الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (89- 101): {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)}{سيقولون لله قل فأنى تسحرون} أي فأنّى تخدعون وتصرفون عن توحيده وطاعته وكيف يخيل لكم الحق باطلاً {بل أتيناهم بالحق} أي بالصدق {وإنهم لكاذبون} أي فيما يدعون من الشريك والولد {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله} أي من شريك {إذاً لذهب كل إله بما خلق} أي لانفرد كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه ولم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره ومنع كل إله الآخر عن الاستيلاء على ما خلقه هو {ولعلا بعضهم على بعض} أي طلب بعضه مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم وإذا كان كذلك فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء ويقدر على كل شيء ثم نزه نفسه تعالى فقال {سبحان الله عمّا يصفون} أي من إثبات الولد والشريك {عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} أي تعظم من أن يوصف بما لا يليق به. قوله عز وجل: {قل رب} أي يا رب {إما تريني ما يوعدون} أي ما وعدتهم من العذاب {رب} أي يا رب {فلا تجعلني في القوم الظالمين} أي تهلكني بهلاكهم {وإنا على أن نريك ما نعدهم} أي من العذاب {لقادرون ادفع بالتي هي أحسن} يعني بالخلة التي هي أحسن وهي الصفح والإعراض والصبر {السيئة} يعني أذاهم أمر بالصبر على أذى المشركين والكف عن المقاتلة ثم نسخها الله بآية السيف {نحن أعلم بما يصفون} أي يكذبون ويقولون من الشرك.قوله عز وجل: {وقل رب أعوذ بك} أي أمتنع وأعتصم بك {من همزات الشياطين} قال ابن عباس نزغاتهم وقيل وساوسهم وقيل نفخهم ونفثهم وقيل دفعهم بالإغواء إلى المعاصي {وأعوذ بك رب أن يحضرون} أي من شيء من أموري وإنما ذكر الحضور لأن الشيطان إذا حضره يوسوس له عن جبير بن مطعم أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال عمر ولا أدري أي صلاة هي قال: «الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً ثلاثاً وسبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه. قال نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة» أخرجه أبو داود وقد جاء تفسير هذه الألفاظ في متن الحديث وتزيده إيضاحاً قوله نفثه الشعر أي لأن الشعر تخرج من القلب فيلفظ به اللسان وينفثه كما ينفث الريق. قوله ونفخه الكبر وذلك أن المتكبر ينتفخ ويتعاظم ويجمع نفسه فيحتاج إلى أن ينفخ. وقوله وهمزه الموتة الموتة الجنون لأنه المجنون ينخسه الشيطان ثم أخبر الله عزّ وجلّ أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون} قيل المراد به الله وهو على عادة العرب فإنهم يخاطبون الواحد بلفظ الجمع على وجه التعظيم.وقيل هذا خطاب مع الملائكة الذي يقبضون روحه فعلى هذا يكون معناه أن استغاث بالله أولاً ثم رجع إلى مسألة الملائكة الرجوع إلى الدنيا. وقيل ذكر الرب للقسم فكأنه قال عند المعاينة بحق الله ارجعون {لعلي أعمل صالحاً فيما تركت} أي ضيعت وقيل تركت أي منعت وقيل خلفت من التركة أو المعنى أقول لا إله إلا الله وأعمل بطاعته فيدخل فيه الأعمال البدنية والمالية قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله فرحم الله أمراً عمل فيما تمناه الكافر إذ رأى العذاب {كلا} كلمة ردع وزجر أي لا يرجع إليها {إنها} يعني مسألته الرجعة {كلمة هو قائلها} أي لا ينالها {ومن ورائهم برزخ} أي من أمامهم ومن بين أيديهم حاجز {إلى يوم يبعثون} معناه أن بينهم وبين الرجعة حجاباً ومانعاً عن الرجوع وهو الموت وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة. قوله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم} قال ابن عباس إنها النفخة الأولى في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وعن ابن مسعود أنها النفخة الثانية قال: يؤخذ بيد العبد والأمَة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي منادٍ هذا فلان ابن فلان فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه فيأخذ منه ثم قرأ ابن مسعود {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} وفي رواية عن ابن عباس أنها النفخة الثانية فلا أنساب بينهم يعني لا يتفاخرون بالأنساب يومئذٍ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن أي قبيلة أنت ولم يرد أن الأنساب تنقطع. فإن قلت قد قال ها هنا ولا يتساءلون وقال في موضع آخر وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قلت قال ابن عباس إن للقيامة أحوالاً ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون..تفسير الآيات (102- 114): {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)}قوله عزّ وجلّ: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا} أي غبنوا {أنفسهم في جهنم خالدون تلفح} أي تسفح وقيل تحرق {وجوههم النار وهم فيها كالحون} أي عابسون وقد بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم كالرأس المشوي على النار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «وهم فيها كالحون قال تشويه النار فتنقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب. قوله تعالى: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} يعني قوارع القرآن وزواجره تخوفون بها {فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا} أي التي كتبت علينا فلم نهتد {وكنا قوماً ضالين} أي عن الهدى {ربنا أخرجنا منها} أي من النار {فإن عدنا} إي لما تكره {فإنا ظالمون قال اخسؤوا فيها} أي ابعدوا فيها كما يقال للكلب إذا طرد أخسأ {ولا تكلمون} أي في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم فعند ذلك إيس المساكين من الفرج.قال الحسن: هو آخر كلام يتكلم به أهل النار ثم لا يتكلمون بعد ذلك ما هو إلا الزفير والشهيق وعواء كعواء الكلاب لا يفهمون ولا يفهمون. وروي عن عبد الله بن عمرو «إن أهل جهنم يدعون مالكاً خازن جهنم أربعين عاماً يا مالك ليقض علينا ربك فلا يجيبهم ثم يقول إنكم ماكثون ثم ينادون ربهم ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيدعهم مثل عمر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون فيما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق». ذكره البغوي بغير سند وأخرجه الترمذي بمعناه عن أبي الدرداء قوله فما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة أي سكتوا ولم يتكلموا بكلمة وقيل إذا قال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون انقطع رجاؤهم وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض وأطبقت عليهم جهنم {إنه كان فريق من عبادي} يعني المؤمنين {يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخرياً} أي تسخرون منهم وتستهزئون بهم {حتى أنسوكم ذكري} اشتغالكم بالاستهزاء بهم ذكري {وكنتم منهم تضحكون} نزل في كفار قريش كانوا يستهزئون بالفقراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل بلال وعمار وصهيب وخباب ثم قال الله {إني جزيتهم اليوم بما صبروا} أي على أذاكم واستهزائكم في الدنيا {أنهم هم الفائزون} أي جزيتهم بصبرهم الفوز بالجنة {قال} يعني أن الله قال للكفار يوم البعث {كم لبثتم في الأرض} أي في الدنيا وفي القبور {عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} معناه أنهم نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب {فاسأل العادين} يعني الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم {قال إن لبثتم} أي ما لبثتم في الدينا {إلاّ قليلا} سماه قليلا لأن المرء وإن طال لبثه في الدنيا. فإنه يكون قليلا في جنب ما يلبث في الآخرة {لو أنكم كنتم تعلمون} يعني قدر لبثكم في الدنيا..تفسير الآيات (115- 118): {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)}قوله عزّ جلّ: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً} أي لعباً وباطلاً لا لحكمة وقيل العبث معناه لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب وإنما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل: {وأنكم إلينا لا ترجعون} أي في دار الآخرة للجزاء. روى البغوي بسنده عن الحسن: «أن رجلاً مصاباً مرّ به على ابن مسعود فرقاه في أذنه أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بماذا رقيت في أذنه فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأها على الجبل لزال» ثم نزه الله تعالى عمّا يصفه به المشركون فقال عز وجل: {فتعالى الله الملك الحق} أي هو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات {لا إله إلا هو رب العرش الكريم} أي الحسن وقيل الرفيع المرتفع وإنما خصّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به} يعني لا حجة ولا بينة له به إذ لا يمكن إقامة برهان ولا دليل على إلهية غير الله ولا حجة في دعوى الشرك {فإنما حسابه} أي جزاؤه {عند ربه} أي هو مجازيه بعلمه {إنه لا يفلح الكافرون} يعني لا يسعد من جحد وكذب {وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين}..سورة النور: .تفسير الآية رقم (1): {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)}قوله عز وجل: {سورة أنزلناها وفرضناها} أي أوجبنا ما فيها من الأحكام وألزمناكم العمل بها وقيل معناه قدرنا ما فيها من الحدود وقيل أوجبناها عليكم وعلى من بعدكم، إلى قيام الساعة {وأنزلنا فيها آيات بينات} أي واضحات {لعلكم تذكرون} يعني تتعظون..