الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
.ومن باب من صلى لغير القبلة ثم علم: قلت: فيه من العلم أن ما مضى من صلاتهم كان جائزا ولولا جوازه لم يجز البناء عليه. وفيه دليل على أن كل شيء له أصل صحيح في التعبد ثم طرأ عليه الفساد قبل أن يعلم صاحبه به فإن الماضي منه صحيح، وذلك مثل أن يجد المصلي بثوبه نجاسة لم يكن علمها حتى صلى ركعة فإنه إذا رأى النجاسة ألقاها عن نفسه وبنى على ما مضى من صلاته. وكذلك هذا في المعاملات فلو وكل رجل رجلا فباع الوكيل واشترى ثم عزله بعد أيام فإن عقوده التي عقدها قبل بلوغ الخبر إليه صحيحة. وفيه دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد. .باب ومن أبواب الجمعة: قوله: مسيخة معناه مصغية يقال أصاخ وأساخ بمعنى واحد. قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله نا حسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عَن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا عليّ من الصلاة فإن صلاتكم معروضة عليّ قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال إن الله تعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء». قوله: «أرمت» معناه بليت وأصله أرممتَ أي صرت رميمًا فحذفوا إحدى الميمين وهي لغة لبعض العرب كما قالت ظلت أفعل كذا أي ظللت وكما قيل أحسْت بمعنى أحسست في نظائر لذلك، وقد غلط في هذا بعض من يفسر القرآن برأيه ولا يعبأ بقول أهل التفسير ولا يعرج عليهم لجهله، فقال إن قوله: {فظلتم تفكهون} من ظال يظال وهذا شيء اختلقه من قبل نفسه لم يسبق إليه. قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى، حَدَّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته أم عثمان قال: سمعت عليا رضي الله عنه على منبر الكوفة يقول إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالبرايث أو الربايث وذكر الحديث. قلت: البرايث ليس بشيء إنما هو الربائث وأصله من ربّثت الرجل عن حاجته إذا حبسته عنها، واحدتها ربيثة، وهي تجري مجرى العلة، والسبب الذي يعوقك عن وجهك الذي تتوجه إليه. وقوله يرمون الناس إنما هو يربثون الناس كذلك روي لنا في غير هذا الحديث. .ومن باب جمعة المملوك والمرأة: قلت: أجمع الفقهاء على أن النساء لا جمعة عليهن. فأما العبيد فقد اختلفوا فيهم فكان الحسن وقتادة يوجبان على العبد الجمعة إذا كان مخارجا، وكذلك قال الأوزاعي وأحسب أن مذهب داود إيجاب الجمعة عليه. وقد روي عن الزهري أنه قال: إذا سمع المسافر الأذان فليحضر الجمعة، وعن إبراهيم النخعي نحو من ذلك. وفي الحديث دلالة على أن فرض الجمعة من فروض الأعيان وهو ظاهر مذهب الشافعي؛ وقد علق القول فيه وقال أكثر الفقهاء هي من فروض الكفاية وليس إسناد هذا الحديث بذلك، وطارق بن شهاب لا يصح له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ أنه قد لقي النبي صلى الله عليه وسلم. .ومن باب في الجمعة في القرى: النقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة فإذا نضب الماء أنبت الكلأ. ومنه حديث عمر رضي الله عنه أنه حمى النقيع لخيل المسلمين، وقد يصحف أصحاب الحديث فيروونه البقيع بالباء والبقيع بالمدينة موضع القبور. وفي الحديث من الفقه أن الجمعة جوازها في القرى كجوازها في المدن والأمصار لأن حرة بني بياضة يقال قرية على ميل من المدينة، وقد استدل به الشافعي على أن الجمعة لا تجزئ بأقل من أربعين رجلا أحرارا مقيمين وذلك أن هذه الجمعة كانت أول ما شرع من الجمعات فكان جميع أوصافها معتبرة فيها لأن ذلك بيان لمجمل واجب، وبيان المجمل الواجب واجب. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز اشتراط عدد الأربعين في الجمعة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق إلاّ أن عمر قد اشترط مع عدد الأربعين أن يكون فيها وال قال وليس الوالي من شرط الشافعي. وقال مالك إذا كان جماعة في القرية التي بيوتها متصلة وفيها سوق ومسجد يجمع فيه وجبت عليهم الجمعة ولم يذكر عددا محصورا ومذهبه في الوالي كمذهب الشافعي. وقال أصحاب الرأي لا جمعة إلاّ في مصر جامع وتنعقد عندهم بأربعة. وقال الأوزاعي إذا كانوا ثلاثة صلوا جمعة إذا كان فيهم الوالي. قال أبو ثور: هي كباقي الصلوات في العدد. قال أبو داود:، حَدَّثنا محمد بن المصفى، حَدَّثنا بقية، حَدَّثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مُجَمّعون». قال أبو داود:، حَدَّثنا يحيى بن خلف، حَدَّثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: قال عطاء اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا صلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر. قلت: في إسناد حديث أبي هريرة مقال