الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
وليس من شرط ولى الله أن يكون معصومًا لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفي عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين، حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به ومما نهى/ الله عنه، ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى وتكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته، ولا يعرف أنها من الشيطان وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى؛ فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، فقال تعالى: وقد ثبت في الصحيحين أن الله ـ سبحانه ـ استجاب هذا الدعاء وقال: قد فعلت، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لما نزلت هذه الآية وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله علية وسلم من حديث أبى هريرة وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعًا أنه قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر) فلم يؤثم المجتهد المخطئ، بل جعل له أجرًا على اجتهاده، وجعل خطأه مغفورًا له ولكن المجتهد المصيب له أجران فهو أفضل منه، ولهذا لما كان ولى الله يجوز أن يغلط لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو ولى لله لئلا يكون نبيًا، بل ولا يجوز لولى الله أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه إلا أن يكون موافقا للشرع وعلى ما يقع له مما يراه إلهاما ومحادثة وخطابا من الحق، بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد صلى الله علية وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف توقف فيه . والناس في الباب [ثلاثة أصناف] طرفان وسط. فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه ولى لله وافقه في كل ما يظن أنه حدث/ به قلبه عن ربه، وسلم إليه جميع ما يفعله، ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهدًا مخطئًا، وخيار الأمور أوساطها وهو ألا يجعل معصومًا ولا مأثومًا إذا كان مجتهدًا مخطئًا، فلا يتبع في كل ما يقوله، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده. والواجب على الناس اتباع مع بعث الله به رسوله، وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء، ووافق قول آخرين لم يكن لأحد أن يلزمه يقول المخالف ويقول: هذاخالف الشرع . وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال: (قد كان في الأمم قبلكم محدَّثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر منهم) وروى الترمذي وغيره عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال: (لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر) وفي حديث آخر: (إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه)، وفيه: (لو كان نبى بعدى لكان عمر)، وكان على بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ يقول: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. ثبت هذا عنه من رواية الشعبى. وقال ابن عمر: ما كان عمر يقول في شيء: إني لأراه كذا، إلا كان كما يقول. وعن قيس بن طارق قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسانه ملك. وكان عمر يقول: /اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون، فإنه تتجلى لهم أمور صادقة. وهذه الأمور الصادقة التى أخبر بها عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنها تتجلى للمطيعين هي الأمور التى يكشفها الله عز وجل لهم. فقد ثبت أن لأولياء الله مخاطبات ومكاشفات؛ فأفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد أبى بكر عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ فإن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. وقد ثبت في الصحيح تعيين عمر بأنه محدَّث في هذه الأمة، فأى محدث ومخاطب فرض في أمة محمد صلى الله علية وسلم فعمر أفضل منه، ومع هذا فكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يفعل ما هو الواجب عليه، فيعرض ما يقع له على ما جاء به الرسول صلى الله علية وسلم، فتارة يوافقه فيكون ذلك من فضائل عمر كما نزل القرآن بموافقته غيره مرة، وتارة يخالفه فيرجع عمر عن ذلك كما رجع يوم الحديبية لما كان قد رأى محاربة المشركين، والحديث معروف في البخارى وغيره، فإن النبي صلى الله علية وسلم قد اعتمر سنة ست من الهجرة ومعه المسلمون نحو ألف وأربعمائة وهم الذين بايعوه تحت الشجرة، وكان قد صالح المشركين بعد مراجعة جرت بينه وبينهم على أن يرجع في ذلك العام ويعتمر بعد العام القابل، وشرط لهم شروطًا فيها نوع غضاضة على المسلمين في / الظاهر، فشق ذلك على كثير من المسلمين، وكان الله ورسوله أعلم وأحكم بما في ذلك من المصلحة، وكان عمر فيمن كره ذلك حتى قال للنبى صلى الله علية وسلم: يا رسول الله، ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: (بلى) قال: أفليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال: (بلى) قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا ؟ ! فقال له النبي ،: (إنى رسول الله وهو ناصرى، ولست أعصيه) ثم قال: أفلم تكن تحدثنا أنا نأتى البيت ونطوف به ؟ قال: (بلى). قال: (أقلت لك. إنك تأتيه العام ؟) قال: لا، قال: (إنك آتيه ومطوف به) فذهب عمر إلى أبى بكر رضي الله عنهما فقال له مثل ما قال النبي صلى الله علية وسلم، فكان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ أكمل موافقة لله وللنبي صلى الله علية وسلم من عمر، وعمر ـ رضي الله عنه ـ رجع عن ذلك، وقال: فعملت لذلك أعمالًا. وكذلك لما مات النبي صلى الله علية وسلم أنكر عمر موته أولا، فلما قال أبو بكر: إنه مات رجع عمر عن ذلك . وكذلك في [قتال مانعي الزكاة] قال عمر لأبى بكر: كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم: (أمرت أن / أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها) فقال له أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ: ألم يقل: (إلا بحقها) ؟ ! فإن الزكاة من حقها، والله لو منعونى عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله علية وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبى بكر للقتال، فعلمت أنه الحق. ولهذا نظائر تبين تقدم أبى بكر على عمر، مع أن عمر ـ رضي الله عنه ـ مُحدَّث، فإن مرتبة الصديق فوق مرتبة المحدث؛ لأن الصديق يتلقى عن الرسول المعصوم كل ما يقوله ويفعله، والمحدث يأخذ عن قلبه أشياء، وقلبه ليس بمعصوم فيحتاج أن يعرضه على ما جاء به النبي صلى الله علية وسلم، ولهذا كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يشاور الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ويناظهرهم ويرجع إليهم في بعض الأمور، وينازعونه في أشياء فيحتج عليهم ويحتجون عليه بالكتاب والسنة، ويقررهم على منازعته، ولا يقول لهم: أنا محدث ملهم مخاطب فينبغى لكم أن تقبلوا منى ولا تعارضونى، فأى أحد ادعى أو ادعى له أصحابه أنه ولى لله وأنه مخاطب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله ولا يعارضوه، ويسلموا له حاله من غير اعتبار بالكتاب والسنة فهو وهم مخطئون، ومثل هذا من أضل الناس، فعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أفضل منه وهو / أمير المؤمنين، وكان المسلمون ينازعونه فيما يقوله، وهو وهم على الكتاب والسنة، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله علية وسلم. وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يجب لهم الإيمان بجميع ما يخبّرون به عن الله عز وجل وتجب طاعتهم فيما يأمرون به، بخلاف الأولياء فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به ولا الإيمان بجميع ما يخبرون به، بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله، وما خالف الكتاب والسنة كان مردودًا، وإن كان صاحبه من أولياء الله، وكان مجتهدًا معذورًا فيما قاله، له أجر على اجتهاده. لكنه إذا خالف الكتاب والسنة كان مخطئًا، وكان من الخطأ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى الله ما استطاع، فإن الله تعالى يقول: وقد ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ الإيمان بما جاءت به الأنبياء في غير موضع كقوله تعالى: وهذا الذي ذكرته من أن أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسنة، وأنه ليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة هو مما اتفق عليه أولياء الله عز وجل، من خالف في هذا فليس من أولياء الله ـ سبحانه ـ الذين أمر الله/ باتباعهم؛ بل إما أن يكون كافرًا، وإما أن يكون مفرطًا في الجهل . وهذا كثير في كلام المشايخ كقول الشيخ أبى سليمان الدارانى: إنه ليقع في قلبى النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين: الكتاب والسنة . وقال أبو القاسم الجنيد رحمة الله عليه: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا. أو قال: لا يقتدى به. وقال أبو عثمان النيسابورى: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولى لله، ويظن أن ولى الله يقبل منه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسنة فيوافق ذلك الشخص له، ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه، وبين أهل الجنة وأهل النار، وبين السعداء والأشقياء / فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين، وجنده المفلحين، وعباده الصالحين، ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين، فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولا إلى البدعة والضلال، وآخرًا إلى الكفر والنفاق، ويكون له نصيب من قوله تعالى: وهؤلاء مشابهون للنصارى الذين قال الله تعالى فيهم: قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ما بعث الله نبيًا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمتى الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه، وقد قال/ تعالى: وكل من خالف شيئًا مما جاء به الرسول مقلدًا في ذلك لمن يظن أنه ولى الله فإنه بنى أمره على أنه ولى لله، وإن ولى الله لا يخالف في شىء ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله كأكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك ؟! وتجد كثيرًا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليًا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها / أو يمشى على الماء أحيانًا، أو يملأ إبريقًا من الهواء، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب أو أن يختفي أحيانًا عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شىء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولى لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله علية وسلم وموافقته لأمره ونهيه . وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان قد يكون صاحبها وليًا لله فقد يكون عدوًا لله، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شىء من هذه الأمور أنه ولى لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التى دل عليها الكتاب والسنة ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة . مثال ذلك: أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ؛ ولا يصلى الصلوات المكتوبة، بل يكون/ ملابسًا للنجاسات معاشًا للكلاب، يأوى إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل، رائحته خبيثة، لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتنظف، وقد قال النبي صلى الله علية وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه جنب ولا كلب) وقال عن هذه الأخلية: (إن هذه الحشوش محتضرة) أى يحضرها الشيطان وقال: (من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم). وقال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا) وقال: (إن الله نظيف يحب النظافة) وقال: (خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور) وفي رواية: (الحية والعقرب). وأمر صلوات الله وسلامه عليه بقتل الكلب وقال: (من اعتنى كلبًا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعًا نقص من عمله كل يوم قيراط). وقال: (لا تصحب الملائكة رفقة معهم كلب) وقال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب). فإذا كان الشخص مباشرًا للنجاسات والخبائث التى يحبها الشيطان أو يأوى إلى الحمامات والحشوش التى تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير، وإذ أن الكلاب التى هي خبائث وفواسق أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التى يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه، ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوى إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوى إلى المقابر، ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغانى والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن، فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن. قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله ورسوله، وقال عثمان ابن عفان ـ رضي الله عنه ـ: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل، وقال ابن مسعود: الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البَقْل، والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل . /وإن كان الرجل خبيرًا بحقائق الإيمان الباطنة فارقًا بين الأحوال الرحمانية والأحوال الشيطانية، فيكون قد قذف الله في قلبه من نوره، كما قال تعالى: وقد تقدم الحديث الصحيح الذي في البخارى وغيره قال فيه: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التى يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شىء أنا فاعله ترددى في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه). فإذا كان العبد من هؤلاء فرق بين حال أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، كما يفرق الصيرفي بين الدرهم الجيد والدرهم الزيف، وكما يفرق من يعرف الخيل بين الفرس الجيد والفرس الردىء، وكما يفرق من يعرف / الفروسية بين الشجاع والجبان، وكما أنه يجب الفرق بين النبي الصادق وبين المتنبئ الكذاب، فيفرق بين محمد الصادق الأمين رسول رب العالمين وموسى والمسيح وغيرهم، وبين مسيلمة الكذاب، والأسود العنسى، وطليحة الأسدى، والحارث الدمشقى، وباباه الرومى، وغيرهم من الكذابين، وكذلك يفرق بين أولياء الله المتقين وأولياء الشيطان الضالين. و[الحقيقة]، حقيقة الدين ـ دين رب العالمين ـ هي ما اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، وإن كان لكل منهم شرعة ومنهاج. فـ [الشرعة] هي الشريعة، قال الله تعالى: و[المنهاج] هو الطريق، قال تعالى: /فالشرعة بمنزلة الشريعة للنهر، والمنهاج هو الطريق الذي سلك فيه والغاية المقصودة هي حقيقة الدين، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وهي حقيقة دين الإسلام، وهو أن يستسلم العبد لله رب العالمين، لا يستسلم لغيره، فمن استسلم له ولغيره كان مشركًا، والله: ودين الإسلام هو دين الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، وقوله تعالى: فنوح وإبراهيم ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى والحواريون كلهم دينهم الإسلام الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، قال الله تعالى عن نوح: فدين الأنبياء واحد وإن تنوعت شرائعهم، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله علية وسلم قال: (إنا معشر الأنبياء ديننا واحد) قال تعالى:
|