه ولكن المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه)، الكتاب لا شك أنه نافع لكن لا أرى أن يقتنيه إلا طالب علم يميز بين الصحيح والضعيف؛ لأن به مسائل ضعيفة كثيرة. (1) ومن ذلك القول باستحباب صلاة التسبيح [حديث صلاة التسبيح أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب: صلاة التسبيح، والترمذي، كتاب الصلاة، باب: التسبيح. وابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة التسبيح، وابن خزيمة، كتاب التطوع، باب: صلاة التسبيح، والبيهقي في ((السنن)) جـ 3 ص 51، والبغوي في ((شرح السنة)) جـ 4 ص 156، والطبراني في ((الكبير)) جـ 12 ص 243، قال الترمذي: ((حديث غريب من حديث أبي رافع)) قال ابن خزيمة: ((في القلب من إسناده شيء)) وقال الإمام أحمد: ((لم تثبت عندي صلاة التسبيح)) مسائل الإمام أحمد - روياة ابنه عبد الله جـ 2 ص 295، وقال أيضًا: ((إسناده ضعيف)) مسائل الإمام أحمد - رواية النيسابوري - جـ 1 ص 105. وقد فصل القول فيها شيخنا العلامة محمد بن عثيمين - حفظه الله ورعاه - فقال: ((والذي يترجح عندي أن صلاة التسبيح ليست بسنة وأن خبرها ضعيف وذلك من وجوه: أولا: أن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل تثبت به مشروعيتها. الثاني: أن حديثها مضطر فقد اختلف فيه على عدة أوجه. الثالث: أنها لم يستحبها أحد من العلماء وأئمة السلف - رحمهم الله تعالى - قال شيخ الإسلام: ((نص الإمام أحمد على كراهيتها ولم يستحبها إمام. قال: أما أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسموا عنها بالكلية)). الرابع: أنها لو كانت هذه الصلاة مشروعة لنقلت للأمة نقلًا لا ريب فيه واشتهرت بينهم لعظم فائدتها ولخروجها عن جنس الصلوات بل وعن جنس العبادات، فإننا لا نعلم عبادة يخير فيها هذا التخيير بحيث تفعل في كل يوم أو أسبوع مرة أو في الشهر مرة أو في السنة مرة أو في العمر مرة فلما كانت عظيمة الفائدة خارجة عن جنس الصلوات ولم تشتهر ولم تنقل على أنه لا أصل لها وذلك إن ما خرج عن نظائره وعظمت فائدته فإن الناس سيهتمون به وينقلونه ويشيع بينهم شيوعًا ظاهرًا وعظمت فائدته فإن الناس سيهتمون به وينقلونه ويشيع بينهم شيوعا ظاهرا فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة علم أنها ليست مشروعة ولذلك لم يستحبها أحد من الأئمة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وأن فيما يثبت مشروعيته من النوافل الخير والبركة لم أراد المزيد وهو في غني بما ثبت عما لم يثبت مما فيه خلاف وشبهة والله المستعان)) انتهى كلامه - حفظه الله ورعاه - نقلًا من مجموع الفتاوى لفضيلته، في فتاوى الفقه، كتاب الصلاة، باب: صلاة التطوع، يسّر الله تعالى نشره. ] فإن صلاة التسبيح هذه قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إن حديثها كذب، وقال إنها لا يستحبها أحد من الأئمة، ولما سئل عنها الإمام أحمد نفض يده كالمنكر لها . 37- وسئل ـ حفظه الله تعالى ـ: في هذا الزمن يجرى تسمية بعض العلوم التجريبية بالعلم حتى إن المدارس الثانوية سمت بعلمي وأدبي، فهل هذا صحيح؟ إضافة لذلك إن هذا التقسيم في المدارس يعلق بأذان الطلاب مما يؤثر عليهم مستقبلًا؟ فأجاب فضيلته: بقوله: هذا التقسيم إلى علمي وأدبي هو اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح؛ لأنهم يرون أن المواد العلمية هي ما يتعلق بعلم الكون والأحياء والنباتات وما أشبه ذلك، ولكن الذي يجب أن نفهمه أن هذا ليس هو العلم الذي حٌثّ عليه وأثني على طلبيه، فإن العلم الذي أثنى الله على أصحابه، والذي أصحابه، والذي أصحابه هم أهل خشية الله، إنما هو علم الشريعة فقط، وأما العلوم الأخرى فإنها إن كانت نافعة فإنها تكون مطلوبة لا لذاتها ولكن لما يرجى فيها من نفع، وأما إذا كانت ضارة وجب اجتنابها، وأما إذا كانت غير نافعة ولا ضارة فإن الإنسان لا ينبغي أن يضيع وقته فيها. 38- وسئل أعلى الله درجته في المهديين -: هل يعذر الشخص بعدم طلبه للعلم بسبب انشغاله بدراسته التي ليس بها طلب للعلم الشرعي أو بسبب عمله أو غير ذلك؟ فأجاب فضيلته: بقوله: طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون واجبًا على الإنسان عينًا أي فرض عين كما لو أراد الإنسان أن يتعبد الله بعبادة فإنه يجب عليه أن يعرف كيف يتعبد لله بهذه العبادة. وعلى هذا، فهذا الذي يشغله عن طلب العلم الشرعي حاجة أهله أو غير ذلك من الصوارف مع محافظة على ما يجب الحفاظ عليه من العبادة نقول: إن هذا معذور ولا حرج عليه ولكن ينبغي أن يتعلم من العلم الشرعي بقدر ما يستطيع. * * * 39- سئل فضيلة الشيخ: ما المقصود بالعلماء في قوله تعالى: فأجاب بقوله: المقصود بهم العلماء الذين يوصلهم علمهم إلى خشية الله، وليس المراد بالعلماء من علموا شيئًا من أسرار الكون كأن يعلموا شيئًا من أسرار الفلك وما أشبه ذلك أو ما يسمى بالإعجاز العلمي، فالإعجاز العلمي في الحقيقة لا ننكره، لا ننكر أن في القران أشياء ظهر بيانها في الأزمنة المتأخرة لكن غالى بعض الناس في الإعجاز العلمي حتى رأينا من جعل القرآن كأنه كتاب رياضة وهذا خطأ، فنقول: إن المغالاة في إثبات الإعجاز العلمي لا ينبغي لأن هذه قد تكون مبنية على نظريات والنظريات تختلف، فإذا جعلنا القرآن دالًا على هذه النظرية ثم تبين بعد أن هذه النظرية خطأ معنى ذلك أن دلالة القرآن صارت خاطئة، وهذه مسألة خطيرة جدًا. والآن يا إخواني: اعتنى في الكتاب والسنة ببيان ما ينفع الناس من العبادات والمعاملات ولهذا بين دقيقها وجليلها حتى آداب الأكل والجلوس والدخول وغيرها. لكن علم الكون هل جاء على سبيل التفصيل؟ ولذلك فأنا أخشى من انهماك الناس في الإعجاز العلمي أن يشتغلوا به عما هو أهم، إن الشي الأهم هو تحقيق العبادة لأن القرآن نزل بهذا، قال الله تعالى: أما علماء الكون الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه فننظر إن اهتدوا بما وصلوا إليه من العلم واتقوا الله - عز وجل - وأخذوا بالإسلام صاروا من علماء المسلمين الذين يخشون الله، وإن بقوا على كفرهم وقالوا إن هذا الكون له محدث فإن هذا لا يعدو أن يكونوا قد خرجوا من كلامهم الأول إلى كلام لا يستفيدون منه، فكل يعلم أن لهنذا الكون محدثًا؛ لأن هذا الكون إما أن يحدث نفسه، وإما أن يحدث صدفة، وإما أن يحدثه خالق وهو الله - عز وجل فكونه يحدث نفسه مستحيل؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا؟! ولا يمكن أن تُوجد صدفة؛ لأن كل حادث لابد له من محدث، ولأن وجوده على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باثًا أن يكون وجوده صدقة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟ ! وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن تُوجد صدفة تعينً أن يكون لها مٌوجد وهو الله رب العالمين.
* * * 40- سئل الشيخ - غفر الله له -: هل تعليم الطالب الرياضيات إذا كان الشخص ينوي بها وجه الله له أجر أم لا؟ فأجاب فضيلته: بقوله: إذا كانت هذه الرياضيات ما تنفع المسلمين في معاشهم ونوى الشخص بذلك نفع الناس بها فإنه يؤجر على نيته، ولكنها ليست كالعلوم الشرعية فإنها إذا كانت من المباحات تكون وسيلة؛ لأن القاعدة الشرعية أن المباح قسم واسع فقد يكون حرامًا وقد يكو مكروهًا وقد يكون مستحبًا وقد يكون واجبًا. ونقول مثلًا: أن الأصل في البيع الحلال، ولكن قد يكون مكروهًا، فإذا أراد شخص أن يشتري منك شيئًا ينقذ به حياته مثل الطعام والشراب فما حكم البيع؟ الحكم واجب، وشخص آخر أراد أن يشتري منك عنبًا ليجعله خمرًا فهذا البيع حرام، وشخص آخر أراد أن يشتري ماء ليتوضأ به وليس عنده ماء فالشراء واجب؛ فعلى هذا نقول: إن المباح إذا كان وسيلة لأمر مشروع كان مشروعًا وإذا كان ذريعة لأمر محرّم كان حرامًا. * * * 41- وسئل فضيلة الشيخ: بعض الشباب يريدون أن يتعلموا الطب وبعض العلوم الأخرى ولكن هناك عوائق مثل الاختلاط والسفر إلى بلاد الخارج فما الحل؟ وما نصيحتكم لهؤلاء الشباب؟ فأجاب فضيلته: بقوله: نصيحتي لهؤلاء أن يتعلموا الطب لأننا في بلادنا في حاجة شديدة إليه، وأما مسألة الاختلاط فإنه هنا في بلادنا والحمد لله يمكن أن يتقي الإنسان ذلك بقدر الاستطاعة. وأما السفر إلى بلاد الكفار فلا أرى جواز السف إلا بشروط: الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات؛ لأن هناك في لبلاد الكفار يوردون على أبناء المسلمين الشبهات حتى يردوهم عن دينهم. الثاني: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات، فلا يذهب إلى هناك وهو ضعيف الدين، فتغلبه الشهوات فتدفع به إلى الهلاك. الثالث: أن يكون محتاجًا إلى السفر بحيث لا يوجد هذا التخصص في بلاد الإسلام. فهذه الشروط الثلاثة إذا تحققت فليذهب، فإن تخلف واحد منها فلا يسافر، لأن المحافظة على الدين أهم من المحافظة على غيره [انظر تفصيل هذه المسألة في "مجموع الفتاوى" لفضيلة شيخنا 3/28. ] 42- سئل فضيلته بقوله: نعم، فهم اللغة العربية مهم سواء في قواعد الإعراب أو قواعد البلاغة، كلها مهمة ولكن بناء على بناء على أننا والحمد الله عرب فإنه يمكننا أن نتعلم دون أن نعرف قواعد اللغة العربية، لكن من الكمال أن يتعلم الإنسان قواد اللغة العربية، فأنا أحدث على تعلم اللغة العربية في جميع قواعدها * * * 43- سئل فضيلة الشيخ: أيهما أفضل: التفرغ للدعوة إلى الله - عز وجل - أم التفرغ لطلب العلم؟ فأجاب قائلًا: طلب العلم أفضل وأولى، وبإمكان طالب العلم أن يدعو وهو يطلب العلم، ولا يمكن أن يقوم بالدعوة إلى الله وهو على غير علم، قال الله تعالى: * * * 44- سئل فضيلة الشيخ: إذا كان آفة العلم النسيان فما الأمور أو الطرق التي تعين على ضبط العلم: أن يهتدي الإنسان بعلمه قال تعالى: فإذا عمل العالم بعلمه، ازداد علمًا وأتي تقوى، أي عبادة وخشية. ومنها: أن يفرغ قلبه للعلم بحيث لا يتشاغل بغيره عنه بل يكون هو همه وهاجسه. ومنها: أن يتعاهده بالحفظ والمذاكرة. ومنها: أن يستحضر الحكم ودليله عند كل عمل يقوم به. ومنها: أن يكب على طلب العلم فلا يجعل طلب العلم عند التفرغ فقط، ولهذا يقولون أعط العلم كلك يعطيك بعضه، وأعط العلم بعضك لا يعطيك شيئًا، فلا بد من الإكباب على طلب العلم ليلًا ونهارًا، والمناقشة وتطبيق ما علمت على ما عملت حتى يبقى العلم. * * * 45- سئل فضيلة الشيخ: ما توجيهكم - حفظكم الله تعالى - لطلاب العلم حيث يلاحظ الإهمال وعدم الجد مما له آثار سيئة في التحصيل العلمي؟ فأجاب بقوله: يجب على طلاب العلم أن يبذلوا غاية الجهد في تحصيل العلم، حتى يدركوا المعلومات إدراكًا قويًا، راسخًا في نفوسهم؛ لأنهم إذا اجتهدوا ,اخذوا العلوم شيئًا فشيئًا سهلت عليهم ورسخت في نفوسهم وسيطروا عليها سيطرة تامة، وإن أنتم يا طلاب العلم أهملتم وتهاونتم انطوى عنكم الزمن، وتراكمت عليكم الدروس، فأصبحتم عاجزين عن تصورها فضلًا عن تحقيقها فندمتم حين لا تنفع الندامة. 46- وسئل فضيلته: نرجو من سماحتكم - حفظكم الله تعالى - توجيه نصيحة لمن عمل في مجال التدريس، عسى الله أن ينفع بها وجزاكم الله خيرًا؟ فأجاب فضيلته: بقوله: نقول أهم ما يتعلق بالمعلمين أن يدركوا العلوم التي يعطونها للطلبة إدراكًا جيدًا مستقرًا في نفوسهم، قبل أن يقفوا أمام الطلبة حتى لا يقع الواحد منهم في حيرة عند سؤال التلاميذ له ومناقشتهم إياه فإن من أعظم المقومات الشخصية لدى الكلبة أن يكون المعلم قويًا في علمه وملاحظته، إن قوة المعلم العلمية في تقويم شخصيته لا تقل عن قوة ملاحظته، إن المعلم إذا لم يكن عنده علم ارتبك عند السؤال فينحط قدره أمام تلاميذه، وإن أجاب بالخطأ فلن يثقوا فيه بعد ذلك، إن انتهرهم عند السؤال والمناقشة فلن ينسجموا معه. إذن فلا بد للمعلم من إعداد واستعداد وتحمل وصبر، المعلم عند توجيه السؤال له إن كان عنده علم راسخ في ذهنه مستقر في نفسه أجاب بكل سهولة وانطلاق وإلا فإنه لا يخلو بعد ذلك من هذه الأمور الثلاثة السابقة وكل ذلك ينافي الآداب التي ينبغي أن يكون المعلم عليها، وإذا كان على المعلم أن يدرك العلم الذي سيلقيه أمام الطلبة فإن عليه أن يحرص على حُسن إلقائه إليهم بأن يسلك أسهل الطرق في إيضاح المعاني وضرب الأمثال ومناقشة الطلبة فيما ألقاه عليهم سابقًا، أما أن يأتي يقرأ الشيء عليهم قراءة ولا يدري من فهم ممن لم يفهم ولا يناقشهم فيما مضى فإن هذه الطريقة عقيمة جدًا لا تثمر ثمرًا ولا تكون نتيجتها طيبة وإذا كان المعلم يجتهد في الأمور العلمية تحصيلًا وعرضًا فعليه أن يجتهد في الأمور التعبدية، عليه أن يكون حسن النية والتوجيه فينوي بتعليمه الإحسان إلى طلبته وإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم وليجعل نفسه لهم بمنزلة الأب الرفيق الشفيق ليكون لتعليمه أثرٌ بالغُ في نفوسهم وعلى المعلم أن يظهر أما طلبته بالمظهر اللائق من الأخلاق الفاضلة والآداب العالية التي أساسها تمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون قدوة لتلاميذه في العلم والعمل فإن التلميذ ربما يتلقى من معلمه من الأخلاق والآداب أكثر مما يتلقى منه من العلم من حيث التأثر لأن أخلاق المعلم وآدابه صورة مشهودة معبرة عما في نفسه ظاهرة في سلوكه فتنعكس هذه الصورة تمامًا على إدارة التلاميذ. إن على المعلم أن يتقي الله تعالى في نفسه، وفيمن ولاه الله عليهم من التلاميذ وأن يحرص غاية الحرص أن يمثل أمامهم بالأخلاق حتى يكو قدوة صالحة وإنني أقول للمعلمين: إن عند التلاميذ ملاحظة دقيقة عجيبة على صغر سنهم، إن المعلم إذا أمرهم بشيء ثم رأوه يخالفهم فيما أمرهم به فإنهم سوف يضعون علامات الاستفهام أما وجه هذا المعلم، كيف يعلمنا بشيء ويأمنا به وهو يخالف ما كان يعلمنا ويأمرنا به، لا تستهن يا معلمًا بالتلاميذ حتى ولو كانوا صغارًا فعندهم أمر الملاحظة من الأمور العجيبة. * * * 47- وسئل فضيلة الشيخ: عن طال علم يريد أن يذهب مع إخوانه في الله لطلب العلم وكان الحائل بينه وبين الذهاب معهم هو أهله، والده وأمه، فما الحكم في خروج هذا الطالب؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذا الطالب إن كان هناك ضرورة لبقائه عندهم فهذا أفضل مع أنه يمكنه أن يبقي عندهم مع طلب العلم، لأن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله، والعلم من الجهاد وبالتالي فيكون بر الوالدين مقدمًا عليه إذا كانا في حاجة إليه. أما إذا لم يكونا في حاجة إليه ويتمكن من طلب العلم أكثر إذا خرج فلا حرج عليه أن يخرج في طلب العلم في هذه الحال، ولكنه مع هذا لا ينسى حق الوالدين في الرجوع إليهما وإقناعهما إذا رجع، وأما إذا علم كراهة الوالدين للعلم الشرعي فهؤلاء لا طاعة لهما، ولا ينبغي له أن يستأذن منهما إذا خرج؛ لأن الحامل لهما كراهة العلم الشرعي. * * * 48ـ سئل فضيلة الشيخ ـ غفر الله له ـ: هل يجوز تعلم العلم من الكتب فقط دون العلماء وخاصة إذا كان يصعب تعلم العلم من العلماء لندرتهم؟ وما رأيك في القول القائل: من كان شيخه الكتاب كان خطؤه أكثر إلى الصواب؟ فأجاب قائلًا: لا شك أن اعلم يحصل بطلبه عند العلماء وبطلبه في الكتب؛ لأن كتاب العالم هو العالم نفسه، فهو يحدثك من خلال كتابه، فإذا تعذر الطلب على أهل العلم، فإنه يطلب العلم من الكتب، ولكن تحصيل العلم عن طريق العلماء أقرب من تحصيله عن طريق الكتب؛ لأن الذي يحصل عن طريق الكتب يتعب أكثر ويحتاج إلى جهد كبير جدًا، ومع ذلك فإنه قد تخفى عليه بعض الأمور كما في القواعد الشرعية التي قعدها أهل العلم والضوابط، فلابد أ، يكون له مرجع من أهل العلم بقدر الإمكان. وأما قوله: (من كان دليله كتابه فخطؤه أكثر من صوابه)، فهذا ليس صحيحًا على إطلاقه ولا فاسدًا على إطلاقه، أما الإنسان الذي يأخذ العلم من أي كتاب يراه فلا شك أنه يخطئ كثيرًا، وأما الذي يعتمد في تعلمه على كتب رجال معروفين بالثقة والأمانة والعلم فإن هذا لا يكثر خطؤه بل قد يكون مصيبًا في أكثر ما يقول. * * * 49ـ سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز تفسير القرآن الكريم بالنظريات العلمية الحديثة؟ فأجاب بقوله: تفسير القرآن بالنظريات العلمية له خطورته، وذلك إننا إذا فسرنا القرآن بتلك النظريات ثم جاءت نظريات أخرى بخلافها فمقتضى ذلك أن القرآن صار غير صحيح في نظر أعداء الإسلام؛ أما في نظر المسلمين فإنهم يقولون إن الخطأ من تصور هذا الذي فسر القرآن بذلك، لكن أعداء الإسلام يتربصون به الدوائر، ولهذا أنا أحذر غاية التحذير من التسرع في تفسير القرآن بهذه الأمور العلمية ولندع هذا الأمر للواقع، إذا ثبت في الواقع فلا حاجة إلى أن نقول القرآن قد أثبته، فالقرآن نزل للعبادة والأخلاق، والتدبر، يقول الله ـ عز وجل ومن تدبر الآية وجد أن هذا التفسير باطل لأن الآية سيقت في بيان أحوال الناس وما يؤول إليه أمرهم، اقرأ سورة الرحمن تجد أن هذه الآية ذُكرت بعد قوله تعالى: فلنسأل هل هؤلاء القوم نفذوا من أقطار السموات؟ الجواب: لا، والله يقول: ثانيًا: هل أرسل عليهم شواظ من نار ونحاس؟ والجواب: لا. إذن فالآية لا يصح أن تفسر بما فسر به هؤلاء، ونقول: إن وصول هؤلاء إلى ما وصولوا إليه هو من العلوم التجريبية التي أدركوها بتجاربهم، أما أن نُحرِّف القرآن لنخضعه للدلالة على هذا فهذا ليس بصحيح ولا يجوز. * * * 50ـ سئل الشيخ: ذكرتم ـ جزاكم الله خيرًا ـ أن الاعتماد على أقوال الرجال خطأ يضر طالب العلم فهل يفهم من هذا عدم التمذهب أو الرجوع إلى مذهب معين فيما يشكل من أحكام؟ فأجاب فضيلته بقوله: التمذهب بمذهب معين إذا كان المقصود منه أن الإنسان يلتزم بهذا المذهب معرضًا عما سواه سواء كان الصواب في مذهبه أو مذهب غيره فهذا لا يجوز ولا أقول به. أما إذا كان الإنسان يريد أن ينتسب إلى مذهب معين لينتفع بما فيه من القواعد والضوابط ولكنه يرد ذلك إلى الكتاب والسنة، وإذا تبين له الرجحان في مذهب آخر ذهب إليه فهذا لا بأس به، والعلماء المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره هم من هذا النوع هم محققون ولهم مذهب معين ولكنهم لا يخالفون الدليل إذا تبين لهم . * * 51ـ سئل الشيخ: هل حديث فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث اختلف العلماء في صحته، فمن أهل العلم من صححه واعتمده كالنووي، ومنهم من ضعفه، ولكن تلقي العلماء له بالقبول ووضعهم ذلك الحديث في كتبهم يدل على أن له أصلًا، فالذي ينبغي للإنسان التسمية على كل الأمور المهمة، أو البداية بحمده الله ـ عز وجل ـ . * * * 52ـ سئل الشيخ ـ غفر الله له ـ: أيهما أفضل: مخالطة الناس بعد العشاء لتعليمهم وإرشادهم ونصحهم بحيث لا يمكن قيام الليل أو اعتزالهم حتى يتم قيام الليل؟ فأجاب قائلًا: طلب العلم أفضل من قيام الليل؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد: (لا يَعدلُهُ شيء لمن صحته نيته) قالوا: كيف ذلك؟ قال: (ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره)، فإذا كان الإنسان يسهر في أول الليل في طلب العلم ابتغاء لوجه الله سواء كان يدرُسه أو يدرِّسه أو يعلِّمه ثم يقول الليل فهو أفضل لكن إذا تزاحم الأمران فطلب العلم الشرعي أفضل وأولى، ولهذا أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام، قال العلماء: وسبب ذلك أن أبا هريرة كان يحفظ أحاديث الرسول أول الليل وينام آخر الليل، فأرشده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن يوتر قبل أن ينام [أخرجه البخاري، كتاب الصيام، باب: صيام البيض، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى، ولفظه: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام). * * * 53 ـ سئل الشيخ ـ غفر الله له ـ ماذا يجب على تجاه أحد الأساتذة عندما يخطئ وخصوصًا في المواد الدينية وأنا متأكد من الجواب الصحيح؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذا سؤال مهم حيث نجد أن بعض الأساتذة لا يريد لأحد أن يخطئه مهما ارتكب من الخطأ، وهذا ليس بصحيح، فكل إنسان معرض للخطأ، والإنسان إذا أخطأ ونُبّه فهذا من نعمة الله عليه، حتى لا يغتر الناس بخطئه، ولكن ينبغي للطالب أن يكون عنده شيء من اللباقة، فلا يقوم أمام الطلبة يرد على هذا المدرس، فهذا خلاف الأدب، ولكن يكون ذلك بعد انتهاء الدرس، فإن اقتنع المدرس فعليه أن يعيد ذلك أمام الطلبة في الدرس المقبل وأن لم يقتنع فعلى الطالب أن يقوم أمام الطلبة في الدرس المقبل، ليقول يا أستاذ إنك قلت كذا وكذا وهذا ليس بصحيح. * * * 54ـ وسئل ـ جزاه الله خيرًا ـ: هل يجوز إلقاء التحية على مدرس غير مسلم في الفصل أو خارجه؟ فأجاب فضيلته بقوله: ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: * * * 55ـ وسُئل فضيلة الشيخ: أمامي مجال لدخول كلية علمية فهل أدخلها لنفع المسلمين أم أسلك المجال في كلية الشريعة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا. فأجاب بقوله: الذي أرى أن أفضل الكليات في الجامعات هي الكليات الدينية، وأما المواد الأخرى فربما يقوم بها رجل آخر، لا سيما من كانت له رغبة في دراسة العلوم الدينية، ومادام عندك رغبة في دخول كلية الشريعة فإن ذلك من أفضل. * * * 56ـ سئل فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ: ما سبب توقف العالم عن الفتوى؟ فأجاب فضيلته بقوله: توقف العالم عن الفتوى إذا كان أهلًا للفتوى وعنده علم قد يكون لتعارض الأدلة عنده، وقد يكون لظنه أن هذا المستفتي متلاعب؛ لأن بعض المستفتين لا يستفتي للحق إنما يريد التلاعب والنظر فيما عند هذا العالم، والعالم الثاني، والعالم الثالث وهكذا، فيتقوف العالم أو يعرض عن إجابة هذا السائل الذي يعلم أو يغلب على ظنه أنه متلاعب لينظر ماذا عند الناس، أو يريد أن يضرب أقوال الناس بعضها ببعض، وهذا أشد فيذهب ويقول: قال العالم الفلاني كذا، وقال العالم الفلاني كذا، فهذا من أسباب توقف المفتي. * * * 57ـ سئل فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ: هناك من الناس من يفتي بغير علم، ما حكم ذلك؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل من أخطر الأمور وأعظمها إثمًا، وقد قرن الله سبحانه وتعالى ـ القول عليه بلا علم، بالشرك به، فقال تعالى:
وهذا يشمل القول على الله في ذاته أو صفاته أو أفعاله أو شرائعه، فلا يحل لأحد أن يفتي بشيء حتى يعلم أن هذا هو شرع الله ـ عز وجل ـ وحتى تكون عنده أداة وملكة يعرف بها ما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحينئذٍ يفتي والمفتي معبرِّ عن الله ـ عز وجل ـ ومبلِّغ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا قال قولًا وهو لا يعلم أو لا يغلب على ظنه ـ بعد النظر والاجتهاد والتأمل في الأدلة ـ فإنه يكون قد قال على وعلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولًا بلا علم، فيتأهب للعقوبة، فإن الله ـ عز وجل يقول: * * * 58ـ سئل الشيخ ـ وفقه الله تعالى ـ: هل هناك دعاء لحفظ القرآن؟ وما طريقة حفظه؟ فأجاب قائلًا: لا أعرف في ذلك دعاء يحفظ به القرآن إلا حديثًا، روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علمه علي بن أبي طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ وفي صحته نظر، قال عنه ابن كثير ـ رحمه الله تعالى:ـ إنه من البينّ غرابته بل نكارته . وقال السيد محمد رشيد رضا ـ في التعليق عليه ـ: بل أسلوبه أسلوب الموضوعات لا أسلوب أفصح البشر محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ رضي الله عنه ـ ولا أسلوب عصرهما . ا . هـ . وقال الذهبي: هذا الحديث منكر شاذ، ولكن الطريق إلى حفظه هو: أن يواظب الإنسان على حفظه وللناس في حفظه طريقان: أحدهما: أن يحفظه آية آية أو آيتين آيتين أو ثلاثًا ثلاثًا حسب طول الآيات وقصرها . الثاني: أن يحفظه صفحة صفحة. والناس يختلفون منهم من يفضل أن يحفظه صفحة صفحة يرددها حتى يحفظها، ومنهم من يفضل أن يحفظ الآية ثم يرددها حتى يحفظها ثم يحفظ آية أخرى كذلك وهكذا حتى يتم . ثم إنه أيضًا ينبغي سواء حفظ بالطريقة الأولى أو الثانية ألا يتجاوز شيئًا حتى يكون قد أتقنه لئلا يبني على غير أساس، وينبغي أن يستعيد ما حفظه كل يوم خصوصًا في الصباح، فإذا عرف أنه قد أجاد ما حفظه أخذ درسًا جديدًا. * * * 59ـ سئل الشيخ: أريد أن أتعلم العلم الشرعي وأبدأ في التعلم ولا أعرف كيف أبدأ، فبماذا تنصحوني في ذلك؟ فأجاب فضيلته بقوله: خير ممنهج لطالب العلم أن يبدأ الطالب بفهم كلام الله عز وجل ـ من كتب التفسير الموثوق بها كتفسير ابن كثير والبغوي، ثم بفهم ما صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من السنة من الكتب الحديثة الموثوقة كبلوغ المرام والمنتقى وأصول كتب الحديث الملتزمة بالصحيح كصحيحي البخاري ومسلم ثم بكتب العقيدة السليمة مثل العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ثم بكتب الفقه المختصرة ليتفقه بها على المذهب الذي يراه أقرب إلى الكتاب والسنة، وحين يترقى في العلم يقرأ الكتب المطولة ليزداد بها علمًا . * * * 60ـ سئل الشيخ حفظه الله تعالى ـ: هل يجوز للمرء أن يترك عمله ويتفرغ لطلب العلم، فيكون عالة على أبيه وأخيه؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال بل هو من الجهاد في سبيل الله، ولا سيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنتشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم، وبدأ الجدل من كثير من الناس، فهذه ثلاثة أمور كلها تحتم على الشباب أن يحرص على طلب العلم: أولًا: بدع بدأت تظهر شرورها. ثانيًا: أناس يتطلعون إلى الإفتاء بغير علم . ثالثًا: جدل كثير في مسائل قد تكون واضحة لأهل العلم لكن يأتي من يجادل فيها بغير علم فمن أجل ذلك فنحن في ضرورة إلى أهل علم عندهم رسوخ وسعة اطلاع وعندهم أيضًا فقه في دين الله، وعندهم حكمة في توجيه عباد الله؛ لأن كثيرًا من الناس الآن يحصلون على علم نظري في مسألة من المسائل ولا يهمهم النظر إلى اصلاح الخلق وإلى تربيتهم، وأنهم إذا أفتوا بكذا وكذا صار وسيلة إلى شرٍّ أكبر لا يعلم مداه إلا الله. وهاهم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أحيانًا يُلْزَمون بأشياء قد تكون النصوص دالة على عدم الإلزام بها من أجل تربية الخلق . عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ألزم الناس بإمضاء الطلاق الثلاث، كان الطلاق الثلاث في عهد الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، كان الطلاق الثلاث ـ أي في مجلس واحد ـ واحدًا، لكن هو محرم أي طلاق المرأة ثلاثًا في مجلس واحد حرام، لأنه تعدى حدود الله ـ عز وجل ـ . قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: أيضًا عقوبة الخمر في عهد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يؤتي بالرجل الشارب فيضرب بطرف الثوب أو بالجريد أو النعال نحوًا من أربعين جلدة، وفي عهد أبي بكر يجلد أربعين، وفي عهد عمري يجلد أربعين، لكنه لما كثير الشرب جمع الصحابة واستشارهم فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فجعل عمر عقوبة شارب الخمر ثمانين جلدة.[ أخرجه مسلم ، كتاب الحدود ، باب : حد الخمر .] كل هذا من أجل إصلاح الخلق، فينبغي للمسلم أو المفتي والعالم في مثل هذه الأمور أن يراعي أحوال الناس وما يصلحهم . * * * 61ـ وسئل الشيخ: طالب العلم المبتدئ هل يبدأ في طلب العلم بالبحث عن الأدلة أم يقلد في ذلك أئمة أحد المذاهب؟ ما توجيه سماحتكم ـ حفظكم الله تعالى ـ؟ فأجاب فضيلته بقوله: الطالب المبتدئ في العلم يجب عليه البحث عن الدليل بقدر إمكانه؛ لأنه المطلوب الوصول إلى الدليل، ولأجل أن يحصل له التمرن على طلب الأدلة وكيفية الاستدلال فيكون سائرًا إلى الله على بصيرة وبرهان، ولا يجوز له التقليد إلا لضرورة كما لو بحث فلم يستطع الوصول إلى نتيجة أو حدثت له حادثة تتطلب الفورية فلم يتمكن من معرفة الحكم بالدليل قبل فوات الحاجة إليها فله حينئذ أن يقلد بنيه أنه متى تبين له الدليل رجع إليه، وإذا اختلف عليه المفتون، فقيل يخيَّر، وقيل يأخذ بالأيسر لأنه الموافق لقوله تعالى: * * * 62ـ وسئل فضيلته: ما هي الكتب التي تنصح بها؟ ونرجو توجيه نصيحة للطلاب جزاكم الله خيرًا. فأجاب فضيلته بقوله: من أحسن ما يطالعه الطلاب من الكتب، كتب التفسير الموثوقة كتفسير ابن كثير، والشيخ عبد الرحمن السعدي، وكتب الحديث كفتح الباري شرح صحيح البخاري، وسبل السلام بلوغ المرام، ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، ورياض الصالحين. ننصح أبناءنا الطلبة بالحرص على العلم النافع والعمل الصالح والأخلاق الحسنة، وكسب الوقت فيما فيه خيرهم وصلاحهم في دينهم ودنياهم، وأن يمرِّنوا أنفسهم على فعل الجميل والصبر على الأمور التي فيها مصلحتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة. * * * 63ـ وسئل ـ حفظه الله تعالى ـ: بماذا تنصح من بدأ في طلب العلم على كبر سنه؟ وإن لم يتيسر له شيخ يأخذ منه ويلازمه فهل ينفعه طلب العلم بلا شيخ؟ فأجاب فضيلته بقوله: نسأل الله تعالى أن يعين من أكرمه الله بالاتجاه إلى طلب العلم، ولكن العلم في ذاته صعب يحتاج إلى جهد كبير؛ لأننا نعلم أنه كلما تقدمت السن من الإنسان زاد حجمه وقل فهمه، فهذا الرجل الذي بدأ الآن في طلب العلم ينبغي له أن يختار عالمًا يثق بعلمه ليطلب العلم عليه؛ لأن طلب العلم عن طريق المشائخ أوفر وأقرب وأيسر، فهو أوفر لأن الشيخ عبارة عن موسوعة علمية، لا سيما الذي عنده علم نافع في النحو والتفسير والحديث والفقه وغيره. فبدلًا من أن يحتاج إلى قراءة عشرين كتابًا يتيسر تحصيله من الشيخ، وهو لذلك يكون أقصر زمنًا، وهو أقرب للسلامة كذلك، لأنه ربما يعتمد على كتاب ويكون نهج مؤلفه مخالفًا لنهج السلف سواء في الاستدلال أو في الأحكام . فننصح هذا الرجل الذي يريد طلب العلم على الكبر أن يلزم شيخًا موثوقًا، ويأخذ منه؛ لأن ذلك أوفر له، ولا ييأس، ولا يقول بلغت من الكبر عتيًّا؛ لأنه بذلك يَحرمُ نفسه من العلم. وقد ذُكر أن بعض أهل العلم دخل المسجد يومًا بعد صلاة الظهر فجلس، فقال لله أحد الناس: قم فصل ركعتين، فقام فصلى ركعتين، وذات يوم دخل المسجد بعد صلاة العصر فكبر ليصلي ركعتين فقال له الرجل: لا تصلِّ فهذا وقت نهي، فقال: لا بد أن أطلب العلم، وبدأ في طلب العلم حتى صار إمامًا، فكان هذا الجهل سببًا لعلمه، وإذا علم الله منك حسن النية ومنَّ عليك بالتوفيق فقد تجمع من العلم الشيء الكثير . * * * 64ـ وسئل فضيلة الشيخ: ما هي نصيحتك لمن ينسى ما يقرأ ويتعلم؟ فأجاب بقوله: أهم شيء في حفظ العلم أن يعمل الإنسان بحفظه، لقوله الله تعالى وقال: وقد روي عن الشافعي ـ رحمه الله ـ قوله: وقال أعلـم بـأن العلـم نـور ** ونـور الله لا يـؤتاه عاصي ومن أسباب ذلك الإعراض عن الشواغل التي تأخذ بالفكر عن العلم؛ لأن الإنسان بشر إذا تشتت همته ضعفت قدرته على تحصيل العلم . وكذلك كثرة البحث مع الزملاء بغرض الوصول للحق وليس للغلبة ولا شك الإخلاص من جملة ما يحفظ به العلم. * * * 65ـ سئل فضيلة الشيخ: انتشرت الفتوى حتى صار الصغير يفتي، فما تعليقكم ـ غفر الله لكم ـ؟ فأجاب قائلًا: كان السلف ـ رحمهم الله ـ يتدافعون الفتوى لعظم أمرها ومسئوليتها وخوفًا من القول على الله بلا علم؛ لأن المفتي مخبر عن الله مبين لشرعه، فإن قال على الله بلا علم؛ لأ، المفتي مخبر عن الله مبين لشرعه، فإن قال على الله بلا علم فقد وقع فيما هو صنو للشرك، واستمع إلى قول الله تعالى: وإذا علم الله من نيته الإخلاص وإرادة الصلاح فسوف يصل إلى المرتبة التي يريدها بفتواه، فمن اتقى الله فسيوفقه الله ويرفعه . والذي يفتي بلا علم أضل من الجاهل، فالجاهل يقول: لا أدري ويعرف قدر نفسه، ويلتزم الصدق، أما الذي يقارن نفسه بأعلام العلماء بل ربما فضل نفسه عليهم فيَضل ويُضل ويخطئ في مسائل يعرفها أصغر طالب علم فهذا شره عظيم وخطره كبير . * * * 66ـ سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز لطالب العلم أن يرجح بعض الآراء الفقهية على بعض ثم يلزم بها غيره؟ وهل له أن يأخذ بالرأي المرجوح في بعض الأحوال وهو يعلم الراجح؟ فأجاب بقوله: إذا لم يتبين الحكم بيانًا تامًّا لطالب العلم ويظل عنده شك منه، فله أن يلزم نفسه به احتياطًا، ولا يلزم غيره بذلك، لأنه ليس عنده دليل بين يكون حجة له أمام الله عز وجل ـ حين يحرِّم أو يوجب على عباد الله ما لم يثبت شرعًا ـ وكثيرًا ما يتردد المجتهد في بعض الأشياء فيحب أن يطبقها على نفسه ويحتمل ما يكون فيها من المشقة، ولكنه يخشى من إلزام عباد الله بها . ولذلك نقول: لا مانع أن يسلك الإنسان هذا المسلك، ولكنه لا يترك إعادة النظر مرة بعد أخرى حتى يتبين الأمر ويلزم الناس بمقتضى الدليل ولا يكون مقصرًا في طلب الدليل فيكون مقصرًا في بيان الشرع. ولا يجوز له العمل بالمرجوح، بل يتعين عليه أن يعمل بالراجح إذا تبين له أنه راجح. * * * 67ـ سئل فضيلة الشيخ: يلاحظ التقصير في العمل بالعلم، فما نصيحة فضيلتكم؟ فأجاب فضيلته بقوله: يجب على من علم شيئًا صحيحًا من الشريعة أن يبلغه للناس لأن العمل بما علم الإنسان يستوجب حفظه بالعمل ويزيده الله تعالى بالقرآن نورًا فيكتسب من حفظ العلم بطريقة العمل به أن الله ـ عز وجل نورًا زائدًا على ما عنده قال الله تعالى: السلف الصالح في طلب العلم إذا علموا مسألة عملوا بها وكثير منهم لا يخفى عليه ما يقع من سرعة الامتثال والمبادرة للصحابة فيما عملوا حتى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حث النساء على الصدقة في يوم العيد فجعل النساء يلقين ما على آذانهن من الحلي يلقينه في ثوب بلال رضي الله عنه ـ ولم يقلن إذا وصلنا إلى البيت تصدقنا ولن بادرن بذلك . وكذلك الرجل الذي طرح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتمه الذي كان من ذهب وألقاه في الأرض ما رجع إليه بعد أن علم التحريم حتى قيل له خذ خاتمك لتنتفع به فقال: والله لا آخذ خاتمًا طرحه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما قال اخرجوا إلى بني قريظة: فأنظر يا أخي طالب العلم إلى سرعة امتثال الصحابة لما علموا من تعليم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهل إذا طبقنا هذا الأمر على ما هو الواقع الآن فهل نحن على هذا الأمر في هذا الوقت؟ أعتقد أن هذا يفوت كثيرًا وما أكثر ما علمنا أن الصلاة ركن من أركان الإسلام يكفر المرء بتركها وما أكثر ما علمنا أن صلاة الجماعة فرض على الأعيان ولابد منه، وما أكثر ما علمنا أشياء كثيرة هي من المحظورات ومع ذلك نجد في طلبة العلم من ينتهك هذا المحظور، وكذلك من يترك هذا الواجب ولا يبالي به فهذا فرق عظيم بين طلب العلم في الماضي وطلبه في الحاضر. * * * 68ـ وسئل فضيلة الشيخ: ما هي الطريقة الصحيحة في طلب العلم؟ هل يكون بحفظ المتون في علوم الشريعة أم فهمها؟ نرجو التوضيح حفظكم الله تعالى . فأجاب فضيلته بقوله: على طالب العلم أن يبدأ العلم شيئًا فشيئًا، فعليك أن تبدأ في الأصول والقواعد والضوابط وما أشبه ذلك من المختصرات مع المتون؛ لأن المختصرات سُلّم إلى المطولات، لكن لابد من معرفة الأصول والقواعد ومن لم يعرف الأصول حُرم الوصول. وكثير من طلبة العلم تجده يحفظ مسائل كثيرة لكن ما عنده أصل لو تأتيه مسألة واحدة شاذة عما كان يحفظه ما استطاع أن يعرف لها حلًّا، لكن إذا عرف الضوابط والأصول استطاع أن حيكم على كل مسألة جزئية من مسائلة، ولهذا فأنا أحث إخواني على معرفة الأصول والضوابط والقواعد لما فيها من الفائدة العظيمة وهذا شيء جربناه وشاهدناه مع غيرنا على أن الأصول هي المهم، ومنها حفظ المختصرات، وقد أراد بعض الناس أن يمكروا بنا قالوا لنا: إن الحفظ لا فائدة فيه، وإن المعنى هو الأصل، ولكن الحمد لله أنه أنقذنا من هذه الفكرة وحفظنا ما شاء الله أن نحفظ من متون النحو وأصول الفقه والتوحيد. وعلى هذا فلا يُستهان بالحفظ؛ فالحفظ هو الأصل، ولعل أحدًا منكم الآن يذكر عبارات قرأها من قبل مدة طويلة، فالحفظ مهم لطالب العلم حتى وإن كان فيه من الصعوبة، ونسأل الله سبحانه وتعالى ـ أن تكونوا ممن اهتدوا بطريقة سلفنا الصالح وأن يجعلنا من الهداة المهتدين، إنه جواد كريم . * * * 69ـ سئل فضيلة الشيخ: ما رأيكم بمن يترك الدعوة بحجة التفرغ لطلب العلم، وأنه لا يتمكن من الجمع بين الدعوة والعلم في بداية الطريق؛ لأنه يغلب على ظنه ترك العلم إذا اشتغل بالدعوة، ويرى أن يطلب العلم حتى إذا أخذ منه نصيبًا اتجه لدعوة الناس وتعليمهم وإرشادهم؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن الدعوة إلى الله تعالى مرتبة عالية ومقام عظيم؛ لأنه مقام الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وقد قال الله تعالى: ويمكن الجمع بين العلم والدعوة في بداية الطريق ونهايته، فإن تعذر الجمع كان البدءُ بالعلم؛ لأنه الأصل الذي ترتكز عليه الدعوة، قال البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه في الباب العاشر من كتاب العلم: باب العلم قبل القول والعمل واستدل بقوله تعالى: ومن ظن أنه لا يمكن الجمع بين العلم والدعوة فقد أخطأ، فإن الإنسان يمكنه أن يتعلم ويدعو أهله وجيرانه وأهل حارته وأهل بلدته وهو في طلب العلم. والناس اليوم في حاجة بل في ضرورة إلى طلب العلم الراسخ المتمكن في النفوس المبني على الأصول الشرعية، وأما العلم السطحي الذي يعرف الإنسان به شيئًا من المسائل التي يتلقاها كما يتلقاها العامة دون معرفة لأصولها وما بنيت عليه فإنه علم قاصر جدًّا لا يتمكن الإنسان به من الدفاع عن الحق وقت الضرورة وجدال المبطلين. فالذي أنصح به شباب المسلمين أن يكرسوا جهودهم لطلب العلم مع القيام بالدعوة إلى الله بقدر استطاعتهم وعلى وجه لا يصدهم عن طلب العلم؛ لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله تعالى، ولهذا قال أهل العلم: إذا تفرغ شخص قادر على التكسب من أجل طلب العلم فإنه يعطي من الزكاة؛ لأن ذلك من الجهاد في سبيل الله بخلاف ما إذا تفرغ للعبادة، فإنه لا يعطي من الزكاة، لأنه قادر على التكسب. * * * 70ـ سئل الشيخ ـ رعاه الله تعالى ـ: ما رأي فضيلتكم في تعلم التجويد والالتزام به؟ وهل صحيح ما يذكر عن فضيلتكم ـ حفظكم الله تعالى ـ من الوقوف بالتاء في نحو (الصلاة، الزكاة)؟ فأجاب قائلًا: لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد، وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة، وباب التحسين غير الإلزام، وقد ثبت في صحيح البخاري [في فضائل القرآن، باب: مدّ القراءة (4759).] عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل كيف كانت قراءة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ فقال: كانت مدًّا، ثم قرأ"بسم الله الرحمن الرحيم"يمدّ ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي . ولو قيل بأن العلم بأحكام التجويد المفصلة في كتب التجويد واجب للزم تأثيم أكثر المسلمين اليوم، ولقلنا لمن أراد التحدث باللغة الفصحى: طبق أحكام التجويد في نطقك بالحديث وكتب أهل العلم وتعليمك ومواعظك. وليعلم أن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة أمام الله ـ عز وجل ـ في إلزام عباده بما لا دليل على إلزامهم به من كتاب عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ في جواب له أن التجويد حسب القواعد المفصلة في كتب التجويد غير واجب. وقد اطلعت على كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه اله ـ حول حكم التجويد قال فيه ص50 مجلد 16 من مجموع ابن قاسم ـ رحمه الله ـ للفتاوى: "ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة في خروج حروفه وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك، فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، وكذلك شغل النطق بـ (أأنذرتهم) وضم الميم من (عليهم) ووصلها بالواو وكسر الهاء أو ضمها ونحو ذلك وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت" . ا.هـ . وأما ما سمعتم من أني أقف بالتاء في نحو " الصلاة، الزكاة" فغير صحيح بل أقف في هذا وأمثالها على الهاء. * * * 71ـ سئل فضيلة الشيخ: بعض الناس يكتبون حرف (ص) بين قوسين ويقصدون به رمز لجملة ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهل يصح استعمال حرف (ص) رمزًا لكلمة (صلى الله عليه وسلم ـ)؟ فأجاب فضيلته بقوله: من آداب كتابة الحديث كما نص عليه علماء المصطلح ألا يرمز إلى هذه الجملة بحرف (ص)، وكذلك لا يعبر عنها بالنعت مثل (صلعم)، ولا ريب أن الرمز أو النعت يفوت الإنسان أجر الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه إذا كتبها ثم قرأ الكتاب من بعده وتلا القارئ هذه الجملة صار للكاتب الأول نيل ثواب من قرأها، ولا يخفى علينا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال فيما ثبت عنه: (أن من صلى عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا) [أخرجه الإمام أحمد 2/168.]. فلا ينبغي للمؤمن أن يحرم نفسه الثواب والأجر لمجرد أن يسرع في إنهاء ما كتبه. * * * 72ـ سئل فضيلة الشيخ: عندما يطرح سؤال شرعي يتسابق عامة الناس إذا كانوا في مجلس مثلًا بالفتيا في تلك المسألة وبغير علم غالبًا، فما تعليقكم على هذه الظاهرة؟ وهل يعتبر هنا الأمر من التقديم بين يدي الله ورسوله؟ فأجاب بقوله: من المعلوم أنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم في دين الله بغير علم؛لأن الله تعالى يقول: والواجب على الإنسان أن يكون ورعًا خائفًا من أن يقول على الله بغير علم، وليس هذا من الأمور الدنيوية التي للعقل فيها مجال، على أنها وإن كانت من الأمور الدنيوية التي للعقل فيها مجال، فإن الإنسان ينبغي له أن يتأنى وأن يتروى، وربما يكون الجواب الذي في نفسه يجيب به غيره فيكون هو كالحكم بين المجيبين وتكون كلمته هي الأخيرة الفاصلة، وما أكثر ما يتكلم الناس بآرائهم، أعني غير المسائل الشرعية، فإذا تأنى الإنسان وتأخر ظهر له من الصواب من أجل تعدد الآراء ما لم يكن على باله. ولهذا فإني أنصح كل إنسان أن يتأنى وأن يكون هو الأخير في التكلم ليكون كالحاكم بين هذه الآراء، ومن أجل أن تظهر له في الآراء المختلفة ما لم يظهر له قبل سماعها، هذا بالنسبة للأمور الدنيوية، أما الأمور الدينية فلا يجوز أبدًا أن يتكلم الإنسان إلا بعلم يعلمه من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أقوال أهل العلم. * * * 73ـ وسئل ـ أعلى الله درجته ـ: عن كتاب بدائع الزهور؟ فأجاب قائلًا: هذا الكتاب رأيت فيه أشياء كثيرة غير صحيحة، ولا أرى أن يقتنيه الإنسان ولا أن يجعله بين أيدي أهله لما فيه يمن الأشياء المنكرة. * * * 74ـ وسئل أيضًا: عن كتاب تنبيه الغافلين؟ فأجاب فضيلته بقوله: تنبيه الغافلين كتاب وعظ وغالب كتب المواعظ يكون فيها الضعيف، وربما الموضوع ويكون فيها حكايات غير صحيحة، يريد المؤلفون بها أن يرققوا القلوب وأن يبكوا العيون، ولكن هذا ليس بطريق سديد؛ لأن فيما جاء في كتاب الله وصح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المواعظ كفاية. ولا ينبغي أن يوعظ الناس بأشياء غير صحيحة سواء نُسبت إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو نُسبت إلى قوم صالحين قد يكونوا أخطأوا فيما ذهبوا إليه من الأقوال والأعمال، والكتاب فيه أشياء لا بأس بها ومع ذلك فإنني لا أنصح أن يقرأه إلا الشخص الذي عنده علم وفهم وتمييز بين الصحيح والضعيف والموضوع . * * * 75ـ وسئل فضيلته: ما هي مكانة وفضل أهل العلم في الإسلام؟ فأجاب فضيلته بقوله: مكانة أهل العلم أعظم مكانة؛ لأنهم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهذا يجب عليهم من بيان العلم والدعوة إلى الله ما لا يجب على غيرهم، وهم في الأرض كالنجوم في السماء يهدون الخلق الضالين التائهين، ويبينون لهم الحق ويحذرونهم من الشر ولذلك كانوا في الأرض كالغيث يصيب الأرض القاحلة فتنبت بإذن الله . ويجب على أهل العلم من العمل والأخلاق والآداب ما لا يجب على غيرهم؛ لأنهم أسوة وقدوة فكانوا أحق الناس وأولى الناس بالتزام الشرع في آدابه وأخلاقه. * * * 76ـ سئل فضيلة الشيخ: بعض الناس يعتقد أن دور علماء المسلمين مقصور على الأحكام الشرعية وأنه لا دخل لهم في العلوم الأخرى كالسياسة والاقتصاد ونحوهما، فما رأيكم في هذا الاعتقاد؟ فأجاب فضيلته بقوله: رأينا في هذا الاعتقاد أنه مبني على الجهل في حال العلماء، ولا ريب أن العلماء علماء الشريعة عندهم علم في الاقتصاد وفي السياسة، وفي كل ما يحتاجون إليه في العلوم الشرعية، وإذا شئت أن تعرف ما قلته فانظر إلى محمد رشيد رضا ـ رحمه الله صاحب مجلة المنار في تفسيره وفي غيرها من كتبه . وانظر أيضًا إلى من قبله من أهل العلم بالشرع من يكون مقدمًا للأهم على المهم، فتجده في العلم الشرعي بلغ إلى نصيب كبير وفي العلوم الأخرى يكون أقل من ذلك بناء على قاعدة أن تبدأ بالأهم قبل المهم؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: * * * 77ـ سئل فضيلة الشيخ: متى يكون الخلاف في الدين معتبرًا؟ وهل يكون الخلاف في كل مسألة أم له مواضع معينة؟ نرجو بيان ذلك؟ فأجاب فضيلته بقوله: أولًا اعلم أن خلاف علماء الأمة الإسلامية إذا كان صادرًا عن اجتهاد فإنه لا يضر من لم يوفق للصواب؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: والخلاف المعتبر بين العلماء والذي ينقل ويذكر هو الخلاف الذي له حظ من النظر، أما خلاف العامة الذين لا يفهمون ولا يفقهون فلا عبرة به ولهذا يجب على العامي أن يرجع إلى أهل العلم كما قال الله تعالى: وأما قول السائل: هل يكون الخلاف في كل مسألة؟ فالجواب أن الخلاف قد يكون في بعض المسائل التي يختلف فيها الاجتهاد أو يكون بعض الناس أعلم من بعض في الاطلاع على نصوص الكتاب والسنة، أما المسائل الأصلية فإنها يقل فيها الخلاف. * * * 78ـ وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم الاجتهاد في الإسلام؟ فأجاب قائلًا: الاجتهاد في الإسلام هو: بذل الجهد لإدراك حكم شرعي من أدلته الشرعية. وهو واجب على من كان قادرًا عليه؛ لأن الله ـ عز وجل ـ يقول: فالمجتهد لابد أن يكون عنده علم بالأدلة الشرعية وعنده علم بالأصول التي إذا عرفها استطاع أن يستنبط الأحكام من أدلتها وعلم بما عليه العلماء لئلا يخالف الإجماع وهو لا يدري فإذا كانت هذه الشروط في حقه موجودة متوافرة فإنه يجتهد ويمكن أن يتجزأ الاجتهاد بأن يجتهد الإنسان في مسألة من مسائل العلم فيبحثها ويحققها ويكون مجتهدًا فيها أو في باب من أبواب العلم كأبواب الطهارة مثلًا يبحثه ويحققه ويكون مجتهدًا فيه . * * * 79ـ سئل فضيلة الشيخ: هل يجب التقليد لمذهب معين أم لا؟ فأجاب قائلًا: نعم، يجب التقليد لمذهب معين وجوبًا لازمًا؛ لكن هذا المذهب المعين الذي يجب تقليده مذهب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ لأن الذي ذهب إليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ واجب الاتباع، وهو الذي به سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: وقال تعالى: حتى قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ من قال: إن أحدًا من الناس يجب طاعته في كل ما قال، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن في ذلك طاعة غير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصدق ـ رحمه الله ـ لا أحد من الناس يجب أن يؤخذ بقوله مطلقًا إلا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه يجب الأخذ بقوله، وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * * * 80ـ سئل فضيلة الشيخ: من الملاحظ في الصحوة الإسلامية الاتجاه إلى العلم ولله الحمد والمنة، وخصوصًا علم السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ومن الملاحظات: أ ـ العرض للصحيحين (البخاري ومسلم) نقدًا، تضعيفًا وتصحيحًا من قبل بعض طلبة العلم الذين لم ترسخ أقدامهم في هذا العلم، علمًا بأن هذين الكتابين من أصول السنة والجماعة وقد تلقتهما الأمة بالقبول. ب ـ رواج مذهب الظاهرية عند غالبية الشباب والإعراض عن كتب فقهاء الأمة . جـ ـ انشغال بعض طلبة هذا العلم الشريف به عن العلوم الضرورية لطلبة العلم الشرعي مثل القرآن الكريم، واللغة العربية، والفقه، والفرائض ... إلخ . د ـ شيوع ظاهرة التعالم والتصدر للتدريس والفتيا من قبل بعض طلبة العلم الذين لا يعرف لهم شيوخ ولا قدم ثابتة في العلم وإنما هي القراءة ومطالعة الكتب . فما توجيهكم حفظكم الله ورعاكم؟ فأجاب حفظه الله ورعاه قائلًا: الجواب على الملاحظة الأولى: لا شك أن هذه الصحوة صاحَبَها ولله الحمد حب اتباع السنة والحرص عليها، ولكن كما ذكرت صار ينتهج هذا المنهج قوم لم يبلغوا ما بلغ أهل العلم من قبلهم في التحري والدقة، وربط الشريعة بعضها بعض، وتقييد مطلقها وتخصيص عامها والرجوع إلى القواعد العامة المعروفة بالشريعة، فصاروا يلتقطون من كل وجه حتى في الأحاديث الضعيفة التي لا يعمل بها عند أهل العلم لشذوذها ومخالفتها لما في الكتب المعتمدة بين الأمة. تجدهم يتلقفونها ويحتدون فيها وفي العلم بها وفي الإنكار على من خلافها، وكذلك أيضًا تجدهم قد بلغ ببعضهم العجب إلى أن صاروا يعترضون على الصحيحين أو أحدهما من الناحية الحديثية، ويعترضون على الأئمة من الناحية الفقهية، الأئمة الذين أجمعت الأمة على إمامتهم وحسن نيتهم وعلمهم، فتجد هؤلاء الذين لم يبلغوا ما بلغه من سبقهم يتعرضون لهؤلاء الأئمة ويحطون من قدرهم وهذه وصمة عظيمة لهذه الصحوة، والواجب على الإنسان أن يتريث، وأن يتعقل وأن يعرف لذوي الحق حقهم ولذوي الفضل فضلهم، وإنما يعرف الفضل من الناس أهله، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق. وأما الجواب على الملاحظة الثانية فنقول: هذا أيضًا من البلاء، ولعل في جوابي السابق ما يدل عليه؛ لأن مذهب الظاهرية كما هو معروف مذهب يأخذ بالظاهر ولا يرجع إلى القواعد العامة النافعة، ولو إننا ذهبنا نتتبع من أقوالهم ما يتبين به فساد منهجهم أو بعض منهجهم لوجدنا الكثير، ولكننا لا نحب أن نتتبع عورة الناس . والجواب على الملاحظة الثالثة: فلا شك أن الأولى بطالب العلم أن يبدأ أولًا بكتاب الله ـ عز وجل ـ فإن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا لا