ويشبه أن يكون معناه لو صح أن يكون المراد بقوله فمن شاء أجزأه من الجمعة أي عن حضور الجمعة ولا يسقط عنه الظهر. وأما صنيع ابن الزبير فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلاّ على مذهب من يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال. وقد روي ذلك عن ابن مسعود. وروي عَن أبي عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال أصاب السنة. وقال عطاء كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة والأضحى والفطر. وحكى ابن إسحاق بن منصور عن أحمد بن حنبل أنه قيل له الجمعة قبل الزوال أو بعده قال إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه، وكذلك قال إسحاق فعلى هذا يشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل العيد في معنى التبع لها. .ومن باب في اللبس يوم الجمعة: قلت: الحلة السيراء هي المضلعة بالحرير التي فيها خطوط وهو الذي يسمونه المسير وإنما سموه مسيرا للخطوط التي فيه كالسيور، وقيل حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء. قلت: وفي معناه العتابي وما أشبهه من الثياب لا يجوز لبس شيء من ذلك واستعماله للرجال. .ومن باب التحلق يوم الجمعة: الحلق مكسورة الحاء مفتوحة اللام جماعة الحلقة وكان بعض مشايخنا يرونه أنه نهى عن الحَلْق بسكون اللام وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة يوم الجمعة، فقلت له إنما هو الحلق جمع الحلقة؛ وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة والذكر فإذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلق بعد ذلك فقال قد فرجت عني وجزاني خيرًا وكان من الصالحين رحمه الله. .ومن باب اتخاذ المنبر: قلت: الغابة الغيضة وجمعها غابات وغاب. ومنه قولهم: ليث غاب، قال الشاعر: وفيه من الفقه جواز أن يكون مقام الإمام أرفع من مقام المأموم إذا كان ذلك لأمر يعلمه الناس ليقتدوا به، وفيه أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة وإنما كان المنبر مرقاتين فنزوله وصعوده خطوتان وذلك في حد القلة، وإنما نزل القهقرى لئلا يولي الكعبة قفاه. فأما إذا قرأ الإمام السجدة وهو يخطب يوم الجمعة فإنه إذا أراد النزول لم يقهقر ونزل مقبلا على الناس بوجهه حتى يسجد وقد فعله عمر بن الخطاب. وعند الشافعي أنه إن أحب أن يفعله فعل فإن لم يفعله أجزأه. وقال أصحاب الرأي ينزل ويسجد، وقال مالك لا ينزل ولا يسجد ويمر في خطبته. .ومن باب الاحتباء والإمام يخطب: قلت: إنما نهى عن الاحتباء في ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض طهارته للانتقاض فنهى عن ذلك وأمر بالاستيفاز في القعود لاستماع الخطبة والذكر. وفيه دليل على أن الاستناد يوم الجمعة في ذلك المقام مكروه لأنه بعلة الاحتباء أو أكثر. .ومن باب استئذان المحدث الإمام: قلت: إنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافا. وفي هذا باب من الأخذ بالأدب في ستر العورة وإخفاء القبيح من الأمر والتورية بما هو أحسن منه وليس يدخل في هذا الباب الرياء والكذب، وإنما هو من باب التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس. .ومن باب إذا دخل والإمام يخطب: قلت: فيه من الفقه جواز الكلام في الخطبة لأمر يحدث وإن ذلك لا يفسد الخطبة وفيه أن الداخل المسجد والإمام يخطب لا يقعد حتى يصلي ركعتين. وقال بعض الفقهاء إذا تكلم أعاد الخطبة ولا يصلي الداخل والإمام يخطب والسنة أولى ما اتبع. .ومن باب من أدرك من الجمعة ركعة: قلت: دلالته أنه إذا لم يدرك تمام الركعة فقد فاتته الجمعة ويصلي أربعا لأنه إنما جعله مدركا للجمعة بشرط إدراكه الركعة فدلالة الشرط تمنع من كونه مدركا لها بأقل من الركعة، وإلى هذا ذهب سفيان الثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وقد روي ذلك عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس وابن المسيب وعلقمة والأسود وعروة والحسن والشعبي والزهري. وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة من أدرك التشهد يوم الجمعة مع الإمام صلى ركعتين. .ومن باب الصلاة بعد الجمعة: قوله: فينماز معناه يفارق مقامه الذي صلى فيه، وهو من قولك مزت الشيء من الشيء إذا فرقنت بينهما، وقوله أنفس من ذلك يريد أبعد قليلا. وقد اختلفت الرواية في عدد الصلاة بعد الجمعة، وقد رواها أبو داود في هذا الباب على اختلافها روي أربعا وروي ركعتين في المسجد، وروي أنة كان لا يصلي في المسجد حتى إذا صار إلى بيته صلى ركعتين. قلت: وهذا والله أعلم من الاختلاف المباح وكان أحمد بن حنبل يقول إن شاء صلى ركعتين وإن شاء صلى أربعا. وقال أصحاب الرأي: يصلي أربعا وهو قول إسحاق وقال سفيان الثوري يصلي ركعتين ثم يصلي بعدها أربعا.
|