تفسير الآيات (2- 3): {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)}قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} الزنا هو من الكبائر وموجب للحد وهو إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعاً محرم شرعاً. والشروط المعتبرة في وجوب الحد العقل والبلوغ ويشترط الإحصان في الرجم ويجب على العبد والأمة نصف الحد ولا رجم عليهما لأنه لا يتنصف وقوله فاجلدوا أي فاضربوا يقال جلده إذا ضرب جلده ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم كل واحد منهما أي الزانية والزاني مائة جلدة. وقد وردت السنة بجلد مائة وتغريب عام وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة التغريب إلى رأي الإمام وقال مالك يجلد الرجل مائة جلدة ويغرب وتجلد المرأة ولا تغرب وإن كان الزاني محصناً فعليه الرحم {ولا تأخذكم بهما رأفة} أي رحمة ورقة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها. وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي الشعبي وقيل معنى الرأفة أن تحفظوا الضرب بل أوجعوهما ضرباً وهو قول سعيد بن المسيب والحسن. قال الزهري يجتهد في حد الزنا والفرية أي القذف ويخفف في حد الشرب وقيل يجتهد في حد الزنا ويخفف دون ذلك في حد الفرية دون ذلك في حد الشرب {في دين الله} أي في حكم الله. وروي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت فقال للجلاد اضرب ظهرها ورجليها فقال له ابنه ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله فقال يا بني إن الله لم يأمرني بقتلها وقد ضربت فأوجعت {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} معناه أن المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء أمر الله وقيل هو من باب التهييح، والتهاب التغضب لله تعالى ولدينه ومعناه إن كنتم تؤمنون فلا تتركوا إقامة الحدود {وليشهد} يعني وليحضر {عذابهما} أي حدهما إذا أقيم عليهما {طائفة} يعني نفر {من المؤمنين} قيل أقله رجل واحد فصاعداً وقيل رجلان وقيل ثلاثة وقيل أربعة بعدد شهود الزنا. قوله عز وجل: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها فقال قوم قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر وفي المدنية نساء بغايا هنّ أخصب أهل المدينة فرغب ناس من فقراء المسليمن في نكاحهن لينفقن عليهم فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فنزلت هذه الآية فحرم على المؤمنين أن يتزوجوا تلك البغايا لأنهنّ كن مشركات. وهذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والزهري والشعبي ورواية عن ابن عباس. وقال عكرمة نزلت في نساء كن بمكة والمدينة لهن رايات يعرفن بها منهن أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي.وكان في الجاهلية ينكح الزانية يتخذها مأكله فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الصفة فاستأذن رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول واشترطت له أن تنفق عليه فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان رجل يقال له مرثد بن مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة وكانت بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقة له في الجاهلية فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها. فقال مرثد إن الله حرم الزنا قالت فانكحني فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عناقاً؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد شيئاً فنزلت الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك فدعاني فقرأها علي وقال لا تنكحها» أخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود بألفاظ متقاربة المعنى فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصاً في حق أولئك دون سائر الناس. وقال قوم المراد من النكاح هو الجماع ومعنى الآية الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا تزني إلا بزانٍ أو مشرك. وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك ورواية عن ابن عباس قال يزيد بن هارون إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك وإن جامعها وهو محرم فهو زانٍ. وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول إذا تزوج الزاني الزانية فهما زانيان وقال سعيد بن المسيب وجماعة إن حكم الآية منسوخ وكان نكاح الزانية حراماً بهذه الآية ثم نسخت بقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} فدخلت الزانية في هذا العموم واحتج من جوز نكاح الزانية بما روي عن جابر: «أن رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس فقال طلقها قال إني أحبها وهي جميلة قال استمتع بها» وفي رواية غيره فأمسكها إذاً وروى هذا الحديث أبو داود والنسائي عن ابن عباس قال النسائي رفعه أحد الرواة إلى ابن عباس ولم يرفعه بعضهم قال وهذا الحديث ليس بثابت. وروي أنّ عمر بن الخطاب ضرب رجلاً وامرأة في زنا وحرص على أن يجمع بينهما فأبى الغلام وقيل في معنى الآية إن الفاجر الخبيث لا يرغب في نكاح الصالحة من النساء وإنما يرغب في نكاح فاجرة خبيثة مثله أو مشركة والفاسقة الخبيثة لا ترغب في نكاح الصلحاء من الرجال وإنما ترغب في نكاح فاسق خبيث مثلها أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين أي صرف الرغبة بالكلية إلى نكاح الزواني وترك الرغبة في الصالحات العفائف محرم على المؤمنين ولا يلزم من حرمة هذا حرمة التزوج بالزانية.
|