يتعلمون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ثم بالسنة النبوية، ولا يقتصرون على معرفة الأسانيد والرجال والعلل إنما يحرصون على مسألة فقه هذه السنة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: الجواب على الملاحظة الرابعة: يجب أن يعلم الإنسان المفتي، أنه سفير بين الله وبين خلقه، ووارث لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلابد أن يكون عنده علم راسخ يستطيع به أن يفتي عباد الله، ولا يجوز للإنسان أن يتصدر للفتوى والتدريس وليس معه علم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر"أن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلَّوا وأضلُّوا" والحمد لله، الإنسان الذي يريد الخير ولكنه يأتي حتى يدركه وينشره فإنه إن فسح له الأجل حتى أدرك ما أراد فهذا هو مطلوبه، وإن لم يفسح له في الأجل وقضى الله عليه الموت، فإنه كالذي يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله . وكم من إنسان تعجل في التدريس والفتيا فندم؛ لأنه تبين له أن ما كان يقرره في تدريسه أو يفتي به في فتواه كان خطأ، والكلمة إذا خرجت من فم صاحبها ملكته، وإذا كانت عنده ملكها. فليحذر الأخوة الذين هم في ريعان طلب العلم من التعجل وليتأنوا حتى تكون فتواهم مبينة على أسس سليمة، وليس العلم كالمال يتطلب الإنسان فيه الزبائن ليدرك من يبيع بل يدرك من يشتري منه، بل العلم إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيجب على الإنسان أن يكون مستشعرًا حين الفتوى شيئين: الأول: أنه يقول عن الله ـ عز وجل ـ وعن شريعة الله . الثاني: أنه يقول عن رسوله الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن العلماء ورثة الأنبياء. * * * 81ـ وسئل ـ غفر الله له ـ عن أقسام الناس في طلب علم الكتاب والسنة الصحيحة؟ فأجاب فضيلته بقوله: انقسم الناس في طلب علم الكتاب والسنة إلى أربعة أقسام: القسم الأولى من تجده معرضًا عن الكتاب والسنة، مكبًّا على الكتب الفقهية المذهبية يعمل بما فيها مطلقًا، ولا يرجع إلا إلى ما قاله فلان وفلان من أصحاب الكتب المذهبية. القسم الثاني: من أكب على علوم القرآن، مثل علم التجويد أو ما يتصل بمعناه أو إعرابه وبلاغته، وأما بالنسبة للسنة وعلم الحديث فهو قليل البضاعة فيها وهذا قصور كبين بلا شك. القسم الثالث: من تجده مكبًّا على علم الحديث وعلم تحقيق الأسانيد وما فيها من علل وما يتعلق بالحديث من حيث القبول أو الرد؛ ولكنه في علوم القرآن ضعيف جدًّا، فلو سألته عن تفسير أوضح آية في كتاب الله فلا يعرف تفسيرها، وكذلك في علم التوحيد وال عقيدة ولو سُئِلَ لم يعرف، وهذا قصور كبير بلا شك . القسم الرابع: من كان حريصًا على الجمع بين الكتاب والسنة الصحيحة، وما كان عليه سلف الأمة مما يتعلق بعلم الكتاب والسنة، ومع ذلك ليس معرضًا عما قاله أهل العلم في كتبهم بل هو يقيم له وزنًا ويستعين به على فهم كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ لأن العلماء ـ رحمهم الله ـ وضعوا قواعد وضوابط وأصولًا ينتفع بها طالب العلم، حتى المفسر في تفسير القرآن وحتى طالب السنة في معرفة السنة أو في شرح معانيها فيكون مركزًا على الكتاب والسنة ومستعينًا بما قاله أهل العلم في كتبهم وهذا هو خير الأقسام . ولننظر هل نحن طبقنا سير العلم على هذه الطريقة الأخيرة أو أننا من القسم الأول أو الثاني أو الثالث . فإذا كان غير القسم الأخير فإنه يجب أن نصحح طريقنا؛ لأن الله يقول في كتابه: * * * 82ـ سئل ـ غفر الله له ـ: ما قول فضيلتكم في بعض الطلاب الذين يدرسون من أجل الوظيفة والراتب، وكذلك ما يفعله البعض من استئجار من يكتب لهم البحوث، أو يعد لهم الرسائل، أو يحقق بعض الكتب فيحصلون به على شهادات علمية؟ فأجاب فضيلته بقوله: يجب على طلبة العلم إخلاص النية لله ـ عز وجل ـ وأن يعتقد أنه ما قرأ حرفًا ولا كلمة، ولا أتم صفحة في العلم الشرعي إلا وهو يقربه إلى الله ـ عز وجل ـ ولكن كيف يمكن أن ينوي التقرب إلى الله بطلب العلم؟ الجواب: يمكن ذلك، لأن الله أمر به، والله إذا أمر بشيء ففعله الإنسان امتثالًا لأمر الله، فتلك عبادة الله؛ لأن عبادة الله هي امتثال أمره، واجتناب نهيه، وطلب مرضاته، واتقاء عقوبته. ومن إخلاص النية في طلب العلم أن ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره من الأمة، وعلامة ذلك أن الرجل تجده بعد طلب العلم متأثرًا بما طلب، متغيرًا في سلوكه ومنهاجه، وتجده حريصًا على نفع غيره، وهذا يدل على أن نيته في طلب العلم رفع الجهل عنه وعن غيره فيكون قدوة، صالحًا مصلحًا، وهذا ما كان عليه السلف الصالح، أما ما عليه الخلف اليوم فيختلف كثيرًا عن ذلك، فتجد الأعداد الكبيرة من الطلاب في الجامعات والمعاهد، منهم من نيته لا تنفعه في الدنيا والآخرة، بل تضره، فهو ينوي أن يصل إلى الشهادة لكي يتوصل بها إلى الدنيا فقط، وقد جاء التحذير من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال:"من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" أي ريحها ـ . وهذا خطر عظيم، فعلم شرعي تجعله وسيلة إلى عرض الدنيا، هذا قلب للحقائق، والطالب إذا أخلص النية جاءته الدنيا تبعًا ولن يفوته شيء وسيخرج هو ومن يريد الشهادة للدنيا على حد سواء، بل المخلص أكثر تحصيلًا للعلم وأبلغ رسوخًا فيه. وإن مما يؤسف له ـ كما ذكر السائل ـ أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثًا أو رسائل يحصلون على شهادات علمية، أو من يحقق بعض الكتب فيقول لشخص حضر لي تراجم هؤلاء وراجع البحث الفلاني، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة ومخالف للواقع، وأرى أنه نوع من الخيانة؛ لأنه لابد أن يكون المقصود من ذلك الشهادة فقط فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يجب. لهذا أحذر إخواني الذين يحققون الكتب أو الذين يحضّرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة، وأقول إنه لا بأس من الاستعانة بالغير ولكن ليس على وجه أن تكون الرسالة كلها من صنع غيره، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، إنه سميع مجيب . * * * 83ـ سئل فضيلة الشيخ ـ رعاه الله تعالى ـ: هل العلوم كالطب والهندسة من التفقه في دين الله؟ فأجاب فضيلته بقوله: ليست هذه العلوم من التفقه في دين الله؛ لأن الإنسان لا يدرس فيها الكتاب ولا السنة، لكنها من الأمور التي يحتاجها المسلمون، ولهذا قال بعض أهل العلم: عن تعلم الصناعات والطب والهندسة والجيولوجيا وما أشبه ذلك من فروض الكفايات، لا لأنها من العلوم الشرعية، ولكنها لأنها لا تتم مصالح الأمة إلا بها، ولهذا أنبه الإخوان الذين يدرسون مثل هذه العلوم أن يكون قصدهم بتعلم هذه العلوم نفع إخوانهم المسلمين ورفع أمتهم الإسلامية. الأمة الإسلامية الآن ملايين لو أنها استغلت مثل هذه العلوم فيما ينفع المسلمين لكان في ذلك خير كثير، ولا ما احتجنا إلى الكفار في تحصيل كمالياتنا بل وفي تحصيل ضرورياتنا أحيانًا، فهذه العلوم إذا قصد بها الإنسان القيام بمصالح العباد صارت مما يقرب إلى الله لا لذاتها ولكن لما قُصد بها، أما أنها فقه في الدين فليست فقهًا في الدين؛ لأن الفقه في الدين هو الفقه في أحكام الله تعالى الشرعية والقدرية، والفقه في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته. * * * 84ـ سئل فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ: بِمَ يكون الإخلاص في طلب العلم؟ فأجاب فضيلته بقوله: الإخلاص في طلب العلم يكون بأمور: الأمر الأول: أن تنوي بذلك امتثال أمر الله؛ لأن الله أمر بذلك فقال الأمر الثاني: أن تنوي بذلك حفظ شريعة الله؛ لأن حفظ شريعة الله يكون بالتعلم والحفظ في الصدر ويكون كذلك بالكتابة. الأمر الثالث: أن تنوي حماية الشريعة والدفاع عنها؛ لأنه لولا العلماء ما حُميت الشريعة ولا دافع عنها أحد، ولهذا نجد مثلًا شيخ الإسلام أبن تيمية وغيره من أهل العلم تصدوا لأهل البدع وبينوا بطلان بدعهم، نرى أنهم حصلوا على خير كثير. الأمر الرابع: أن تنوي بذلك اتباع شريعة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ لأنك لا يمكن أن تتبع شريعته حتى تعلم هذه الشريعة. الأمر الخامس: أن تنوي بذلك رفع الجهل عن نفسك وعن غيرك. * * * 85ـ سئل فضيلة الشيخ ـ رعاه الله تعالى ـ: يقول بعض الناس: إن إخلاص النية في عصرنا الحاضر صعب أو قد يكون مستحيلًا؛ لأن الذين يطلبون العلم ولا سيما الطلب النظامي يطلبون العلم لنيل الشهادة فحسب؟ فأجاب فضيلته بقوله: نقول: إذا كنت تطلب العلم لنيل الشهادة، فإن كنت تريد من هذه الشهادة أن ترتقي مرتقى دنيويًّا فالنية فاسدة، أما إذا كنت تريد أن ترتقي إلى مرتقى تنفع الناس به لأنك تعرف اليوم أنه لا يمكَّن الإنسان من ارتقاء المناصب العالية النافعة للأمة إلا إذا كان معه شهادة، فإذا قصدت بهذه الشهادة أن تنال ما تنفع الناس به فهذه نية طيبة لا تنافي الإخلاص. * * *
