فصل: بَابُ الْوَكَالَةِ بِالصُّلْحِ فِي الشِّجَاجِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْوَكَالَةِ بِالصُّلْحِ فِي الشِّجَاجِ:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ اُدُّعِيَتْ قِبَلَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَضْمَنَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ فَصَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ خَطَأً جَازَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَبَطَلَ الْفَضْلُ لِأَنَّ بَدَلَ الشَّجَّةِ مُقَدَّرٌ بِالْخَمْسِمِائَةِ شَرْعًا فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ يَكُونُ رِبًا، وَلَوْ بَاشَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ بَطَلَ الْفَضْلُ لِهَذَا فَكَذَلِكَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ زَادَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمَشْجُوجُ اُنْتُقِضَ الصُّلْحُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَفِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الشَّجَّةِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَنْ السِّرَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ الشَّجَّةِ لَا يَكُونُ صُلْحًا عَنْ السِّرَايَةِ فَإِذَا مَاتَ الْمَشْجُوجُ بَطَلَ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْحَقَّ كَانَ فِي الدَّمِ دُونَ الشَّجَّةِ فَكَانَ أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى دَعْوَاهُمْ.
قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ صَالَحَ عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنْ بَرِئَ مِنْ الشَّجَّةِ فَالْجَوَابُ كَمَا بَيَّنَّا لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ فِي إسْقَاطِ الْمُوجِبِ لِلشَّجَّةِ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ مَاتَ فِيهَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ ضَمِنَ الْبَدَلَ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَالَحَ عَنْ الدَّمِ، فَإِنَّ اسْمَ الْجِنَايَةِ يَتَنَاوَلُ النَّفْسَ وَمَا دُونَهَا وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مَأْمُورًا بِالصُّلْحِ عَنْ الشَّجَّةِ فَيَكُونُ هُوَ فِي الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ مُتَبَرِّعًا بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِالضَّمَانِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، قَالَ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ صَالَحَ عَنْ الشَّجَّةِ وَهِيَ خَطَأٌ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى خَمْسمِائَةِ فَإِنَّ الْمَشْجُوجَ يَجُوزُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ نَصِفُ الْعُشْرِ وَيَرُدُّ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ وَنِصْفَ الْعُشْرِ إنْ كَانَ قَبَضَ، لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا النَّفْسُ، وَهُوَ إنَّمَا جَعَلَ الْخَمْسَمِائَةِ بِالصُّلْحِ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ بَعْدَ نَصِفْ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُمْسِكُ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ حِصَّةَ حَقِّهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ مَالِ الشَّجَّةِ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يُخْرِجُ مَا حَطَّهُ مِنْ ثُلُثِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ ضَمِنَهُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ عَنْ الشَّجَّةِ وَهُوَ إنَّمَا صَالَحَ عَنْ النَّفْسِ وَالْمَشْجُوجُ أَسْقَطَ مِنْ حَقِّهِ مَا زَادَ عَنْ الْخَمْسمِائَةِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَشْجُوجِ مَالٌ إلَّا الدِّيَةَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ثُمَّ يُخَاصِمُ أَوْلِيَاءَ الْمَشْجُوجِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشَّجَّةَ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُمْ عَلَيْهِ أَخَذُوا تَمَامَ ذَلِكَ مِنْهُ لِبُطْلَانِ وَصِيَّةِ الْمَشْجُوجِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَشْجُوجَ حَطَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ وَكِيلَ الْمَشْجُوجِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ بَدَلَ الشَّجَّةِ مَعْلُومٌ شَرْعًا فَالتَّوْكِيلُ بِالصُّلْحِ يَنْصَرِفُ مُطْلَقُهُ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ يَكُونُ عَفْوًا لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِغْمَاضِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ.
قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فِي الشَّجَّةِ خَاصَّةً فَصَالَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ ثُمَّ مَاتَ الْمَشْجُوجُ فَالصُّلْحُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ دُونَ الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اسْمَ الشَّجَّةِ لَا يَتَنَاوَلُ النَّفْسَ فَالْآمِرُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ عَنْ الشَّجَّةِ وَهُوَ قَدْ صَالَحَ عَنْ النَّفْسِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اسْمُ الشَّجَّةِ يَتَنَاوَلُ الشَّجَّةَ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا كَانَ هُوَ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ فِيمَا صَنَعَ لَا مُبْتَدِئًا شَيْئًا آخَرَ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ فَصَالَحَهُ عَنْ الشَّجَّةِ وَعَنْ جُرْحٍ آخَرَ مِثْلَهَا جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ النِّصْفُ لِأَنَّهُ فِي حِصَّةِ ذَلِكَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَفِي الْجِرَاحَةِ هُوَ مُبْتَدِئٌ فَهُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ الْأُخْرَى أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِحِسَابِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَصَالَحَ عَنْ مُوضِحَتَيْنِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُمَا وَضَمِنَ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ النِّصْفُ وَلَزِمَ الْوَكِيلَ النِّصْفُ سَوَاءٌ مَاتَ أَوْ عَاشَ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْمُوضِحَتَيْنِ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَفِي الْأُخْرَى مُتَبَرِّعٌ بِالصُّلْحِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ ادَّعَاهَا قِبَلَ فُلَانٍ فَصَالَحَ الْوَكِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا جَازَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ وَكِيلَ الطَّالِبِ مُسْقِطٌ الْحَقَّ بِالصُّلْحِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إسْقَاطُهُ بِقَدْرِ مَا أَمَرَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهُ أَصْلًا قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ تُدَّعَى قِبَلَهُ وَإِنْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ فَصَالَحَ عَلَى صِنْفٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَى الْوَكِيلِ مِنْ ذَلِكَ الْوَسَطُ.
كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ صَالَحَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَالٌ يَلْتَزِمُهُ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ فِي الْمُسَمَّى لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي مِثْلِهِ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِأَمْرِهِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَضْمَنَ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْوَكِيلَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ سِنِينَ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ خِدْمَةِ عَبْدِهِ كَتَسْمِيَةِ رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ مَنْفَعَةِ عَبْدِهِ فَيُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْضَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِيمَا إذَا سَمَّى فِي الصُّلْحِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى كَاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ التَّسْمِيَةُ وَلَكِنْ يَجِبُ قِيمَةُ الْمُسَمَّى قَالَ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ فَهُوَ عَفْوٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ وَلَا عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْمَالُ فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ وَإِذَا كَانَ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَالطَّلَاقِ فَإِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبُضْعِ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ هُنَاكَ عَنْ ذِكْرِ الْبَدَلِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْبَدَلِ هُنَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أُصَالِحُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَضَمِنَهُ لَهُ فَإِذَا الْعَبْدُ حُرٌّ وَالْخَلُّ خَمْرٌ فَعَلَى الْوَكِيلِ أَرْشُ الشَّجَّةِ لِأَنَّهُ سَمَّى مُتَقَوِّمًا فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ بِمَالٍ تَمَكَّنَ الْغَرَرُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَرْجِعُ بِأَصْلِ حَقِّهِ وَهُوَ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي هَذَا ثُمَّ الْوَكِيلُ قَدْ ضَمِنَهُ فَيَكُونُ مُطَالَبًا بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ أَمْرَهُ فِيمَا الْتَزَمَ.
وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لِلْمُصَالِحِ غَيْرُ الْعَبْدِ الْبَاقِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآخَرُ لَهُ الْعَبْدُ الْبَاقِي وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ الْعَبْدِ الْبَاقِي تَمَامُ أَرْشِ الشَّجَّةِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْخُلْعِ هَكَذَا فَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْمُصَالِحُ سَمَّى عَبْدَيْنِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا تَحَقَّقَ الْغَرَرُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ حَقُّ الطَّالِبِ فِي تَمَامِ أَرْشِ الشَّجَّةِ هُنَا وَحَقُّ الرُّجُوعِ لِلزَّوْجِ فِيمَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ فِي الْخُلْعِ هَكَذَا فَيَأْخُذُ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ وَمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ إلَى تَمَامِ الشَّجَّةِ بِاعْتِبَارِ الْغَرَرِ كَمَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عَبْدٍ وَاحِدٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْخُلْعُ وَالصُّلْحُ بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ الْبَاقِي صَحِيحٌ وَتَسْمِيَةُ الْحُرِّ مَعَهُ لَغْوٌ فَصَارَ ذِكْرُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ سَوَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى عَبْدًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ هُنَاكَ مُعَاوَضَةً بِاعْتِبَارِ مَا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ الْبَاقِي فَلِهَذَا جَعَلْنَا التَّسْمِيَةَ فِي الْعَبْدِ الْأَخِيرِ لَغْوًا وَأَصْلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْعَبْدَ الْبَاقِيَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآخَرِ لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا قَالَ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ فَإِذَا هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ عَلَى أَمَةٍ فَإِذَا هِيَ أُمُّ وَلَدٍ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ تَسْلِيمَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَمْلُوكٌ مُتَقَوِّمٌ وَلَكِنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِالْحُرِّيَّةِ الثَّابِتَةِ لَهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَهَذَا مِثْلُهُ قَالَ وَإِذَا شَجَّ رَجُلَانِ رَجُلًا مُوضِحَةً فَوَكَّلَ وَكِيلًا يُصَالِحُ مَعَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ.
كَمَا لَوْ بَاشَرَ الصُّلْحَ بِنَفْسِهِ وَعَلَى الْآخَرِ نَصِفُ الْأَرْشِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْجَنَابَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِفُ الْأَرْشِ دُونَ الْقَوَدِ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْفِعْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهمَا هُوَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ وَمِثْلُهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ ثُمَّ الرَّأْيُ إلَى الْوَكِيلِ يُصَالِحُ أَيَّهمَا شَاءَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّاجُّ وَاحِدًا وَالْمَشْجُوجُ اثْنَيْنِ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُمَا فَصَالَحَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّهِ ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ هُوَ فُلَانٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ صَالَحَ مَعَهُ وَهُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَإِلَيْهِ تَعْيِينُ مَا بَاشَرَ مِنْ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِلتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ يَصِحُّ تَعْيِينُهُ وَيَكُونُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَكِّلِ فِيهِ قَالَ وَإِذَا اشْتَرَكَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فِي مُوضِحَةٍ شَجَّاهَا رَجُلًا فَوَكَّلَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ وَكِيلًا فَصَالَحَ عَنْهُمَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَعَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ نَصِفُ ذَلِكَ قَلَّتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ كَثُرَتْ وَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مُطَالَبًا بِنِصْفِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا وَكَّلَا الْوَكِيلَ بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِالنِّصْفِ كَانَ الْوَكِيلُ نَائِبًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِفُ الْبَدَلِ.
كَمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ كَانَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيُّ صَالَحَا بِأَنْفُسِهِمَا مَعَ الْمَشْجُوجِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى بِهَذَا الصُّلْحِ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَعِنْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَمُوجَبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَمٍ خَطَأً لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَبْدًا وَحُرًّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَوَكَّلَ مَوْلَى الْعَبْدِ وَأَوْلِيَاءُ الْحُرِّ وَكِيلًا فَصَالَحَ الْقَاتِلَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءُ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ وَأَوْلِيَاءُ الْحُرِّ بِالدِّيَةِ.