86ـ وسئل فضيلة الشيخ: ما نصيحة فضيلتكم حول العمل بالعلم؟ فأجاب فضيلته بقوله: لابد من العمل بالعلم، لأن ثمرة العلم العمل؛ لأنه إذا لم يعمل بعلمه صار من أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة كما قيل: فإذا لم يعمل بعلمه أورث الفشل في العلم وعدم البركة ونسيان العلم، لقول الله تعالى * * * 87ـ سئل الشيخ ـ وفقه الله تعالى: ما الأمور التي جب توافرها فيمن يتلقى عنه العلم؟ فأجاب فضيلته بقوله: لابد أن يُطلب العلم على شيخ متقن ذي أمانة؛ لأن الإتقان قوة، والقوة لابد معها من أمانة، قال الله تعالى الأول:قصر المدة. الثاني: قلة التكلفة. الثالث: أن ذلك أحرى بالصواب. لأن هذا الشيخ قد علم وتعلم ورجح وفهم فيعطيك الشيء ناضجًا، لكنه يمرنك على المطالعة والمراجعة إذا كان عنده شيء من الأمانة، أما من اعتمد على الكتب فلابد أن يكرس جهوده ليلًا ونهارًا، ثم إذا طالع الكتب التي يقارن فيها بين أقوال العلماء فسيقت أدلة هؤلاء وسيقت أدلة هؤلاء من يدله على أن هذا أصوب؟ يبقى متحيرًا، ولهذا نرى أن ابن القيم حينما يناقش قولين لأهل العلم سواء في زاد المعاد أو أعلام الموقعين إذا ساق أدلة القول الأول وعلله نقول هذا هو القول الصواب ولا يجوز العدول عنه بأي حال من الأحوال ثم ينقضه ويأتي بالقول المقابل ويذكر أدلته وعلله فتقول هذا هو القول الصواب، فيحصل عندك من الإشكال والتردد، فلابد أن تكون قراءتك على شيخ متقن أمين . * * * 88ـ وسئل فضيلة الشيخ: بعض المبتدئين يبدأون في القراءة من كتاب المحلي لابن حزم بحجة التمرن على المناظرة وحينما تنصحهم بأن هذا سابق لأوانه فيقولون نريد التمرن فهل هذا صحيح؟ فأجاب فضيلته بقوله: مناظرة ابن حزم ـ رحمه الله ـ مناظرة صعبة، يشدد على خصمه، ويحصل منه أحيانًا سبّ لمخالفه، فهو ـ رحمه الله ـ كان شديدًا جدًا، وأخشى أن يكون طالب العلم الصغير إذا تعود على مثل ما كان عليه ابن حزم أخشى عليه من المماراة، فلو أنه سلاك مسلكًا سهلًا لكان أحسن، وإذا حصل على قدر كبير من العلم ـ إن شاء الله ـ وعرف كيف يستفيد من ابن حزم فليطالع في كتابه، لذلك لا أنصح بمطالعته للطالب المبتدئ، لكن التمرن على المجادلة لإثبات الحق أمر لابد منه، فكثير من الناس عنده علم واسع لكنه عند المجادلة لا يستطيع إثبات الحق. * * * 89ـ سئل فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ: إذا أراد طالب العلم الفقه فهل له الاستغناء عن أصول الفقه؟ فأجاب فضيلته بقوله: إذا أراد طالب العلم أن يكون عالمًا في الفقه فلابد أن يجمع بين الفقه وأصول الفقه ليكون متبحرًا متخصصًا فيه، وإلا فيمكن أن تعرف الفقه بدون علم الأصول، ولكن لا يمكن أن تعرف أصول الفقه، وتكون فقيهًا بدون علم الفقه، أي أنه يمكن أن يستغني الفقيه عن أصول الفقه ولا يمكن أن يستغني الأصولي عن الفقه إذا كان يريد الفقه، ولهذا اختلف علماء الأصول هل الأولى لطالب العلم أن يبدأ بأصول الفقه حتى يبني الفقه عليها، أو بالفقه لدعاء الحاجة إليه، حيث إن الإنسان يحتاج إليه في عمله، في عبادته ومعاملاته قبل أن يتقن أصول الفقه، والثاني هو الأولى وهو المتبع غالبًا. * * * 90ـ وسئل فضيلة الشيخ ـ أعلى الله درجته في المهديين: بعض طلبة العلم يأتي إلى مسألة من مسائل العلم فيبحثها ويحققها بأدلتها ومناقشتها مع العلماء، فإذا حضر مجلس عالم يشار إليه بالبنان، قال: ما تقول أحسن الله إليك في كذا وكذا، قال: هذا حرام مثلًا، قال: كيف؟ بم تجيب عن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذا؟ عن قول فلان كذا؟ ثم أتى بأدلة لا يعرفها العالم؛ لأن العلام ليس محيطًا بكل شيء حتى يُظهر نفسه أنه أعلم من هذا العالم فما رأي فضيلتكم؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسألة تقع كثيرًا يأتي الإنسان يكون باحثًا المسألة بحثًا دقيقًا جيدًا ثم يباغت العلماء بمثل هذا، وعلى الإنسان أن يكون سؤاله لطلب العلم ومعرفة الحق لا ليظهر علمه وضعف علم غيره . والحاصل أن الإنسان يجب أن يكون متأدبًا مع من هو أكبر منه، وإذا حصل خطأ ممن هو أكبر، فالخطأ يجب أن يُبين بحال لبقة أو ينتظر حتى يخرج مع هذا العالم ويكلمه بأدب، والعالم الذي يتقي الله إذا بان له الحق فإنه سوف يرجع إليه، وسوف يبين للناس أنه رجع عن قوله. * * * 91ـ وسئل فضيلة الشيخ: ما توجيهكم حول استغلال الوقت وحفظه من الضياع؟ فأجاب فضيلته قائلًا: ينبغي لطالب العلم أن يحفظ وقته عن الضياع، وضياع الوقت يكون على وجوه: الوجه الأول: أن يدع المذاكرة ومراجعة ما قرأ. الوجه الثاني:أن يجلس إلى أصدقائه ويتحدث بحديث لغو ليس فيه فائدة. الوجه الثالث: وهو أضرها على طالب العلم ألا يكون له هم إلا تتبع أقوال الناس وما قيل وما قال، وما حصل وما يحصل في أمر ليس معنيًّا به، وهذا لا شك أنه من ضعف الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: * * * 92ـ وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز لطالب العلم إذا كان في مجلس عامة أن يقول لهم من عنده مسألة أو مشكلة فليطرحها حتى أجيب عليها وتحصل الفائدة؟ فأجاب فضيلته بقوله: يجوز عرض العالم على المتعلم وعامة الناس أن يسألوا عما بدا لهم ولا يعد ذلك إعجابًا من العالم بنفسه، لأنه قد يقول قائل: لماذا يقول اسأل عما بدالك، هذا تعظيم لنفسه، وكبر منه؟ نقول: ليس هذا المراد بل المراد نشر العلم، والإنسان لا يعلم عما في قلب أخيه حتى يحدثه به، لذلك لا يقال هذا الفعل خطأ مادام الإنسان ليس قصده الإعجاب بالنفس وإنما قصده بث العلم فلا حرج في ذلك. * * * 93ـ وسئل فضيلة الشيخ: هل تعتبر أشرطة التسجيل طريقة من طرق العلم؟ وما هي الطريقة المثلى للاستفادة منها؟ فأجاب فضيلته بقوله: أما كون هذه الأشرطة وسيلة من وسائل تحصيل العلم فهذا لا يَشُكُّ فيه أحد، ولا نجحد نعمة الله علينا في هذه الأشرطة التي استفدنا كثيرًا من العلم بها؛ لأنها توصّل إلينا أقوال العلماء في أي مكان كنا. ونحن في بيوتنا قد يكون بيننا وبين هذا العالم مفاوز ويسهل علينا أن نسمع كلامه من خلال هذا الشريط. وهذه من نعم الله ـ عز وجل ـ علينا، وهي في الحقيقة حجة لنا وعلينا، فإن العلم انتشر انتشارًا واسعًا بواسطة هذه الأشرطة. وأما كيف يستفاد منها؟ فهذا يرجع إلى حال الإنسان نفسه، فمن الناس من يستطيع أن يستفيد منها، وهو يقود السيارة، ومنهم من يستمع إليه أثناء تناوله لطعام الغداء أو العشاء أو القهوة. المهم أن كيفية الاستفادة منها ترجع إلى كل شخص بنفسه، ولا يمكن أن نقول فيها ضابطًا عامًا. * * * 94ـ سئل فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ: أيهما أفضل: قيام الليل، أم طلب العلم؟ فأجاب فضيلته بقوله: طلب العلم أفضل م قيام الليل؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد:" لا يعدله شيء لمن صحت نيته ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره". فإذا كان الإنسان يسهر في أول الليل لطلب العلم ابتغاء وجه الله سواء كان يُدرسه ويعلمه الناس فإنه خير من قيام الليل، وإن أمكنه أن يجمع بين الأمرين فهو أولى لكن إذا تزاحم الأمران فطلب العلم الشرعي أفضل وأولى، ولهذا أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا هريرة: * * * 95ـ سئل فضيلة الشيخ: هل من توجيه إلى طلبة العلم حتى يكونوا دعاة؟ حيث إنهم يحتجون بطلب العلم وأنه يشغلهم عن الدعوة؟ فأجاب فضيلته بقوله: الدعوة التي تكون دون طلب العلم لا خير فيها، بمعنى أنها تفوِّت خيرًا كثيرًا، والواجب على طالب العلم أن يطلب العلم مع الدعوة إلى الله. ما المانع لطالب العلم إذا رأى شخصًا معرضًا بالمسجد الذي يطلب فيه العلم أن يدعوه إلى الله ـ عز وجل ـ؟ ما المانع إذا خرج إلى السوق ليقضي حوائجه أن يدعو إلى الله ـ عز وجل في السوق إذا رأى معرضًا عن دين الله؟ ما المانع إذا كان بالمدرسة ورأى من الطلبة من هو معرض أن يدعوه إلى الله عز وجل ـ ويأخذ بيده . لكن المشكلة أن الإنسان إذا رأى مخالفًا له بمعصية أو ترك أمر كرهه واشمأز منه، وأبعد عنه، ويئس من إصلاحه والله ـ سبحانه وتعالى ـ بين لنا أن نصبر، وأن نحتسب. قال الله لنبيه * * * 96ـ سئل فضيلة الشيخ ـ رعاه الله تعالى ـ: إذا اجتهد العالم في مسألة من المسائل ولم يصب الحكم الصحيح فبم يحكم عليه؟ فأجاب فضيلته قائلًا: العالم إذا اجتهد في مسألة من المسائل قد يصيب وقد يخطئ لما ثبت من حديث بريدة ـ رضي الله عنه ـ: وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الجواب: قيل: كل مجتهد مصيب، وقيل: ليس كل مجتهد مصيبًا. وقيل: كل مجتهد مصيب في الفروع دون الأصول، حذرًا من أن نصوب أهل البدع في باب الأصول. والصحيح: أن كل مجتهد مصيب من حيث اجتهاده، أما من حيث موافقته للحق؛ فإنه يخطئ ويصيب، ويدل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: على أن شيخ الإسلام ابن تيمية وبان القيم أنكرا تقسيم الدين إلى أصول وفروع، وقالا: إن هذا التقسيم محدث بعد عصر الصحابة، ولهذا نجد القائلين بهذا التقسيم يلحقون شيئًا من أكبر أصول الدين بالفروع، مثل الصلاة، وهي ركن من أركان الإسلام ويخرجون أشياء في العقيدة اختلف فيها السلف، يقولون: إنها من الفروع؛ لأنها ليست من العقيدة، ولكن فرع من فروعها، ونحن نقول: إن أردتم بالأصول ما كان عقيدة؛ فكل الدين أصول؛ لأن العبادات المالية أو البدنية لا يمكن أن تتعبد لله بها إلا أن تعتقد أنها مشروع'؛ فهذا عقيدة سابقة على العمل، ولو لم تعتقد ذلك لم يصح تعبدك لله بها. والصحيح: أن باب الاجتهاد مفتوح فيما سمي بالأصول أو الفروع، لكن ما خرج عن منهج السلف فليس بمقبول مطلقًا. * * * 97- سئل فضيلة الشيخ ـ أعلى الله درجته في المهديين ـ: عمن يقول بعدم الاجتهاد وخلو هذا العصر من المجتهدين؟ فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن باب الاجتهاد باق بدليل السنة كما في حديث عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لذلك قول من يقول: بعدم الاجتهاد وخلو هذا العصر من المجتهدين، قول ضعيف ويترتب عليه الإعراض عن الكتاب والسنة إلى آراء الرجال، وهذا خطأ، بل الواجب على من تمكن من أخذ الحكم من الكتاب والسنة أن يأخذ منها، لكن لكثرة السنن وتفرقها لا ينبغي للإنسان أن يحكم بشيء بمجرد أن يسمع حديثًا في هذا الحكم حتى يتثبت؛ لأن هذا الحكم قد يكون منسوخًا أو مقيدًا أو عامًّا وأنت تظنه بخلاف ذلك. وأما أن نقول لا تنظر في القرآن والسنة؛ لأنك لست أهلًا للاجتهاد، فهذا غير صحيح، ثم إنه على قولنا:أن باب الاجتهاد مفتوح؛ لا يجوز أبدًا أن تحتقر آراء العلماء السابقين، أو أن تنزل من قدرهم؛ لأن أولئك تعبوا واجتهدوا وليسوا بمعصومين، فكونك تقدح فيهم، أو تأخذ المسائل التي يلقونها على أنها نكت تعرضها أمام الناس ليسخروا بهم فهذا أيضًا لا يجوز، وإذا كانت غيبة الإنسان العادي محرمة، فكيف بغيبة أهل العلم الذين أفنوا أعمارهم في استخراج المسائل من أدلتها، ثم يأتي في آخر الزمان من يقول: إن هؤلاء لا يعرفون، وهؤلاء يفرضون المحال، ويقولون: كذا وكذا. مع أن أهل العلم فيما يفرضونه من المسائل النادرة قد لا يقصدون الوقوع، ولكن يقصدون تمرين الطالب على تطبيق المسائل على قواعدها وأصولها. * * * 98ـ سئل الشيخ ـ غفر الله له ـ: ما قولكم فيما يحصل م البعض من قدح في الحافظين النووي وابن حجر وأنهما من أهل البدع؟ وهل الخطأ من العلماء في العقيدة ولو كان عن اجتهاد وتأويل يلحق صاحبه بالطوائف المبتدعة؟ وهل هناك فرق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية؟ فأجاب فضيلته بقوله: إن الشيخين الحافظين(النووي ابن حجر) لهما قدم صدق ونفع كبير في الأمة الإسلامية ولئن وقع منهما خطأ في تأويل بعض نصوص الصفات إنه لمغمور بما لهما من الفضائل والمنافع الجمة ولا نظن أن ما وقع منهما إلا صادر عن اجتهاد وتأويل سائغ ـ ولو في رأيهما وأرجو الله تعالى أن يكون من الخطأ المغفور وأن يكون ما قدماه من الخير والنفع من السعي المشكور وأن يصدق عليهما قول الله تعالى: وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفًا لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعًا فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيًّا فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفي على وجه الإطلاق، بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم، كا قال أهل السنة في الفاسق: إنه مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق بما معه م العصيان، فلا يعطي الوصف المطلق ولا ينفى عنه مطلق الوصف، وهذا هو العدل الذي أمر الله به، إلا أن يصل المبتدع إلى حد يخرجه من الملة فإنه لا كرامة له في هذه الحال . وأما الفرق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية: فلا أعلم أصلًا للتفريق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية لكن لما كان السلف مجمعين فيما نعلم على الإيمان في الأمور العلمية الحيوية والخلاف فيها إنما هو في فروع من أصولها لا في أصولها كان المخالف فيها أقل عددًا وأعظم لومًا. وقد اختلف السلف في شيء من فروع أصولها كاختلافهم، هل رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه في اليقظة واختلافهم في اسم الملكين اللذين يسألان الميت في قبره، واختلافهم في الذي يوضع في الميزان أهو الأعمال أم صحائف الأعمال أم العامل؟ واختلافهم هل يكون عذاب القبر على البدن وحده دون الروح؟ واختلافهم هل يسأل الأطفال وغير المكلفين في قبورهم؟ واختلافهم هل الأمم السابقة يسألون في قبورهم كما تسأل هذه الأمة؟ واختلافهم في صفة الصراط المنصوب على جهنم؟ واختلافهم هل النار تفنى أو مؤبدة، وأشياء أخرى وإن كان الحق مع الجمهور في هذه المسائل، والخلاف فيها ضعيف. وكذلك يكون في الأمور العملية خلاف يكون قويًّا تارة وضعيفًا تارة. وبهذا تعرف أهمية الدعاء المأثور: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. * * * 99ـ سئل فضيلة الشيخ ـ أعلى الله درجته ـ عما يحصل من اختلاف الفتيا من عالم لآخر في موضوع واحد. ما مرد ذلك؟ وما موقف متلقي الفتيا؟ فأجاب ـ حفظه الله تعالى ـ بقوله: مرد ذلك إلى شيئين: الأول: العلم. فقد يكون أحد المفتين ليس عنده من العلم ما عند المفتي الآخر، فيكون المفتي الآخر أوسع اطلاعًا منه، يطلع على ما لم يطلع عليه الآخر. والثاني: الفهم، فإن الناس يختلفون في الفهم اختلافًا كثيرًا قد يكونون في العلم سواء، ولكن يختلفون في الفهم، فيعطي الله تعالى هذا فهمًا واسعًا ثاقبًا؛ يفهم مما علم أكثر مما فهمه الآخر، وحينئذ يكون الأكثر علمًا والأقوى فهمًا أقرب إلى الصواب من الآخر. أما بالنسبة للمستفتي فإنه إذا اختلف عليه عالمان مفتيان فإنه يتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب، إما لعلمه، وإما لورعه ودينه، كما أنه لو كان الإنسان مريضًا واختلف عليه طبيبان فإنه سوف يأخذ بقول من يرى أنه أقرب إلى الصواب فإنه تساوى عنده الأمران ولم يرجح أحد المفتين على الآخر فإنه يخير إن شاء أخذ بهذا وإن شاء أخذ بهذا وما اطمأنت إليه نفسه أكثر فليأخذ به. * * * 100ـ سئل فضيلة الشيخ: ما قولكم فيمن يتخذ من أخطأ العلماء طريقًا للقدح فيهم ورميهم بالبهتان؟ وما النصيحة التي توجهها لطلبة العلم في ذلك؟ فأجاب فضيلته بقوله: العلماء ـ بلا شك ـ يخطئون ويصيبون وليس أحد منهم معصومًا، ولا ينبغي لنا بل ولا يجوز أن نتخذ خطئهم سلمًا للقدح فيهم، فإن هذه طبيعة البشر كلهم أن يخطئوا إذا لم يوفقوا للصواب، ولكن علنيا إذا سمعنا عن عالم أو عن داعية من الدعاة أ, عن إمام من أئمة المساجد إذا سمعنا خطأ أن نتصل به، حتى يتبين لنا لأنه قد يحصل في ذلك خطأ في النقل عنه، أو خطأ في الفهم لما يقول، أو سوء قصد في تشويه سمعة الذي نقل عنه هذا الشيء، وعلى كل حال فمن سمع منكم عن عالم أو عن داعية أو عن إمام مسجد أو أي إنسان له ولاية، من سمع منه ما لا ينبغي أن يكون، فعليه أن يتصل به وأن يسأله: هل وقع ذلك منه أم لم يقع، ثم إذا كان قد وقع فليبين له ما يرى أنه خطأ، فإما أن يكون قد أخطأ فيرجع عن خطئه، وإما أن يكون هو المصيب، فيبين وجه قوله حتى تزول الفوضى التي قد نراها أحيانًا ولا سيما بين الشباب. وإن الواجب على الشباب وعلى غيرهم إذا سمعوا مثل ذلك أن يكفوا ألسنتهم وأن يسعوا بالنصح، والاتصال بمن نُقل عنه ما نُقل حتى يتبين الأمر، أما الكلام في المجالس ولا سيما في مجالس العامة أن يقال ما تقول في فلان؟ ما تقول في فلان الآخر الذي يتكلم ضد الآخرين؟ فهذا أمر لا ينبغي بثه إطلاقًا؛ لأنه يثير الفتنة والفوضى فيجب حفظ اللسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ: وأنصح طلبة العلم وغيرهم أن يتقوا الله وألا يجعلوا أعراض العلماء والأمراء مطية يركبونها كيف ما شاءوا، فإنه إذا كانت الغيبة في عامة الناس من كبائر الذنوب فهي في العلماء والأمراء أشد وأشد، حمانا الله وإياكم عما يغضبه، وحمانا عما فيه العدوان على إخواننا، إنه جواد كريم. 101ـ سئل فضيلة الشيخ ـ غفر الله له ـ: ما توجيهكم حول ما يحصل من البعض من التفرق والتحزب؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن التحزب والتفرق في دين الله منهي عنه محذر منه، لقوله تعالى: وليس من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلفائه الراشدين أن تتفرق الأمة أحزابًا لكل حزب أمير ومنهج، وأمير الأمة الإسلامية واحد، وأمير كل ناحية واحد، من قِبَل الأمير العام. وإنما أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باتخاذ أمير السفر؛ لأن المسافرين نازحون عن المدن والقرى التي فيها أمراء من قبل الأمير العام، وربما تحصل مشاكل لا تقبل التأخير إلى وصول هذه المدن والقرى، أو مشاكل صغيرة لا تحتمل الرفع إلى أمراء المدن والقرى؛ كالنزول في مكان والنزوح عنه وتسريح الرواحل وحبسها ونحو ذلك، فكان من الحكمة أن يؤمر المسافرون أحدهم لمثل هذه الحالات. ونصيحتي للأمة أن يتفقوا على دين الله ولا يتفرقوا فيه، وإذا رأوا من شخص أو طائفة خروجًا عن ذلك نصحوه وبيّنوا له الحق وحذروه من المخالفة وبينوا له أن الاجتماع على الحق أقرب إلى السداد والفلاح من التفرق. وإذا كان الخلاف عن اجتهاد سائغ فإن الواجب أن لا تتفرق القلوب وتختلف من أجل ذلك، فإن الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ حصل بينهم خلاف في الاجتهاد في عهد نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعده، ولم يحصل بينهم اختلاف في القلوب أو تفرق فليكن لنا فيهم أسوة، فإن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها. وفقنا الله إلى ما يحبه ويرضاه. * * * 102ـ سئل فضيلة الشيخ ـ وفقه الله تعالى ـ: ما الواجب على العامي ومن ليس له قدرة على طلب العلم؟ فأجاب فضيلته بقوله: يجب على من لا علم عنده ولا قدرة له على الاجتهاد أن يسأل أهل العلم؛ لقوله تعالى: وأما من له قدرة على الاجتهاد؛ كطالب العلم الذي أخذ بحظ وافر من العلم، فله أن يجتهد في الأدلة ويأخذ بما يرى أنه الصواب أو الأقرب للصواب. وأما العامي وطالب العلم المبتدئ، فيجتهد في تقليد من يرى أنه أقرب إلى الحق؛ لغزارة علمه وقوة دينه وورعه. * * * 103ـ سئل الشيخ ـ غفر الله له ـ: من الأصول التي يرجع إليها طالب العلم الشرعي أقوال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فهل هي حجة يُعمل بها؟ فأجاب بقوله: قول الصحابي أقرب إلى الصواب من غيره بلا ريب، وقوله حجة، بشرطين: أحدهما: أن لا يخالف نص كتاب الله تعالى أو سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والثاني: أن لا يخالفه صحابي آخر. فإن خالف الكتاب أو السنة فالحجة في الكتاب أو السنة، ويكون قوله من الخطأ المغفور. وإن خالف قول صحابي آخر طلب الترجيح بينهما، فمن كان قوله أرجح فهو أحق أن يتبع، وطرق الترجيح تعرف إما من حال الصحابي أو من قرب قوله إلى القواعد العامة في الشريعة أو نحو ذلك. ولكن هل هذا الحكم عام لجميع الصحابة أو خاص بالخلفاء الراشدين أو بأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهماـ . أما أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ فلا ريب أن قولهما حجة بالشريطين السابقين، وقولهما أرجح من غيرهما إذا خالفهما، وقول أبي بكر أرجح من قول عمر ـ رضي الله عنهما ـ. وقد روى الترمذي من حديث حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: وفي صحيح البخاري في باب الاقتداء بسنن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن عمر بن الخطاب قال: وأما بقية الخلفاء الراشدين، ففي السنن والمسند من حديث العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: وأما بقية الصحابة، فمن كان معروفًا بالعلم وطول الصحبة فقوله حجة، ومن لم يكن كذلك فمحل نظر، وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في أول كتابه(إعلام الموقعين): أن فتاوى الإمام مبينة على خمسة أصول، منها: فتاوى الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والعلماء مختلفون فيها، لكن الغالب واللازم أن يكون هناك دليل يرجح قوله أو يخالفه فيعمل بذلك الدليل. * * *
|