كَمَا لَوْ صَالَحَا بِأَنْفُسِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَضْرِبُ فِي بَدَلِ الصُّلْحِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَحَقُّ مَوْلَى الْعَبْدِ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَحَقُّ أَوْلِيَاءِ الْحُرِّ فِي الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسِمِائَةٍ وَالْقَتْلُ عَمْدٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ دُونَ الْمَالِ وَالْمَالُ فِي الصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ شَرْعًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَلِوَرَثَةِ الْحُرِّ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَالْبَاقِي لِمَوْلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ فِي الْخَطَأِ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِعَشَرَةِ آلَافٍ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فَلِهَذَا كَانَ لِوَرَثَةِ الْحُرِّ عَشَرَةُ آلَافٍ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ قُتِلَ عَمْدًا وَالْحُرُّ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا كَانَ لِأَوْلِيَاءِ الْحُرِّ عَشَرَةُ آلَافٍ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا بَقِيَ فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ هَذَا صُلْحٌ عَنْ الْقَوَدِ فَيَجُوزُ عَلَى قَدْرٍ مِنْ الْبَدَلِ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ قُتِلَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ خَطَأً كَانَ الصُّلْحُ جَائِزًا وَهُوَ مِثْلُ الْبَابِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا قَالَ وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا شَجَّ مُوضِحَةً فَوَكَّلَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلًا مُسْلِمًا فَصَالَحَ عَنْهُ بِخَمْرٍ وَضَمِنَ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الذِّمِّيُّ عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ بَدَلَهُ حِينَ ضَمِنَهُ بِعَقْدِ الصُّلْحِ وَالْتِزَامُ الْمُسْلِمِ الْخَمْرَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَمَّا وَكَّلَهُ بِأَنْ يُصْلِحَ وَيَضْمَنَ كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ أَيْضًا وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى حَقِّهِ قَالَ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ وَكَّلَ مُسْلِمًا فَصَالَحَ عَنْهُ عَلَى خَمْرٍ جَازَ لِأَنَّ وَكِيلَ الطَّالِبِ سَفِيرٌ عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قَبْضِ الْبَدَلِ وَهُوَ قِيَاسُ نَصْرَانِيَّةٍ وَكَّلَتْ مُسْلِمًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ عَلَى خَمْرٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ فَهَذَا مِثْلُهُ قَالَ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مُسْلِمَيْنِ وَقَدْ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذِمِّيًّا فَصَالَحَ عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْوَكِلَيْنِ سَفِيرَانِ عَنْ الْمُسْلِمَيْنِ فَلَا يَكُونُ إلَيْهِمَا مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ شَيْءٌ فَيَكُونُ صُلْحُهُمَا كَصُلْحِ الْمُوَكِّلَيْنِ قَالَ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قُتِلَ خَطَأً فَوَكَّلَ مَوْلَاهُ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فَصَالَحَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ جَازَ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْعَبْدِ فِي الْخَطَأِ لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَخْذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا تَتَقَدَّرُ نَفْسُ الْعَبْدِ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لَا يُلْزِمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَتْ شَجَّةً فَصَالَحَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ لِأَنَّ بَدَلَ الطَّرْفِ مِنْ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَةِ لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ بَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَبْطُلُ مَا بَقِيَ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُسَلِّمُ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْمُوضِحَةِ نَصِفَ عُشْرِ بَدَلِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ خَمْسمِائَةِ إلَّا نَصِفَ دِرْهَمٍ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا بَقِيَ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فَقْءَ عَيْنٍ فَصَالَحَهُ عَلَى سِتَّةِ آلَافٍ جَازَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا قُلْنَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً وَيَبْطُلُ مَا بَقِيَ وَذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا صَالَحَهُ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ نُقِصَتْ مِنْهَا أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ بَدَلَ الطَّرْفِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسَاوِيًا لِبَدَلِ النَّفْسِ وَإِذَا كَانَ بَدَلُ نَفْسِهِ يَتَقَدَّرُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً يُنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ فِي بَدَلِ الْعَيْنِ دِرْهَمٌ فَلِهَذَا يُسَلِّمُ لَهُ عَشَرَةَ آلَافٍ إلَّا أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا قَالَ وَلَوْ كَانَ وَكِيلُ هَذَا الصُّلْحِ وَكِيلَ الْمَطْلُوبِ فَضَمِنَ ذَلِكَ جَازَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ زَادَ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَزِمَ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ حَتَّى يَرْجِعَ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فِي الِالْتِزَامِ وَإِنْ زَادَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَانَ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِالضَّمَانِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِشَيْءٍ مِنْهُ قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِشَجَّةٍ مُوضِحَةٍ شَجَّهَا إيَّاهُ رَجُلٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ وَلَا يَعْفُوَ وَلَا يُخَاصِمَ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ التَّوْكِيلِ أَنَّهُ بِمَاذَا أَمَرَهُ فَكَانَ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ بِمَا سَمَّى لَهُ وَلَوْ أَخَذَ أَرْشَهَا تَامًّا كَانَ بَاطِلًا فِي الْقِيَاسِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بَاطِلٌ حِينَ لَمْ يَعْرِفْ الْوَكِيلُ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ فَأَخْذُ الْأَرْشِ يَكُونُ صُلْحًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشَّجَّةِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً جَازَ أَخْذُهُ الْأَرْشَ لَا بِانْتِفَاءِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى كَمَالَ حَقِّهِ وَذَلِكَ كَانَ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِدَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِشَجَّةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُوجَبُ الشَّجَّةِ وَهُوَ الدِّيَةُ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَقَاضَى دَيْنَهُ وَلَا يُخَاصِمَ وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْحِفْظِ لِأَنَّ فِي قَوْلَهُ وَكَّلْتُك بِأَعْيَانِ مَالِي فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا هُوَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ وَيُعْلَمُ أَنَّ الْحِفْظَ مُرَادُهُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْحِفْظِ بِيَقِينٍ فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمُتَيَقِّنَ بِهِ قَالَ وَلَوْ قَالَ الْمَشْجُوجُ مَا صَنَعْت فِي شَجَّتِي مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ فِي حِلٍّ فَصَالَحَ عَلَيْهَا أَجَزْت ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ هَذَا وَقَوْلَهُ وَكَّلْته بِالصُّلْحِ عَنْ شَجَّتِي سَوَاءٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ فِي حِلٍّ أَيْ هُوَ مِنْ النُّقْصَانِ فِي حِلٍّ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِغْمَاضِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ صَارَ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ وَلَفْظُ الصُّلْحِ يَحْتَمِلُ إسْقَاطَ بَعْضِ الْبَدَلِ لَا كُلِّهِ وَفِي الْإِبْرَاءِ إسْقَاطُ الْكُلِّ وَلَوْ قَالَ مَا صَنَعْت فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ أَجْزَأَتْ الْبَرَاءَةُ وَالصُّلْحُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَجَازَ صُنْعَهُ مُطْلَقًا وَإِسْقَاطُ الْبَعْضِ بِالصُّلْحِ أَوْ الْكُلِّ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ صُنْعِهِ فَلِهَذَا يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ قَدْ جَعَلْته وَكِيلًا فِي الصُّلْحِ وَأَمَرْته بِالْقَبْضِ فَصَالَحَ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا وَلَوْ صَالَحَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِقَبْضِ بَدَلِ الصُّلْحِ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ وَالْقَبْضِ قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الشَّاجُّ وَكِيلًا بِمَا يُدَّعَى قِبَلَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ وَلَا يُخَاصِمَ وَلَا يَصْنَعَ شَيْئًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يُعَيِّنْ مُرَادَهُ عِنْدَ التَّوْكِيلِ فَكَانَ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ بِالصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةٍ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى عَبْدِهِ ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ ثُمَّ صَالَحَ الْوَكِيلُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِعَجْزِهِ وَضَمِنَ بَدَلَ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي رَقَبَتِهِ كَمَا لَوْ صَالَحَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَعَجْزُهُ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لَا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ بَعْدَ عَجْزِهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَكَذَلِكَ الْعَجْزُ بَعْدَ التَّوْكِيلِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُطَالَبًا بِالْمَالِ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي حَقِّهِ صَحِيحٌ وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةِ عَبْدِهِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ اُدُّعِيَتْ قِبَلَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ كَانَ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ انْقَطَعَ رَأْيُ الْمُوَكِّلِ بِمَوْتِهِ فَإِنْ صَالَحَ الْوَكِيلُ وَضَمِنَ جَازَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الصُّلْحِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَمَاتَ الطَّالِبُ فَصَالَحَ الْوَكِيلُ وَرَثَتَهُ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ وَرَثَةَ الطَّالِبِ بَعْدَ مَوْتِهِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِمُوجَبِ الشَّجَّةِ قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ شَجَّهَا إيَّاهُ رَجُلٌ فَصَالَحَ عَلَى الْمُوضِحَةِ الَّتِي شَجَّهَا فُلَانٌ وَلَمْ يَقُلْ هِيَ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ وَمَحَلُّ فِعْلِ فُلَانٍ مَعْلُومٌ مُعَايَنٌ فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْيَدُ وَالْعَيْنُ وَالسِّنُّ فَإِنْ قَالَ عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى وَالْمَقْطُوعَةُ هِيَ الْيُمْنَى فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ وَلَوْ صَالَحَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ عَمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا صَالَحَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.